الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديموقراطيتنا بين العيب والممنوع والحرام

نضال الصالح

2010 / 10 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إرتشفت القهوة العربية المطعمة بالهال بتذوق بعد طعام دسم وألقيت النظر على الوجوه التي تحيط بي فرأيت فيهم أهلي وأقاربي وأصدقائي فشعرت بالراحة لأنني بينهم بعد طول غياب. عم الصمت قاعة الضيوف في بيت المضيف، وكان يشوش الصمت صوت رشفات القهوة السادة من شفاه الضيوف وإعادة ملئ الفناجين من دلة ذات فم ضيق معكوف يدور بها مضيفنا على ضيوفه.
شق الصمت صوت أحد الضيوف قائلا:" هل رأيتم ما يفعل الرافضة أعداء الإسلام وكيف يشتمون السيدة عائشة أشرف سيدات الخلق ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت سيدة بعد أن وضعت فنجان القهوة الفارغ على الطاولة التي أمامها:" شاهدوا برامجهم التلفزيونية فكلها حقد على الإسلام والسنة وعلى صحابة الرسول رضوان الله عليهم جميعا." قال أحد الجالسين: " حزب الله يرفع شعار فلسطين كتقية وكل هدفه فتح الأبواب لإيران الشيعية حتى تحتل أرضنا وتنشر أفكار الرافضة ويسقط دين الحق، دين أهل السنة والجماعة."
بقي الحديث يدور حول الشيعة وموقفهم العدائي من السنة وحقدهم على السيدة عائشة وعلى صحابة النبي الأتقياء الأوفياء المعصومين عن الخطأ. كان واضحا تماما أن معلوماتهم مستقاة من أئمة المساجد ومن بعض محطات التلفزيون المدعومة بالبترودولار. بقيت صامتا أستمع وكان كل من الموجودين يدلي بدلوهه في بئر الخطر الشيعي على أمة محمد. إنتظرت أن ينتهي الحديث ويتحول إلى الخطر الإسرائيلي المحدق بمجموع الأمة والويلات التي يذوقها أهلنا في فلسطين على أيدي قوى الإحتلال، ولكن أنتظاري كان عبثا. فجأة لاحظ بعضهم صمتي فسألني عن رأيي. فكرت وترددت طويلا قبل أن أنطق بأي كلمة، ولكن العيون المسلطة علي والوجوه المنتظرة جوابي دفعني للحديث فقلت:" تعرفون رأيي بكل الخطابات الدينية، مسلمة كانت ام مسيحية أم يهودية، سنية كانت أم شيعية، ولكنني أرى في حديثكم هذا زرعا للفتنة نحن في غنى عنها وخاصة في ظروف الهجمة الصهيونية والإمبريالية على بلادنا. ثم أن المرجعية الشيعية إستنكرت التهجم على عائشة وعلى صحابة النبي، وهذا هو فصل المقال ولا ضرورة لإعادة وتكرار قول فرد هنا وآخر هناك،كما أن هذا الموضوع ينتمي إلى الماضي ونحن علينا أن ننظر إلى الحاضر والمستقبل والمشاكل المعقدة التي تواجهنا، وآخر ما نرجوه هو نشوب فتنة بين السنة والشيعة. قاطعني أحدهم صائحا: " لا تصدقهم! تصريح مرجعيتهم هو تقية وهم يقولون مالا يضمرون. تابعت كلامي دون أن أعير أي إهتمام لموضوع التقية وقلت: عند أهل السنة مجموعات تكفيرية إرهابية وهي أكثر خطرا علينا جميعا من أي خطر شيعي محتمل. كما أن عائشة والصحابة بشكل عام هم بشر ليسوا معصومين عن الخطأ ومن حق أي كان توجيه النقد لهم."
