الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى ذكرى رفيقي النقابي ن ف.

عبد القادر أنيس

2010 / 5 / 1
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


شخصيا لم أعد يساريا، أو بالأحرى لم يعد اليسار يعني لي ما كان يعنيه لي قبل أن أنسحب من صفوفه. لم يعد اليسار يعني لي النضال من أجل الاشتراكية وسلطة العمال وحزب الطبقة الشغيلة. أنا على قناعة الآن بأن على كل قوى العمل والإنتاج والإبداع والعلم والثقافة عندنا تتحالف لإحداث قطيعة نهائية مع قوى الظلامية والاستبداد وإقامة مجتمعات ديمقراطية لبرالية تتاح فيها لجميع الطبقات إمكانية الدفاع عن مصالحها بطرق سلمية متحضرة. صرت أكثر قناعة أن عالما بدون طبقات وأنانيات مازال من قبيل الوهم. ولهذا يجب التوصل إلى عالم يعترف بهذه الطبقات والأنانيات ويديرها بأساليب سملية يعترف الجميع بحق الآخرين في الاختلاف والتواجد والتداول على الحكم.
وأنا أناضل من أجل هذه الرؤية، أعتقد أنني أقرب إلى الروح اليسارية التي ناضلت في أجوائها كل شبابي ومعظم كهولتي بنية صادقة وإنسانية فياضة. فالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والمواطنة الكاملة لن تتحقق للناس كهدية أو مِنَّة من أحد مهما حسنت النوايا.
لا يحرر العمال إلا أنفسهم عندما يعون قوتهم ويتبنون طرق التنظيم العصرية النقابية والجمعوية والحزبية ويحذرون من كل المغامرين الذين يريدون ركوب قضاياهم للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها لهم ولأبنائهم وحاشيتهم.
خيبتي كانت كبيرة في اليسار الذي انتميت إليه في السبعينات والثمانينات، وخاصة في التسعينات بعد أن فشلت نظريته (العلمية) في فهم ما كان يحدث حتى وقعت الواقعة.
لعل أهم حادث دفعني لإحداث القطيعة مع اليسار الشعبوي هذا، وكانت حادثة مؤلمة إلى أقصى الحدود، هي عندما أُبْلِغْت باغتيال أحد رفاقي الحزبيين والنقابيين القاطن في مدينة تبعد حوالي مائة وخمسين كلم عن مدينتي، فتوجهت إلى تلك المدينة مع بعض الرفاق لتشييعه إلى مثواه الأخير. كان هذا الرفيق يسكن بيتا حقيرا هو أقرب إلى الكوخ منه إلى بيت حصين بأبواب وشباب حديدية كما هي حالة معظم منازل الجزائريين بعد أن انهار الأمن وعمت الفوضى وغابت الدولة أو ضعفت فسمحت لما صار يشبه دولة موازية يديرها الإسلاميون ليلا، في حي شعبي بائس أصبح سكانه في صف الإسلاميين خوفا وجبنا وانتهازية. اقتحم الإرهابيون بيته في منتصف الليل بعد أن حطموا الباب الخشبي المهترئ، وأخرجوا أخاه الأصغر اعتقادا منهم أنه هو، وصياح أمه يمزق عنان السماء في تلك الليلة الليلاء ولكنه اضطر للخروج من مخبئه وتسليم نفسه فابتعدوا به قليلا ثم ذبحوه وبقي مرميا طوال الليل هناك. جريمته أنه كان خصما لهم في نقابة المصنع حيث كانوا هم قد أسسوا (النقابة الإسلامية للعمل) وكان جريئا في مواجهتهم لأنه مازال يحظى بشعبية في أوساط العمال فأرادوا بذلك إرهاب البقية الباقية ليخلو له المجال وحدهم. المأساة التي حزت في نفسي أكثر أن الإرهابيين بعد أن قاموا (بمأثرتهم) هذه كانوا قد أعطوا تعليمات للناس بألا يمشي أحد في جنازته تطبيقا لشريعتهم فالتزم الجيران كلهم بلا استثناء بالأوامر، وعندما وصلنا إلى بيته في الصباح لم يشأ أحد الاقتراب منا وإرشادنا، وأخيرا جاء أحد الرفاق من المقبرة وأخبرنا أنه قد تم نقل رفيقنا إليها مباشرة من المستشفى دون المرور على المنزل كما هي العادة. وبسرعة توجهنا إلى المقبرة وعندما وصلنا إلى مكان الدفن كان رفيقنا يرقد تحت التراب ولم يكن إلى جانب القبر سوى أمه وأخته وصهره زوج أخته، بينما كان مجموعة من الشباب ممن شاركوا في حفر القبر يتشاجرون على الأجرة التي تلقوها مقابل حفر القبر، كانت تقدر يومئذ بمائتي دينار (ما يعادل دولارين). كان المشهد كافكاويا فعلا. هذا رفيق ناضل سنين طويلة في النقابة وفي لجان الأحياء من أجل قضية هؤلاء الشباب من أبناء الكادحين، بينما هم كانوا يتقاتلون على بضعة دنانير ولا أحد فيهم سأل عنه وعن مقاطعة الناس له حتى في دفنه.
فهمت حينها أنه من العبث مواصلة النضال بالطريقة التي نفعل، ولا جدوى من تبني قضايا الكادحين ما لم يكونوا طرفا واعيا فيها. وهو ما أهمله اليسار دائما خوفا من مواجهة القناعات الدينية الراسخة أو تملقا لها. كان يعمل على تحرير الأبدان قبل تحرير العقول، بينما العكس هو الصحيح في نظري بما بعني مساعدة الناس على التحرر من أفيون الدين ورجاله ومن أفيون كل الهويات القاتلة من قومية وقبلية وطائفية وكل تلك الحماقات التي يستغلها المستبدون وأعداء الحرية لركوب الجماهير وسوقها حيث شاؤوا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 5 / 1 - 16:22 )
أخي عبد القادر المحترم تحية لك وأتفق معك فيما ذهبت تحرير العقول وليس تحرير الأبدان ، أزمة البنية الثقافية ، الخوف فقدان الثقة في الذات .الخ أخي العزيز اليوم كما تعلم هو يوم عيد نأمل أن يكون بداية تجديد إنطلاقة جديدة لنضالات كل القوى من أجل سعادة الإنسان وتقدمة وحريته ومستقبل أبناءه . لا يهم أكان حكماً إشتراكياً أم غيره بل حكماً يوفر للمواطن فرصة عمل شريفة ، ولإبناءه الحق في التعليم ، وضمان مستقبلهم ، وللمرأة حقها الكامل في المساواة . وعلى قاعدة الديمقراطية والتعددية ، وإحترام الرأي الأخر بطريقة حضارية . أخي عبد القادر تحية لك


2 - أستاذ أنيس
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 5 / 1 - 16:37 )
لست متمرسة في السياسة وليست لدي الذهنية التي تربط بين الأحداث وما وراءها وإن كان الجو الذي عشت فيه يسارياً بشكل عام , لم تتح لي الفرصة للمشاركة والتجربة , لكني سعيت لوحدي دوماً للقراءة والاطلاع ومحاولة الفهم . أعتقد أن كلامك مقنع وطرحك منطقي . شكراً لك لمحاولاتك إنارة الطريق لنا بأساليب يسهل على أمثالي تقبلها بسلاسة , دمت لنا بخير


3 - وترك الباب مفتوحا لهذه القوى الظلامية
nana ameen ( 2010 / 5 / 1 - 18:22 )
استاذ عبد القادر، اتفق معك في كل ما قلت، فلا جدوى من تبني قضايا الكادحين ما لم يكونوا طرفا واعيا فيها. وهو ما أهمله اليسار دائما خوفا من مواجهة القناعات الدينية الراسخة أو تملقا لها وهذه كانت غلطة باهظه سنبقى ندفع الثمن غاليا من خيرة مثقفينا ومفكرينا، وترك الباب مفتوحا لهذه القوى الظلامية لنشر كتيباتهم الممتلئة كذباً، وأوهام .


4 - حَلقات مُفرَغة
الحكيم البابلي ( 2010 / 5 / 2 - 04:48 )
الأخ العزيز عبد القادر أنيس
مقال صادق يحمل كل الم التجربة المُرة ........ لم تقل إلا الحق
عندما أفكر بعدد الشهداء والمتضررين من الشيوعيين العراقيين - على سبيل المثال - ، ومقدار التدمير الذي أصاب المخلصين ، وكل الخسارات ومن كل نوع !! أبتسم وأتسائل : ما جدوى كل ذلك ؟ ومِن أجل مَن قدَم اليسار كل تلك التضحيات التي توازي قدرات دولة .. بشرياً ومادياً ؟
قبل فترة قصيرة خرج ماشياً على الأقدام ، ثلاثة ملايين إمرأة ورجل في أربعينية الحُسين !!! ومن كل المحافظات والأقضية العراقية ، متوجهين من مدنهم إلى كربلاء ، وهذا معناه أن بعضهم مشى لمدد تتراوح بين يوم وعشرة أيام !!! ، وأتسائل وبكل صراحة : هل كانوا سيلبون النداء .. لو طُلِبَ منهم أن يمشوا نصف يوم من أجل الوطن ! ؟
ولا زلنا نبكي على جراح نفس هؤلاء الناس الذين مشوا ومشوا ومشوا إلى أن تقطعت نعالاتهم ومعها تقطعت أشياء أخرى كثيرة أصبح سعرها في فكرهم بسعر النعال
يا صاحبي ..... أحياناً أبتسم وأنا أرى شعوبنا تموت ، وأهمس لنفسي : -هل يساوي ذلك الميت كل هذا البكاء- ؟
تحياتي


5 - حلم
سناء ( 2010 / 5 / 2 - 06:53 )
جاء في مقالك:أنا على قناعة الان بأنّ على كلّ قوى العمل والإنتاج والإبداع والعلم والثّقافة عندنا تتحالف لإحداث قطيعة نهائيّة مع قوى الظّلاميّة والإستبداد.أقول لك ياريت ،لكن يبدو ان هذا الطّريق طويل بسبب تمدّد الفكر الأصولي في المجتمع.وبما انّني جزائريّة وأعيش في الجزائر،الا تلاحظ معي الهوس بالدّين ؟وسائل الإعلام كلّها من تلفزيون وإذاعات تخصّص برامج للفتوىوالمواطن يستفتي في كلّ شيء (لا عقل له) ناهيك عن الفضائيّات الّتي تتكاثر يوما بعد يوم والّتي زرعت الخرافة والجهل.
لكن ما اثار دهشتي في مقالك حقا،شجار الشّبّان الّذين حفروا القبرعلى الأجرة.فانا حسب علمي ان حفّار القبور لا يطلبون اجرا ولم أسمع يوما بهذا.فكما يقال أنّ الحفر هوّلوجه اللّه و أنّ الشّباب يتسابقون لحفر القبور طمعا في الثّواب الرّبّاني لا المادّي العاجل. شكرا على مقالك وتحيّاتي


6 - استدراك وتواصل
عبد القادر أنيس ( 2010 / 5 / 2 - 07:55 )
شكرا للسيدات والسادة الذين تواصلوا معي.
لقد نسيت في خضم الأشجان، أن أوجه تحية حارة وصادقة لكل عمال العالم في عيدهم، كما أتمنى لهم مزيدا من الوعي والتنظيم والوحدة للدفاع عن مصالحهم.
أحيط القراء علما أن الاغتيال وقع سنة 1994. أغلب الجماعات الإرهابية المسلحة انهزمت ميدانيا ولم يبق منها سوى جماعات مشتتة وقليلة، لكن الإسلام السياسي لم ينهزم. لقد نسي الناس بسرعة جرائمهم بل غفروها لهم. مازال الإخوان يتشدقون ويتبخترون في لباسهم الأفغاني. الناس يصلون إلى جانبهم في المساجد بل ويلتصقون بهم حتى لا يمر الشيطان بين الصفوف.
عودتهم ليست مستحيلة في هذه الأجواء التي يخيم عليها الدجل والغباء والنفاق كما لاحظت سناء بحق. شكرا سيد سيمون وقارئة الحوار المتمدن ونانا أمين والبابلي الذي زادني شجنا على شجن وهو يذكرني بصورة الملايين وهي تسعى نحو وهم.
تواصلكم غبطة.
تحياتي


7 - وجه الله
عبد القادر أنيس ( 2010 / 5 / 2 - 08:15 )
في مقبرة المدينة وظفت البلدية رجلين لمساعدة الناس على حفر القبور. وكان فيها من قبل رجلان (يساعدان) في ذلك على سبيل التطوع. أقول يساعدان بين قوسين، لأن الناس كانوا يكرمونهما بعد الدفن. وبما أنها المقبرة الوحيدة القريبة من المدينة بعد أن أغلقت الأولى فقد ازدادت الأرباح والأطماع. غضبا هذان الرجلان على هذا التوظيف وتشاجرا معهما وهدداهما فانصرفا. المضحك في الأمر أن آلة الحفر الميكانيكية التي زودت بها البلدية المقبرة اختفت هي الأخرى. لعل اللصوص ظنوا أن ضجيجها لا يريح المستريحين في مثتواهم الأخير!!
يا أختي، وجه الله يختفي ولا يقدر على الظهور أمام بريق الدنانير.
تحياتي


8 - استدراك
عبد القادر أنيس ( 2010 / 5 / 2 - 08:53 )
تعليقي رقم 7 موجه إلى السيدة سناء حول تساؤلها في التعقيب رقم 5. فمعذرة
تحياتي للجميع


9 - شكرا استاذ عبد القادر
الشهيد كسيلة ( 2010 / 5 / 2 - 08:57 )
لا اكاد اصدق ان في بلدي فكر نيّر مثل فكرك
لكن اعود واقول ان وجود امال حضرتك هو الذي نجى الوطن من جرائم القتح الجديد وليس النظام الذي يقايض الاسلامجيين في كل مرة بنافذة من نوافذ الحرية ولا شك انه انه سيقايض بكل النوافذ لنجد انفسنا اخيرا في سجن كبير بدات ملامحه تتراءى للعيان

ولو كان للكثير في وطني بعض العقل لادركوا ان التسعينات ما هي الا عرض لفيلم حي وعلى المباشر امام الشعب الجزائري هو فيلم الفتوحات وما الزوابري وقوسمي وبن حاج وغيرهم الا شخوص لعقبة ابن الضار ووحشان بن جحمان (حسان بن نعمان) ومثلما يقيم النظام تمثالا للارهابي عقبة بن الضار في بسكرة هاهم الاسلاميون يقيمون بجوار كل عمارة مسجدا عبارة عن مركز قيادة لشن الحرب على الشعب الذي يعيش في غيبوبة

وجهان لعملة واحدة النظام والاسلاميون
وكلاهما يتسابق لقطع الطريق عن الآخر


10 - مقالة مميزة كالعادة
Suzan ( 2010 / 5 / 2 - 14:40 )
انا ايضا لست على معرفة كبيرة في السياسة ولكن لاحظت شبها كبيرا بموضوع تحرير المرأة ووجه الشبه هنا اننا لا نستطيع ان نبقى ننادي بتحرير المرأة والمرأة نفسها لا يهمها ذلك وان معظم من ينادي بتحرير المرأة هم من الرجال
ولا يمكن ان يتم تحرير المرأة الا بيدها نفسها وحينها تستطيع ان تكون حرة ولها ارادة كاملة وغير مشروطة ممن اعطاها حريتها

تحياتي
سوزان

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا