الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ورقة الحزب الشيوعي المحور الثالث -الديمقراطية

الحزب الشيوعي اللبناني

2010 / 10 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ورقة (المحور الثالث) للحزب الشيوعي اللبناني في اللقاء اليساري العربي
المحور الثالث: الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة والمساواة
قدم الورقة الرفيقة ماري ناصيف – الدبس ( نائب الامين العام للحزب)


مقدمة

إذا كانت حركة التحرر العربي قد استطاعت، في أواخر النصف الأول وأوائل النصف الثاني من القرن العشرين، أن تحقق الإستقلال السياسي لأكثر البلدان العربية عن الإستعمارين البريطاني والفرنسي، اللذين تسلما تركة الرجل المريض إلا أن هذا الإنتصار الذي تحقق لم يثبت طويلاً. ذلك أن تحالف البرجوازيات الهجينة الكومبرادورية، التابعة بنيوياً للنظام الرأسمالي، مدعوماً ببقايا الإقطاع هو الذي استلم السلطة السياسية في عدد من الدول المحررة حديثاً، فأبقى على بعض من العلاقات الإقطاعية، من جهة، ومنع تلك البلدان من التخلص من حالة التخلف التي كانت تعيشها بفعل امتداد الإستعمار، التركي أولاً ومن ثم البريطاني والفرنسي، مئات السنين على مقدراتها.

أما البرجوازيات الوطنية، التي نشأت بفعل وصول فئة من البرجوازية الصغيرة الى الحكم (عبر بعض الإنقلابات العسكرية، خصوصا)، فقد بقيت محدودة الدور، على الرغم من قيامها ببعض الإصلاحات في المجالين الإقتصادي (تأميم – إصلاح زراعي) والسياسي (التوجه خارج النموذج الرأسمالي). فطبيعتها المتذبذبة ولجوئها الى اقصاء ممثلي الطبقة العاملة، الذين تعاونت معهم في مواجهة الهجمة المزدوجة، من قبل الإمبريالية العالمية ومن قبل تحالف بقايا الإقطاع والبرجوازية على الصعيد العربي العام.. يضاف الى ذلك أن هذه القوى الناشئة أبقت على أجهزة الدولة التي ورثتها من الأنظمة السابقة، فعاثت هذه الأجهزة في الأرض فساداً...

كل هذه الأمور مجتمعة انعكست في نشوء أنظمة حكم هجينة لم تساعد على متابعة التحولات الإقتصادية والإجتماعية التي انطلقت في النصف الثاني من القرن الماضي، كما أن هذه الأنظمة كانت بعيدة كل البعد عن إطلاق الديمقراطية في صفوف من أوصلها الى الحكم؛ لذا، سرعان ما تحولت الى قمع الجماهير ( التي انسلخت عنها) لتعود، تدريجياً، الى الوقوع في التوجهات العامة للرأسمالية العالمية، وهي التي نشأت بفعل محاربتها. كما أنها، بتلك الممارسات، أدت الى إفشال شعاري الوحدة العربية وتحرير فلسطين اللذين قادت الجماهير على أساسهما.



أولاً – انعكاسات السياسات البرجوازية على الوضع العربي العام
لقد أدت هذه السياسات الى نتائج سلبية نتوقف عند أبرزها:

1- التنازل عن السيادة الوطنية، عبر السماح بإنشاء القواعد العسكرية الإمبريالية (الولاياات المتحدة وحلف شمال الأطلسي)، ومنها ما استخدم في العدوان الأميركي على العراق، أو في تزويد إسرائيل بالمعلومات التي تحتاجها لتوجيه الضربات لبعض البلدان العربية أو لتنفيذ اغتيالات ضد قيادات في المقاومة الفلسطينية.

2- وقد ارتبط هذا التنازل، في بعض البلدان ( المسماة، اليوم، " دول الإعتدال العربي") بالدخول في سياسات الأحلاف الإمبريالية الجديدة، والإنخراط في تنفيذ شعار " الشرق الأوسط الجديد"، الأمر الذي يشكل استمراراً لسياسة سابقة في مجال الأحلاف الإستعمارية (حلف بغداد، حلف تركيا- باكستان).



3- في المقابل جرى التراجع عن القضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب الأولى. لقد قاومت الشعوب العربية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، إلا أن الأنظمة ليست في نفس التوجه، بما في ذلك الأنظمة "الممانعة" التي تجد في التفاوض مع إسرائيل أو الانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية سبيلاً وحيداً، ربما، لاستعادة الأراضي المحتلة. هذا، في وقت تلجأ فيه السلطة الفلسطينية، اليوم، الى مفاوضات مباشرة على الرغم من الشروط التي وضعتها حكومة العدو الاسرائيلي، وفي مقدمتها رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين والإعتراف بكون إسرائيل دولة يهودية (الأمر الذي ينذر بتهجير جديد للفلسطينيين الذين بقوا في أراضي 1948).



4- أما الجامعة العربية، بكل مؤسساتها، فولدت عاجزة، وذلك بسبب نظامها، من جهة، والإنقسامات الحادة العربية – العربية، من جهة أخرى. لذا، يمكن القول أن دور النظام الرسمي العربي كان ولا زال هامشياً في مجالي الإستقلال والسيادة؛ أما في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان العربي، فلم يستطع هذا النظام وضع حلول للمشاكل الكبيرة السائدة في هذا المجال في كل الأقطار العربية.



 

ثانياً – النظام اللبناني: النشأة والتطور والسمة الطائفية



لم يختلف نشوء وتطور النظام اللبناني الحديث عن غيره من الأنظمة التي وصل فيها تحالف الإقطاع والفئات العليا من البرجوازية الكومبرادورية الى السلطة، بفعل علاقة هذا التحالف بالقوة الإستعمارية المسيطرة (فرنسا).



إلا أن ما ميز نشوءه هو طابع الإنقسام الطائفي الذي وضعته السلطات الإستعمارية في الدستور اللبناني، والذي أدى الى إلغاء الديمقراطية، حتى في حدودها الدنيا، ليحل محلها التوافق الفوقي بين ممثلي الطوائف والمذاهب الأساسية المكونة للمجتمع اللبناني.



هذا الإنقسام العامودي شكل الغطاء، لإخفاء كل أشكال الصراع الطبقي، وأسهم في إعادة إنتاج النظام بمكوناته الأساسية.

ومن العوامل المساعدة في هذا المجال، لابد من ذكر إثنين أساسيين:



1- تخلي الدولة عن حقها في التشريع في مجال الأحوال الشخصية لصالح الطوائف والمذاهب، إذ في لبنان، اليوم 15 قانوناً مذهبياً للأحوال الشخصية. وهي قوانين تشرذم اللبنانيين وتمنع عنهم المساواة وتجعل بعضهم في مواجهة البعض الآخر.

2- الإستمرار في توزيع السلطات ( التشريعية والتنفيذية) الى حصص يتوزعها زعماء الطوائف، بما يجعل هذه السلطات مشلولة وعاجزة عن القيام بمهامها، إذ أن "حق الفيتو" المعطى لكل طائفة يجعل ممثلها ( أوممثليها) في الحكم خارج إمكانية المساءلة وبالتالي المحاسبة.



وينعكس هذان العاملان على كل أوجه الحياة في لبنان، فينتفي التمثيل الصحيح لمكونات المجتمع، وتنتفي كذلك حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين. أما القوانين الوضعية وتلك المتعلقة بقيام الأحزاب (والجمعيات) فتعود الى أوائل أو أواسط القرن الماضي وترتكز بشكل أساسي على المحاصصة الطائفية. لذا تتلخص ظاهرة نشوء الأحزاب، عموماً، في لبنان في كونها تتسم بالسمة الطائفية أو المذهبية، أي أن الطائفة قد تتحول، في بعض الأحيان الى حزب يجمع في داخله قوى متناقضة طبقياً، فيعمل هذا الحزب، بكل مكوناته، على تأمين مصالح الشريحة العليا القابعة في موقع القيادة.



لذا، نرى أن برامج أغلبية الأحزاب تتلاقى وتتقاطع في مسائل عدة، لعل أهمها غياب الهموم التنموية والتغييرية التي تمس مباشرة حياة القاعدة العريضة لهذه الأحزاب.



من هنا، من الصعب التحدث عن تداول السلطة في ظل الوضع القائم وفي ظل القوانين المتعلقة بالتمثيل السياسي، بدءاً بقانون الإنتخاب وانتهاء بقانون البلديات وكيفية تشكيل المجالس المحلية، ودور السلطة التنفيذية في القبض على تلك المجالس، عبر منع استقلالية القرار المالي عنها. هذا، عدا عن أن الإدارة العامة منقسمة، هي الأخرى، على الأساس الطائفي نفسه، بما يحولها الى موقع خدماتي يؤمن لزعماء الطوائف ربط قواعد طوائفهم بأشخاصهم بصورة مباشرة، ويؤدي بالتالي الى تعزيز الولاءات الشخصية على حساب الولاء الوطني.



 

ثالثاً – مفهومنا للديمقراطية



 

إنطلاقاً مما تقدم، ومما تضمنته النقاشات في المحورين السابقين، يمكن أن نحدد مفهومنا للديمقراطية في لبنان ( كما في الوطن العربي) من خلال العناوين الأساسية التالية:



- لقد وصل هريان النظام البرجوازي في لبنان، نتيجة شدة الإنقسامات العامودية، إلى درجة لم يعد بالإمكان معها إصلاحه من خلال إدخال إصلاحات جزئية عليه. وهو اليوم مستمر، ليس بفعل ديناميته الداخلية، بل لكون أدوات التغيير غير قادرة على القيام بفعل التغيير المطلوب منها لأسباب ذاتية لعل أهمها انهيار التجربة الاشتراكية المحققة وضمور حركة التحرر الوطني العربية وتراجعها عن الشعارات الأساسية للمواجهة؛ أما الأسباب الموضوعية فنذكر منها على وجه التحديد الإنقسامات الطائفية، التي ازدادت حدة بعد العدوان الأميركي على العراق، والإثنية وظهور التيارات السلفية التي استفادت من تراجع العمل اليساري عربياً ودولياً. إلا أن هذه الإستمرارية قد أصبحت معيقة، خاصة وأن الإنقسام حول أي موقف سياسي أصبح يهدد بانفجار حروب أهلية، طائفية أو مذهبية. - إن المنطلق لأي تغيير ديمقراطي في النظام اللبناني لابد وأن ينطلق من الأساس الذي هو العلمنة، إستناداً إلى قانون مدني موحد للأحوال الشخصية يعيد إلى مفهوم المواطنة معناه ويؤمن للبنانيين واللبنانيات المساواة الفعلية على الصعيدين الإجتماعي والقانوني، بما يؤثر في الوقت عينه على المستويين السياسي والإقتصادي. إذ أن المساواة في مجال الأحوال الشخصية يمكن لها أن تحرر نصف المجتمع اللبناني وكذلك نصف المجتمعات العربية. لذا، تعتبر اليوم قضية المرأة وكيفية النظر إليها والمقترحات المطروحة من أجل حلها، قضية مؤثرة على المجتمعات بشكل محدد وواضح.



- استكمالاً لما تقدم، وعلى أساس هذه المساواة، لابد من إعادة النظر الشاملة بقواعد التمثيل والمشاركة في صنع القرار السياسي.



وإعادة النظر هذه لها مرتكزان رئيسيان:



 أولهما، ويكمن في إعادة صياغة قانون جديد للإنتخابات، نراه في لبنان خارج القيد الطائفي الذي يزوّر الإرادة الشعبية، كما سبق وأسلفنا، كما نرى في التمثيل النسبي الشكل الأفضل لإشراك كل مكونات المجتمع في مراكز صنع القرار؛ ولابد لهذا التمثيل من أن يكون معطوفاً على إقرار الكوتا النسائية (30% مرحلياً ومؤقتاً) وعلى منح الشباب الذين بلغوا الثامنة عشرة من العمر حق الإقتراع، بحيث تتوازن العناصر المكونة للمجتمع تدريجياً فتتهيأ ظروف التغيير.



 أما ثانيهما، فيتعلق بأدوات التغيير، وبالتحديد الأحزاب السياسية. فلا يمكن أن يتم التغيير لنظام طائفي أو مذهبي بواسطة أحزاب طائفية ومذهبية. لذا، نجد ضرورة لإعادة صياغة قانون جديد للأحزاب يؤكد على ثوابت، أهمها أن تكون أحزاباً وطنية، لا طائفية أو مذهبية أو عائلية، مع إحترام الشفافية، خاصة في مجال التمويل، حتى لا نعود إلى لعبة الوصايات...



 

- أخيراً، لابد من التركيز على فصل الطوائف والطائفية عن الدولة. فالإيديولوجيات الطائفية (أو المذهبية) مستندة، عموماً، إلى أفكار غيبية لاعلاقة لها بالواقع الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، وهي، غالباً، ما تستخدم في محاولات تأبيد سيطرة فريق بالإعتماد إلى الإنقسامات العامودية التي، حسب اعتقادنا، لايمكن أن تؤدي الى التغيير. وهذا ما نلمسه اليوم في الإيديولوجيا المعتمدة من قبل أحزاب أسهمت بشكل فعّال في مقاومة الإحتلال الصهيوني ومن ثم في التحرير. إذ أن هذه الأحزاب، كونها قاصرة بفعل منطلقاتها الإيديولوجية، عن الجمع بين التحرير والتغيير؛ لذا، وبعد أن ربحت معركة التحرير ضاعت، بعدها، في متاهات تقاسم السلطة ومواجهة الجماهير التي بها كان الإنتصار، تماماً، كما فعلت من قبلها حركة التحرر العربية ذات المنحى البرجوازي الصغير.



 

 

رابعاً – التغيير المنشود وأدواته وقواه



هذا التحليل وهذا الاستنتاج حول لبنان يدفعنا باتجاه تحديد الوضع العربي، اليوم، بعد أزمة حركة التحرر العربية التي أدت إلى تراجعها وانحسارها.



ما يمكن قوله، هو أن الأزمة التي تعصف بالفئات العليا من البرجوازية (وحتى جزء من البرجوازيات الوطنية) قد وصلت الى نقطة اللارجوع ولم يعد بالإمكان ايجاد حلول لها من داخل الأنظمة (يمكن هنا إعطاء الكثير من الأمثلة، وأكثرها وضوحاً هما أزمتي مصر والعراق).



إلا أننا، في المقابل، نعلم جيداً أن أدوات المواجهة غير ناضجة بعد، لتمحورها حول توجهين مختلفين بينهما بعض نقاط تقاطع مهمة، إنما قليلة: القوى الدينية، التي تتصدر، اليوم، المواجهة مع مشروع العدوان والإحتلال الأميركي - الصهيوني (المدعوم من حلف الناتو)؛ والقوى اليسارية، التي لاتزال تتخبط، جزئياً أو كلياً، في أزمتها الناجمة عن إنهزام حركة التحرر العالمية أمام المشروع الإمبريالي بعد انهيار التجربة الإشتراكية المحققة.



لقد سبق أن وصفّنا أزمة القوى الدينية في قصورها عن الجمع بين التحرير والتغيير، هذا الجمع الذي هو شرط لازم وضروري لكي تـُثبت نتائج التحرير ويُمنع على القوى الرأسمالية عودتها عبر الباب الإقتصادي. أما أزمة القوى اليسارية فتكمن في تشرذمها، من جهة، وفي الضياع الذي يسود بعضها إن لجهة كيفية الجمع، أيضاً وأيضاً، بين تحديد التناقض الرئيسي، الاحتلال، وعبره التناقضات الثانوية في كل بلد على حدة، أم لجهة كيفية الجمع بين الخاص (على الصعيد الوطني لكل قطر) والعام (الذي لا يزال يتمثل، حسب رأينا، في عنوان الصراع العربي – الاسرائيلي).



لأن تحديد التناقضات هذه يمكن أن يُسّهل وضع برامج الحد الأدنى وكذلك البرامج المرحلية التي تؤدي إلى الإرتقاء بالنضال، على الصعيدين الوطني والقومي، إلى مستوى حل التناقض الرئيسي.

يبقى الجانب الآخر،المتعلق بقوى التغيير وأدواته.



● أدوات التغيير



لقد أسهم الحزب الشيوعي اللبناني، منذ أربعينيات القرن العشرين، في تطوير بعض من أدوات التغيير ذات الطابع الجماهيري. فكان سباقاً في تكوين النقابات العمالية (والإتحادات النقابية العمالية). كما كان المبادر إلى طرح مسألة حق التنظيم النقابي للعاملين في القطاع العام وإلى إنشاء نقابة وروابط المعلمين في لبنان. تضاف إلى ذلك مبادراته لإنشاء جمعيات ونقابات ومنظمات تعنى بقضايا المرأة والفلاحين والمزارعين والشباب، عدا عن الدور الذي لعبه في جمع المثقفين وفي إطلاق الحركة الإعلامية وحركة النشر.



بعض هذه الأدوات أصيب بانتكاسات، كبيرة أو جزئية، نتيجة انعكاس الحرب الأهلية والإنقسامات المذهبية على هياكلها( الإتحاد العمالي العام)، بينما بعضها الآخر (رابطات المعلمين والأساتذة الثانويين) فاستطاع أن يحافظ على تماسكه واستقلاليته. أما سبب الانتكاسة الأول فيكمن في كون هذه الأدوات خضعت للانقسامات العامودية التي شلت الحركة النضالية المطلبية عموما، الأمر الذي يطرح على قوى اليسار التي عملت على انشائها ضرورة نقاش ما آلت اليه هذه الأدوات، كونها تشكل ضرورة نضالية، إن من خلال كونها رافعة لمطالب الفئات الاجتماعية التي من أجلها تكونت، ومنها بالتحديد العمال والمستخدمين، أم من خلال دورها في بلورة الوعي الطبقي، والدفع بالطبقة العاملة خصوصا لتبؤ الدور الذي يجب أن تضطلع به في قيادة جماهير الشغيلة والكادحين باتجاه تحقيق التغيير الديمقراطي.



تضاف الى هذه الأدوات أدوات أخرى أكثر تقدما كونها تعتمد على اللقاء بين قوى سياسية لها نفس الأهداف وتنطلق من مواقع طبقية ومن رؤى متقاربة لأشكال الحل.



 

● قوى التغييرمن هي هذه القوى؟ وكيف يمكن لليسار اللبناني، والعربي تاليا، أن يبني دورا له داخلها، خاصة في هذه المرحلة المعقدة؟ للاجابة على هذه الأسئلة، لا بد من استحضار بعض تجارب الماضي التي قام بها الحزب الشيوعي اللبناني ودراستها لمعرفة مكامن الصحة ومكامن الخطأ داخلها، فيجري استعادة الأولى، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في الظروف، وتفادي الثانية.

- التجربة الأولى، التي انهارت سريعا، كانت في نشوء "جبهة الاحزاب" ، في العام 1966، التي ضمت الى الحزب الشيوعي كل من الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة القوميين العرب, هذه التجربة سعت، في محاولة وضع برنامجها للتغيير، لتوظيف التغيرات التي نجمت عن الانتصارات التي حققتها بعض روافد حركة التحرر العربية، إن من خلال الانقلابات التي أطاحت بالأنظمة المرتبطة بالرأسمالية العالمية في كل من مصر وسوريا والعراق، أم كذلك من خلال ما نشأ هن تأميم قناة السويس وما تلاها من عدوان امبريالي (العدوان الثلاثي). أما السبب الأساس لانهيارها فيكمن في أنها كانت حركة فوقية عملت على جمع قوى سياسية تختلف في نظرتها الى موضوع التغيير.- التجربة الثانية، والأهم، كانت تلك التي تمثلت

في "الحركة الوطنية"، التي انطلقت مع بدايات الحرب الأهلية في العام 1975 وكانت الرد المباشر على القوى اليمينية التي أشعلتها. أهمية هذه التجربة أنها وضعت برنامجاً واضحا للتغيير، هو "البرنامج المرحلي للاصلاح الديمقراطي". هذه التجربة انتهت أيضا الى اعلان فشلها في مهمة التغيير التي حددتها كهدف لها، وذلك نتيجة عدة عوامل: أولها أن قوى اليسار، التي شكلت الدينامو في قيامها، كانت ضعيفة، ان نتيجة الاختلاف بينها حول كيفية التعاطي مع العوامل الاقليمية المؤثرة، ومنها بالتحديد: دور العامل الفلسطيني في الصراع الداخلي والدخول العسكري السوري على خط هذا الصراع والتقلبات في مواقف القيادات السورية التي كانت مولجة بالملف اللبناني. أما ثانيها فيعود لكون القوى السياسية المجتمعة ضمن هذه الحركة كانت متنافرة من حيث الموقع الطبقي والرؤية. لذا، سرعان ما وصلت الى حد التناحر فيما بينها نتيجة الأوهام التي نشأت لدى بعضها حول امكانية استخدام العامل الفلسطيني، الخارجي، كأحدى أدوات التغيير في الداخل. على ضوء هاتين التجربتين، كانت دعوة الحزب الشيوعي اللبناني في مؤتمره العاشرباتجاه تفعيل التحالف مع قوى اليسار اللبناني، أولا، قبل الانطلاق الى اقامة جبهات عريضة على ضوء المهمات التحررية الآنية والتغييرية المستقبلية. وعملنا، من هذا المنطلق، على خطين متوازيين: الخط الأول، ويكمن في برنامج الاصلاح الديمقراطي للنظام الطائفي، المتمثل في الدعوة الى قانون مدني موحد للأحوال الشخصية؛ أما الخط الثاني فاعتمد الدعوة الى تنظيم لقاءات مناطقية وقطاعية لكل الشخصيات والتيارات اليسارية والديمقراطية، من شخصيات سياسية وثقافية ونسائية ونقابية، تحت شعار تفعيل دور المقاومة ومواجهة الفتنة الطائفية والعودة الى سلاح الحرب الأهلية؛ وهذا يتطلب وضع روزنامة عمل سريعة الوتائر وخطة عمل ملموسة.

كذلك، وانطلاقا مما سبق وقيل حول أسباب الفشل الذي منيت به حركة التحرر الوطني العربية، يمكننا الاستنتاج أن الحركات التحررية تتقدم أو تتراجع نتيجة العناصر الداخلية الأساسية ضمنها، لذا رأينا أن الدعوة لقيام "لقاء يساري عربي" يمكن أن تشكل منطلقا لاعادة بناء حركة التحرر الوطني العربية المواجهة للعدوان الامبريالي-الصهيوني على أسس تتسم بالجذرية، كون اليسار، بكل أطيافه، يلتقي حول ضرورة الجمع بين العاملين القومي والاجتماعي للصراع، فيطرح في آن معا كيفية تأطير الجماهير العربية في المواجهة مع الوجود الاستعماري الجديد - المباشر أو المتمثل بالبرجوازية "العميلة" - على أرضنا، وما يمارسه من نهب لثرواتنا وقتل وتشريد لشعوبنا، مع كيفية استعادة القضية الفلسطينية لدورها كقضية العرب المحورية، كون التغيير يرتبط بانهاء الدور الاسرائيلي المكمل للامبريالية وباستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه.

ونرى أن لقاءنا اليوم يمكن أن يشكل الخطوة الأولى على طريق قيام هذا اللقاء اليساري العربي. لذا نقترح تشكيل لجنة متابعة تضع الأسس لتجميع صفوف اليسار كمنطلق لتوسيع الحركة باتجاه كل القوى الديمقراطية والتيارات الدينية المقاومة.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي