الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الفن للفن

إبراهيم حجاج

2010 / 11 / 13
الادب والفن


نظرية الفن للفن ـ بقلم: ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الاداب جامعة الاسكندرية
تعتبر نظرية "الفن للفن" واحدة من أهم النظريات والاتجاهات المناهضة لنظرية " الانعكاس، حيث أقرت بقطع الصلة بين الأدب والمجتمع ، " فقد قامت دعوة الفن للفن فى مطلع القرن التاسع عشر كنوع من الهروب من تبعات الحاضر ، فتجاهل الأدباء لذلك العهد ـ فى أدبهم ـ مطالب عصرهم ، وهدفوا إلى خلق أدب هو صورة الترف فى ذاته وكانوا لا يحفلون بالغايات الاجتماعية والخلقية ، ويرون أن "العمل الفنى الجديد له توافقه وانسجامه الداخلى وعلى هذا الانسجام يتوقف الأثر المطلوب لا على اتفاق العمل مع الحياة أو اختلافه عنها .
وينظر بعض النقاد للدعوة السابقة كرد فعل للمذهب الرومانتيكى ، الذى لا يحفل بغير الترجمة عن العاطفى الشخصية ، وينزل بالأدب إلى مستوى الوسيلة ، حيث يرى أصحاب " مذهب الفن للفن " أن من حق الأدب أن يصبح غاية فى ذاته ، لا مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر الخاصة
ومن هنا جاء تعريف إبراهيم حمادة لنظرية الفن للفن على أنها " اتجاه جمالى فى الخلق الفنى هدف به أصلاً الشاعر والناثر "ثيوفيل جويتيه " ( 1811 ـ 1872) إلى الثورة ضد استخدام الفن كأداة للتعبير عن الذات . إن هدف الفن ـ فى نظره ـ ينبغى أن يكون لذاته الجمالية لا أن يكون وسيلة للإفصاح عن مشاعر الفنان الخاصة .
وقد انبثقت هذه النظرية عن الفلسفة المثالية التى يعد الفيلسوف الألمانى " كانط" Kant أهم روادها ، حيث تقوم فلسفته على الإيمان بعدم وجود عالم خارجى منفصل عن الإنسان وأن الحقيقة هى نتاج النفس البشرية وبأن الشيء ما هو إلا فكرتنا عن الشيء أى أن الحقيقة هى مجرد أفكار لا دلاله لها فى عالم خارجى محسوس ، وفى ظل نظريته لم يعد الشعر محاكاة للطبيعة كما كان الاعتقاد فى القرن الثامن عشر وإنما محاكاة الخلق نفسها أى أن العمل الفنى كائناً عضوياً مستقلاً عن أى شيء خارجه . فهو يعد المتعة الفنية غاية فى ذاتها فلا ينبغى أن نبحث وراءها عن غاية خلقية أو اجتماعية ويعتبر أن " الجمال هو رضاء مجرد من الغرض. " ( 70)
فهو لا يرى عناصر الجمال إلا فى الشكل أو المضمون فيلقى به خارج نطاق علم الجمال
وتعتبر آراء " كانط " هى الدعامة الأساسية لدعاة نظرية الفن للفن حيث عادت إلى فرنسا فى أوائل القرن التاسع عشر كوكبة من المثقفين الفرنسيين المهاجرين الذين أسهموا فى نشر أفكاره وفلسفته ومنهم الشاعر " جويتيه " الذى يقول فى مقدمة ديوانه "قصائد أولى" ( 1832) " إذا كان هناك ثمة هدف يحاول هذا الكتاب تحقيقه فهو فقط يحاول أن يكون جميلاً.
ويعتبر أوسكار وايلد Oscar Wilde واحداً من أنصار هذا المذهب ، وكانت مسرحية "سالومى " ثمرة من ثمار دعوى الفن للفن حيث لا مجال للاعتبارات الدينية أو الأخلاقية أو القومية عند التعامل مع نص كهذا .
إن هذه المسرحية تعرض تصويراً قوياً للحب الجسدى الشهوانى العنيف ، ولكنها تفتقر إلى المبررات التى يمكن أن تقنع المتلقى بهذا الحب ، إذ ليس من السهل أن تصدق كيف أن سالومى ، تلك الفتاه العذراء تندفع فجأة وبدون مقدمات فى حب يوحنا المعمدان لتصل إلى تلك الدرجة من الشهوى الجسدية دون الإحساس حتى بأى نوع من الحياء أو الخجل.
كما رفع ت . س إليوت T.S Eliot راية مذهب الفن للفن فى أول عهده بالنقد ( وهى المرحلة التى تبدأ فى عام 1917 ) حيث كان همه كله منصرفاً إلى توفير الأسس الجمالية فى العمل الأدبى ، فيها كان يفر " إليوت " مما يسميه ( خلط الأجناس ) يقصد بذلك خلط الأدب بالفلسفة أو بالاجتماع ، فهو يرى أن العمل الأدبى ليس وسيلة ولكنه غاية فى ذاته ن ولا يمكن أن يكون إلا صوره لنفسه فقط ، إلا أن " إليوت " كان فى المرحلة الثانية من مراحل تطوره أقرب إلى النزعة الواقعية حيث ذكر فى مقدمة كتابه "الغابة المقدسة" (1928) أنه مهما قيل فى استقلال الفن ، ومهما أجتهد أهله فى الاكتفاء به غاية فى ذاته ، فأنه لا بد وأن يمس مسائل الخلق والدين والسياسة .
وقد واجهت دعوت الفن للفن بعض المعارضات ، فقد عاب الاشتراكيون على الدعوة محاولة فصلها عن المجتمع.
كما قاد " سارتر" حملة ساخرة على هؤلاء الذين يحصرون قيمة الأدب فى نواحيه الفنية وينفون أن يكون للأدب تأثير أو هدف، فرفض الفصل بين الجمال الفنى والقيمة.
وأقر بان الكاتب الذى يتبع تعاليم دعاة ( الفن للفن ) ، يهتم قبل كل شيء بكتابة أثار لا تخدم شيئا البتة ، أثار محرومة من الجذور ، وهكذا يضع نفسه على هامش المجتمع ، أو لا يقبل بالأحرى إلا يمثل فيه إلا بصفة مستهلك محض ، وعلى وجه الدقة كطالب متعه . فالفن الخالص والفن الفارغ سواء بسواء ، والدعوى إلى مثل هذا الفن ـ فيما يرى "سارتر" ـ ليست إلا ذريعة تذرع بها نكرات القرن الأخير لأنهم أبو أن يسلكوا سبيل التجديد والكشف وأن يبدعوا شيئاً ذا قيمه .
أن قصور دور الفن على إبراز النواحى الجمالية يقلل من فرص خلوده ، إذ أن الجمال ليس مطلق فكما يتغير مقياس الحياة بتغيير ظروفها يختلف الإحساس بالجمال من عصر إلى عصر وكذلك من طبقة إلى طبقة .
كما أن قصور وظيفة الفن على المتعة والتسلية ، إنما هو دحض لقيمته وإغفال لدوره الفعال فى الارتقاء بمستوى الحياة الواقعية إلى المثالية ، فلو كان الفن هو ما يجلب المتعة فيمكننا الاعتراف بان الطعام الطيب وشم الروائح الذكية ومختلف الأحاسيس المادية الأخرى يمكن أن تعتبر فنوناً .
وهذا يتفق مع جلبرت موراى Gilbert Murray فى قوله بأن إبداع أى عمل فنى لابد وأن يقوم على قصد المنفعة والاستخدام ، فليس ثمة صورة ترسم لأناس عمى ، ولا يبنى قارب فى غير وجود ماء .
إلا أنه يمكن أن نضيف لرأى "جلبرت موراى " رفض " سارتر " للفصل بين الجمال الفنى والقيمة حيث أن وظيفة الفن كمنشط لوعى المتلقى تجاه الممارسات الاجتماعية التى تحيط به لا تتعارض مع طبيعته كوسيلة للإمتاع والترفيه وأن رعاية القيم الجمالية ضرورى للفنان وضرورى للفن وإلا تداخلت الخطوط بين العلم والأدب ، وأنه إذا تضافرت القيم الجمالية التى يتضمنها العمل الفنى مع القيمة الاجتماعية التى يهدف إليها المبدع لخلق عمل متكامل يجمع بين الإقناع والإمتاع أصبح للفن هدفٌ أسمى من أن يكون لمجرد التسلية .
ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الاداب جامعة الاسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل