الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغي آكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد وطن ؟ أم جهاد دين ؟ ( 2/2)

الطيب آيت حمودة

2010 / 6 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أدرك السلف الصالح من أبناء (تامازغا ) المسلمين ، وهم يعايشون رعب القتل والملاحقة بدعوى نشر الإسلام ، أن الغزاة ومن واكبهم غير مؤهلين للحكم على نوايا الناس ووزن مقدار ايمانهم و كفرهم ، وباستخدام العقل ، تبين أن أفضل السبل للتخلص من هؤلاء هي الثورة والتمرد ، وهذا ما يفسر شدة المقاومة الأمازيغية ضد الغزات التي استمرت لفترة زادت عن السبعين سنة ، التي رفعوا فيها بنود العصيان وتأهبوا لمقاومة من أذلهم وقهرهم ، فغدا التناطح والتقاتل مستساغا (داخل خيمة الإسلام ) بين جهادي الهجوم والدفاع ، و بين قومين يجمعهم الإسلام ، وتفرقهم النعرات العصبية التي تغذيها النزوات المادية والسلطوية .
** ووقعت الواقعة ... في تهودة سنة 63 للهجرة !
ما سيفعله آكسل ( كسيلة) ناجم عن وزن وتقدير، وقناعة ترسخت من طول معاناة تكبدها منذ وصول عقبة لولاية افريقية والمغرب ، تكبيلا بالحديد ، وإهانات وإذلال عبر عنها المؤرخون جليا، مرورا بمشاهدة إخوانه يقتلون ببرودة دم أمام عينيه ، وهو ملك مؤهل الدفاع عنهم ، فإذا كان هو الملك قد تعرض للإهانة ، فكيف الحال مع بسطاء الناس ؟ ، تلك أمور اجتمعت لترسخ قناعة الإنتقام ليس ضد الإسلام، وإنما ضد من اتخذ من الإسلام ذريعة لقهر الأمم والشعوب بدلا من تحريرها ، فهو صراع بين المواطن والغازي ، بين الحق والباطل ، بين العنجهية الأموية الطاغية التي اتخذت من الإسلام ذريعة لقهر أمة مازيغ وتحويلم إلى عبيد وسبايا ، ( يذكر مارسييه في كتابه ، البربرية الإسلامية ، بأن عدد المهجرين كعبيد باتجاه دار الخلافة في عهد عقبة تجاوز الثمانين ألفا )، وبين من يريدون التحرر الفعلي وليس الزائف ، وظنوا أن الإسلام سيحررهم ، واكتشفوا على مرأى العين أن الفعل البزنطي أقل دموية مما فعله عقبة المسلم ، فلا يعدو الأمر إلا أن يكون استبدال استعمار باستعمار آخر أكثر دموية وقتلا من سابقه.
عاد عقبة الفهري ومن معه صوب تيكروان (القيروان) بعد قتلهم و سلخهم للعزل ، محملين بنفائس الدنيا ، من الديباج والخيول والأمتعة والسبايا مرورا ببلاد الزيبان ، فأقام في مكان يعرف بتهودة ( سيدي عقبة حاليا) وليمة ، احتفاء مما أفاء الله عليه من جميلات البربر فنصبت الموائد ، وكثر الرقص والأكل، وأفعال الخان ، وداهمهم آكسل ( كسيلة ) وهم في عظيم نشوتهم وسكرتهم ، فوقع قتال ، و مبارزات بين الطرفين شبيهة بمبارزة حبيب لعمه إلياس الفهريان ، أبرزها مبارزة آكسل ( كسيلة ) لعقبة الذي أرداه قتيلا بحضور جواريه وسباياه و من رافقهن من بائعات الهوى ومحترفات الرقص البزنطيات اللواتي كن مرابطات في حصن تهودة البزنطي (TABEUDIUS ) للتنعم مع من يعرف بالفاتحين ؟ وقتل كل العسكر المرفق له في عين المكان المقدرين بحوالي 300 مقاتل .
* هذه واقعة وقعت بين خصمين مسلمين في إطار ما يعرف (بالحرابة) ، لأن إسلام إكسل لا تشوبه شائبة ، ولا يمكن الإنتقاص منه ، لأن الإيمان مكمنه القلب ، ولا يمكن تفسير الفعل إلا من باب الثأر لكرامة مجروحة ، وإهانة بائنة مؤكدة اعترف بها القاصي والداني ، و الثأر مستساغ شرعا وعرفا والبادي ء أظلم . غير أن بعض الأطراف أصابها القرف الفكري فراحت تضفي قدسية على سفاكي الدماء ، وتناست آكسل ( كسيلة) الذي وصموه بكل آيات القدح والتحقير والتكفير ، فلو كان كافرا بالإسلام لما أمره عقبه بذبح الغنم وسلخها لإطعام الجند، وهو يعلم مدى حرمة اللحوم التي لم يذكر عليها اسم الله ؟؟ ، وإكسل لم يفعل في مقاومته إلا ما يؤمره الشرع ، مثلما فعل صاحب الزنج ضد العباسيين ، كما أن فعلهُ فعله لا يختلف عن تقاتل أحفاد عقبة الفهريين أنفسهم حبا في الإستئثار بالحكم ، حيث قتل إلياس أخاه عبد الرحمن بن حبيب ، وقتل حبيب بن عبد الرحمن عمه إلياس بن حبيب ثأرا لأبيه ، وحز رأسه ، وعلقه على خشبة طيف بها مدينة القيروان كعادة الأمويين دائما ، ولم يقل أحد أن إلياس أو حبيب كافر بالله ! ، ناهيك عما قام به أحفاد عقبة من تقتيل لأبرياء تحت شعار الثأر لوالدهم المقتول في تهودة .
وما يحز في النفس ويبعث الفتتة من مرقدها ، قيام بعض أذيال العروبة المزيفة ببناء تمثال لعقبة نصبوه وسط مدينة بسكرة ، وحولوا قبره بتهودة (إن كان القبر مؤكدا ؟؟) إلى ضريح اكتشفوه فجأة بعد ما لا يقل عن خمسة قرون خلت من دفنه ؟؟؟ وهو ما فعله آل فهري بالمغرب بتكوين مزارات موهومة للإدريسين الأول والثاني ، باعتبارهما مخلصان للأمازيغ ، يتدافع عنهما الخلق السذج طمعا في الجنة ؟؟؟، ويصاب الإنسان بحرقة وضيق صدر عندما يلحظ أن بعضنا يقدس الآثم الباغي ، ويتنكر للطيب المسالم المؤمن، فيعظمون سفاك الدماء ، ويسكتون أو يغظون الطرف عن أفعال عظيم من عظماء المغرب الإسلامي وهو ( أبو المهاجر دينار ) لا لشيء سوى أنه من العجم ( فارسي) بالمفهوم الشعوبي .
لو توفرت لي قدرة لأقمت مدينة كاملة أسميتها ( آكسل بول الشهيد) ، وأخرى باسم (المهاجر دينار ) لعظيم فعلهما ، فهما فعلا شهيدا وطن وشهيدا الدين الحق الذي لا يميز بين مسلم وآخر .
** تاثيرات مقتل عقبة بن نافع :
دب الذعر في وسط الحامية العربية بتكيروان ( القيروان) بعد سماع نبأ مقتل عقبة ، (وعظم البلاء على المسلمين) [10] بدأ التفكير في سبل الخلاص ، وتنازعوا على أمرين ، إما التصدي لأكسل والشهادة في سبيل الله ( حسب عزمهم )، أو الإنسحاب من تكيروان ( القيروان ) على جناح السرعة حتى لا يكون مصيرهم كمصير عقبة ومن معه ، وكان الإختيار الثاني أصوب لهم بمبادرة من حنش الصنعاني لزهير بن قيس البلوي ، الذي قال في حينه (يا معشر المسلمين من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني ) [11]. وتم انسحابهم فعلا من القيروان وإفريقية باتجاه برقة بليبيا ، التي أقاموا بها في انتظار المدد الذي سيأتيهم من الشرق الأموي ، وبانسحابهم استمر الإيمان والإسلام بين الأمازيغ دون حاجة للعربان ، ودخل إكسل القيروان وهرع إليه ناسها يسألوه الأمان ، فلبى الطلب قائلا إخوة كرام ، وحكم إفريقية كلها مدة خمس سنين ( 65/96 هجرية ) عرفت فيها البلاد استقرارا لم تعرفه سابقا ولا لا حقا ، وإن لم تشر المصادر لأوضاعها بالدقة المطلوبة تعتيما وحجبا ، في فترة عاشت فيها الخلافة الأموية انتقال الحكم إلى المروانيين ، الذين أنعشوا العصبية القبلية ، بين آل قحطان وآل عدنان .
** زهير بن قيس البلوي للثأر من إكسل :
ومن برقة بدأ زهير بن قيس البلوي يستعد لاسترجاع سيطرته على القيروان من جديد ، ويذكر المؤرخون[12] أن الخليفة عبد الملك بن مروان كتب سنة 69للهجرة ، الموافق ل 688 م إلى زهير بن قيس، وهو مقيم ببرقة ، يأمره بالخروج إلى القيروان لاسترجاعها من يد إكسل (كسيلة( ،باعتبارها بلادًا إسلامية ؟ ، بعد أن عينه واليا على المغرب إن تم تخليصها من كسيلة ، ولما له من دراية وخبرة في قتال الأمازيغ ، وهو المؤهل الأقدر على الثأر لمقتل صديقه عقبة ، (أعلم الناس بعقبة وأخبرهم بسيرته وتدبيره، وأولاهم بطلب دمه). [13]، فدعا الخليفة للجهاد ، و أرسل جندا كثيفا من الشام ، غذاه بجند مصر ، فاجتمع عند زهير بن قيس البلوي ( الوالي الجديد) جيش كبير زحف به غربا لإعادة احتلال تكيروان ( القيروان ) المسلمة المسالمة ، ونزلوا بقرشانة ( 175)عام 69 للهجرة وتحاشى أكسل مقابلة الجيش الغازي داخل القيروان مخافة الإيقاع بساكنته أضرارا لم تكن في الحسبان ، وعمل على مقابلتهم خارجها بمكان يعرف ( بممش) ، وفي ذلك قال كسيلة (... ولكن ننزل على موضع ممس وهي على الماء، فإن عسكرنا عظيم ، فإن هزمناهم إلى طرابلس قطعنا آثارهم ، فيكون لنا الغرب إلى آخر الدهر، وإن هزمونا كان الجبل منا قريب...). [14] ، التقى الطرفان،واقتتلوا قتالا شديدًا ، وكثر البلاء في الجانبين ، ولاحت بشائر النصر للمسلمين ، وهزم كسيلة وحلفاؤه وقُتلوا قتلا ذريعا [15] واستشهد آكسل (كسيلة) في هذه المعركة مضرجا بدمائه صحبة مواطنيه الأحرار الذين أبلوا البلاء الحسن رغم قلة عددهم ، (ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين ). وباستشهاده عاد المشارقة إلى القيروان ليس لنشر الإسلام كما يشاع ، وإنما للتحكم في رقاب العباد والإستفادة من خيراتها ، وعاد الجبروت الأموي من جديد ، وعاشت البلاد الترويع والتقتيل والتنكيل وهو ما فتح فصولا أخرى من المقاومة على يد ديهيا ( الكاهنة ) و ميسرة المطغري ، وخالد بن حميد الزناتي ، وغيرهم من المقاومين الأشاوس للجبروت المشرقي تحت عباءة الإسلام نفسها، وهو ما دفع الأجداد تبني الفكر الخارجي الصفري لعله يقينهم من غطرسة حكام آل أمية الفراعنة ولو إلى حين .
الخلاصة:
نجح الإسلام في تقسيم البشر إلى فريقين ، فريق المؤمنين ، وفريق الكفار ، وتشظى المؤمنون إلى ملل ونحل وفرق ، وحرص كل فريق على تكفير الآخرين بناء على آيات محكمات منزلة في سورة التوبة ، وكل يرى بأنه الناجي والآخرين في النار، وكثيرا ما استغلت تلك الآيات الجهادية في ترويض الناس ،أو ترويعهم وقتلهم واسترقاقهم واستعبادهم ، وكل من تجرأ على قول ( كفى ) أو( لا )، يبصمون عليه بالعشرة بأنه صاحب هوى ومنافق ومرتد ، يستتاب إن تاب ، وإلا قتل ؟ وبتداول تلك الأحكام وسوء تقديرها والإختلاف في تأويلها وفهمها ، قُتل خيرة المسلمين بدءا بالصحابة العظام ، أمثال (عبد لله بن الزبير ومالك بن نويرة* والحسين بن علي ) ، ثم فقهاء (كغيلان الدمشقي ، وسعيد بن جبير) وغيرهم كثير ، وما مقتل آكسل ( كسيلة ) إلا نموذجا من بحر الإعتداءات والقتل المتعمد الذي ظاهره إيمان وإسلام، وخفيه بحث عن طرائف افريقية وخيراتها ، وعبيدها و هداياها التي كانت ترسل تباعا لدار الخلافة .


الهوامش (2/2)-------------------------------------------------

[10] / الدباغ ، ) معالم الإيمان ، ج 1 ص. (55
[11] ابن عذاري ، البيان المغرب ، ج 1 ص 31.
[12] المالكي ، رياض النفوس ج 1 ص 29 ، الدباغ ، معالم الإيمان ج 1 ص56
[13] ابن عذاري ، البيان المغرب ، ج 1 ص 31 ، النويري ، ﻧﻬاية الأرب م 1 ج 22 ورقة 73 ، الدباغ ، معالم الإيمان ج 1ص57.
[14 المالكي ، رياض النفوس ج 1 ص30
[15] المالكي ، رياض النفوس ج 1 ص 30 ، الدباغ ، معالم الإيمان ج 1 ص 58
[* ]الصحابي مالك بن نويرة : قتله القائد خالد بن الوليد ظلما ، واستباح فرج زوجته ، لتأخره عن مبايعة الخليفة أبي بكر الصديق وامتناعه عن تقديم الزكاة لقريش ، فاخترعت جماعة السقيفة تهمة الردة للمعارضين ومنهم هذا الصحابي الجليل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل


.. روسيا تلعب على التصعيد النووي.. هل يضع بوتين ترامب أمام خيار




.. -ماذا فعل هذا الطفل لإسرائيل؟-.. فلسطيني يبكي رضيعا بعد قصف


.. ما تداعيات كمائن وعمليات فصائل المقاومة شمال وجنوب قطاع غزة؟




.. غارة على محيط الجامعة اللبنانية في الضاحية الجنوبية