الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصنارة - قصة قصيرة

سمير الرسام

2010 / 7 / 12
الادب والفن


على دراجته الهوائية وصل للتو ، إلى نفس الصخرة التي تعود أن يصطاد السمك عليها ، الصخرة التي حفرت تأريخه مُذ دخل القرية البائسة كما يصفها دوماً . وككل مرة ، يركن دراجته قرب الصخرة ، فيؤدي طقوسه ككل مرة بتهيئة الصنارة أولاً. لكنه لا يرميها إلا بعد أن يلف سيجارته التي تعود استنشاقها أثناء الصيد .
رمى صنارته وبدأ يجول بنظره . هو نفس الشاطئ كما عَرفه ، وهي نفسها النوارس التي يحسدها أحيانا لأنها تصطاد أمهر منه ، وهو نفس النسيم الذي حمل إلى انفه عطر البحر الذي أدمن عليه . تمتم بينه وبين نفسه لاعناً حظه العاثر في الصيد ، فلم يصطد أي سمكة منذ ثلاثة أيام ، مما كان مُدعاة سخرية زوجته . فهي تنتظر اللحم الوحيد الذي يدخل إلى البيت . السمك ولا شيء غير السمك ، مع بعض الخبز وكوب من الشاي الساخن . هذا كل ما يملك هو وزوجته العجوز بعد تقاعده من وظيفته لأكثر من عشرة أعوام . قضى حياته موظفاً في الطاحونة التي يؤمها أهل القرية لشراء الدقيق . لكن طاحونة الأمس أصبحت ملعباً للأطفال . فلم يبق منها سوى ذكريات ، وأوراق بائسة في رزنامة تأريخه .

*****************

لا يعرف سبب عدم صيده للأسماك ، ربما لأنها غادرت الشاطئ إلى عمق البحر ، أو ربما بسبب الطُعم الذي يصنعه من عجينة خبز زوجته . لكن الأسماك كانت تحب هذه العجينة ، تلتقطها بعد فترة وجيزة من رميه للطُعم ، وهي اليوم تتأخر كثيراً في التقاط الطُعم . حتى انه غَير الطُعم أربعة مرات ولم يحظ بأية سمكة ، لا صغيرة ولا كبيرة . ولأنه كان يقضي وقتاً طويلاً قرب البحر للصيد ، فانه يجلب معه شيئاً للأكل ، فالشعورُ بالجوع مُفجع . والأكثر إفجاعاً انه لا يستطيع إلقام أي شيء للعصافير التي تُزقزق في بطنه . كسرُ خبز . . هو كلُ ما يملك في حقيبته البائسة كبؤس ملابسه . يقضمها مع بعض الماء . يدفعها يميناً ويساراً بين فكيه ، فقد فَقد بعضاً من أسنانه . وهو يعتمد على ما تبقى للمضغ .

شعر بأنه لن يصطاد هذا اليوم أيضا ، ولن يكون له الحظ في التهام السمك الذي اشتاق إليه . فزوجته وطوال السنوات التي عاشها في هذه القرية البائسة ، تطبخ السمك بصورة جيدة . لكنه اليوم سيسمع من زوجته ما يسمعه في كل مرة عند دخوله للمنزل .
_ كما في كل مرة !!
_ نعم ، لم اصطد شيء .
_ وماذا سنأكل ؟
( يصمت العجوز كعادته . . ) .
_ ما السبب يا ترى في عدم صيدك ؟!!
_ ربما لأنني كبرت على الصيد ، والسمك عرف بشيخوختي .
_ أننا نتحدث عن سمك ولسنا نتحدث عن فتاة لخطبتها لك !!!
_ هي نفسُ الصنارة ونفس الطُعم ونفس الصياد . . فلم يتغير شيء .

سحب نفساً عميقاً من سيكارته الثالثة ، التي أشعلها أثناء صيده ، ونفث الدخان عاليا . أراده أن يصل للسماء ، لتستنشقهُ النوارس ، علها تجد أجوبة لعلامات استفهامه . غَير طُعمه مرات . لكنه هذه المرة قام بلف العجينة أقوى من السابق ، بل وزادها قليلا كي تكون مغرية للأسماك .
*****************

على بُعد أمتار وقف شاب بيده صنارة . أخذ بأعدادها وهو يبتسم . نظر إلى الرجل العجوز وأحنى رأسه ، فبادله الرجل العجوز الانحناءة . رمى الشاب بصنارته بعيداً عن الشاطئ ، ومن ثم بدأ بسحبها .
" إنها من النوع الحديث " . هكذا كان يتمتم الرجل العجوز بينه وبين نفسه . حاول الشاب مرة تلو الأخرى وهو يبتسم . والرجل العجوز يتابعه بنظراته وهو ينفث دخان سيكارته تارة ، وينظر إلى صنارته البائسة تارة أخرى . أفلح الشاب بعد عدة محاولات في اصطياد سمكة كبيرة ، تمنى الرجل العجوز لو كانت له ، أخرجها الشاب بصعوبة من البحر . تفحصها والتقط معها صورة بكاميرا كان يحملها معه . خطى إلى الشاطئ بضع خطوات وحرر السمكة من صنارته ثم ورماها في البحر .

المخرج العراقي
سمير الرسام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته