الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتاب في مواجهة السلطة الدكتاتورية

جلال حسن

2004 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


الكتاب في مواجهة السلطة
معاناة باعة الكتب في شارع المتنبياعتقالات ومداهمات تطال المكتبات والمخازن وحتى البيوتلا يزال الكتاب المستنسخ يثير شهية القارئ العراقي
جلال حسن
بضاعة المتنبي المحرمةربما لا يعرف قراء الكتاب الممنوع في زمن الطاغية، المعاناة الحقيقية لبائعي الكتب على رصيف شارع المتنبي في كيفية إنجاز الكتاب وطريقة توزيعه بمئات النسخ المنجزة على أجهزة الاستنساخ ووصوله إلى القارئ، معاناة ممزوجة بالخوف والحذر والموت، خصوصاً حين تشتد المراقبة المداهمة في أيام الأزمات السياسية التي كانت تمر بالبلد، وتكثر عيون رجال الأمن على كل من يرتاد هذا الشارع، لأن بعض الكتب تعتبر من المحرمات التي قد تؤدي ببائعي هذه الكتب إلى الإعدام. وتدفع عائلته ثمن الرصاصات المستخدمة في القتل مشروطة بعدم إجراء مجلس العزاء. وتزداد المعاناة حين يقوم رجال الأمن بحملات تسمى (تعقيمية) تتم فيها مداهمة مخازن الكتب وتفتيش كل شيء، لذلك يضطر هؤلاء الباعة لترك الشارع حتى تنتهي هذه الحملات الاستفزازية.ومع اشتداد الرعب وكابوس الحصار والفاقة، استطاعت مجموعة من بائعي الكتب أن تجد لها عملاً بعنوان (بائع كتب متجول) إذ حاولت أن تجد لها سيرة من حياة الموت والعذاب باستنساخ هذه الكتب المحظورة التي تصل إلى بغداد عن طريق التهريب أو عن طريق بعض الأصدقاء العائدين من المنفى.هؤلاء الباعة يروجون لتلك الكتب بالسر وتحديداً يوم الجمعة حين يكتظ الشارع بالمثقفين والأدباء والفنانين. أما نوعية هذه الكتب فمعظمها سياسية تفضح دور النظام وأساليبه الإرهابية في تعذيب العراقيين وكتب فكرية ودينية ومجاميع شعرية وروايات وكتب نقدية يصدرها أدباء عراقيون في المنفى خصوصاً الأدباء الذين هربوا من بطش النظام لذلك أصبح شارع المتنبي رئة العراق الثقافية وأكبر موزع للكتب والمرجع لجميع التيارات، كونه مصدراً للثقافة (الممنوعة) التي تتخفى سراً خوفاً من أن يكتشفها المخبر ويحدث ما لا تحمد عقباه، وطبعت كتب كثيرة داخل العراق بعيداً عن عين الرقيب الحزبي في وزارة الإعلام سابقاً، دراسات وبيانات ومجاميع شعرية وغيرها، فظهرت حرة في خطابها المعرفي وتحليلها الصريح للكارثة العراقية.ولا يزال حتى الآن الكتاب المستنسخ يثير شهية القارئ العراقي ويحقق مبيعات جيدة.معتقلون وكتب ممنوعةالآن وبعد مضي أكثر من عام على الخلاص من نظام صدام الدموي وبالرجوع إلى تلك الأيام المخيفة والمرة في الذاكرة الثقافية، أغبط بائعي الكتب المستنسخة. على قدرتهم على الصمود وامتلاكهم ذوات نبيلة وعراقية صادقة، ليس لأنهم كانوا يمدون القارئ المثقف في محنته وحصاراته بكتاب أو منشور جديد ممنوع بما يتيح إمكانية ممارسة القراءة وما يستجد في ثقافة العالم من معطيات ما وراء جهل وأمية النظام الظلامي، بل التواصل المعرفي مع نتاجات فكرية حديثة في زمن خنق الأنفاس.هؤلاء الباعة كانوا الخلاص، لأنهم ابتكروا بوسائلهم البسيطة من أجهزة الاستنساخ بفتح آفاق ومنافذ لترويج الفكر الحي في زحمة الثقافة الرديئة. فكانوا يحملون حياتهم وحياة عوائلهم على راحاتهم من أجل كتاب ربما لا يساوي ربحه قطرة دم متحملين خطورة كبيرة، ليس لأنهم اتخذوا موقفاً إنسانياً مع شعبهم فحسب بل لم يقعوا في فخ النظام واساليبه القذرة، فظلوا أوفياء وشرفاء برغم إغراءات النظام المباد، ولأن نصيب الكثير منهم كانوا في السجون والمعتقلات... لذلك يستحقون الاحترام والإشارة.سعد خيون بكالوريوس إدارة واقتصاد، اعتقل بسبب بيع كتب ممنوعة تحدثت معه عن سبب اعتقاله في سجون النظام السابق فقال: - تعرضت إلى الاعتقال بتاريخ 1992 بتهمة ترويج الكتب الدينية قضيت 9 أشهر بالتعذيب في مديرية الأمن العامة وحاكمية المخابرات وكان يشرف على عمليات التعذيب والتحقيق العقيد عبد العزيز. بعدها أصدر الحكم علي وفق المادة 208 سبعة أعوام سجن، قضيت ثلاث سنوات مع بائع الكتب السيد ضياء خالد بنفس التهمة. وحين كنت أقضي مدة السجن تعرضت عائلتي إلى مضايقات من رجال الأمن وثم حجز أخوتي ولم تنته المضايقات حتى بعد خروجي من السجن بل امتدت إلى المراقبة اليومية وتفتيش المخزن العائد لي. لكني اكتسبت خبرة في التخفي منهم بشراء أكثر من مخزن. وعن طبيعة الكتب التي كان يقوم باستساخها؟ تحدث سعد هيون:- هناك عناوين كثيرة منها كتب السد محمد باقر الصدر.. فلسفتنا... واقتصادنا، موسوعة السيد محمد صادق الصدر الكاملة، الشيعة والدولة القومية للمؤلف حسن علوي، مذكرات الجواهري، العراق البيرية المسلحة حركة حسن سريع وقطار الموت 1963 للمؤلف الدكتور علي كريم سعيد.أما علي طالب خريج معهد هندسي تحدث عن تجربة الاعتقال بنفس التهمة:كنت أعمل في بيع الكتب الممنوعة أيضاً وتعرضت إلى موقف مخيف مع رجال الأمن من خلال مدير مكتب وزير الداخلية سابقاً على ترويج كتاب العراق بأجزائه الثلاث للمؤلف حنا بطاطو لكن هذا المدير أخذ مني كتباً بقيمة خمسة وعشرون ألف دينار طمعاً بها. وحكم علي بسبعة أعوام سجن وفق المادة 157 قضيتها في سجن ابو غريب.ثقافة الاستنساخ.. ثقافة مواجهةسالنا علي الأميري بكالوريوس قانون عن كيفية تعامله مع الكتاب المستنسخ فقال:لقد شكلت ظاهر الكتب المستنسخة نوعاً من المواجهة وأسست لثقافة معارضة قام بها مجموعة من المثقفين الباعة وحول كيفية التعامل مع الكتاب: تعاملت مع نوعين من الكتب المستنسخة.. النوع الأول هو الكتاب المنهجي المقرر في الكليات والمعاهد والذي يدرس وفق المناهج التدريسية للطلبة وكذلك المعاجم والقواميس، وبكل صراحة أقول: لقد ساهمت مع بعض زملائي باعة الكتب بتهيئة الكتاب العلمي للطلبة في أحلك الظروف الاقتصادية في زمن الحصار وبأسعار رمزية للتخلص من جشع التجار المستوردين.. فمثلاً قاموس المورد لمنير البعلبكي والذي يحتاجه الطالب، سعر الأصل يباع بـ60 ألف دينار عراقي. فقمت باستنساخه وبيعه بـ 13 ألف دينار هذا الفارق كان ضربة قاصمة لهؤلاء التجار الأشرار الذين يعلمون جيداً بدخل العائلة العراقية وما يعانيه الآباء من عوز وفاقة.أما النوع الثاني من الكتب فهي السياسية والفكرية والثقافية العامة التي كنت أروج لها وأبيعها بطريقة التوزيع الشخصي - لاني كنت استنسخ منها أعداداً قليلة لكن بمرور الوقت أصبح كل صديق يأتي بصديق آخر للتبضع من هذه العناوين فكنت حذراً جداً ومرة حين علمت بمداهمات رجال الأمن للبيوت أحرقت كل كتبي في البيت بأن وضعتها بالتنور وكان قلبي يحترق قبل أن تشب النار فيها.سالناه عن العناوين التي كانت رائجة في البيع آنذاك فأجاب:هناك كتب كثيرة أذكر منها: العراق هل سيقوى على البقاء حتى 2002 كراهام فولر، القسوة والصمت.. الحرب.. الطغيان،الانتفاضة. للمؤلف كنعان مكية، تجربتي مع حزب البعث / للمؤلف خالد علي صالح، تاريخ العنف الدموي في العراق، الوقائع - الدوافع - الحلول تأليف باقر ياسين.أما السيد كريم حنش / ماجستير تاريخ فله أكثر من حكاية حول المضايقات التي تعرض إليها، فقال:تعرضت إلى ثلاث حالات من هذا النوع - الأولى: مرة اشتريت كتاباً مستنسخاً بعنوان (العراق دولة المنظمة السرية) للمؤلف حسن علوي وقد أعطيته لأحد الأصدقاء استعارة وأثناء تفتيش محل صديقي عثروا على هذا الكتاب، وحين جاءوا إلى محل عملي كنت ولحسن المصادفة غير موجود في ذلك اليوم مما دفع أحد الأصدقاء لإخباري عن الموضوع - تلك المضايقة اجبرتني على ترك السوق لمدة ستة أشهر مطارداً ومتابعاً من قبل ملازم عمر ولولا الرشوة والوساطة لكنت دخلت السجن.أما المحاولة الثانية في أثناء عبوري شارع المتنبي استدعاني اثنان من رجال الأمن وقاما بتفتيش حقيبتي، فوجدا فيها كتاب (الريل وحمد) للشاعر مظفر النواب، وبعد عدة تبريرات ومبلغ 25 ألف دينار أطلقوا سراحي.والمحاولة الثالثة، كانت قبل سقوط النظام السابق بأشهر فقد بلغ استهتار رجال الأمن لأبسط الأشياء من أجل المصادرة وأخذ الرشوة علناً فقد بلغ بأحد المفوضين الأمر أن يكون سيد الشارع في يوم ما يأمر وينهي واستدعاني لمنع بعض الكتب العلمية بحجة أنها غير مرخصة من الجهات المعنية، مما حدا بي إلى دفع الرشوة بدلاً من الاعتقال وأمام الملأ.مثقفون.. باعة وكتب محرمةيطول الحديث عن هذه الشجون الحزينة التي عانها المثقف العراقي في محنته التي استمرت أكثر من ربع قرن من العذاب والتهميش والفقر والخوف، لكنها أصبحت ذكريات يفتخر بها الآن أمام الأجيال الجديدة في عراق جديد ديمقراطي.التقينا أحد أشهر باعة الكتب الإنكليزية السيد سعدون هليل المنشد وهو بائع الكتب العتيد المعروف والذي شوهد مرة في صيف 2002 في شهر آب يسير وسط رجال الأمن وقد ضبط متلبساً بجريمة الكتاب الممنوع في منتصف نهار شارع المتنبي. سألته: عن طبيعة الكتب التي كان يتعامل بها والترويج لها فتحدث عن تجربته:يمكن القول أن طبيعة الكتب هي السياسية والثقافية والأدبية التي تعري النظام البعثي الفاشي، وأغلب هذه الكتب يسارية الفكر والتيتتضمن المذكرات لبعض الكتاب المتنورين مثل د- فالح عبد الجبار وعصام الخفاجي وفاضل العزاوي وسعدي يوسف وغيرهم، وهؤلاء مفكرون واجتماعيون مثل مذكرات زكي خيري وبهاء الدين نوري ورحيم عجينة ومذكرات المناضل سلام عادل التي كتبتها عنه زوجته المناضلة (ثمينة) ود-كاظم حبيب.وإن من أهم الكتب التي كنت أروج لها كتب الباحث الاجتماعي المعروف د- فالح عبد الجبار الذي كتب عن تركيبة المجتمع العراقي وبالذات عشيرة صدام وكيف تسلقت هذه العائلة سلم السلطة وأمسكت برقاب الشعب العراقي وجرائم أسرته وأشقائه وابناء عمومته - وهناك كثير من الكتب المهمة لسلام عبود (ذبابة القيامة) ونجم والي وزهير الجزائري وغيرهم الكثير وجمهورية الخوف عراق صدام للمؤلف كنعان مكية. وكتاب الذات الجريحة للكاتب سليم مطر والذي أدخل ضمن منهاج كلية العلوم السياسية وغيرها. أما عن المصادفات الغريبة في هذا الصدد في وقت كان فيه الفرد مليء بالرعب والخوف حتى وإن لم يعمل أي شيء تحدث سعدون هليل قائلاً: تعرضت لموقف لم أحسد عليه ذات يوم حين كنت أحمل حقيبة مليئة بالكتب الممنوعة مثل جمهورية الخوف والحزب الهاشمي لسيد محمود القمني وأوكار الهزيمة وتجربتي مع حزب البعث العراقي للمؤلف هاني الفكيكي وفندق السعادة / حكايات من عراق صدام حسين للمؤلف جليل العطية. وحرب الخليج لمحمد حسنين هيكل وغيرها من الكتب. ومتجهاً إلى مكان تجمع السيارات فوجدت سيارة واقفة بالقرب من هذه السيارات فيها عناصر الأمن للنظام البعثي فصاح بي أحدهم صيحة وحشية لا تحمل من الأخلاق شيئاً سحبت نفسي بكل هدوء لكنهم سلبوني وهذه الحقيقة يعرفها رواد شارع المتنبي، ناهيك عن التعهدات الكثيرة في دائرة الأمن والتي كنت أوقع فيها لآخر مرة لكن هدفي كان أكبر من ذلك بكثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار