الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجع المفاهيم المتعلقة بحرية المرأة لصالح ثقافة شعبوية متخلفة

نعيم ناصر

2002 / 9 / 21
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


 
لو قيضّ لكلارا زيتكين، المناضلة الألمانية وأول داعية لتخليد الثامن من آذار كيوم عالمي للمرأة، أن تعود للحياة لرأت العجب العجاب من تدهور أحوال المرأة في العالمين العربي والإسلامي، وتراجع مكانتها في المجتمع الذكوري، الذي سلبها بعض المكاسب، التي حققتها على امتداد عشرات السنين. ومما يثير الأسى في النفوس ان المجتمعات العربية أنتجت ثقافة شعبوية ذكورية تعتبر المرأة منبع الشر في العالم، وأساس البلاء، متسلحة بتراث متخلف البس بالدين ليستطيع أصحابها تسويقها بين العامة من الناس. ومن مظاهر هذه الثقافة حجر المرأة في البيت ، وإلزامها ارتداء أثواب معينة، لو بان ضلع من أضلاعها منها، أو جزء من جسدها فهو الإثم كله، الذي يستوجب العقاب. وهؤلاء الذكور، الذين عششت في عقولهم عناكب الدنيا، وتجمعت في صدورهم عقد نفسية مريضة ، لم يروا في الدنيا، أو الأصح أنهم لا يريدون أن يروا، سوى أن المرأة رجس يجب أن يخضع للمراقبة ليل نهار كي  لا تفسد في الأرض، ويحجبوا عيونهم عن التقدم العلمي والحضاري الذي تحرزه البشرية لمصلحة الإنسانية كافة، واعتبروه بدعة من بدع الشيطان ونأوا بأنفسهم عنه.ومفاهيمهم هذه في شأن المرأة صبغوها بالقدسية مدعين أنها من تعاليم الدين الإسلامي السمحة، والدين منها براء.

ومما يحز في النفس، أن النموذجين اللذين رآهما العالم عن ما سمي " نظام الحكم الإسلامي" هما النموذج الأفغاني (سنّة) والنموذج الإيراني (شيعة).  وهذان النظامان يبعدان بعد الشمس عن الأرض، عما درسناه من قوانين وأنظمة الحكم الإسلامية في عهد النبي والصحابة، ثم في عهد الأمويين والعباسيين، فعهد الحكم الإسلامي في الأندلس، ومدى تأثير التقدم الذي أحرز في هذه العهود، في مجالات الحياة كافة، على الأمم التي عاصرتها. وهنا لا حاجة للتذكير بالإنجازات العلمية والإنسانية، التي تحققت بفضل الحضارة الإسلامية ، والمكانة الكبيرة التي تبوأتها المرأة في تلك العهود. ومعروف أن النظامين المشار إليهما قدما صورة   مشوه عن الإسلام وعلاقته برعاياه، وخصوصا المرأة.

حكم طالبان والمرأة
 ففي 16/12/1996 أصدر طالبان مرسوما أسمته " المحرمات الإسلامية" تضمن قائمة طويلة من الممنوعات تمس الرجال والنساء، منها تحريم حلق اللحى، وتجريم حالقيها بالسجن، وتحريم شعر الرأس الطويل، وقرع الطبول والغناء والرقص في الأفراح، وتمزيق الصور، وتحريم الكاميرا والتلفزيون والسينما، وجميع وسائل التسلية، بما فيها الشطرنج، وتحريم الاستماع للموسيقى والغناء.

وإذا ضبط رجال ما يسمى بالمحافظة على الأخلاق شريطا غنائيا أو سينمائيا في أحد المحال التجارية يغلق المحل ويسجن صاحبه. أما المحرمات التي فرضت على المرأة، وتضمنها المرسوم فهي كثيرة، منها: منع وسائل المواصلات من نقل المرأة، التي لا ترتدي البرقع، وتعاقب من لا ترتديها بالسجن، ويعاقب زوجها، وتوضع علامة على بيتها للتشهير بها. حتى التسول منع على المرأة إظهار كفها فيه. ولم يكتف حكام طالبان بذلك، بل عمدوا إلى صرف الموظفات من أعمالهن، ومنعن من العمل، وحالوا بينهن وطلب العلم، ومارسوا كل ذلك باسم الإسلام. والمضحك المبكي أن طالبان لم يمنع المرأة من التسول. وكانت هذه الظاهرة إحدى أكبر الآفات الاجتماعية في المدن الأفغانية، وشملت نساء متعلمات وموظفات سابقات.

ووفق المرسوم سالف الذكر فرض النقاب (البرقع) على عموم النساء في أفغانستان، ومنعن من إظهار وجوههن أو أكفهن – وهو المسموح به شرعا- للعامة. وكانت المرأة لا تتجرأ على تعريف من تلتقية بنفسها، حتى لو كان زوجها أو شقيقها. وعلى الرغم من هزيمة طالبان، وإلغاء المراسيم التي أصدرها ، ما تزال النساء يعشن هاجس " البرقع" والخشية من خلعه.

موقف نظام الحكم في إيران
وموقف الحكم في إيران من المرأة لا يختلف، في بعض تداعياته، عن موقف طالبان. فعقب انتصار " الثورة الإسلامية" في ذلك البلد، أصدر القائمون عليه قانونا باسم الإسلام فرض على المرأة ارتداء الألبسة الداكنة والسوداء (رمز الحداد على الإمام الحسين بن علي) وحرّم عليها ارتداء الألبسة ذات الألوان الزاهية. وقضى هذا القانون بجلد المرأة 74 جلدة، أو سجنها 15 يوما إذا أساءت ارتداء الحجاب، وأعطي الزوج حق قتل زوجته إذا ضبطها بالجرم المشهود.وحدد القانون " الإسلامي" مواصفات الحجر، الذي ترجم به المرأة المتهمة بالزنى، وذلك إمعانا في تعذيبها قبل قتلها ." الرجال وحدهم يحق لهم الرجم بحجارة ليست كبيرة، بحيث تقتل المرأة مرة واحدة ولا صغيرة بحيث لا تؤذيها". ووفق هذا القانون حرمّ  على النساء رجم الضحية كي لا يرفقن بها، واشترط على الرجال رجمها بحجارة كبيرة كي لا تموت دون أن تتعذب، ولا بحجارة صغيرة كي لا تتألم. ولم يكتف القانون بهذا، بل  دعا إلى التشفي بجثتها." لا تدفن الرجيمة لأنها تدنس الأرض، بل يترك جسدها تحت أغصان الشجر للسباع على بعد كيلومترين أو ثلاثة من القرية".

وهذان الموقفان المعاديان للمرأة ليسا مقصورين على طالبان ونظام الحكم في إيران، بل هما ديدن الجماعات المتطرفة، التي تدعي الإسلام. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لجأ بعض الجماعات المتطرفة في الجزائر إلى سبي النساء الجزائريات، والزواج منهن مؤقتا (زواج المتعة) وأحلوا قتل نساء الجنود الجزائريين وقوات الدرك ، باعتبارهم طواغيت. والمثير للسخرية أن من يصدر الفتوى بذلك ، باسم الإسلام ، رجال جهلة ومحدودي العلم والمعرفة أبرزهم ذلك الذي قتلته القوات  الجزائرية، في التاسع من الشهر الماضي، ويدعى عنتر زوابري. فقد عرف عنه أنه لم يكن متديناً ، بل كان " أزعرا" يشرب الخمر لم يتعد تعليمه السادس الابتدائي. وما دفعه إلى التمرد على السلطات الجزائرية مقتل اخوته، الذين كانوا من كوادر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة. ومعروف أن هذه الجهة تخلت عن السلاح بعد قانون الوئام المدني الذي سنته السلطات الجزائرية قبل نحو عامين.

وهذا التصرف الغريب من المرأة، الذي شهدناه ونشهد تداعياته هذه الأيام، لم يأت من فراغ، وانما هو امتداد لمورث شعبوي متخلف البس بالإسلام وله أئمته ومريدوه. وقد ظهر هذا الموروث في القرن الأول الهجري وتواصل حتى نهايات القرن الخامس الهجري على يد أبو حامد الغزالي. ومن درر هذا الإمام: " القول الجامع في المرأة أن تكون قاعدة في قعر بيتها، لازمة لمغزلها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تخرج من بيتها، ولا ترى الرجال ويراها الرجال. فإذا اضطرت للخروج  - باذن زوجها- خرجت في هيئة رثة (...) والنكاح نوع من الرق، فالزوجة رقيقة عند زوجها، وعليها طاعته مطلقا ، وعليها تقديم حقه وحق أقاربه على حقها وحق أقاربها، وعليها أن تكون مستعدة لزوجها في جميع أحوالها ليتمتع بها. والرجل هو السيد المطاع لا يشاور المرأة، فإذا شاورها خالفها لأن في خلافها بركة، وكيد النساء عظيم، وسوء الخلق وقلة العقل من صفاتهن. فعلى الرجل أن يكون حذرا منهن (...) والمرأة الصالحة كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب".  (أحياء علوم الدين، باب المعاشرة، ج2).

وتبلغ هذه الثقافة الظلامية أوجها في نهايات القرن الثامن الهجري عند الأمام الذهبي. " المرأة عورة يجب حبسها في البيوت ، لأنها إذا خرجت فلا يزال الشيطان بها. وأعظم ما تكون المرأة من ربها ما كانت في قعر بيتها" ( الكبائر، ص 203).

ومما يجدر ذكره ، ان هذه الثقافة المغرقة في تخلفها انتشرت في مراحل الانحطاط وتفسخ النظام السياسي للدولة الإسلامية الواحدة إلى دويلات. والعكس صحيح، في حال الازدهار والتقدم  والانفتاح على المعارف والعلوم الذي شهده التاريخ الإسلامي في أحقاب سابقة، ازدهرت ثقافة الانفتاح والتسامح، وأتيح المجال للجميع، سواء كان رجلا أو امرأة، للإبداع والخلق. وقد أنجبت لنا هذه الحقب نساء عظيمات في مجالات عدة، وخصوصا في مجال الأدب والشعر، من أمثال سكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي، وغيرهما.

وعلى الرغم من أن أصحاب الثقافة الشعبوية الملتبسة بالدين قلة، في الوقت الحاضر، وتأثيرهم محدود، إذا قاربناهم بعدد سكان العالمين العربي والإسلامي، إلا أن لهم تأثيرات كبيرة في الأوساط الفقيرة ومحدودي التعليم، وهي في تنام مستمر بين هذه الأوساط. وما يشجعهم على ذلك غياب الفقهاء المتنورين والعلماء المصلحين، الذين تركوا الساحة لهؤلاء ليشوهوا الحضارة الإسلامية باسم الإسلام، ويسيئوا للمرأة باسم الدين. علما أن التاريخ الإسلامي الحديث شهد مصلحين كبار تصدوا لهذه الخزعبلات، من أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبدة، وعبد الرحمن الكواكبي، ورشيد رضا، وغيرهم الكثير.

وضمن هذا السياق لا تعفى الأحزاب العلمانية، العربية والإسلامية، والجمعيات والمؤسسات الإنسانية والحقوقية من المسؤولية، إذ على الرغم من أن أدبياتها وخطابها السياسي والإعلامي، يتبنى قضية المرأة ومساواتها بالرجل، إلا أنها لم ترتق ، بعد، إلى العمل الجاد في هذا المجال ، ولم تسخر إمكاناتها لهذه المهمة الإنسانية والاجتماعية الكبيرة، وأكتفت بالدعوة والقول فقط، وكفى المؤمنين شر القتال. وغدا الاحتفال بيوم المرأة العالمي مجرد مناسبة عابرة تدبج فيها الخطب، وتصاغ فيها المقالات، ثم يعود كل إلى حاله، ويترك الأمر لمشعوذي الثقافة الظلامية ليناصبوا المرأة العداء.

 

صوت الوطن  العدد 84    حزيران 2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سبع سنوات وما يزال الإصرار على النضال خيارهم


.. بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر




.. رجل استخبارات إيراني يتنكر كامرأة ويتجسس على قدرات إسرائيل ا


.. الرجال أكثر صدقاً مع النساء الجميلات.. دراسة تكشف أسرار سلوك




.. موجز أخبار الواحدة - منظمة دولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء وال