إنطلقت القنابل الكلامية من مدافع الشفاة الملحمية وتوجهت كالصواريخ تجاهي واللهب الحارق يخرج منها. راحت عيناي تمعن النظر في تلك الشفاة المرتجفة كرشاش حربي سريع الطلقات وقطرات اللعاب تمتزج مع الكلمات المنطلقة كالرصاص حاملة كل الحقد الإنساني. إستطعت أن ألتقط من بينها كلمات مثل كفر وحرام وردة وعقاب ولا نسمح وغير مقبول. حاولت أن أرد وأشرح رأيي وموقفي ولكن الألسنة الحادة كالسيف قطعت جملي كما يقطع السيف لحم عدو في يد محارب حاقد. لم استطع أن أقول، مهما حاولت، جملة واحدة مفيدة، فآثرت الصمت. تابعت صمتي ولم يعد للقهوة مذاق ولا رائحة، ولا أدري كم إستمر الهجوم وكم من التهم والشتائم سقطت على رأسي. كانت العيون تحدق في وجهي والشرر يتطاير منها وكانت الشفاه تصب حماها علي فحدقت في وجوههم، لم يكن هؤلاء أهلي ولا أقاربي ولا أصدقائي الذين إشتقت إليهم بعد غربة. كانوا غرباء وكنت بينهم أشد إغترابا من غربتي خارج وطني. قبض الحزن على قلبي حتى كاد يدميه وغلى الدم في عروقي ولم أعد أحتمل فصرخت في وجوههم بأن يصمتوا، فصمتوا محدقين بي في بله .
قطع الصمت مضيفي الذي دعاني لتناول الطعام في بيته ودعا الأهل والأصدقاء على شرفي، قائلا: يا أخي، نحن نحبك ونحترمك ولكننا نرجوك أن لا تتكلم في الدين، فأنت، مع حبنا لك، تثير مشاعرنا، أنت في كتاباتك تشكك بصحة الأحاديث النبوية، وترفض حصانة الصحابة، وتدعوا إلى حرية العقيدة والرأي والدين، وتطالب بتحرير المرأة، كما تصرح بتاريخية النص القرآني وتنكر تاريخية القصص القرآني وأنبياءها، وهي أفكار غربية خطيرة تمس عقيدتنا وديننا. لذا نرجوك أن لا تتكلم أمامنا في أمور الدين.
نظرت إليه ورأيت علامات الرجاء في تقاسيم وجهه. كان يرغب في التخلص من مأزق أوقع نفسه، بدعوتي، فيه، فقلت: سمعا وطاعة، أنا لن أتكلم في أمور الدين." ثم سألته مستفزا: " هل تسمحوا لي التكلم بالسياسة؟ إختلف الحاضرون في الجواب فبعضهم قال لا باس وآخرون قالوا لا للحديث في السياسة. جاء مضيفي وجلس بجانبي وقال: " يا إبن عمي، لا ضرورة للتحدث في السياسة، فنحن نعرف آراءك وهي تحريضية ويمكنها أن تؤذينا، فأنت ستغادر البلد أما نحن فسنبقى في الوطن نتلقى إنتقام قوى الأمن والسلطة. طبعا نحن لا نستطيع أن نمنعك من الكلام ولكنه رجاء منا لك. أضاف طبيب العيون الذي كان جالسا بقربي:" لماذا الحديث في السياسة؟ فنحن نأكل ونشرب ونسافر ولا أحد يعتدي علينا أو يضيق من راحتنا أو يعتدي على حرماتنا. الحديث في السياسة وجع راس على الفاضي ولا لزوم له."
قررت الصمت المطبق فاغلقت فمي بإحكام، وصمت الباقون مع صمتي يراقبون تحركاتي. ثم بدأت أحاديث ثنائية بين الجيران في الجلسة وطرقت مواضيع تتعلق بالعائلة والأولاد والعمل، أحاديث لم أشارك فيها. لعل صمتي لم يعجب البعض فسألتني سيدة: " ما هي الأكلات المفضلة عند السلوفاك؟ نظرت إليها متمعنا ولقد رأيتها فرصة لإثارتهم وإغضابهم فقلت: " هم يحبون أكلة تشبه السجق، وهي عادة مصنوعة من لحم الخنزير، وهي أنواع بعضها صغير مثل ذكر الولد في سن العاشرة وبعضها متوسط مثل ذكر الرجل وبعضها كبير مثل ذكر الحمار أو الحصان."
عم الصمت القاعة ورسمت على الوجوه إبتسامات خجولة وبدأت التمتمات تدوي في القاعة:" عيب، والله عيب، إللي إستحوا ماتوا، كلام عيب." إستمعت إلى التمتمات ولقد بعثت في نفسي الفرح والسرور. ناديت على المضيف أن يحضر إبريق القهوة ويملأ فنجاني. جاء إلي وتمتم أثناء صب القهوة:" ما الذي فعلته يا إبن عمي، هذا ليس من مستواك ونحن نعرف أنك أديب وليس هذا من شيمك." ثم أضاف بقلق:" الله يمرر هذه الليلة على خير."
لم أعر مضيفي ولا قوله إهتماما وأخذت في إرتشاف القهوة. بعد فترة عم الصمت القاعة ورأيت عيون الموجودين تتحاشاني. أخذت أحدق في الوجوه متحديا. بعد فترة من الصمت طالت حتى أصبح الوضع محرجا قال أحدهم بصوت عال، كأنما حديثه موجه نحوي مع أنه لم يكن ينظر إلي: " هل رأيتم أوروبا التي تدعي الديموقراطية والحرية وترفع شعار حقوق الإنسان؟ إنها تعتدي على حقوق المرأة المسلمة وتمنع النقاب." خرجت التمتمات من أفواه الحضور موافقة على قول صاحبنا وأضاف البعض جملا مثل: " إنهم يكرهون الإسلام والمسلمين، يدعون الديموقراطية ويعتدون على حرية المسلمين وحقوقهم، يجب أن لا نسمح بالإعتداء على حرية المرأة المسلمة ومنعها من لبس لباسها الشرعي بما فيه النقاب.
إستمعت طويلا لحديثهم يشكون من تعسف الديموقراطية الغربية وإعتداءها على حقوق المسلمين وخاصة حق المرأة المسلمة بلبس النقاب وتغطية جسمها ووجهها ويديها حتى تصبح إمرأة "إنكوغنيتو" مجهولة الجنس والهوية ولا تعرف إن كانت من جنس البشر أم من كوكب آخر، وإن كانت رجلا أو إمرأة. شعرت بعمق التناقض في تفكير أمة محمد وتجذر داء الفصام في العقل المسلم.
قمت وتسللت من القاعة إلى الحديقة ومنها إلى الشارع ولم يكتشف أحد خروجي ولا شعر بغيابي. تنفست الهواء الطلق المنعش ونظرت إلى السماء. بحثت عن القمر فلم أجده، مع أنه من المفروض أن تكون ليلة قمرية. لعله إختفى خجلا من ما سمع. كان الصمت والظلام مخيم على المدينة يشقهما بين الحين والآخر صوت ونور مصابيح السيارت المارة على الطريق العام. تمنيت لو أن لي جنحان فأطير بها بعيدا. لم يكن لدي جنحان فوضعت يدي في جيوبي ومشيت مغادرا.

د. نضال الصالح/ فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
درويش السيد ( 2010 / 10 / 22 - 07:55 )
تحياتي ويسلم ما كتبت وكيف تعبر عن واقع ما عليه القوم اليوم.اعتقد ان الرهان على رجل الشارع غير مجدي في اجواء الغياب الكامل للنخب التي لاتزال تحتفظ ببعض العقل ولاتزال ترى بقعة ضوء في هذا السواد الملتحفين به .

اخر الافلام

.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل


.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة




.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد