الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكري عيد عمال مصر

محمد البدري

2010 / 4 / 30
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


ارتهن الفكر اليساري لمبدأ التغيير كحتمية وجودية لا شريك لها في ادارة هذا الكون. فالديالكتيك يؤدي دوما وبدون استثناء للتغيير عملا بقاعدة التطور عبر جدلية الصراع للعناصر الداخلة في التفاعل اجتماعيا او بيولوجيا او فيزيائيا. وفي السياسة ظلت فكرة دكتاتورية البروليتاريا كنهاية للتاريخ حجر عثرة امام فكرة التغيير وتعطيلا لقانون الجدل. ولا حل لتلك الاشكالية الا بتقدم الفلسفة بناء علي تطور المعرفة وقوي الانتاج والعمل لظهور الجديد لتجاوز فكرة الدكتاتورية التي هي الجمود وليس الجدل.

اما في المجتمعات الدكتاتورية، مصر نموذجا، فان النظام الحاكم لكل قوي المجتمع افرز عجبا مكانه الطبيعي في المتاحف كحفرية من حفريات التاريخ. فكما يشترك المتحف مع القبر في الصمت والسكون سكت الجدل ايضا في حياه المصريين لاكثر من نصف قرن. حدث مؤخرا أن خرجت قيادات عمالية لتشن هجوما حادا علي د. البرادعي بسبب مطالبته بالتغيير وبالغاء نسبة العمال والفلاحين في مجلس الشعب؟ رغم ان الرجل بدأ مطالبه بتغيير المواد المانعة للمصريين من حكم انفسهم.
قاد الهجوم رئيس اتحاد عمال حلوان واحد قيادات حزب التجمع اليساري الاشتراكي الوحدوي. الافدح انه في خطابه اعلن تاييده ومساندته لحسني مبارك الرئيس الحالي بحجة انه الضامن لحقوق العمال وثورة يوليو!!! وسخر من البرادعي قائلا " البرادعى بيهرج.. ونحن القيادات العمال سايبينه لما يخلص الفيلم الدائر بتاعه بمزاجنا.. وبننتظر النتيجة".
وفي نفس الوقت لم يحدد لنا نقيب وممثل البروليتاريا القيادي العمالي الملتحف بثورة يوليو الانقلابية والذي ادبته ثورة يوليو فاحسنت تاديبه باعدام اثنين من القيادات العمالية بعد شهرين من قيام الانقلاب، لم يحدد الرجل اي افلام يمثلها البرادعي علي الشاشة البانورامية في حياة المصريين. فمنذ أن فرضت حركة يوليو قطيعة سياسية على المجتمع المصري مع التراث الليبرالي وحق الطبقات في تشكيل احزابها بحل الاحزاب المصرية، لم يعد لاحد من غطاء يحميه من بطش السلطة واصبح الجميع في موضع التهديد، وتم سحب الاعتراف باي قوي سياسية الا ضمن تحالف قوي الشعب العامل في التنظيم الشمولي الدكتاتوري. ادخلت سلطة يوليو العمال الي مجلس الشعب وجعله سورا حديديا علي النمط السوفيتي. فلم يعودوا عمالا وفلاحين انما شبه مسخ رث في مجلس يصفق ويرحب ويشجب واخيرا يتسول حقوقه من النظام الذي انعم عليه بالجلوس في معيته. فرغم ان الزعيم والقائد كان يفضل منطقة حلوان بعمالها كانسب مكان للقاء عمال مصر ليفرغ ما في جوفه من حقد وضغينة وسباب وشتائم للامبريالية وللراسمالية المستغلة والاستعمار وعملائه في الداخل، انقطعت صلة عمال مصر الناصرية بالعالم وتوقف نمو قدراتهم الانتاجية وقدراتهم الفكرية وتعاملهم مع مستجدات التكنولوجيا والعلم.
لكن مشهد المسخرة اليسارية الحقيقي التي اداها ممثل العمالة الرثة لنظام يوليو جاء في قوله بان مطلب البرادعي بتعديل الدستور يعد «تهريجاً سياسياً» لان هذا التعديل يهدف لافقاد الغالبية العظمى من المصريين لكثير من حقوقهم السياسية والاقتصادية .. !!! ولم تمر ايام حتي تظاهر عمال كثيرين امام مجلس الشعب مطالبين برفع الحد الادني للاجور باكثر من خمسة اضعافه الحالي. فماذا كان يفعل السيد العضو النقابي الحزبي المتمرس سياسيا في غرف نوم اليسار وغرف ودهاليز مجلس الشعب بعد تمثيله فيه لاكثر من نصف قرن؟

فبعيدا عن الاشخاص او الرموز التي هي زائلة ولا يبقي سوي واقع الحال ذو الجلال والاكرام وما يتحقق فيه، فان التظاهرات باتت يومية في كل مواقع العمل وتطالب بحقوق هي لا ترقي لادني المطالب الحقوقية لاي فئة في بلاد الرأسماليات الضخمة منذ قرنين من الزمان. فمطالبهم عمال مصر أمام مجلس الشعب لا تعدو سوي تسولا من السلطة، وليس اعادة للتفوض بين مالك راس المال وقوي العمل المتعاقد معه. فالفارق ليس فقط في حجم العوائد او الفوائض التي يتقاسمها صاحب العمل مع العاملين (بغض النظر عما في التقسيم من عدالة او ظلم) في بلد كمصر غابت عنها طويلا القيم الليبرالية الراسمالية، انما ايضا في طبيعة الطبقة العمالية ومدي وعيها ونوع خطابها السياسي الرث والمهترئ والذي يقترب من التهريج والتسول منه الي الخطاب السياسي او النقابي الواعي بمصالحه، رغم وجود حزب يحمل صفة اليسارية إضافة لنواب العمال في المجلس الموقر. ويكمن الفارق ايضا في نوع الطبقة الحاكمة التي يستظل في ظلها يوم لا ظل الا ظلها كل من مالكي هياكل الانتاج وطبقة العمال والفلاحين حيث تمتد الرثاثة الرحيمة اليهم جميعا. فليس غريبا اذن ان نجد العضوية في حزب التجمع اليساري الوحدوي قد انخفضت الي حوالي العشر بل ويطالب البعض منهم بادخال الشريعة الاسلامية في القوانين!!!!!!!
بسبب كل هذه التراكيب والكراكيب الاجتماعية والسياسية فاننا نجد الخطاب الديني هو البديل عن الخطاب النقابي للبروليتاريا الرثة مع غياب تام لخطاب عقلاني فلسفي من اصحاب العمل ومؤسسات الدولة، حيث نجد الثري منهم يصل بسيارته المرسيدس آخر موديل الي المسجد ويدخله متوضئا طاهرا من ذنوب لا تقنين لها تحت اي ايديولوجيا، ليقف في خشوع مصليا ومستمعا لخطيب المسجد القادم من سقط الريف ورثاثة المدن، وفي افضل الاحوال من خريجي الازهر حيث تتم عملية تفريغ ثم التهام وابتلاع لنصوص من زمن المقايضة والتجارة بالدراهم والسفر بالابل والانعام وتقسيم الغنائم وفقه الجواري والاماء. في مساجد مصر يجتمع كل انواع البشر من عمال وفلاحين وموظفين وتجار وراسماليين وبعض من رجال الادارة والسلطة ايضا. انه مجلس شعب غير رسمي ومواز للمجلس النيابي. انه اتحاد اشتراكي جديد او ربما تجديد للدماء القديمة التي هزمتها حروب ونخر فيها الفساد.

علي ابواب مساجد مصر يخلع الجميع عقولهم واحذيتهم وفي مجلس الشعب يخلعون افكارهم وايديولوجياتهم وانسانيتهم ويعود الجميع كما ولدتهم امهاتهم عقليا لا يفرقون بين الخرافة والحقيقة وبين الدجل والحكمة وبين السياسة وفقه التمثيل النيابي.
الكوكتيل الطبقي في مصر هو اقرب الي حالة البلازما حيث السيولة المفرطة. وتبادل كل شئ كما يحدث في انابيب الغازات المضيئة. فالفساد الذي يجري مجري الدم بين طبقات المجتمع هو الضامن للتماسك الاجتماعي حيث يبدع الجميع في اكتشاف الطرق لانجاز مصالحهم اليومية.ويظل السؤال الحائر دون اجابة، كيف يتظاهر العمال امام مجلس الشعب مهددين باقتحامه وهم يشكلون نصف عضويته؟!!

في الولايات المتحده قامت ثورة كبري شعارها "لا ضرائب بدون تمثيل" منذ ذلك اليوم اصبحت الضرائب لا تؤخذ فقط من الشعب لكن لتعود اليه في شكل خدمات ورعاية كان آخرها مشروع التامين الصحي الذي وافق عليه المجلسين النيابيين الخاليين من العمال والفلاحين، بل كلهم من االراسماليين العتاه. وهو ما يعطي مؤشرا الي ان من يمثل المصريين في مجالسهم النيابية لا علاقة لهم بالشعب بل ان جميع الطبقات كانت خارج التمثيل النيابي.
اما ما يدعو للضحك ان احد نواب الاخوان المسلمين – اليمين المنتمي للعصور الوسطي - وعضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين (الجماعة المحظورة) فقد أعلن تضامن الجماعة التام مع العمال الذين أعلنوا دخولهم في اعتصام مشترك مفتوح أمام المجلس حتى تستجيب الحكومة لمطالبهم المشروعة. الم نقل انها حالة من البلازما او ربما المسخ الاجتماعي حيث لا ملامح فيها ويختلط احط انواع اليمين الديني مع من كانوا يسارا قبل الثورة المباركة ولا نعرف لهم من ملمح الا بركوب كل افاق زنيم موجه المطالب الاجتماعية او ضربهم ابنائهم بالرصاص من نوابهم داخل المجلس الموقر.

عمال مصر متمسكون بالتمثيل داخل المجلس مثلما تمسك عثمان بالقميص الذي البسه الله له فتم قتله واخلعه اناس اياه عملا بقاعدة التغيير، بينما عمال مصر يرفضون خلع نوابهم من مجلس الشعب او ممثليهم في الاحزاب والنقابات الكارهين للتغيير. سخر عثمان من الناس فسخرت منه الناس، ولم يحقق رضا الله عنه أي مردود عليه. فلحقت به صفة أفسد الخلفاء الراشدين، فما بالنا ونحن امام سلطة لم نسمع اطلاقا ان الله قد رضي عنها طوال اكثر من نصف قرن وعمال خارج التصنيف الطبقي ويمتطي موجتهم اليمين الديني والفساد السياسي داخل المجلس الذين يمثل العمال والفلاحين نصف نوابه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يتظاهرون ضد مجلسهم
صلاح يوسف ( 2010 / 5 / 1 - 07:23 )
لأنه ليس مجلسهم ولم يكن كذلك. حسبما فهمت من المقال أن الواقع المصري الشبيه بالبلازما ميؤوس منه ولابد من تغيرات جذرية. البرادعي ليس محقاً في إلغاء تمثيل العمال، ولكننا جميعاً سنطالب بطرق نزيهة ومحترمة لأقرار ذلك التمثيل. ما معنى أن ينفرد الحزب الوطني وحده بإفراز الممثلين ؟؟؟؟ ثم لو أصبح هناك حريات نقابية بشكل أفضل سيقوم العمال بفرض تمثيلهم عبر انتخابات حرة ونزيهة ولا حاجة لفرض تمثيل أوله تزوير وآخره بلطجة في صالح السلطة الحاكمة.
شكراً أستاذ محمد على المقالة الجميلة.


2 - مهازل
عبد القادر أنيس ( 2010 / 5 / 1 - 09:29 )
تحليل ممتاز فعلا، وهو يعبر بصدق عن مهازل الأحزاب السياسية والنقابات عندنا.
لا يمكن بناء نقابات حرة إلا في مجتمعات ديمقراطية لبرالية حقيقية. الحقوق التي تمكن العمل من انتزاعها في هذه المجتمعات تتفوق كثيرا عن تلك التي تحققت في المجتمعات التي زعمت أن حكمت أو تحكم باسم العمال. البرادعي محق عندما يستهجن نظام الكوطة والتمثيل المنتقى.
لا أحد يحرر أحد. ومادام العامل يقبل أن أن يجاور مستغله وقاهره في المسجد بل أن يفخر بالشرف الذي ناله بمجرد أنه جلس إلى جانبه فلن تتحسن أوضاعه. عندنا التحق الناس والعمال بالملايين بأحزاب ونقابات الإسلاميين رغم أنهم يكفرونها باعتبارهها نوعا من التنظيم الغربي الكافر ولا يرون فيه إلا خطوة لإقامة الدولة الإسلامية وبعدها ستذوب كل الطبقات في مجتمع المساواة والأخوة الإسلامية ولاحزب إلا حزب الله وحزب الشيطان.
تحياتي


3 - عمال بلا عمل .. فماذا ننتظر
فاتن واصل ( 2010 / 5 / 1 - 10:27 )
لم يعد فى مصر عمال بالمعنى الحرفى للكلمة ، فالمصريين لا يعملون ، ولا ينتجون شيئا ، ولم تعد تقوم على أكتافهم وبعرقهم صناعات نفخر بها ، وفقدت هذه القيم وجودها ومعناها ، العمال فى مصر اليوم يتسولون حقوق إكتسبها أجدادهم العمال الحقيقيون ، وفقدوها هم بتراخيهم وميوعتهم ، فى الماضى كانت مظاهرات عمال مصانع النسيج فى المحلة الكبرى مثلا تهز الدنيا ، أما اليوم فالقضية باتت ماسخة ، عديمة الروح ، ماذا يكون العامل دون إنتاج !! عمال مصر اليوم كيان ضعيف .. فما كانوا يكتسبون قوتهم منه .. لم يعد
موجود ألا وهو اغلى قيمة فى حياة أى إنسان .. العمل .
شكرا أستاذ محمد البدرى ، مقالك قلب علينا المواجع


4 - مقال ممتاز
صلاح محسن ( 2010 / 5 / 1 - 13:22 )
زعماء ما يسمي بالمعارضة بمن فيهم اليساري العجوز. والمتزوجون عرفيا من النظام العسكري الديكتاتوري. هم جماعة من الكهول ينتظرون الموت ، وفي الوقت الضائع .. يلعبون بحاضر وبمستقبل الشعب والوطن

اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح