الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح وقضايا المجتمع من العصر اليونانى عصر النهضة

إبراهيم حجاج

2010 / 11 / 13
الادب والفن


المسرح وقضايا المجتمع من العصر اليونانى ـ عصر النهضة بقلم:ابراهيم حجاج ـ مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الاسكندرية
الأدب فى المجتمع الاثينى له بطبيعة الحال أهمية من حيث هو أحد جوانب الحياة الاثينية ، حيث كان مرآة حقيقية لها فأوديسية "هوميروس" تعبر دون شك عن اليونان القديم.
ويمكن القول أن المسرح اليونانى الذى تميز بتركيزه على الفكر الفلسفى والميتافيزيقى لم يخل من النقد الاجتماعى حيث ينفى عنه "ريموند ويليامز" Raymond Williams ذلك الاعتقاد بأنه ينهض على أسس فردية بحتة ونماذج متفردة ويقول فى ذلك "لقد أصبح من الواضح الآن أن الفعل فى التراجيديا الإغريقية لم يكن ينتمى إلى حالة فردية ، أو ينتمى إلى واحدة من تلك الأحاسيس النفسية التى تخصنا ، ولكنه يمتد بجذوره إلى التاريخ بوجه عام . وينتمى الفعل فى التراجيديا الإغريقية ليس إلى شخصية فردية متميزة ، ولكن إلى الإرث الإنسانى كله ، والى العلاقات المتبادلة فى عالم يتجاوز الإنسان ويتفوق عليه فى النهاية ، وعلى ذلك فان ما نشاهده على المسرح هو فعل عام ولكنه نوعى ومتميز ، وليس فعلاً فردياً شائعاً ، وما نتعلمه من التراجيديا ليس خاصية أخلاقية معينة وإنما نتعلم تقلبات العالم وتحولاته" .
ولنأخذ مثالاً على ذلك بمسرحية "انتيجونى " ، ففى هذه المسرحية يركز " سوفوكليس " Sophocles وعلى مرحلة من مراحل التطور الاجتماعى ، فالقرار الذى يصدره "كريون" بعدم دفن "بولينييس" لخيانته لوطنه ، خروج عن ناموس قديم هو احترام كرامة الإنسان . وخروج "انتيجونى " على قرار كريون ثورة على الوضع الجديد والسلطة الجائرة وتأكيد لناموس اذكى فالصراع فى هذه المسرحية لم يكن فقط صراعاً بين القوانين المدونة التى يمثلها الحاكم كريون والقوانين السماوية غير المدونة التى تمثلها انتيجونى بل هو أيضاً صراعاً يرتبط بالواقع الاجتماعى من خلال محورين: المحور الأول يتمثل فى كونه صراعاً بين قوى الدكتاتورية التى يمثلها كريون وحرية الرأى التى تجسدها انتيجونى . أما المحور الثانى فيتمثل فى كونه صراعاً بين قانونين أخلاقيين متضاربين فى فترة اجتماعية تاريخية معينه .
وقد كان المسرح الأثينى بحق مرآه عاكسة للمجتمع خاصة بعد الضياع الذى بدأ يسيطر عليه عقب هزيمته فى الحروب البلوبونيسية ، والنضوج الديمقراطى الذى أتاح فرصة التعبير عن هذا الضياع ، الأمر الذى أدى إلى ظهور مجموعة من الكتابات التى حاول أصحابها أن ينتبهوا إلى الطريق الأمثل للخروج من المأزق الذى وجد فيه المجتمع الاثينى ، فقد كانت مشكلة السلام تقض مضاجع القدماء كما تقض اليوم مضاجعنا ، وذهبت أحلام القدماء مذاهب شتى فى تصور عالم تختفى فيه الحروب ويسود فيه السلام على وجه الأرض ومنهم "ارستوفانيس" Aristophanes الذى وجد فى قضية السلام مناسبة يجرب فيها فكاهاته المريرة وسخريته الموجعة فيقدمها فى معظم مسرحياته ومنها "ليزستراتا" وفيها تتعهد نساء الدول المتحاربة "ليزستراتا" بالامتناع عن الاتصال الجنسى بأزواجهن حتى يقلع الرجال عن الحرب .
وفى مسرح العصور الوسطى ، نجد بعض الإشارات الاجتماعية فى المسرحيات غير الدينية ، فمسرحية " روبان ومريون" تصور سيطرة الإقطاع ، وتأثيراته السلبية على الفلاحين البسطاء".
كما أن مسرحيات عصر النهضة تعد انعكاساً لمرحلة تطور اجتماعية " إذ هى تصوير للصراع بين الإقطاعية التى تلفظ آخر أنفاسها ومولد المجتمع الطبقى الجديد . ففى "الملك لير " يسجل "شكسبير" Shakespeare بتصويره للعلاقات بين لير وبناته وجولستر وأولاده انحلال العائلة كمجتمع إنسانى والاتجاهات البشرية التى نجمت عن تحطيم العائلة الإقطاعية.
فقد شُغل "شكسبير " فى عدد كبير من مسرحياته بفكرة الحُكم الرشيد ، وصور ما يمكن أن ينزل بمجتمع من كوارث ضخام حين يخرج الحاكم عما يناط به من وظائف فى المجتمع.
كما قدم " شكسبير " الذى يعتبره النقاد من كبار الرومانسيين ، وإن سبقهم بأكثر من قرن كامل ، قدّم أدباً يعد صورة صادقة للأزمات والمشكلات الاجتماعية التى حلت بالمجتمع الإنجليزى بسبب الحروب الداخلية التى كانت موجودة فى عصره ، ولقد ظهر هذا واضحاً فى العديد من أعماله المسرحية : هملت ، كما تهواه ، مكبث ، تاجر البندقية ، وغيرها . هذا فضلا عن بعض الأعمال الأخرى التى تجسد مختلف جوانب الحياة الاجتماعية وتصور القيم الاجتماعية تصويراً دقيقا. " (34)
فعلى سبيل المثال ، نجده قد صور العلاقة بين الأجير ورب العمل وأبرز الجشع المادى الذى يتحكم فى هذه العلاقة فى مسرحية "كما تهواه" . كما عبر عن وضع اليهود فى أوروبا فى مسرحيته "تاجر البندقية" حيث تسلل إلى عقل اليهودى الجشع وتحسس دوافعه ، لهذا نجده جعل "شايلوك" يعانى من الحقد والظلم اللذين عانى منهما اليهود ، ووضع على لسانه بعض الخطب الرائعة ليجعلنا ندرك هذه الدوافع.
ويتضح مما سبق انه مهما اختلفت الرؤى التى ينسج منها الكاتب إبداعاته فأنها تلتقى فى النهاية عند نقطه أو أرض مشتركة واحدة تؤكد أن العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة ديناميكية والتأثير بينهما متصل متمازج تختلط فيه الذاتية بالاجتماعية عن طريق التفاعل القائم بينهما.
ابراهيم حجاج
مدرس مساعد
قسم الدراسات المسرحية
كلية الآداب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة