الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن الغربي

ماجد محمد حسن

2004 / 7 / 31
الادب والفن


أن دراسة المفهوم الجمالي في الفكر والفن الغربي، يتطلب أن نبحثه من الجذور ومعرفة التأثيرات الأولى التي تطور عنها لديهم المفهوم الجمالي، منذ بدأ التكوين المدني والحضاري في أوربا. حيث بدأ التأثير الحضاري بشكل تدريجي، عن طريق الاتصال والهجرة، الى المناطق القريبة من الحدود الأوروبية الحالية البرية منها والبحرية.

إن أوروبا أرض معزولة وغير معروفة، قد بدأت الهجرة أليها قبائل من أواسط أسيا والهند، والقبائل السلافية الروسية. و أخذت هذه القبائل التي كانت تعيش بشكل بدائي وهمجي وبربري، تنتشر في أرجاء الأرض الأوروبية الحالية. وأن هذه القبائل التي استوطنت في المناطق القريبة من البلدان المتحضرة، بدأت تكتسب بالتدريج أساليب التمدن منها، كما أخذت تتطور هذه القبائل وتتمدن وتتبلور لها، خصوصيتها الفكرية والفنية عبر تفاعلها الخارجي والبيئي وتأثيرهما. وأصبح لها بمرور الزمن، أسلوبها وطرازها الخاص. فنجد الكثير من المؤلفات التاريخية التي تتحدث عن المدنية في أسيا الصغرى وكريت، اللتين تعتبران الطريق الأول للاتصال بين الحضارات القديمة والإغريق.

فمن هنا نبدأ بدراسة الفن الكريتي الذي كان له خصائصه، وأن تطوره أمتاز عبر مراحل الزمن، كما حدث في الفن المصري والعراقي. فكان له تأثيراً على المناطق المجاورة. لكن نجد أن بعض الباحثين العنصريين الذين يؤمنون بفكرة الجنس الآري، وتفوق الجنس الأوروبي على غيره من الشعوب، يحاولون أن يعودوا بهذه الصيغة الهندسية الفنية الى تأثير القبائل الهيلينية، التي غزت الإقليم الإغريقي من الشمال، أي إنها نفس الشعب الذي كان له الفضل في الإبداع الفني والفلسفي في اليونان لاحقاً.

بعد استقرار القبائل الإغريقية، وتطور أسلوب حياتهم من الحالة الطفيلية إلى الحالة الإنتاجية، وبعد أن غزوا وانتصروا على الطبيعة، حين تعلموا كيف يستغلوا الأرض زراعياً ويربوا الماشية ويستفيدوا من إنتاجها. وبعد أن استقروا ونظموا حالهم، برزت لديهم كباقي الأقوام معتقداتهم الحياتية وطقوسها الدينية. فقد كان الشعر الإغريقي في أول عهده، كما هو شأن الشعر في كل الشعوب البدائية الأخرى، كان يتألف من صيغ وتراتيل سحرية، وتنبئية وصلوات دينية وتعاويذ وأناشيد للحرب والعمل.

مع بداية العصر البطولي، طرأ تغير تام على الوظيفة الاجتماعية للشعر، والمركز الاجتماعي للشاعر. وذلك لأن الطبقة العليا ذات النزعة الحربية، أصبحت تنظر إلى الحياة بطريقة دنيوية فردية. فجعل للشاعر مهام جديدة. لأن الشاعر قد تخلى عن انعزاله الكهنوتي. لأن ملوك الإمارات ونبلاءها، أي أبطالها كانوا لصوصاً وقراصنة، وكانت أغانيهم دنيوية فاجرة. وما قصة طروادة التي هي قمة شهرتهم، سوى تمجيد شعري للسلب والقرصنة. بانتصار قبائل بربرية على مدينة متحضرة في أسيا الصغرى. لقد كانت تعبر عن روح الإغريقيين الخارجة عن القانون، والتي تهزأ بالمقدسات، فهي وليدة حالة الحرب التي وجدوا أنفسهم فيها، وسلسلة الانتصارات التي حققوها، بعد انتصارهم على شعب أكثر منهم مدنية، كما انهم كانوا يحتقرون التقاليد والمعتقدات الدينية للشعب المغلوب، لا لشيء إلا لكونه مغلوباً.لأن كل شيء في نظرهم غنيمة ينبغي نيلها بحد السيف.
أن الشعر البطولي لم يكن شعراً شعبياً، لأنه يتحدث عن مصير الأفراد، بل كان في أكثر الأحيان يقرأ للترويح عن الأبطال بعد نهاية المعركة، لأن الشاعر عليه أن ينشر أمجادهم ويخلد ذكراهم. وما شعر الفخر والبطولة إلا عطش السادة والأبطال ذوي النزعة الحربية للمجد. فأشعار هوميروس تحمل طابعاً أرستقراطياً، فقد كانت ملحمتيه موجهة إلى الأمراء والقادة الأبطال المنتصرين وحدهم، ولم تهتم إلا بهم، وبخصالهم ومثلهم العليا. وهذا ما يؤكده الفيلسوف هيرقليطس بقول " هناك شيء واحد يؤثره الأفضلون على كل ما عداه، وهو الشهرة الخالدة على الأمور العابرة. " ففي الفترة ذاتها وضعت أسس المذهب الأخلاقي لطبقة النبلاء، والمقصود به مفهوم الفضيلة والامتياز، الذي تعد أهم سماته سلامة البدن والتنظيم العسكري والقوة الحربية.

لذلك نجد أن فن النحت والتصوير كانا في ذلك الوقت خاضعين كل الخضوع للنظرة الأخلاقية لطبقة النبلاء، وللمثل الأرستقراطية العليا في الجمال الجسمي. فموضوعات النحت والشعر كانت تشترك معاً في نفس المثل الأعلى الرجولي القائم على تصور الحياة بوصفها صراعاً، ونموذجاً للتربية الأرستقراطية والتدريبات الرياضية الشاملة. لقد ظهر في اليونان حوالي القرن السادس( ق. م )، ظاهرة غير معروفة سابقاً، لفنانين ذوي شخصية فردية مستقلة. حيث توجد على قاعدة كل قطعة فنية إغريقية، مكتوب عليها اسم صاحب القطعة الفنية واسم الإله المهدى إليه، واسم الفنان الذي عمل هذه القطعة الفنية. في الوقت الذي لا نجد اسم الفنان على أي عمل فني في العراق القديم.

أن أهم ما يميز النزعة الفنية الإغريقية، نزوعها لمحاكاة الطبيعة الذي لا يقل أهمية وقوة عن رغبتها في التناسق والنظام في العمل الفني وخصوصا في النحت بحيث يكون التمثال بنفس النسب والحجم الطبيعي للشيء المراد نحته. كما حدث للأعمال المقدمة في أوليمبيا التي كانت تقام فيها الألعاب الأوليمبية، وكذلك أعمال الحفر الموجودة في معبد (زوس) في منطقة أوليمبيا. وكان أشهر النحاتين اليونانيين هو (مورون) الذي كان من أهم أعماله (رامي القرص) و (بقرة في سوق أثينا). فقد تميز عمله رامي القرص على قدرة عالية جداً في دقة النسب والتناسق، حيث أختار تصوير أسرع لحظات الفعل واشدها توتراً وتركيزاً، اللحظة التي تسبق انطلاق القرص، بحيث نجد تقديراً كبيراً لقيمة اللحظة الحافلة.

بعد انتشار التأثير الكنسي وطغيان الطابع الديني والشعائري على الفكر والأعمال الفنية، ورسم صور للمسيح وحواريه في أماكن مختلفة، ولصلب المسيح وصور القديسين، المرسومة على جدران الكنائس وسقوفها، وعلى الأيقونات الصغيرة والكبيرة. ثم جاء بعد ذلك الفن القوطي، الذي امتاز أسلوبه بمطابقته الطبيعة، في تصوير الهيئة البشرية بصورة أوضح، واكثر اتساقاً بكثير مما تتجلى في أوصافها هذه للمناظر الطبيعية. وإضافتاً لمطابقتها الطبيعة، تسعى الى تصوير الأشكال الروحية والمثالية، التي ترجع جذورها الى عالم الميتافيزيقا أو الغيبية. وكان بعد النزعة القوطية، قد تحول الى عصر النهضة، الذي فقدت فيه الرمزية الميتافيزيقية قوتها، واقتصر هدف الفنان، بطريقة كانت تزداد وضوحا ووعيا بالتدريج، على تصوير العالم التجريبي.

فقدم الفنانين أمثال مايكل أنجلو ودافنشي وروفائيل في الرسم والنحت وفي الأدب كان هناك دانتي أعمالاً لا زالت حتى هذه اللحظة مثار جدل وإعجاب النقاد والمتلقين. فكانت النهضة الانفجار والثورة المكبوتة، على زمن التعتيم والجمود العقيم، وقيود السلطة الكنسية. وبالرغم من ذلك فكلما أزداد المجتمع والحياة الاقتصادية تحرراً من قيود تعاليم الكنيسة، ازدادت حرية الفن في التحول الى بحث الواقع المباشر، لأن نزعة مطابقة الطبيعة ليست خلقاً جديداً لعصر النهضة، بل هي شأنها في ذلك، شأن اقتصاد الربح والاقتناء، الذي عكسته الثورة الصناعية.

وظهر بعده فن الماترزم (الانفعالية) وهو أول أسلوب حديث، يهتم بمشكلة ثقافية، وينظر الى العلاقة بين التراث والتجديد على أنها مشكلة تحل بوسائل عقلية. أي أن التراث هنا عنصر يعد مبدأ للحياة، وأن كان أيضا مبدأ للهدم. أن محاكاة هذا الأسلوب الى النماذج الكلاسيكية، إنما هو هروب، وان الإفراط في صبغ قوالبها بالصيغة الذاتية، إنما هو تعبير عن الخوف من ان يخفق الشكل في الصراع مع الحياة، وأن يذوي الفن فيصبح جمالاً بلا روح.

وبعد هذه الحركة ظهر فن الباروك الذي فيه العمل الفني يمحى كل بادرة قد توحي بالاهتمام بالمشاهد، ويبدو كل ما يقدم وكأنه ناتج عن المصادفة البحتة. ويرتبط بصفة الارتجال هذه، وذلك الافتقار الى الوضوح في العرض، ومظاهر التداخل الكثيرة، التي تتخذ في كثير من الأحيان صبغة عنيفة، والفروق المفرطة في حجم الموضوعات، وتجاهل الخطوط الموجه، التي يعطيها إطار الصورة، ونقص المادة وعدم التساوي في معالجة الموضوعات، كل هذه تستخدم عمداً ليصبح من الصعب على المشاهد رؤية الصورة ككل واضح.

كما أن فن الروكوكو لم يكن فن الملوك، كما كان فن الباروك، وانما كان فن الطبقة الأرستقراطية والطبقة الوسطى الكبيرة. لقد ظهر في عصر الروكوكو اتجاه حسي وجمالي. فقد كان مفرط بعبادته الحسية للجمال، وتميزت لغته الشكلية المتكلفة، والشديدة البراعة، ذات الرشاقة المنغمة. لقد كان اتجاهاً طبيعياً لمجتمع هوائي، وسلبي متعب، يلتمس في الفن لذة وراحة.

ثم انتشر بعده الميل للفن الكلاسيكي وخصوصا في فرنسا على يد الرسام دافيد والمعمار دوكانسي والنحات كانوفا، فعن طريقهم عم الأسلوب الكلاسيكي الرصين المتزن الذي يتميز به الفن الإغريقي. وحمل الفنانين على تبين الجمال في حبكة الخطوط القوية المستقيمة، ورصانة الألوان وانتقاء العاطفة. بعد ان ضاق الفنان بهذه الشروط والتعاليم ظهر الفن الرومانسي، على أثر الفن الكلاسيكي الجديد بشكل واضح ومؤثر، لأن أي نزعة وأسلوب جديد، تكون له جذوره في الماضي، فهو يتفاعل في داخل النفس البشرية المبدعة والمتوثبة، قبل أن يطفو ويبدأ انتشاره، بشكل مؤثر ويكسر قيوده الرتيبة، بعد أن ينتفض بركان الصراع والقلق والحرية، في وجدان الفنان المكبوت تجاه الحياة. حينها يبرز إبداع وخلق الفكرة والأسلوب الجديد، ويكون تجديده مناسباً ومعبراً، عن حاجة الفنان لعالم مختلف.

فكان الرومانسي يمثل ثورة الفرد، من اجل إنصاف حقوقه الفردية واحترامها، متمرداً على وضد مطالب المجتمع ككل، وإزاء الدولة والأخلاق والتقاليد والمدرسة والدين. فالأسلوب الرومانسي يمتاز بنزعته الذاتية والانفعالية، لذلك فقد أطلق الرومانسيون العنان لأحاسيسهم الذاتية. فجاء فنهم صورة لذات أنفسهم. حيث نجد إن الذاتية الرومانسية تتجلى، على الأخص في عدم الرضا عن حياة عصرهم، وفي القلق والتوتر النفسي، الذي ينتابهم تجاه عالمهم، الذي يعج بالصراعات، والحزن الغالب عليهم لعدم توافق وانسجام أحلامهم وخيالاتهم ومثاليتها، مع الواقع الذي يعيشون وسطه. بالاضافة لعدم توازن قواهم النفسية، بسبب طغيان الشعور بذاتيتهم، وهذا ما يدفعهم الى النقمة، على كل ما هو موجود خارج تصورهم الذاتي للعالم. فالرومانسيون يكاد يكونوا دائماً متمردين. فهم يتطلعون الى بناء عالم جميل ومثالي تعمه مشاعر شفافة مليئة بالحب والعطاء. لأنهم لا يستطيعون ان يتعاطوا مع قضايا السياسة والحروب، والفنون والآداب البعيدة عن، تصورهم الرومانسي للحياة وعلاقتهم بها. فقد أبدعوا إنتاجاً فنياً وأدبياً رائعاً، استنفذوا فيه كل انفعالاتهم الذاتية وخيالاتها. ومن أشهر فنانيها ديلاكروا.

لقد اختار بعض الفنانين الخروج الى الطبيعة والتعبير عما يراه مباشرةً من خلال مشاهداته للطبيعة وحياة الناس الواقعية فصوروا الحقول والغابات وظواهر الحياة اليومية للناس كما هي واقعياً. وعن هؤلاء الفنانين برزت الحركة الانطباعية التي اتخذت التلقائية في الاستجابة للموضوع بتأثرهم باللون المشرق عبر تركيزهم على الضوء والماء. فكان غزوا تدريجياً للضوء الذي أضحى يؤلف قاعدة أساسية في الرسم. فكان ميدان فعلها وازدهارها المناظر الطبيعية، حيث تتلاشى فيه التحديدات في تقلبات الجو الحادة ,المتعاقبة. ويقول كورو " أن الانطباعية تعني الكتلة دائماً… والكل، لذلك فهو الذي يترك فينا اشد الوقع، وعلينا أن لا نفقد أبداً الانطباع الأول الذي يحركنا، فنخضع للانطباع الأولي أن كنا حقاً قد تأثرنا به، وأن الصدق في أحاسيسنا سينتقل حتماً بدوره الى الآخرين. " وبعد ذلك انشقت منها الانطباعية التنقيطية التي ترى إنها لا تضع نقاطاً بل تقسم اللون على اللوحة، لأن هذا التقسيم يؤمن كل مزايا الإشراق واللون والانسجام. على حد قول سنياك " فقد حلل الانطباعيون الجدد عن كثب ما رأوه وأنتجوه بالتفريق، بمنهجية، بين اللون الأصلي للأشياء ولون الضوء، وانعكاساتها على بعض ومزج الألوان يحصل بصرياً، بفضل تجاوز هذه البقع أو النقاط اللونية على اللوحة. "

لقد ولد من الانطباعية أسلوب الوحشية على يد فان كوخ الذي عبر بفنه عن المسافة أو المدى الفضائي، بواسطة قيم الألوان الصافية المستعملة لذاتها. فلم يعد اللون بحاجة لأن يحدد بخط، فهو يعبر بحد ذاته، عن البعد الفضائي، وأراد ان يعبر في فنه، عن حبه العنيف للحياة، فصور حقول القمح المشعة بلون الشمس الذهبي، وزهرة عبادة الشمس، وغيرها من الأعمال الرائعة. وكذلك غوغان الذي عبر من خلال الجمع بين الشعور البدائي والعقلانية، وتحويل الطبيعة الى مسطح ذا بعدين. ومعه لم تعد الألوان تخضع للقوانين البصرية، بل تحولت الى ظاهرة عقلانية، الى ابتكار اصطلاحي. لقد لجأ الوحشيين الى الألوان الصارخة، والتعبير المباشر الذي كان أكثر عنفاً وأحيانا الى الرسم المبسط والرديء. وقد استمر هذا الأسلوب أو المدرسة بعد كوخ وغوغان، وظهرت بشكل أكثر استقلالية مع بداية القرن العشرين وبرز فيهم رسامين كبار ومؤثرين.

ثم ظهرت الحركة التعبيرية بشكل كبير بجانب الوحشية، والتعبيرية حركة فنية ذات مدلول محدد ورؤية تعكس مفهوماً، بل إدراكا خاصاً للعالم. وقد أخذت تتوضح معالمها، في محاولتها لتخطي القيود الموروثة، بل التخلص منها والثورة عليها، فأعلنت ثورتها ضد الشروط التي أخضعت لها الحركة الفنية، الثورة ضد المجتمع ومظاهره البرجوازية مطالبة باستقلالية الخلق الفني المطلقة، عن طريق التحرر الفني في اختيار الأشكال الملائمة ووسائل التعبير الفنية. وتقوم على تشويه الأشكال وعنف اللون اللاواقعي، وعملت على أستثمار مصادر الاضطرابات هذه في محاولتها للوقوف في وجه مجتمع بات يعاني من مشاكل معقدة، والرغبة في العودة الى المنابع والى القيم البدائية.

كما هي لا تصور حقائق الطبيعة الموضوعية، ولا الفكر المجرد المبني على تلك الحقائق، بل تصور مشاعر الفنان الذاتية. فهي أذن فردية تسعى الى الإفصاح عن عواطف الفنان مهما كلف الأمر، كأن يكبر المظاهر المرئية، أو يشوهها في بعض أجزائها بشكل قد يغرق في الغرابة. فهو ثائر على الفكرة العادية للواقع التي يعرفها الجميع، وهو يحاول أن يخلق إدراكا للواقع أقرب الى عواطفه وتجاربه الشخصية.

أما الرمزية حسب تعبير جيرار دي نرفال، هي الخلط بين الخيال والحقيقة، بين أحاسيسنا وخيالاتنا، من ناحية ما نفعله ونراه من ناحية. فالرمزية لدى الفنان لا تعني وضع صليب كرمز للمسيحية، بل هي رموز يختارها الفنان أو الشاعر اعتباطاً لتمثل أفكاراً معينة في ذهنه، أنها ضرب من القناع لأفكاره. لكي يجعلوا المتلقي يشحذ الذهن من أجل أن يعرف ويخلق صورة عبر تفسيره وتخمينهن ليصل الإيحاء بالشيء، وهذا ما يفتن المخيلة. لأن كل ما نعرف من شعور أو حس، بكل لحظة وعي، يختلف عن غيره ويعبر عن نفسه. لذلك من المستحيل ان نعبر عن أحاسيسنا كما نختبرها فعلاً عن طريق الصورة أو اللغة المباشرة.

لأن لكل فنان شخصيته، ولكل لحظة من لحظاته لونها الخاص، ومهمة الفنان أن يبتكر، عبر الأسلوب الذي يستطيع أن يعبر عن شخصيته ومشاعره. والرمزيون كانوا دائماً يبغون خلق مفعول عن طريق التصوير والشعر يماثل مفعول الموسيقى، فقد مالوا الى الاعتقاد بأن هذه الصور تملك قيماً مجردة كالنوطات الموسيقية. فكانت الرسوم تشكل أحلاماً رومانسية جميلة، فخلقوا عالماً مثالياً من الأشكال الأسطورية في مشاهد غريبة لا تنتمي الى هذا العالم. فكان ابرز فنانيها سيزان ومورو وروزيتي ووسلر وميليه وشافان ولوتريك وماتيس وبونار.

ثم ظهر أسلوب التكعيبية التي جاءت لتجسد الرغبة في إعادة بناء فضاء اللوحة التشكيلية على أسس جديدة ومتينة، بعيداً عن السهولة والاغراءات، فكانت التكعيبية التطور الذي تخطى بشكل كلي ونهائي المفاهيم التقليدية للمدى التشكيلي كما صاغته النهضة، والمبني على الرؤية الأحادية والإيهام البصري. فباستخدامها لأجزاء معزولة من العالم المرئي، وبتقسيمها الأشكال الطبيعية للشيء في مساحات مسطحة، وبتمثيلها الشيء من مختلف وجوهه في آن واحد، وحاولت أن تعبر عن حقيقة مطلقة، فاستخدامها للأشكال الهندسية يساهم في التعبير. أن التجربة الحسية تخضع دوما لمراقبة ذهنية أدت، الى استعمال الأشكال الهندسية التي تشكل أحد أبرز سمات التكعيبية. والتكعيبية ترجع أصولها الى سيزان، الذي كان يهمه في الصورة القوة والصلابة وتوازن الكتل ووضوح الخطوط الخارجية. فتطور أسلوبه على يد بيكاسو وبراك وجماعتهم إذ قالوا الخط المستقيم أقوى من الخط المنحني، وإذا أردنا الإيحاء بالقوة علينا أن نحول الأشكال الى خطوط تكعيبية.

أن الانسان المعاصر يتحرك من مكان الى آخر بسرعة مطردة، والصورة التي يتلقاها عن العالم معقدة. هذه العقدة هو ما سعى التكعيبيون الى نقله على قماشة اللوحة بوضع ظواهر الشيء المتعددة جنبا الى جنب على سطح المستوي ذاته، بحيث يتعذر على العين أن ترى الأشياء في وقت واحد، بينما في مقدور الذهن أن يوحدها من جديد. يقول براك " أن الرسام لا يحاول أن يعيد تمثيل وضع ما، إنما يحاول أن يبني حقيقة صورية. "

وظهرت على أثر انتشار التكعيبية حركة جديدة هي المستقبلية، لقد امتازت المستقبلية بوضع مظاهر الحركة المتنوعة جنباً الى جنب، ويعمد المستقبليون الى تجزئتها واقتناصها، بدلاً من أن يعطوا زخماً لتفسيرها. فقد أوجدوا لهم مناخاً مميزاً وحققوا واحداً من أهدافهم، وأرادوا التخلص من العبء المثبط للماضي وتكريس فنهم للاحتفاء بالوجود الحضاري العصري. لقد ساهموا بلفت الأنظار الى خطين فريدين في التقصي: أحدهما الخاص بتمثيل الحركة، والآخر الخاص باستنباط معادل صوري للماكنة.كما ساهموا في إنعاش الاهتمام باللون من جديد، وكان هذا خطاً ثالثاً مضافاً.

وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وما تركته من آثار الدمار وآلاف المشوهين والمعوقين وملايين القتلى. لقد عم الخراب عموم أوربا وتدهورت الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وصاحب الانسان شعور بالخيبة والعبث واللامجدي في الكثير من أمور الحياة. فظهر حينها مجموعة من الشباب المثقف. أسسوا الدادائية كحركة احتجاج وفلسفة فنية معاً. ومنها ظهرت السوريالية التي تعني ما فوق الواقعية. لقد بدت خلال السنوات الفاصلة بعد الحرب، تعني بالرفض والثورة وهدم المثل والمعايير. كانوا ضد كل شيء، فكانوا لا يرضون بأقل من تغيير الحياة تغيرا تاما، ولقد حاربوا بلا هوادة تلك النظرة التي ترى أن الأدب تعبير عن المجتمع. وبالرغم من أن الأعمال التي قدموها، وابتكارهم للكولاج والأشكال الغير طبيعية، والتي تجاوزوا فيها ما هو مألوف، وتأكيدهم على الحلم واللاعقلانية والصدفة والإرادة اللاواعية. فلم تخلوا أعمالهم من مسحة جمالية رائعة.

وقد برزت الحركة التجريدية ويتحدث بول كلي عن التجريد بقوله " اعتدنا في الماضي أن نمثل الأشياء المرئية على الأرض، أشياء أما يستهوينا النظر اليها أو تلك التي نرغب في أن نراها، فنحن اليوم نكشف عن الحقيقة الكامنة وراء الأشياء المرئية، وبهذا نبرهن على أن ما يرى ما هو إلا حالة منفصلة في علاقتها بالكون، وأن هناك حقائق أخرى مجهولة كثيرة. " بدأ الخط واللون يتخذان وجودا مستقلاً. تتفرق الخطوط لتخلق حركة وتطلق ايقاعات تفعل وتتفاعل عبر السطح. فيعبر اللون وحده عن الشكل، وفق المستويات المسطحة المتوازية لسطح الصورة، وهي تحوم في فضاء غير محدد. لم تعد الأشياء والمناظر الطبيعية تضيء من مصدر خارجي، يأتي الضوء من اللون ذاته. التكوين هو القوة الموحدة المطلقة.

أما بخصوص الفن الواقعي الاشتراكي فهو يعتبر أن الفن شكل خاص من الوعي الاجتماعي، يعكس الواقع في صورة فنية رمزية. أنه جملة الأحاسيس والأمزجة والآراء والنظريات، التي تعبر عن مواقف الناس الجمالية من الطبيعة وبعضهم بعض. لأن الأعمال الفنية تأتي دوماً حصيلة تغيير الواقع ومعالجته من قبل الانسان وفقا لتصوراته عن الرائع. وهي تعبير مادي عن الموقف الجمالي للانسان من الواقع الموضوعي. ولهذا يمكن تعريف الفن أيضا بأنه شكل تمثل الانسان للواقع تمثيلاً فنيا لمثال جمالي معين.

وللفن أهمية تربوية كبيرة، فهو يؤثر بالوسائط الفنية على مشاعر الانسان وإرادته وفكره باتجاه عقائدي معين. وبذلك يساعد على تشكيل الملامح الاجتماعية للانسان طبعه وإرادته، والفن الطليعي التقدمي، يكون دوما قوة دافعة جبارة في تغيير العلاقات الاجتماعية القديمة البالية، وفي استبدالها بعلاقات جديدة طليعية. وهكذا يتحدد الدور الاجتماعي للفن بموقفه من النضال الثوري للعالم بموقفه الطبقي. فالفن المعبر عن مصالح الطبقات الطليعية، عن مصالح الشعب وعن احتياجات عصره الموضوعية، هو فن تقدمي. أما الفن الذي يخدم الطبقات الرجعية، فهو فن رجعي.

لأن الواقعية الاشتراكية هي منهج فني، يقوم في القدرة على تقييم الحاضر من منظور المستقبل، الذي استشرفت آفاقه بأساليب علمية، وعلى رصد صيرورة هذا المستقبل الجديد في الواقع المحيط، وتصويره في قالب فني. كونه تطويراً لخيرة تقاليد الفن الواقعي السالف، يعني التصوير الفني الصادق للواقع في تطوره الثوري، ويعبر عن الصبو الى المستقبل، وعن إنسانية وتفاؤل العمال وكافة الكادحين.

وظهرت بعد ذلك حركات فنية أخرى مثل فن البوب الذي امتاز بالتعبير السوقي تعبيرا عن كل ما له مساس بالحياة اليومية. وأسلوب الكولاج الذي أمتاز بتمرده على الحياة وقوانينها، وأخذ ينفذ أعماله عن تكوين لوحات يقوم فيها الفنان بلصق قطع صغيرة ومتنوعة مثل قصاصة جريدة قديمة وصور فوتوغرافية ممزقة وعلبة بيرة أو كوكاكولا وغيرها من الأشياء الصغيرة التي يجمعها من الارض ويلصقها على اللوحة تعبيراً منه على نقل صورة من الواقع والحياة اليومية على اللوحة. وهذا الفن والفن الصوري (الادب)، يستخدم تقنيات مستعارة من البصريات والسينما والميكانيك والكهرباء والالكترونيات. اعتمد التأثيرات الهندسية والتناقض في اللون والنتوء. فهو فن بصري وحركي يسعى لمشاركة المشاهد الفاعلة لعمل الفنان. وكذلك بعدها الشخوصية وغيرها من الاساليب الفنية التي مارس الفنان، التعبير عن قضاياه من خلال الاسلوب، الذي يجد حرية اكبر واقدر، على التعبير عما يجول في خاطره، وهو سلاحه في مواجهة الحياة والكشف عن اللامرئي فيها للانسان العادي.

كان الى جانب هذه الفنون، ينمو أسلوب فني جديد لم يسبق تنفيذه، مستفيدا مما قدمته من أعمال ونظريات فنية أضافتا للأفكار الفلسفية. فكان الفلم السينمائي الذي تطور عن الصور الفوتوغرافية متكون من صورا متتالية مع حركة الأشخاص المصورين في داخل هذه الصورة. أن هذا الاسلوب الجديد الذي حصر حقبا زمنية مختلفة وطويلة وأماكن مختلفة بشكل تصوير فني مشخصه ومباشرة، بما ترى من حياة طبيعية وكأنما تنظر من نافذة المنزل الى حركة الشارع وان كان هناك بعض الاختلافات البسيطة التي عولجت مع الزمن وزيادة الكفاءة في هذا الاسلوب وصناعة الفلم أدخلت لمسات فنية وجمالية على الفلم. أن الفلم عمل على الاستفادة من الرواية والقصة، بتنفيذ هذه الأعمال وتحويلها الى أفلام، مستخدمين عامل اختزال الزمن والمكان بالنسبة للحدث المؤثر والبناء في القصة وتقديمه كحاله وحدث آني يعيشه المشاهد مباشرةً. لقد اختصر الزمان والمكان، فبإمكانه، أن يعيد الماضي القريب والبعيد ليقدمه، فكان يعمل استعادة لحظة الحدث المؤثر والمفقود. أن الفلم قد أدخل تغييرا كاملا في طابع مقولتي المكان والزمان الدراميتين وفي وظائفهما.

فكان الفلم هو اول محاولة منذ بداية حضارتنا الحديثة ذات النزعة الفردية، في سبيل إنتاج صور متحركة للجمهور العام. فهو بداية لفن يحمل صيغة ديمقراطية، وهي العملية التي بلغت ذروتها في حضور الجماهير للسينما. وأن أختلف الذين يرتادون السينما، في تركيبتهم الاجتماعية، فهم لا ينتمون الى طبقة أو ثقافة متجانسة. فكان الفلم يضع المشاهد كحاكم بشكل غير مباشر على ما يجري من أمور قد يغضب لها أو يفرح ويحزن معها، متفاعلاً مع الحدث وجمال العمل تقنياً وفنياً. لأن الفلم الآن له أسلوباً مقتدر ورائع، في التقاط زوايا الصورة واللحظة، وتصوير الحدث، وتقديم تجارب الآخرين مصورة ومباشرة، في لحظة الحدث المؤثر، ليتفاعل المشاهد معها بكل كيانه، معبراً عما يراه حسب وعيه الفني ومستوى ثقافته، فيكون معيار لتقييم جمالية العمل، ودقة التقنية الفنية، وبراعة القدرة التنفيذية أو الإخراجية للعمل ككل، وبعد تطور إمكانيات الكمبيوتر التقنية بشكل عالي جداً في الوقت الحاضر، مما ساعد المخرج ومنفذين العمل السينمائي معه، باستخدام هذه التقنيات في تنفيذ وإخراج أفلام، فيها الكثير من الخيال العلمي والفنتازيا والخدع بجودة تقنية عالية، مما تشد المشاهد وتبهره. ومن فوائده ايضاً الأفلام التسجيلية الوثائقية التي قامت بتسجيل الكثير من الأحداث المهمة، في العالم وتعتبر هذه الأفلام وثائق مهمة للتاريخ.

ومن الضروري أن لا نهمل الحديث عن فن العمارة، الذي بدأ يكتسح الكثير من المساحات الخضراء سواء كان في الحقول أو في الغابات، مدفوعة بعوامل الاستثمار الاقتصادي، فسرت ظاهرة إنشاء المباني الضخمة كي تلبي حاجة المجتمعات الاستثمارية الى مجالس برلمانية وبلدية ومكاتب حكومية ومبان قضائية ومصرفية ودور أوبرا ومسارح ومكتبات ومتاحف عامة وفنادق ومحطات للسكك الحديد ومجمعات سكنية ومخازن… الخ.

لكن هذا لا يمنع من عمل المهندس المعماري بتخطيط أشكال عمرانية ذات مواصفات شكلية رائعة التناسق والجمال. في الوقت الذي توجد فيه مقولة شائعة يقال فيها متى ما حضر الأسمنت، سوف يهرب الجمال.

لقد تطورت العمارة من البيت البسيط الى القصر والقلعة والحصون، حيث تفرضها الضرورة الآنية لحاجة الناس. وهكذا كانت البداية من مغارة في جيل أو بيت من سعف النخيل أو القصب أو أغصان النباتات، الى بيوت مبنية بالحجر. أن تطور العمارة وأساليب بناءها مقترن مع تطور الانسان حضارياً، فالحضارات القديمة تركت لنا من فنون العمارة ما يثر الدهشة والإعجاب فينا حين نرى متانة ودقة وجمال تلك العمارة. وما عجائب الدنيا السبع إلا من هذه العمارة والتي بقي منها شاهداً مثل سور الصين وتاج محل، واندثار الجنائن المعلقة ومنار الإسكندرية وغيرها.

لازالت توجد غيرها من الآثار شاخصة الى الآن في اليونان وإيطاليا وإسبانيا والعراق ومصر والكثير من دول العالم، بالاضافة للعمارة التي توالت بعد ذلك في أوربا خاصةً، كالكنائس والكاتدرائيات والقصور الملكية. فقد أمتاز الانسان في تشيده للكثير من العمران في جميع أصقاع الأرض. وكان لكل شعب خصوصيته العمرانية. وذلك نتيجة لتأثير العوامل الجغرافية والمناخية، والتي ساهمت في بناء الطابع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وهذا بدوره عبر الزمن والتكرار كوّن شخصية تلك الشعوب أو تلك الفئة من الناس، وتميزوا بأسلوب معيشي خاص بظروفهم التي تتحكم بها تلك العوامل. فسكان الصحراء يختلفون في معيشتهم عن سكان أهل الجبال وهؤلاء يختلفون عن سكان المناطق الرسوبية، وهؤلاء يختلفون عن سكان الغابات، كما أن غيرهم يختلف عنهم في طبيعة معيشته. وهذا ينعكس ايضاً على أسلوب العمارة التي يشيدوا فيها مبانيهم. فأسلوب العمارة يعتمد على الطبيعة الجغرافية والمناخية للمنطقة التي يشيد فيها العمران، كما يساهم تطور المجتمع حضارياً، في طبيعة العمران من حيث المتانة والفخامة وتكوين الشكل الخارجي وجماليته، من خلال زيادة الخبرة المتراكمة.

نجد أن الانسان مع تطوره وتقدمه العلمي تطورت أساليب العمران وأشكالها، من حيث التصاميم الحديثة التي دخلت فيها العلوم وسخرتها لخدمة الانسان بتوفيرها وسائل الراحة والأمان، بما نشاهد ونلمس من أساليب عمرانية ذات تكوينات هندسية فنية مختلفة، تتوفر فيها كل الوسائل الخدميّة، من أجل راحة الفرد الذي يعيش أو يسكن وسطها، كما يسعى المهندس الفنان لإبراز قدراته التصميمية، مستثمراً ما قدمت له الأساليب الفنية من أشكال وألوان. وقد استعانت العمارة بالفنون التشكيلية وأساليبها الفنية واللونية والهندسية في تشيد مبانيها وعماراتها، فلولا هذه الفنون التشكيلية لما وصلت اليه العمارة اليوم من تقدم وتطور. لذلك فقد استفاد الكثير من المهندسين الفنانين بتصميمهم ناطحات السحاب وغيرها من البنايات ذات الاشكال الدائرية والمثلثة والتكعيبية وذات الأقواس، والمسنودة بهياكل معدنية، على أسس فنية تشكيلية وهندسية. لكن هذا التطور العمراني، قام على أنقاض وخراب أراضي زراعية وحقول وغابات خضراء.

أما بخصوص الاهتمام بفن العمارة لدينا، نجد أن العمران الحديث لدينا متخلف، ولم يتخذ في أساليب بنائه الحديثة مراعاة للطبيعة الجغرافية في بلادنا، فقد كان أجدادنا أكثر حكمة ومعرفة وحرص، حين شيدوا مبانيهم التي تكيفت مع الظروف الطبيعة اكثر مما هو حاصل معنا الآن، فنحن نستعير كل أساليب العمران الغربية، القائمة على أساس طبيعة جغرافية مختلفة، فننفذ تصاميمها كما هي بدون أن نضع بعض التغيرات التي تتناسب مع خصوصيتنا الجغرافية.

في الوقت الذي تقوم فيه الدولة بإزالة ومسح أحياء كاملة عن الأرض، وتشيد مكانها مباني يمكنهم تشيدها في مناطق أخرى، وفي هذه الأحياء المزالة الكثير من المنازل والقصور والخانات التراثية. كما قاموا بتخريب وإزالة آلاف البساتين، الغنية بثمارها، ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية والحقول، وتوزيعها قطع سكنية على العسكريين، بالاضافة لما قامت به الحرب مع إيران بإتلاف معظم بساتين البصرة والعمارة. وأخيراً قاموا بتجفيف الكثير من الأنهار والأهوار، وتحويلها الى أراضي جرداء، وتشويه كل جمال هذه الأرض الطيبة وتغير معالمها. ومن المعروف أن المناطق الخضراء والمسطحات المائية لها دور وتأثير كبير على المناخ، وهي كذلك مناطق معيشة ومأوى للطيور المهاجرة، من مختلف أنحاء العالم. بالاضافة لكونها مورد معيشة لكثير من المزارعين وصيادين السمك. فبدلاً من زيادة المناطق الخضراء وإقامة البحيرات والسدود ومخازن المياه وشق الأنهار، قاموا بردم الكثير من الجداول والأنهار التي كانت تسقي الأراضي والبساتين التي أزالوها. ليس هذا فقط بل قاموا بقطع الكثير من الأشجار المنتشرة على الأرصفة والمناطق السكنية، وإزالة عشرات الحدائق العامة الصغيرة وتحويلها الى ساحات مربعة أو مدورة مبنية بالأسمنت. فيا ترى الى أي حد يحتاج إنسانينا، الى حس وذوق فني وجمالي وإنساني حقيقي وحضاري، ليتعلم معنى قيمة الحفاظ وبناء الأفضل، ومعنى قيمة إزالة وتجنب الأسوأ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في