الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكتة والفكاهة ونمط الشخصية !!

اسعد الامارة

2010 / 11 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لو اتيح لنا ان نبحث في سيكولوجية الفكاهة ونتقصى سبر اغوارها لدينا نحن البشر لوجدنا انها تعد ضربا من ضروب معرفة اعماق النفس من الداخل. ان النكتة هي تعبير مقنع عن رغبة وهي تشابه الحلم كثيرا في مبناها وان اختلفت قليلا عن معناها ولكنها في النتيجة تتفق الى حد كبيرمع الحلم ويقول استاذ الاجيال الراحل "مصطفى زيور" مصادر الحلم هي عينها مصادر النكتة.
النكتة هي لغة الشعور، والحلم هي لغة اللاشعور ، والنكتة هي لغة التنفيس عن المكبوت فتكثر وتشيع في الحروب والازمات وعند اشتداد الضغوط وكذلك عندما يطلق العنان للعقل بدون قيود او موانع كما نلاحظه عند متعاطي الكحول والمخدرات والعقاقير التي تنشط خلايا المخ وتسمى ايضا بالمحللات النفسية او المهلوسات وموسعات الوعي مما يؤدي الى اثراء في الادراك الحسي والذكريات والتخييلات والتي نادرا ما تصل الى حد الهلاوس ، ففي اطلاق النكتة انما هو تنفيس يفرض نفسه لكي لا يصاب الشخص صاحب النكتة بتحولات مرضية لا اساس لها عضوي فأحيانا يمكن لهذه النكتة ان تنطلق تلقائيا ً وبذلك يحرر الفرد نفسه من غضب داخلي شديد او لوما مكبوتا ً . ويقول علماء النفس التحليلي يبعث التفريج عن النفس واطلاق النكات الى التنفيس وفتح نوافذ تحت الشعور لكي يتخلص الفرد من هذه الانفعالات الحبيسة.
الفكاهة تنطوي على اللعب بالالفاظ او التي تستخدم كلمات ذات معنيين او تستهدف موضوع ما بعينه او قضية شائكة لم تفلح الذات الانسانية حلها واستعصت على الحل فيكون اللجوء الى النكتة للتفريغ الانفعالي.
ان انماط الشخصية المتعددة تعطي للفرد نمطا يحدد على ضوءه ما هي شخصيته وما يصدر منه من سلوك واسلوب تعامله مع الاخرين فهي اذن وحدة متكاملة من الصفات تميز الفرد عن غيره، وهي ايضا تتميز بالثبات الانفعالي ، المرح ،الخجل والاندفاعية . ومن انماط الشخصية المنطوي والمنبسط كما قسم ذلك (يونغ) والمنبسط عكس المنطوي يتميز بسعة دائرة علاقاته الاجتماعية، لديه القدرة على تحمل مشكلات الصداقة مع الغير، له اصدقاء واعداء ، لايجرح شعوره بسهولة لايشغل نفسه كثيرا بصحته ، يميل الى اطلاق روح الدعابة والنكتة على عكس نمط شخصية المنطوي الذي يميل للاعتزال والاعتكاف عن الناس ويجد صعوبة في عقد صلات معهم وحتى لو نجح فإنه يقيم علاقة محدودة مع الاخرين. لذا نحن نتواصل مع الاخرين ، فالفرد مرآة الجماعة والجماعة هي المجال الذي يتحقق فيه الفرد وعليه نحن نرى انفسنا في الآخر وهذا الآخر هو المرآة لنا وكل ما موجود من تعقيدات نفسية انما نابعة من دواخلنا نحاول اسقاطها على الاخرين ويمكن ان نعرف الشخصية بأنها ما يعكسه سلوك فرد ما من آثار على الاخرين. فعندما نقول ان فلانا" ليس له شخصية" فإنما نعني انه مهزوز الشخصية ، او حينما نقول ان فلانا عدواني فنقصد انه ليس لديه لغة الحوار والتفاهم ، وحينما نطلق على فلان من الناس صاحب نكتة وهزلي فإننا نقول اننا نتقارب معه او ربما نحبه او نعجب به ، وفي بعض الاحيان يطلق البعض على شخص ما انه قيادي فيعني ذلك انه يؤثر في الاخرين تأثير القائد او الزعيم وليس لدينا موقف ايجابي نحوه بل ربما لا نكن له المحبة او حتى التقدير.
ما هي البواعث لانطلاق الضحك؟
اي سلوك يصدر من الانسان لابد وان يكون وراءه دافع ،والدوافع كما يعرفها علماء النفس هي تكوينات كامنة فطرية او مكتسبة تستثيرها بواعث (داخليه) ، ويساعد على حركية الدافع بواعث (خارجيه) تتمثل في حوافز ماديه او معنوية تسرع به الى الوصول الى هذا الهدف ، وهنا الهدف هو اضحاك المحيطين بالشخص واضفاء السرور على نفسياتهم ويقول "مصطفى زيور" إذا انعمنا النظر في موقف الضاحك قبيل سماعه للنكته مباشرة وجدناه وقد شحذ طاقته الذهنية لمتابعة الموقف ثم ها هو فجأة لم تعد به حاجة الى قدر مما اعده من هذه الطاقة فينطلق هذا القدر مستثيرا ً لعضلات الضحك وبعبارة اخرى كما يؤكد د. زيور فإن النكتة هو توفير قدر من الطاقة الذهنية يصرف في عملية الضحك. ورغم ان هناك العديد من النكات ذات مغزى متنوع منها النكتة اللاذعة او النكتة ذات المغزى الجنسي والنكات ذات المغزى السلوك العدواني او النكات التي تستهدف النظام او السخرية من شخص بعينه لذلك فإن هذه طائفة النكت التي تدور حول مختلف المسائل تاخذ صور مقنعة وهي بنفس الوقت تعفي صاحبها من الالتزام بآداب المجتمع فتمكن الميول التي لا تذكر عادة بما ستر منها اي المحتوى الباطن للنكتة وليس الظاهر فقط.
يقول "زيور" ان الافراد الذين يتخذون الهزل مهنة يغلب أن يكونوا غير متزنين نفسيا ً فينفسون أثناء هزلهم عن الحبيس من الميول المحظورة التي لم يفلحوا في ضبطها والتحكم فيها جيدا ً وبعبارة اخرى فإن مواهبهم الفكاهية تزودهم بما يمكن لهم من الظفر بقدر كاف من الاتزان ما كانوا ليحصلوا عليه بغير موهبة الهزل.
ان النكتة تستطيع ان تغير حالة الوعي عند مطلقها وعند الافراد السامعين فهي اسرع طريقة لاحداث الاثر المطلوب في اضفاء التنفيس عند الاخرين وعنده ايضا وهي بنفس الوقت هروبا من الاحباط والمواجهة وبنفس الوقت تسهيل لعملية الانسحاب من الواقع المؤلم الى عالم خيالي مفرح . وفي النكتة ايضا تحويل العدوانية من الذات وتصريفها بفعل مقبول هو استهداف اشخاص او موضوعات تتعلق بالسياسة او القائم على الكبت مثل الوضع السياسي ورجال الدولة او اي رموز اخرى وهي بذلك تنجح في احداث تغيير في الوعي كبديل للتغيير المطلوب احداثه في الواقع. وخلاصة القول ان النكتة والفكاهة تتشابه كثيرا مع الاحلام والهفوات والاضطرابات العقلية وخصوصا اذا استطاعت ان تتمكن من الرقابة النفسية وتجد لنفسها وجودا لدى السامعين والاصح هو انطلاق اللاشعور متجملا بسمة جمالية اجتماعية مهذبة تضفي على وحدة النفس الاستقامة والقبول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة