الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكفيل من سوءات العرب

محمد البدري

2010 / 5 / 12
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


منذ فورة النفط وعوائده العالية تعرضت منطقة الخليج الفارسي علي جانبها الغربي المسكون باقوام عربية وتحكمها نظم قبلية او أسر مالكة لطوفان من هجرة العمالة من كل بقاع العالم. فلسفة الوجود في هذه المجتمعات ان الغريب ضعيف ولو كان قوى والغريب أعمى ولو كان بصير بعكس بلاد اخري شرقا وغربا حيث الغربة تحمل معان اخري بل ان القوة هي ما يمكن امتلاكه بسهولة فيها مهما كان ضعف الوافد عليها.
ارتبط وجود العمالة الخليجية بفكرة الكفيل. فالكفالة والعبودية وجهان لعملة واحدة، الكفالة ومصادرة حقوق الانسان والبشر وجهان لنفس العملة، الكفالة والارهاب شئ واحد. أما الكفالة هي السرقة بشرعية وقانونية.
في مجتمعات الغرب حيث الحريات متعاظمة بكل انواعها فان تاريخها قام علي منطق واضح وصريح هو العبودية او القنانة او البروليتاريا حسب تاريخ تطور هياكل الانتاج علي الترتيب من النظام العبودي زمن روما القديمة الي الاقطاعي ومن حكم الكنيسة الي الراسمالي الحديث. في جميع المراحل ظل الملاك يزدادون ثراءا لكن مكاسب قوي العمل كانت ايضا تزداد تعاظما اما بالتحرير من عبودية الملكية للفرد الي الاسر في نطاق الارض والزراعة الي الاستمرار بيع قوة العمل طبقا للسعر الاعلي في سوق راسمالي مفتوح تتعدد في ارباب العمل ويحق فيه السفر والانتقال واعادة اختيار جهة ورب العمل بما فيه رفضه والتظاهر ضده ومحاكمته ايضا.
ولان الجانب الغربي من الخليج الفارسي لم يعرف اطلاقا هذه العلاقات الانتاجية بتعدد انماطها حيث كان الصيد البحري او رعي الاغنام او السلب والنهب علي طريقة الغزوات الاسلامية ، وكلها تجري علي خلفية ثقافية اساسها البداوة والقبلية فان ثورة النفط التي فجرتها تكنولوجيا الغرب الراسمالي ادت الي انقلاب في الموازيين الديموغرافية لهذه المنطقة برمتها. يمكن تصنيفها في قوي عمل وافده تمتلك العلم والمعرفة وقادرة علي البناء والاعمار والانتاج وتقديم الخدمات واهل بلاد لا يعرفون سوي انماط بدائية من التعييش علي المتاح من ثروة واما تجارة في سلع باقي الشعوب او نهبا وسلبا من الغريب او المجاور بطريقة الغزو او رعي ما هو متاح من قطعان يمكن لها ان تدر عائدا من اللبن واللحم.

تحت هذه العقلية ضغط الغرب الراسمالي ومنظمات حقوق الانسان ومؤسسات العمل المدني لالغاء تشريع الكفيل حيث ظلت قوة العمل في اسر الكفيل حتي يقرر هو التخلص منها بضمان السيطرة عليه بعدم السفر او التعاقد مع اي من ارباب العمل الاخري. فرغم وجود عقد او ربما غيابه بين الطرفين فالعرف السائد والمعمول به كان هو نظام الكفالة (الابتزاز السلمي) الممتد منذ القدم مع اهل البلاد العرب وهو الامر الذي بينا شروطه وتفاصيل ظهوره في مثل هذه المجتمعات في مقالات سابقة علي هذا الموقع.

مؤخرا قامت البحرين بالغاء هذا النظام في تشريعاتها القانونية لكن تبدو المشكلة اعمق من مجرد شطب عرف وتشريع قانون فالعرف هو اصلا مصدر كثيرا من القوانين. لهذا فمعارضة التعديلات تبدو قوية وخاصة في بلاد اكثر تشددا ولا تعرف التنوع وارث البداوة بها اكثر رسوخا. افضل ما في البحرين ان بها تنوعا من الشيعة والسنة وباقي طوائف الاسلام مما يدفع بمحاولة ايجاد صيغة قانونية تضمن بقاء الجميع في سلام اجتماعي. وربما هذا هو السبب في انها كانت البادئة في الغاء نظام الكفيل لا لسبب سوي ان الصراع بين قوي العمل وملاك هياكل الانتاج ليست اقل ضراوة من الصراعات الديني بل ربما تكون هي الاصل لو اننا نظرنا الي الامور بعيون منفتحة وليس بعقول عفنة مغيبة في نصوص الاديان بكل ما فيها من مظالم طبقية واجتماعية وجنسية واعلاء بشر علي بشر بظلم فادح. فتاريخ الصراعات من اجل المساواه والتي سميت فتنة منذ زمن الخلافة مرورا بالاموي والعباسي والفاطمي والمملوكي والعثماني، كلها تبدو دينية لكن حقيقتها انها طبقية اجتماعية كتب عنها كثيرون امثال برهان الدين دلو في كتابه " مساهمة في اعادة كتابة التاريخ الاسلامي" و كلود كاهن في كتابه " تاريخ الشعوب الاسلامية" وما ذكره هشام جعيط في كتابه المرجع " الفتنة" وكثيرين آخرين من مفكري روسيا ومستشرقيها ومن المصريين د. زبيده عطا وأخريات من الاكاديميين المهتمين بفضح تاريخ العرب المغلف بسلوفان ديني زائف. بل ان طه حسين نفسه تماس مع هذه المنطقة الشائكة في كتبه وخاصة الفتنة الكبري.

الغاء الكفيل هو خطوة علي طريق الديموقراطية في هذه البلاد التي تكره ان يحكم الانسان نفسه بنفسه. لكنها تفضل هيمنه كفيل علي مكفول واولي امر علي رعية. مجتمعات تكره الديموقراطية والعلمانية والليبرالية والاشتراكية في آن واحد. انه كوكتيل العذاب الذي لا بد من أن تتجرعه تلك المجتمعات حتي الثمالة لتكون اكثر اقترابا وتصالحا مع العالم المتحضر. فرغم ان غياب العقل هو آفة البشرية الا ان الوصول بالعقل السياسي والقانوني الي حد الثمالة بهذا الكوكتيل في بيئة انسانية افضل من الغياب في مستنقع ديني لا يوفر شيئا سوي العبودية لمن في الارض ومن في السماء علي السواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال للأستاذ محمد؟والعراق مثلا
العقل زينة ( 2010 / 5 / 12 - 14:56 )
مستنقع ديني لا يوفر شيئا سوي العبودية لمن في الارض ومن في السماء علي السواء. هذا قولك ولكن .. حتي لو إستطاعت منظومة دول حقوق الإنسان فرض وجهة نظرها علي المجتمعات البدوية هل تعتقد في شعوبهم المبرجمة علي ثقافة دونية المرأة والآخر ستطبق ما تصلهم من مبادئ حقوق الإنسان ويتقبلوا ممارسة مبادئ سامية تختلف عن مبادئهم البالية؟


2 - مع هذا
عبد القادر أنيس ( 2010 / 5 / 13 - 19:11 )
ومع هذا يتشدقون بعدالة شريعتهم ذات المصدري الرباني وهي لا يساوي قشرة بصل مقارنة بالشرائع الحديثة التي يسمونها وضعية مقارنة بشريعتهم (المنزلة).
شكرا سيد محمد على هذه الالتفاتة الإنسانية تجاه المستضعفين.
تحياتي


3 - تحياتي
شامل عبد العزيز ( 2010 / 5 / 13 - 21:55 )
الأستاذ الكبير محمد تحياتي لك ولجميع المشاركين يقولون - أصالتنا في قيمنا - ولكن هل هذه قيم تصلح للعصر الحالي حتى تكون أصالة ؟ نحتاج للكثير لكي يكون هناك ثقافة عصرية ونتخلى على كثير مما هو عالق في الأذهان وراسخ في العقول مع خالص المودة


4 - الكاتب القدير
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 5 / 13 - 23:51 )
سررت أنك سميت الأمور بمسمياتها الحقيقة : الخليج الفارسي المسكون بأقوام عربية قبلية . نعم وليس الخليج العربي كما نقرأ عند بعض الكتاب . أيضاً نشكرك على التذكير بهذا الموضوع الذي هو شكل من أشكال العبودية الحاكمة لتفكير البدو , يظنون أن بناء أعلى برج , وأعظم ناطحة وأطول جسر وأفخر فندق ووو يظنون أنهم بذلك قد دخلوا المدنية من أوسع أبوابها , وهم لا يعلمون أن التمدن في التفكير في الثقافة في النظرة للأمور , غربي من الخارج وبدوي من الداخل , شخصية مبعثرة متهافتة جردْها من النفط والمال واحكم عليها . هذا النظام أكبر دليل على تخلفهم وبقائهم في أدنى سلم الانسانية تشكر أخي

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على