الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولم هذا الصمت ايها العراقيون؟

صلاح وهابي

2010 / 9 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تامل العراقيون خيرا حين هوى الصنم في 9/4/ 2003 بعد ان حول حياتهم دما اسود.
في صباح جميل, يوم الانتخابات النيابية 7/3/2010 استطاع العراقيون عجن اللون الاحمر بالاسود, ليحولوه الى لون بنفسجي زاهي, املا في غدا افضل الا ان المتدافعين على كراسي السلطة اعادوا تجزأة اللون البنفسجي(1) سوادا ودما اكثر قتامتة.
اسباب الاستعصاء
ان بعض التحليلات التي تطرقت الى هذا الاستعصاء, طرقت على جدار المشكلة ولم تضرب في العمق.
ويمكن ارجاع هذا الاستعصاء الى:
1 – ان التجربة الديمقراطية فتية, فسبع سنوات في تاريخ الديمقراطيات تعتبر قصيرة اذ لم تتهيأ للعراقيين فرصة تاريخية لممارسة الديمقراطية, الا لفترة قصيرة اوبان العهد الملكي, لكونها عرجاء, ولم تستطع ان ترسي تقالييد ديمقراطية.
ولم تستطع ثورة تموز انضاج هذه التجربة الفتية, لتكالب اعداء الثورة في الداخل والخارج, وعدم ايمان العسكر بالديمقراطية حين تصدروا المواقع الامامية, مما مهدت لنقلابات عسكرية فاشية, لحين سقوط الصنم.
فزرع جنين الديمقراطية في انابيب اختبار, وحقنها داخل رحم جاف ومتيبس, ولد هذا الجنين بعملية قيصرية, لذا خرج خدجا ومشوها.
2- امساك التيارات الطائفية والقومية طرفي المتناقضات, مما يدخلها في الاستعصاء, فهي تؤمن بالديمقراطية / وتلتسق بالكراسي والامتيازات.
فالنظام الديمقراطي هرم يقوم على قاعدة مثلثة زواياه:
أ – اقتصاد مجتمعي متطور يوفر الرفاه للمواطنين.
ب- نظام حكم سياسي تداولي, يستند على مساواة الناس في الحقوق والواجبات.
ج- منظومة فكرية ثقافية اساسها الفكر العلمي المتطور.
فأي نظام يدعي الديمقراطية دون توفير اسس الاقتصاد السياسي المجتمعي بزواياه الثلاثة يعتبر مجرد هراء ولغو فارغ.
فاقتصادنا لايزال ريعيا وهو غير قادر على خلق قيم حقيقية اصيلة, وتقاليد ديمقراطية حقيقية.
فالمجتمع البشري لم يشهد ديمقراطيات خالصة, الافي عقول فلاسفة اليوتوبيا. فالديمقراطية نسبية تتناسب طرديا, كلما تكافات زواياه, حينها ستصبح الديمقراطية جزأ من فكر وسلوك الناس.
ارى ان مسك طرفي المتناقضات التي يطلق عليها عالم الاجتماع علي الوردي( ازدواج الشخصية العراقي)(2) يكون نتاجا لتصادم قيم البداوة والحضارة, هي في الحقيقة ناتجة عن اختلاف انماط الانتاج, وعدم تكامل وتناسق زوايا قاعدة الهرم. فصراع قيم البداوة مع قيم الحضارة هي نتيجة وليست سببا. فالبناء المادي هو الذي يشكل البناء القيمي, رغم استقلالية الاخير وتخلفه في معظم الاحيان, فمجتمعات كثيرة تعاني الازدواج ولا نر لقيم البداوة من اثر, ولا في خراطئها مناطق صحراوية.
واعتقد ان الوردي تدارك ذلك باستعمال مصطلح( التناشز الاجتماعي) مستعينا بنظرية عالم الاجتماع الامريكي( اوكبرن) الذي اكد ان التطور التكنلوجي للمجتمع يسبق تطور قيمه, فيحدث التناشز وهو اقرب الى تفسير الازدواج.
فحكامنا ومحكومينا يلهجون بالديمقراطية ويتخلون عنها عملا, ونسبح بذم( الطائفية) المسكينة ليل نهار, وهي سبب بلائنا وتخلفنا واستعصائنا, ولكن حين يجد الجد وتتعرض مصالحنا وامتيازاتنا للخطر, نهرول للتخندق خلف متارسها, سواء كانت دينية, مذهبية, سياسية, عشائرية, قومية.
ومن منا لم يهرول الى الوساطة والرشوة حينما يستعصي عليه الامر؟!.
نادرا من لم يمارس سلطة دكتاتورية ذكورية اتجاه الزوجة والاولاد والمعلم اتجاه طلابه ورب العمل اتجاه عماله والضابط اتجاه جنوده والموظف اتجاه مراجعيه والحاكم اتجاه الرعية.
3- معظم الناخبين شحنوا بشحنات طائفية, ولم ينتخبوا برامج وانما انتخبوا طائفة, خوفا من المقابل لابتلاعئه وتهميشه, مدفوعا بسنين من التخلف والجوع والتشريد والقتل.
ويجافي الحقيقة من يقول ان صدام حسين كان عادلا في توزيع ظلمه على جميع العراقيين, هذه السياسة هي التي اسهمت في خلق سلوك قطيعي سرعان ما انساق وراء الافكار الغيبية والعشائرية والقومية.
فكثير من هذه الاصوات لاتمثل اختيارا حقيقيا, ولكنهم يتحملون قسطا كبيرا من هذا الاستعصاء.
وكما يقول الروائي والكاتب عبد الزهرة علي:(( لو كانت ثقافة الكاتب اثناء العملية الانتخابية ترتقي لمستوى المسؤولية والوعي في اختيار الاشخاص المناسبين في الاماكن القيادية للدولة والحكومة لما حدثت هذه الازمة))(3). فانطبقت عليهم الاية القرانية(( كيفما تكونوا يول عليكم)), فلو لاتزال معلقة في السماء, لكن بعد حين.
4- قانون الانتخابات المعدل رقم 106 لسنة 2009 الذي فصل على مقاسات الكبار, وحتى الخنق على غيرهم, باقرار العراق دوائر انتخابية متعددة, حيث سرق الاغنياء حصص الفقراء ولم يكتفوا بذلك بل قسموا بينهم سبعة مقاعد شاغرة, حتى وصل ماسرقوه الى(40) مقعدا نيابيا لم يصل اصحابه الى العتبة, وهم يلهجون بالعدالة والخوف على مصالح العراقيين, ناسين الدور الكبير الذي لعبته احزاب وطوائف وشخصيات في مقارعة الظلم والدكتاتورية البعثية.
5- تدخل دول الجوار:ارهابا ومالا ودعاية, لافشال التجربة الديمقراطية خوفا من نظرية(الدومينو) او على الاقل عرقلتها وجرها لوجهتهم بالاعتماد على اجندات داخلية وخارجية, مما خلق نواعا من الارباك والتباطؤ, فزاد الاستعصاء استعصائا, لاختلاف المتصارعين وغياب الوحدة الوطنية.
6- ضعف التيار الديمقراطي واليساري: لتشظيته وتهميشه, وهو المعول عليه مستقبلا, لانه القادر على الاعتلاء على صغائر الطائفية والقومية والعشائرية والحزبية الضيقة, فالعراقية لونه الغامق.
ولكن البعض اصيب بالاحباط والاخر تضخمت لديه الذات فهرول وراء الاحزاب الكبيرة لتعويض مافاته, ومن وقف على التل في انتظار المهدي او المسيح, ويحتاج الى من يأخذ بيده للنزول.
وعلى القوى الديمقراطية واليسارية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي لملمت هذا التيار ودفعه للعمل الجماعي, لكي ياخذ دوره الطليعي.
ماالعمل؟
قلنا ان الديمقراطية الحقة لاتستقيم الا على قاعدة مثلث الهرم, ولم يتناغم ذلك ويفعل الا بالجهد البشري, فالمجتمعات التي سبقتنا ديمقراطيا طرقت كل ابواب الكفاح, وقدمت دما وعرقا للوصول الى ما وصلت اليه. لان الديمقراطية ليست فرمانا يعطى بالمجان.
فالساحة العراقية ناضج تمرها حتى قبل اوانه من شدة لهيب تموز واب وحكامه ارهابا ودما وقلة الخدمات, للضغط على الكتل المتصارعة للاسراع بتنفيذ الوثيقة البنفسجية, واولها الاسراع في تشكيل الحكومة ووو.
وتراكم لدى الاحزاب الوطنية واليسارية ارث من النضال الطويل في مقارعة الدكتاتورية, لتحريك الجماهير ب:
1 – الخروج بتظاهرات جماهيرية سلمية تعم العراق من اقصاه الى اقصاه, دون الاضرار بالمال العام, وعلى القوى الامنية حمايتها لاقمعها كما حدث في البصرة والناصرية, بحجة تجير لهذا الحزب او ذاك. اليست المسيرات الدينية المليونية(4) تجير من صالح الاحزاب السياسية الطائفية, او تمنع بالقوة بحجة عدم اخذ الموافقات المسبقة, وكان الجماهير قاصرة وبحاجة الى وصايا لاتخرج الا باذنها, وهذا يخالف الدستور.
2- الاعتصامات: بتعطيل النشاط اليومي في الشارع والمؤسسة, لكي يعرف من يسكن الخضراء ومن هجر عائلته للخارج ومن غنى على حساب الجياع والمحرومين ومن اسهم في الاستعصاء. ان هذا الشعب لايستهان به, وان من يصبر اليوم قد لايصبر غدا.
3- الندوات الجماهيرية بشرح مخاطر تاخير تشكيل الحكومة على الوضع الامني والخدمي, لرفع الغشاوة عن اعين جماهير غفيرة استغلوا من قبل الاحزاب الكبيرة. وهنا يتجلى دور الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات والمثقفين: باقامة الندوات والمعارض والمسرحيات ونشر المواضيع في الصحف والمجلات, للنفخ في الرماد ليتطاير الشرر.
4- اعادة الانتخابات: وهي عودة الى الشعب ليقرر من هو الاحق في تشكيل الحكومة, لانه صاحب المصلحة الحقيقية في كل هذه العملية, عسى ان يعتبر والا يلدغ ثانية, وان يعرف ان صوته ثمين فمن الظلم التفريط به.
كما ان اعادة الانتخابات حق دستوري كفلته المادة(64) من الدستور بدعوة رئيس الجمهورية لحل البرلمان, وانتخاب برلمان جديد خلال مدة(60) يوما. او يقدم ثلثا مجلس النواب اقتراح بحل المجلس واجراء انتخابات جديدة, شريطة ان يسبق ذلك اقرار قانون الاحزاب, وتعديل قانون الانتخابات المعدل بالاخذ بقرار المحكمة الاتحادية, بعدم دستورية قانون الانتخابات المعدل, وان تكون قراراتها واضحة وقطعية لاحمالة اوجه.
ان الدرس الوحيد الايجابي الذي افرزه الاستعصاء, هو ان حشدا من هذه الجماهير التي غمست اصبعها بالبنفسجي, لابد ان تعيد النظر في اختياراتها اللاحقة. ومثل يقال( ان صديقك يعرف في المهمات الصعبة) و(ابو كروة يبين بالعبرة).
فكل المتصارعين على الكراسي تطايرت وزراتهم, وبان المستور لقادة غير قادرين على تشكيل حكومة ستزيد على ستة اشهر وهلم جر, فكيف يمكنهم تشكيل حكومة قوية قادرة لتخليص الناس من نفق الارهاب, وضعف الخدمات, وتردي الوضع المعاشي. اهذا ماكان ينتظره الناخبون؟!.
الا يشاهد المتصارعون الفضائيات, يوم رفعت امراة فقيرة اصبعها البنفسجي لتقول بصوت امتصه الالم ( انتخبت وكلشي ماحصلت) والاخر اختزل كل معاناة الناس وندمها بقطع اصبعه حد البنفسجي احتجاجا على مهزلة تشكيل الحكومة وتداعياتها, وثالث دفعه ذلك للانتحار.
رغم كل هذه التداعيات فانا مؤمن من ان العراقيين لقادرون على الخروج من التحدي الكبير لحماية وليد الديمقراطية, لما عانوه من ظلم ودم وجوع, واغتيال للوقت.لان مافاتنا ليس بالقليل.


الهوامش:
1 – كثير من النواب لايعرفون ان اللون البنفسجي مزيج من لونين الحمر والاسود.
2- ان هذا الموضوع يحتاج الى دراسة معمقة, من قبل علماء الاجتماع, النفس, السياسة, الاقتصاد, الفلسفة, وكل المعنيين بالشان العراقي الاجتماعي لاهميته, وهو جذر لكثير من المشاكل الانية والمستقبلية.
3- جريدة طريق الشعب: موضوع( صيحات احتجاجية بوجه ازمة تشكيل الحكومة) العدد 21 السنة 76 الخميس 26 اب 2010 .
4-رغم ايماني باحقية الناس في ممارسة طقوسهم, الا ان تكرارها بهذا الشكل يعرقل عملهم وعمل الناس, ويعرضهم لمزيد من الدم, وقتل الوقت وتوجيه الجهود الامنية الكبيرة لحماية المسيرات بدل توجيهها لمحاربة الارهاب.
واعتقد لونهض الامام الحسين ورأى هذه المسيرات المليونية وهي معطلة لطلب منهم الرجوع الى مدنهم الفلاح الى حقله والعامل الى معمله والموظف الى دائرته والطالب الى مدرسته والقيام بتنظيف مدنهم, والتبرع بالدم للجرحى والمرضى وما تجود ايديهم لمساعدة الفقراء. الا كان هذا اولى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل


.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل




.. العقيدة النووية الإيرانية… فتوى خامنئي تفصل بين التحريم والت