الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخضع!

سعيد تيسير الخنيزي

2010 / 9 / 6
المجتمع المدني


في بدايات مرحلة الطفولة, بين اللهو والمرح, والصياح والشقى, الطفل كغيره من الاطفال يبدأ يدخل في عملية السؤال والجواب, فهو على صغر سنه يبدأ بـ لماذا اصبح هذا وكيف اصبح ذاك. هو يفكر لآنه يوجد في نفسه شهوه وحب لعملية الاطلاع. وبالطبع ليس من الحرام والحلال مايعيقه ليردعه لانه في نهاية المطاف "طفل". سنة تلو الاخرى ليعيش رغد طفولته, ما ان تتوقف كل معطيات الفكر لديه لكي تزيح مقامها مسلمات المجتمع والتقليد العاطفي المعتاد عليها والسائدة وبالتالي الطاعة لولي الامر تصبح مقدسة لتشكل الدور الاهم في عملية التعايش مع المجتمع. تسري النسين ليغذو شابا, تراكمات وضغوط نفسية تبدأ بمفعول التخدير الفلسفي لتشكل انسان مسير و ليس مخير, غائص في حدود معطيات فكره ورافض لوجهة النظر الاخرى. لا أريد ان استرسل في علمية الطفل ونموه, بل المقصود هنا رسمها كمقدمة للخضوع الاجتماعي, والتي تستنبط ان الانسان من صغر سنه مستعبد مطيع فكريا من قبل المجتمع التقليدي والمحيط من حوله.



أذا, منطلق التحرير عند الانسان هو العقل، وعندما يتحرّر العقل من الجمود والتحجّر والخرافة، ويتنوّر بالانفتاح والمعرفة و عدم مقاضاة الاخرين، يكون الانسان قد امتلك الأداة الفعّالة لتحرير الذات، واحترامها، واحترام الذات وحفظ حقّها وحرِّيّتها، لا يتحقّق إلاّ باحترام حقوق الآخرين وحفظ حرِّيّتهم. إن العقل الحر الطليق يرجع إلى ذاته مفكراً في شؤونه، أما العقل المقيد فيبحث عمن يرجع إليه ليبصره حتى بأخص خصوصياته. هذا الجدل بين المرجعية الذاتية والمرجعية الغيرية هو الذي يحتدم من أجل بلوغ نهاية حاسمة لابد منها لاستعادة البشر حرية التفكير في مصائرهم وحياتهم وحتى رؤاهم في الحياة من صغيرنا الى كبيرنا. إن هذا الرأي يقوم على مماثلة الجاهل - العالم بالمريض - الطبيب؛ وهذه المماثلة لا توفر الأساس الذي يدعم ضرورة المرجعية ولزومها؛ فهو على مستوى العقل يعزز أسس التلقين الأجوف والتسليم الأعمى للآخر بدلاً من إرساء دعائم الوعي الذاتي ، تكريس التبعية بدلاً من استقلال الرأي .



الطاعة العبودية العمياء أصبحت أهم مرتكزات الفكر الديني، وأسلوب العصا والجزرة بسراب عذاب الجحيم والهناء في الجنة هو أساس التعاليم الدينية في خلق وعي الخضوع والخناعة في النفوس البشرية. معسكرات الإعتقال الفاشية وغير ذلك قامت على ترسيخ الخضوع للسلطة في الوعي الباطن, فهي مجرد تطبيق عملي للتشويهات والأمراض النفسية التي تجد جذورها وأسبابها في مجمل الفكر المثالي الديني. يجب على الإنسان أن يولد ويتربى حرا، ليرتقي ويكون إنسانا ذو كيان بمعنى الكلمة، وهذا ما قد يحتاج قرونا من التطور في ظل الحرية الفكرية الغير المحددة بأي ظوابط مسبقة بأعتبارها فطرية وبديهية لكي تتطبق, أي بتحجيم ونبذ وإلإلغاء التام للمنظور الديني, أو بالاحرى, الديني الاجتماعي (كلام القيل والقال), في حياة البشر ليزيح مكانها الاحترام الاجتماعي المتبادل لجميع الاديان والاديولوجيات والمعتقدات الفكرية.

إن افتقاد رجال الدين بمعظمهم إلى المرونة وتقبل الرأي الآخر، إنما جاء موروثا عن استمرارهم في الكلام بلسان المقدٍّس، وهو أمر غير قابل للنقاش بطبيعته. من هذا المنطلق كثرت جلبات الثوراة الدينية الإصلاحية على مرِّ العصور، وتعاظم عدد ضحاياها، وتضاعفت قسوتها ومرارتها. وقلما لمحنا ثورة دينية إصلاحية، مرت بسلام على طاولة المحاورات، بل هزت صرخاتها أركان الأرض والسموات، وانتشرت وشبت نيرانها في الصحاري والغابات! ورجال الدين بمعظمهم لا يعرفون الدبلوماسية، إلا تدليسا أو تزلفا، لأنهم اعتادوا الأمر والنهي، بصيغة الوعظ والإرشاد، حتى لو احتاجوا هم إلى الوعظ والإرشاد أكثر من غيرهم. ومن الصعب على من يحمل الدين في ذهنه كعدد من القواعد الفكرية الصوانية، أن يتعلم درسا من مآسيه الدينية التاريخية، أو أن يكتسب من مثل هذا الماضي المؤلم أية موعظة. فالتاريخ النصراني مثلا كان مخفوقا بالدم والعذاب في بداية الدعوة النصرانية، ولم يتعلم منه رجال الدين شيئا، بل نكلوا بأتباعهم فضلا عن أعدائهم من اليهود والوثنيين، بما لا يقارن مع معاناة أسلافهم رجال الدين السابقين. ومحاكم التفتيش التي أنشئت بقرار من البابا "جرينوار التاسع" عام 1233م، وكان هدفها محاربة الهرطقة في كل أنحاء العالم المسيحي، هي أكبر مثال على هذا الظلم، الذي لم تعرف البشرية له مثيلا.


حبذا ياأخي المواطن العربي ان لا تسير عكس اتجاه التيار, فعليك بالصمت الخاضع الذي يسير ضمن الاتجاه السائد, المسموح منه والمحبب, لتكسب اجرا وفوزا عظيما. هل نستطيع ان ننكر ان قتل الثقة في انفس البشر هو الشي السائد في الدول العربية, لا بل هل نستطيع ان ننكر اننا امام كارثة عقلية مستعبدة سواء من ولي الامر النموذجي العربي لآنه لا يسمح بأي معارضة باعتباره انسان "مقدس" وكأنه نشأ ليعطي "فقط" ولايأخذ. لذا, نحن في حقيقة الامر ليسوا احرار بأنسانيتنا, "لا نستطع ان نجادل حتى بكلمة "لآ" عندما تكون الـ "لآ" اعتقادنا, وبالانصاف, لا نجرؤ على البوح بـ "نعم" حينما تكن الـ "نعم مصيرنا, وقد خاب من حمل ظلما.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين والدولة
د. قاسم ( 2010 / 9 / 8 - 00:29 )
موضوع جميل جدا استاذ سعيد, ليتنا نستفيد من التجربة الغربية عندما ادخلوا الدين بالدولة وماذا حل لهم.

د. قاسم


2 - الدين والدولة
د. قاسم يحيي ( 2010 / 9 / 8 - 04:48 )
الدين والدولة امران غير متناقضان و في نفس الوقت يشكلان تناقض حاسم. والمقصود هنا ان الدين بعينه لا يتضاد مع اي سياسات الدولة قد تخضع لها, وانما تحرف الدين بشكل قاطع ليذهب
بمنهج اجتماعي بدلا منه التقرب الى الله . شكرا مع خالص تمنياتي للكاتب بالتوفيق

د.قاسم يحيي

اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب