الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفعيل العمل بين صفوف الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الشعبية والمثقفين

الحزب الشيوعي اللبناني

2010 / 10 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ورقة الحزب الشيوعي - المحور الثاني - الاقتصادي
ورقة ( المحور الثاني) الحزب الشيوعي اللبناني في اللقاء اليساري العربي
تفعيل العمل بين صفوف الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الشعبية والمثقفين
وصياغة برنامج النهوض الاقتصادي والتنمية والتطور الاجتماعي



الدين ليس سبب التخلف الاقتصادي والأحزاب الدينية/المذهبية ليست الحل!

قدم الورقة الرفيق حسان حمدان
مقدمة
سببت السياسات الإقتصادية والإجتماعية للأنظمة العربية في سياق التبعية للرأسمالية النيو-ليبرالية العالمية أزمات عميقة تعاني من نتائجها الطبقة العاملة وسائر فئات الشغيلة والفلاحين والمزارعين الصغار والفئات الشعبية من ذوي الدخل المحدود بما فيهم الفئات المهمشة اضافة الى النساء والشباب وذوي الحاجات الخاصة. في مقدمة تلك الأزمات الفقر والبطالة، بكل أوجهها المباشرة وغير المباشرة.
ان الهدف من هذه الورقة هو كشف السياسات الاقتصادية-الاجتماعية التي يتم اعتمادها من قبل النظام اللبناني بشكل خاص، واغلب الانظمة العربية بشكل عام، من اجل رفع الوعي حول الاسلوب المتبع لافقار ونهب الشعوب العربية. ان كشف المضمون الطبقي لهذه السياسات سيساهم في تعبئة واصطفاف العمال والفقراء حول الاحزاب اليسارية التي بواسطة برامجها النضالية من خلال المنظمات الجماهيرية والنقابية (والتي سنتطرق اليها) تدافع عن المصالح الطبقية للفقراء والعمال ومتوسطي الدخل واصحاب الدخل المحدود بشكل عام. أن التحليل الذي سنقدمه سيكشف الاسباب وراء عدم تحول هذه الدول، بالرغم من الموارد الكبيرة، من دول نامية إلى دول صاعدة. فعلى الرغم من كل التطورات التي ميزت الرأسمالية في القرنين الماضيين؛ بقيت الانماط الاقتصادية في العالم العربي، تراوح مكانها بشكل شبه ثابت، عن عمد، لتأخذ شكل تركيب هجين ما بين الاقتصاد الريعي والاقتصاد الرأسمالي! والريع هو مفهوم علمي، عرّفه ابن خلدون على أنه كسبٌ بدون أيّ إيراد دون سعيٍ أو عمل؛ مقارنة مع الرزق الذي يتطلّب جهداً. تكمن الإشكالية الاساسية للريع في كيفية تملّكه وإدارته وتوزيعه – فالانظمة العربية الريعية تستخدم مداخيل الريع وتوزعه عبر سياسات تؤدّي إلى إخراج السكان من الحيز السياسي وبالتالي من أي مطالبة بالديموقراطية. اما الاشكالية الثانية فتتمثل بأن الدولة الريعية لا تحصل على مواردها من قطاعات انتاجية حيث يلعب المواطنين دورهم في عملية الانتاج هذه ويساهمون بشكل اساسي عبر الضرائب بتحسين واردات الدولة. وبالتالي فالدولة الريعية لا تخضع إلى أي محاسبة من هؤلاء، فتصبح مستقّلة سياسيّاً (عن مواطنيها) انطلاقاً من استقلالها المالي عنهم ومرتهنة أكثر الى من يملك فعلياً ويستخرج أكبر مصادر الريع هذه أيّ الولايات المتحدة والغرب. وفي هذا السياق المقلق جداً هو المؤشرات الحديثة التي ما برحت تظهر تضخّم قطاع الاقتصاد الريعي منذ نصف قرن، بحيث أضحى اليوم الميزة الرئيسية لاقتصادات العالم العربي والشرق الاوسط! ان هكذا تحليل يظهر أن الإسلام (كدين) ليس مشكلة التخلف الاقتصادي في العالم العربي كما يبرهن أن قوى المقاومة والممانعة الدينية (طالما انها مفتقرة الى حد ادنى من برنامج تغييري على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي) ليست الحل!
١- في تحديد مفهوم التنمية
في البدء لا بد من تعريف التنمية بحسب مفهومنا قبل ان نقوم بعملية قراءة نقدية للواقع الاقتصادي الاجتماعي في العالم العربي. ومن هذا المنطلق، لعله من المفيد مراجعة بعض الخصائص الرئيسية للبنان فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تطلق عليه سلطة الطوائف تسمية التنمية:
 السياسة الضريبية: تقوم السياسة الضريبية في لبنان على تركيز العبء الضريبي على عاتق الفقراء ومحدودي الدخل عبر الضرائب غير المباشرة التي تشكل ۸٠% من الدخل الضريبي.
• سياسة السوق المفتوحة: تدفق السلع الصناعية والزراعية و السلع الاستهلاكية مع تراجع القدرات التنافسية للانتاج المحلي؛ مما يؤدي الى اهمال كلي للقطاعات المنتجة الزراعية والصناعية مما يحد من خلق فرص عمل جديدة ويفاقم الهجرة ويحد من الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي.
• السياسة النقدية: رفع معدلات الفوائد الحقيقية الى اعلى المستويات؛ ورفع الدين العام بدون مبرر؛ لاستقطاب رؤوس الاموال الاجنبية التي تستثمر في القطاع العقاري والمصرفي وتؤدي الى نمو مشوه مما يرفع الاسعار ويخفف القدرات التنافسية للقطاعات الانتاجية ويسفر عن بطالة وهجرة وافقار لاكثرية اللبنانيين.
• الاحتكارات: سيطرة الاحتكارات في كل القطاعات لتنتج ارتفاعاً كبيراً في الاسعار وانخفاضاً في القدرة الشرائية. فالاحتكارات ترفع الأسعار دون أي رقابة من الأجهزة الرسمية وتطال ميادين الغذاء، النقل والصحة والدواء والاستشفاء والسكن والتربية والتعليم وصولاً الى الترفيه.
لقد أدت السياسات أعلاه الى الأزمات الرئيسية التالية:
 تفشي البطالة بأوجهها المتعددة، المباشرة وغير المباشرة وقد سجلت معدلات قياسية في العقدين لأخيرين اذ بلغت ١٥% من القوى العاملة عمومًا وبين ٣٠ و ٣٥% للفئات الشابة بين سن ١۸ و ٣٠ عاماً.
 هشاشة العمل؛ حيث تجلت هذه الظاهرة في العقدين الأخيرين كسمة جديدة تعكس نتائج السياسات النيوليبرالية لجهة تفكيك التشريعات الاجتماعية ولاسيما قانون العمل على تخلفه الشديد وفرض المرونة في سوق العمل خدمة لمصالح الرأسمال.
 التدني الشديد لمستوى الأجور والمداخيل للأغلبية الساحقة من العاملين. فالقدرة الشرائية تآكلها التضخم بشكل كبير في العقدين الأخيرين. فالإحصاءات الرسمية تشير الى ان معدل التضخم منذ العام ١۹۹٦ حتى ٢٠٠۸ بلغ ٦٥% في حين جرى تصحيح هزيل للأجور في القطاعين العام والخاص وبمبلغ مقطوع قدره ٢٠٠ الف ليرة. ويتم ذلك بشكل واعٍ من قبل الحكومات المتعاقبة تلبية لمصالح أصحاب العمل في التحالف الطبقي.
 احتدام ازمة الهجرة الخارجية في العقدين الأخيرين بسبب ندرة فرص العمل من جهة وقساوة شروط العمل وهشاشتها من جهة اخرى. وقد طالت الهجرة الشباب من الجنسين وقدرت أحجامها بين عام ١۹۷٥ و ٢٠٠۹ بحوالي ۹٠٠ الف مهاجر، شكلت فئة عمر المهاجرين بين ٢٥ و ٥٤ سنة حوالي ۷۸% من إجمالي المهاجرين.
 دخول مضطرد للمرأة الى سوق العمل بهدف المساهمة في إعالة الأسرة. الا ان نسبة الاناث من مجمل القوى العاملة لا تزال دون ٢٥%. والمرأة العاملة ضحية شروط استغلال كبير وهشاشة في العمل وتمييز فاضح ضدها لجهة الأجر والتقديمات الاجتماعية والمسؤوليات والمواقع.
 ازداد حجم العمالة الوافدة الى لبنان وتشير التقديرات الى ان عدد هؤلاء يتراوح بين ٥٠٠ و ۷٠٠ الف عامل وعاملة اجنبية. ويشكل العمال السوريون الجزء الأهم بينهم إضافة الى الفلسطينيين والمصريين والسودانيين والعراقيين والأردنيين. والى جانبهم العمال والعاملات من آسيا وافريقيا. ويتسم عمل هؤلاء بالهشاشة وتدني الأجور والحرمان من التقديمات الاجتماعية وكثافة عمل وساعات عمل تتجاوز ٦٠ ساعة أسبوعيًا. ولا يتم تطبيق معايير وقوانين التشغيل بحسب قانون العمل واتفاقات منظمة العمل العربية والدولية. وفي ظل الفوضى والخلل وعدم التدخل لتنظيم العمالة الوافدة فان المنافسة على أشدها في عدد من المهن مع اليد العاملة اللبنانية ويعتمد أصحاب العمل على هذه الظاهرة للضغط على الفئتين معًا لجهة فرض شروط عمل قاسية وأجور منخفضة وحرمان من التقديمات الاجتماعية.
 تعميق الفقر والإفقار بين اللبنانيين حيث تدل مختلف الدراسات الرسمية والخاصة الى ان ٢۸% من الأسر في لبنان تعيش تحت خط الفقر الأدنى (ويقدر بـ ٣٢٢دولار أميركي لأسرة يبلغ متوسط حجمها ٢.٥ أفراد). هذا وتزداد أوضاع بعض المناطق الريفية والضواحي المدينية سوءًا لجهة تراجع المداخيل والتدني المفرط في الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية.
 تعمقت أزمات النظام التربوي والتعليمي بسبب إمعان السلطة السياسية في اضعاف التعليم الرسمي وإفقاره بموازاة دعم التعليم الخاص والديني والطائفي منه على وجه الخصوص. ويتعرض الأساتذة والمعلمون في التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية لسياسات قضم المكتسبات المحققة بنضالات طويلة تعود الى ما قبل الحرب الأهلية.
 تراجع التقديمات الصحية وتعميق أزمات مؤسسات وصناديق الحماية الصحية الرسمية والخاصة لصالح سيطرة شركات التأمين الخاصة وأصحاب الرساميل الاحتكارية في ميادين الدواء والاستشفاء.
 احتدام أزمات السكن بسبب سيطرة الرأسمال الريعي والمضاربات العقارية في بيروت والضواحي وسائر المناطق اللبنانية، في ظل غياب تام لسياسات رسمية تعالج الأزمات المستعصية في ميدان السكن بسبب الانحياز التام لأصحاب كبار الشركات وأصحاب العقارات في ميدان القوانين الناظمة لإيجارات.
اذاً اين التنمية من كل هذا العهر السياسي والاقتصادي الذي سبق ذكره. أن التنمية الحقيقية لايمكن أن تقتصر على الجهود الرامية لتحسين بعض المؤشرات الاقتصادية (اي اجمالي الناتج الاقتصادي بغض النظر عن كيفية توّزع هذا الناتج). انما يجب على التنمية أن تشمل جميع الجهود الرامية إلى تحقيق حياة أفضل للسكان عبر ادارة علمية للعملية الاقتصادية. 2- كشف مضمون الخصخصة ووضعها في اطارها الطبقي الدقيق لتسهيل مجابهتها وهزيمتها
الحجج البالية للخصخصة
ان المقولة الرئيسية لفوائد الخصخصة تقوم على اربعة افتراضات رئيسية: أولاً ان هذه العملية تخفف من الاعباء المالية والادارية للدولة – وخاصة فيما يتعلق بتوفير الخدمات والبنى التحتية؛ ثانياً ان الخصخصة ستشجع المنافسة، وترفع من درجة الانتاج وفعالية هذه الخدمات. ثالثاً الخصخصة تشجع المبادرة الفردية والاستثمار وبالتالي تسرع عملية النمو الاقتصادي؛ رابعاً يقال ان الخصخصة تؤدي الى تقليص حجم القطاع العام وبالتالي الحد من الاجراءات البيروقراطية والاحتكارية. هذه الحجج الرئيسية لعملية الخصخصة قد تم تفنيدها بناء على المعطيات التالية: ١. من الممكن ادارة القطاع العام بشكل فعال أكثر كما برهنت تجارب العديد من البلدان. كما أن الخصخصة لا يمكن ان تقدم حلا سحريا لعدم الفعالية الموجودة في القطاع العام. كما لا يمكن لعملية الخصخصة، التي تعطي الأولية لرفع نسبة الأرباح الى أقصى المستويات، أن تضمن الحماية لمصالح الشعب من قبل جهات خاصة تستولي على ممتلكات القطاع العام؛ ٢. إن رفع درجة الشفافية والمحاسبة في القطاع العام يؤديا الى وجود فاعلية أفضل في تأمين المصالح الشعبية والوطنية وبالوقت عينه الحد من الهدر والدين العام؛ ٣. لا يمكن للحكومة سوى خصخصة المؤسسات الرابحة أو التي بامكانها الربح؛ فالقطاع الخاص فقط مهتم بالاستيلاء على هكذا مؤسسات؛ ٤. من الممكن للخصخصة ان تؤجل أزمة مالية عن طريق خفض العجز في الميزانية، لكنها قد تؤجج هكذا أزمة على المدى المتوسط لأن الخصخصة تكون قد سلبت من القطاع العام أهم مصادر مداخيله المربحة وأبقت فقط على القطاعات غير المربحة مما يؤدي الى عدم امكانية دعم اي من القطاعات؛ ٥. الخصخصة بشكل عام تؤثر بشكل سلبي على مصالح موظفي القطاع العام (وهؤلاء يشكلون نسبة مرتفعة جداً من مجموع الأجراء) وعلى مصالح الشعب؛ وبالتحديد تؤثر بشكل سلبي على مصالح الفقراء التي غالباً ما يتولى القطاع العام حمايتها وإن بمستويات متفاوتة بحسب نضال الطبقة العاملة وموقعها؛ ٦. ليس صحيحاً ان الخصخصة أتت، كما يدعي الرأسمال، من أجل سد الثغرات التي برزت في عمل القطاع العام من هدر أو عدم فعالية أو الكثير من البيروقراطية. نذكر في هذا الاطار ضغوط صندوق النقد الدولي وغيره لخصخصة العديد من الصناعات والخدمات المربحة!
بالاضافة الى ما سبق؛ إن أحد أسباب الخصخصة في عالمنا العربي هو ايجاد مصادر اضافية للريع ليتم استخدامها كالعادة في تهميش الشعب وتغريبه عن مصادر رزقه لتسهيل إحكام القبضة عليه ولمنع الاحتجاجات الاجتماعية من أن تتبلور حول برامج تدعو للتغيير الديمقراطي وتربط امكانات هذا التغيير بمقاومة الاحتلال والمخططات الاميركية -الاسرائيلية.
أما في لبنان؛ فالسياسات الاقتصادية للنظام ترفض كل المعطيات المذكورة أعلاه، وتستمر بتبني سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنها الخصخصة، مع الضرب عرض الحائط بآراء الغاليبية العظمى من اللبنانيين الذين يتم تفقيرهم بسبب هذه السياسات. فالبرلمان اللبناني، كما العديد من البرلمانات العربية، مُشَكَّل على أساس قانون انتخابي مبني على التزوير، في انتخابات جرت في ظل أجواء مسعورة مذهبياً وطائفياً وهو يمثل المصالح الطبقية لزعماء الطوائف ومن يعيِّنوهم من نواب. كما يتم التحضير لسياسات الخصخصة في ظل غياب المجلس الاقتصادي الاجتماعي وفي ظل دخول كافة أطراف الحكومة في بازار اقتصادي-سياسي.
من هنا ندعو الى اعدة تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتعديل نظامه بحيث تصبح استشارته ملزمة فيتحول فعلا الى مجلس استشاري كامل الصلاحية,
٣.النضال ضمن المنظمات الجماهيرية والنقابية لفرض تنمية اقتصادية-اجتماعية من نوعٍ أخر
ان ظروف الصراع السياسي والاجتماعي ضمن البيئة الطائفية للمجتمع والنظام السياسي وتقاعس تحالف البرجوازية والاقطاع السياسي عن دور الدولة الراعية حتى في مجالات الخدمات الأساسية عمقت ازمة الحركة النقابية وتركت آثارًا كبيرة على المنظمات الجماهيرية وأساليب عملها ومنها:
 الاصطفافات الطائفية والمذهبية للجماهير وبالتالي تشويه وعيها
 تضاعف ضغط السلطة والاحزاب الطائفية على المنظمات الجماهيرية من اجل السيطرة عليها
 تعمق الانقسامات بين النقابات العمالية والشبابية والطلابية والنسائية من جهة والجماهير من جهة اخرى.
 تخلّف مفاهيم العمل السائدة واشكال التنظيم والعمل داخل الاتحاد العمالي العام مما حوله الى بنية هشة قابلة للانقسام، تتسم بالهوّة بين القيادة والقواعد العمالية.
 فقدان الاتحاد العام لقراره النقابي المستقل بفعل تدخل القوى السياسية والطائفية واصحاب العمل والسلطة السياسية (أضحت وزارة العمل كسلطة وصاية)؛ حيث تضاعفت مظاهر التشتت والانقسام داخل الحركة النقابية وتراجعت قوة التيارات النقابية ذات الاتجاه الطبقي (الاتحاد الوطني للنقابات والمستخدمين، مثلا) لصالح تلك المرتبطة باصحاب العمل والاحزاب اليمينية والطائفية (والتي اصبحت تسيطر على الاتحاد العمالي العام).
 ضعف الرؤية البرنامجية الواضحة للاتحاد العمالي العام على مستوى المطالب العمالية والشعبية وعدم القدرة على مواجهة التحولات الكبيرة في سوق العمل (على سبيل المثال غياب عشرات الالوف من العمال الشباب في مهن حديثة عن التمثيل النقابي)
 تغليب اشكال المواجهة التي يتم تبنيها من الاتحاد العمالي العام (البيان والاجتماع والتفاوض الشكلي) على اشكال التعبئة والتنظيم والمثابرة في متابعة المطالب والحقوق وصولاً الى الاضراب.
ان مظاهر الازمة في الحركة النقابية اللبنانية نجدها أيضًا في الحركة النقابية العربية على مستوى الاتحادات العامة في كل بلد عربي، خاصة وأن معظمها تابع للسلطات، اضافة الى الاتحاد الدولي للعمال العرب. وهذا الامر يطرح على الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية مسؤوليات ملحة لبحث تفصيلي ومراجعة نقدية وصولاً الى تحديد المهام وبرامج العمل لانقاذ العمل النقابي الطبقي من ازمته.
رغم هذه السلبيات والثغرات في عمل الحزب السياسي والمنظمات الجماهيرية فان الحزب الشيوعي قد ساهم بفعالية في العقدين الاخيرين في النضالات الجماهيرية والعمالية. واستطاعت الفئات الشعبية الدفاع عن بعض مصالحها وحقوقها ومنع قضم مكتسبات تاريخية للعمال وذلك عبر مئات التحركات والاعتصامات والاضرابات وتنظيم الحملات المطلبية. لكن طبعاً لا يزال امام الحزب مهمات رئيسية ملقاة على عاتقه كما على عاتق الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية التي ما زالت تناضل من اجل الدفاع عن الفقراء وتحسين لقمة عيشهم. ان أيّ برنامج نضالي يجب ان يتسم بالكفاحية وأن يعبىء الجماهير ويضغط على الانظمة باتجاه تغيير جذري في السياسات الاقتصادية-الاجتماعية من اجل تحقيق حد أدنى من التنمية الحقيقية؛ تشمل: ١. تقليص الفروقات الطبقية عبر اعادة توزيع عادلة للناتج المحلي ، وتحسين المستوى المعيشي بشكل عام؛ ٢. محاربة محاولات الخصخصة من أجل ضمان أن تكون الخدمات العامة (كهرباء، ماء، تعليم، صحة، هاتف) بمتناول أي مواطن مهما كان وضعه الاقتصادي والاجتماعي؛ ٣. احياء وزارة التخطيط حيث يكون من اهدافها وضع الحوافز لنمو القطاعات الاقتصادية المنتجة وضبط القطاع المصرفي والتخفيف من الانعكاسات البيئية للنمو والعمران العشوائي؛ ٤. سن التشريعات الضرورية من اجل حماية الفقراء عن طريق ضمانات اجتماعية؛ ٥. محاربة الفساد وبناء مؤسسات الدولة عبر وضع امتحانات دخول يتم التقيد بها لوظائف الدولة بالاضافة الى الحد من السرية المصرفية لموظفي الدولة.
ان هذا المفهوم للتنمية غائب كلياً عن سياسة التحالف الطبقي الحاكم في لبنان. وهنا علينا ان نعترف بالفشل المزدوج على صعيد التنمية. فمن ناحية فشلت الانظمة العربية، او أَفشَلَت، عملية التنمية الحقيقية وانحصر النمو على الاستهلاك. ولكن من ناحية اخرى فَشِلَت قوى اليسار التغييرية بايجاد الآليات الضرورية (ومن ضمنها النضال ضمن المنظمات الجماهيرية والنقابية) لفرض عملية التنمية. وهذا الفشل المزدوج بشقيه يمكن رده، وان جزئياً، الى دور الاقتصاد الريعي المتنامي في الاقتصادات العربية كما سنرى لاحقاً.
٤- تهميش الاقتصاد العربي الريعي في ظل العولمة
الأنظمة السياسية العربية التي تؤمن استدامتها عن طريق الاقتصاد الريعي.
انّ تكاثر مصادر الريع وتزايد التدفّقات الماليّة الناجمة عنها (النفط؛ العقارات؛ القطاع المصرفي؛ تحويلات المغتربين؛ المساعادات الخارجية سواء من الولايات المتحدة الى دول مثل مصر والاردن أو من الدول الاقليمية الى زعماء الطوائف اللبنانية؛ والسياحة الجماهيرية) يفسّر أداء الاقتصادات العربية حيث تعمدت الانظمة العربية إدارة وتوزيع مداخيل موارد الريع كيّ تعيق انتاج آليات تسمح بكسر التأخر التقني والعلمي الذي تعاني منه المجتمعات العربية. وهكذا بقي النمو الاقتصادي في البلدان العربية مرتهن كلياً ومباشرةً بتطور الريع دون أيّ استخدامٍ ديناميكي له في عملية التنمية. وهذا أدى الى البطالة والعمل المتدنّي الإنتاجيّة بأجور متدنية، لا سيما لدى الشباب، مما أدى بدوره إلى هجرة متزايدة كما ذكرنا أنفاً.
ومن الملفت للنظر ان مراكز الأبحاث الغربية، وعلى طريقة الانظمة العربية، تغيب العامل الاقتصادي عندما تبحث في أسباب التخلف الاقتصادي في الدول العربية. فتحلل لتستنتج ان سبب التخلف هو بنية الإسلام وتعود فتربط هذه البنية بإطار مفاهيم صدام الحضارات. وهكذا، تُغيِّب وتخفي أسباب التخلف مساهمةً منها باعاقة عملية البحث عن الحلول الناجعة. وهذا التغييب؛ بالاضافة الى هذا النمط من الاقتصاد، يُصَعِّب تنظيم معارضة اجتماعية مباشرة تطالب بتوزيع أكثر عدلاً للمداخيل وبالوقت عينه يسهل صعود تيارات دينية تحمل شعار إعادة أسلمة المجتمعات العربية ("الإسلام هو الحلّ") – لكن التيارات هذه لا تمتلك أي رؤية اقتصادية – اجتماعية نقدية لأسباب المشكلة وبالتالي لا تقدم أي حلول جذرية لها.
بل على العكس، فهذه التيارات الدينية، وحتى المقاومة والممانعة منها تعمل على تغييب العامل الاقتصادي. وهذه الرغبة في تغييب العامل الاقتصادي (اي العامل المادي الدنيوي) تعود أحياناً الى المصالح الطبقية التي تمثلها هذه التيارات، واحياناً اخرى الى الخشية من ان تفلت الامور من قبضتها اذا ما تم الحديث عن الطبقات التي قد تظهر مدى هشاشة الانقسامات العامودية؛ وكم هي مصطنعة هذه الانقسامات، التي تعتمد عليها جميع هذه التيارات، وان بدرجات متفاوتة من اجل تثبيت ايديوليجيتها في النفوس. وهذا التغييب للعامل الاقتصادي يساهم من جهة في استمرار اشكال الاستغلال التي تؤدي في بلادنا العربية الى درجات متزايدة من الفقر المدقع؛ ويتم الطلب من الفقراء ان يتناسوا هذا الفقر وان يصبروا من اجل حياة افضل في عالم اخر او عالم الاخرة! بينما نطالب نحن، جميع الفقراء، وبغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم الدينية والتي نحترمها جميعها، ان يقاوموا جميع اشكال العنف والاستغلال وان يربطوا بينها بدءاً من الاحتلال الاميريكي-الاسرائيلي لبلادنا مروراً باستيلاء الغرب على ثرواتنا الطبيعية ووصولاً الى الاستغلال الطبقي اليومي (والاستغلال هو شكل من اشكال العنف) الذي يمارس من قبل الانظمة العربية ضد الغالبية العظمى من شعوبها والتي يؤدي الى افقارها .
هكذا اذاً، تفرض الظروف الموضوعية مبرر وضرورة وجود اليسار في هذه اللحظة التاريخية من تطور مجتمعاتنا. من أجل كشف أسباب التخلف الاقتصادية وأسباب التنمية المتخلفة في بلداننا وربط هذه الأسباب بالأنظمة السياسية القائمة مما يسهل عملية مجابهتها وصولاً الى اقامة أنظمة بديلة تلبي طموحات شعبنا العربيّ الابيّ.
البدائل المتوافرة
ان عدم حدوث تغيير جذري في طبيعة نمط الاقتصاد الريعي يعني عدم حدوث أي تطور اجتماعي، مع لحظ ان التغيير الجذري في طبيعة نمط الاقتصاد الريعي يستلزم نمو الوعي الطبقي ضمن المجتمع، الذي من شأنه احداث أنماط اجتماعية جديدة تعمل على كسر نمط الانتاج الريعي. لكن علينا أن نعي أنه ليس من السهل التحدث عن البدائل المتوفرة، حيث ايجاد البدائل المتوفرة يحتاج الى نضال وبرامج وآليات عمل سياسية واجتماعية واقتصادية لتتم عملية التغيير الديمقراطي بشكلها الصحيح. فمن البدائل المتوفرة في لبنان مثلاً، تنشيط القطاع الصناعي واعادة الحياة للقطاع الزراعي، على ان تترافق هذه العملية بربطها بالصناعة الزراعية، ليكمل كل منهما الآخر. لكن هذا البديل يحتاج الى قوى تغيير على المستوى السياسي لتفرض تعديلاً بالقوانين والسياسات، وهذا يعني الربط ما بين أهمية القطاعين الصناعي والزراعي كوسيلة انتاجية وبين التغيير الديمقراطي لفك التبعية.
ان طموحات الشعب العربي وفقرائه بالتحديد، لن تتحقق إلاّ عبر تغييرٍ كهذا. فإذا كانت للعوامل الخارجية في انعدام فرص التنمية والتغيير الديمقراطي في العالم العربي دور هام، ولا سيما السياسات الأميركية – الاسرائيلية والدعم الذي تتلقاه من الانظمة العربية، فإن للعوامل الاقتصادية الداخلية دورها الحيويّ أيضاً.
وهنا يجب التأكيد ان مسألة البدائل المتوافرة ليست مسألة اقتصادية وحسب بمقدار ما هي عملية نضالية تسعى الى احداث تغيير جذري على كل المستويات انطلاقا من التحرير وصولا الى التغيير الديمقراطي.
وهنا تكمن أهمية الأحزاب الشيوعية، وإحدى أهم مبررات وجودها في هذه اللحظة التاريخية، كونها تمثل طليعة هذا التغيير الجذري، وبممارستها تعمل على رفع مستوى الوعي الطبقي بين جميع أفراد المجتمع، وفي الوقت عينه تظهر بممارستها السياسية مكامن الخطأ في هذا النمط من الانتاج، مقدمة بديلها الاشتراكي، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل على كافة مستويات البنية الاجتماعية الشاملة.
هكذا؛ وفقط هكذا، يمكننا الانتصار على المشاريع الاميركية-الاسرائيلية التي تسعى الى احتلال أرضنا من أجل الاستيلاء على مصادر ثرواتنا الطبيعية ؛ وفقط هكذا يمكننا ايجاد الفرص لبناء غدٍ أفضل تندمج فيه الحرية مع المساواة والعدالة؛ وفقط هكذا يمكننا نفض الغبار عن حلمنا الأصيل المتجدد: وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة