الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراما المسرحية وجرائم الاعتداء على السلطة

إبراهيم حجاج

2010 / 11 / 17
الادب والفن


الدراما المسرحية وجرائم الاعتداء على السلطة بقلم: ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الاسكندرية.
يستمد الإرهاب السياسى توصيفه من علاقته بالسلطة السياسية فى الدولة ، وانقسام المجتمع إلى حكام ومحكومين ، أو إلى سلطة تحكم وشعب يحكم ، وبهذا المعنى فان الإرهاب كشكل من أشكال العنف يمكن أن يمارس من السلطة السياسية الحاكمة إزاء الطبقة المحكومة ، مثلما يمكن أن يمارس من جانب تلك الأخيرة إزاء من يحكم ، " فقد يمارس الإرهاب من قبل أفراد جماعة وطنية ثائرة ضد قوات وممثلى دول أجنبية تحتل أراضيهم ، أو ضد حكم محلى استبدادى بهدف الحرية ، أو الاصلاح والتغيير ، ومع ذلك فليست جرائم الإرهاب السياسى كلها دعوة إلى الانتصار لعقيدة أو مبدأ ، والمجرم السياسى ليس دائماً شهيد التضحية والمثل العليا بحثاً للآخرين عن حياة أفضل ، بل هو أحياناً ذلك الشخص المتعطش إلى السلطة ، أو المدفوع بضغائن شخصية ، أو الباحث عن انقلاب يجنى من ورائه ثروة شخصية ، فمما لا شك فيه أن هذه الأمور جميعها أمور مجرمة قانوناً فى مختلف النظم والتشريعات .
والملاحظ أن معدلات ارتكاب جرائم التآمر على قلب نظام الحكم تزداد فى الدول غير الديمقراطية ، أو التى تمارس الديمقراطية بشكل صورى ، بينما تنخفض إلى أقصى درجة فى الدول الديمقراطية ، حيث أن وسيلة تغيير الحكومات فى هذه الدول يتم عن طريق المؤسسات الدستورية والانتخابات الحرة النزيهة .
وقد كان نظام الحكم هدفاً للجريمة فى مصر لفترات متباعدة بسبب غيبة الحكم الديمقراطى ، وبسبب الصراع على السلطة ،ومحاولة الاستيلاء عليها ، وقد ارتكبت العديد من الجرائم فى محاولة للتغيير السياسى داخل الدولة .
ومن أشهرها تلك التى ظهرت فى حكم السادات نتيجة سعيه لاستغلال الجماعات الإسلامية كبديل عقائدى فى مواجهة الفكر الاشتراكى والناصرى ، فبعد انتصار 1973 وإقدام السادات على سياسات الانفتاح الاقتصادى ، والتسوية مع إسرائيل ، والانحياز إلى الغرب ، بدأت التصادمات بين هذه الجماعات ، وبين النظام الحاكم . ويتجلى هذه الصدام فى إبريل 1974 وظهور جماعة منظمة التحرير الإسلامية والتى أطلق عليها _ من كل أجهزة الإعلام _ جماعة الكلية الفنية العسكرية ، وقد سميت بهذا لأن تخطيطها للاستيلاء على السلطة يبدأ باحتلال الكلية ، والاستيلاء على مخزن الأسلحة ، ثم تنطلق بعد ذلك إلى مقر الاتحاد الاشتراكى العربى، حيث كان من المقرر أن يعقد الرئيس " السادات " وبقية الصفوة الحاكمة اجتماعاً رسمياً كبيراً ، وبالرغم من فشل هذه المحاولة فانه حدث اكثر من مواجهة عنيفة بين النظام ، وبين الجماعات الإسلامية " ،الأمر الذى دفع إلى حدوث متغيرات جذرية فى طبيعة الأحداث السياسية فى مصر إبان فترة السبعينيات .
وتأكيداً لدور المسرح _ كمؤسسة تثقيفية _ فى التعبير عن هذا المتغير الجديد ، قدم الكاتب " أبو العلا السلامونى " مسرحيته " أمير الحشاشين " فى محاولة منه للكشف عن الدوافع السياسية لجرائم الاستيلاء على السلطة ، وطرق العلاج والمواجهة ، مستنداً فى بنائها إلى مقولة " ابن خلدون " التى جاءت فى مقدمته من أن " العرب أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة ، وبعد الهمة ، والمنافسة فى الرياسة ، فقلما تجتمع أهواؤهم، ومن أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبؤه أو رياسة أو أثر من دين على الجملة . "
بهذه المقولة الصريحة يضع ابن خلدون يده على رأس الداء فى نظام الحكم العربى الذى لا يتم إلا بصبغة دينية على حد قوله ، ومن ثم اختلطت أوراق الدين بأوراق السلطة طوال تاريخنا منذ أن رفع الأمويون المصاحف على أسنة الرماح ، ورفع الخوارج شعار لا حكم إلا لله .. حتى آخر شعارات الإسلام السياسى الحديث عن نظرية الحاكمية وجاهلية المجتمع ، وكان هذا إيذاناً بلعبة توظيف الدين من أجل الأغراض السياسية مما أدى إلى انتكاسات حركة التطور الديمقراطى لنظم الحكم المدنى فى بلادنا .
والمسرحية محاولة تنويرية لطرح هذا المفهوم الذى ذكره " ابن خلدون " ، من خلال عرضها لقصة حب رومانسية بين الشاعر " تميم الفاطمى " الابن الأكبر للخليفة " المعز لدين الله الفاطمى " ، ومغنية الحرافيش " برديس المصرية " ، وكانت نتيجة هذا الحب إقصاء " تميم " عن ولاية العهد وإسنادها إلى أخيه الأصغر الذى قام بدوره بنفى أخيه إلى خارج البلاد ، فاستغلت بعض الفرق السياسية ومنها فرقة الحشاشين هذا الخلاف لتحقيق مطامعها فى الاستيلاء على السلطة تحت ستار الدين .
والمسرحية وان كانت تتناول موضوعاً مستمداً من التاريخ العربى إلا إنها تمكن المتلقى من مطالعة مشكلاته السياسية الحالية عبر ماض متخيل ، ليس سوى صورة منعكسة للحاضر على شاشة الخيال أو فوق خشبة المسرح فالمسرحية تتناول بالنقد عبر مستويات الدلالة ، ( ومن خلال المنظور الفكرى للمؤلف الفترة التاريخية التى شهدت بداية حكم الدولة الفاطمية ، وتدور أحداثها فى إحدى حوارى قاهرة المعز التى يخيم عليها اللون الأخضر ، وهو اللون الذى فرضه النظام الحاكم الجديد على الشعب كدلالة رمزية _ من الكاتب _ على الصبغة السياسية التى يلون بها الحاكم الجديد محكوميه وفقاً لمصالحه واتجاهاته ، والتى غالباً ما تضاد المصلحة العامة للشعب المحكوم ، الذى ينقاد مستسلماً تحت وطأة القهر والفساد . ولا يقف أمام روح السلبية والانقياد سوى " الشيخ معروف " شيخ الكتاب الذى يطارد الناس بخرزانته الرقيقة أملاً فى إفاقتهم ، وإيقاظ وعيهم بعد أن فقدوا القدرة على المواجهة والتغيير .

"معروف : والله اللى أختشوا ماتوا يا صوان .. لابس أخضر ليه ما تقوللى .. البلد
أتغير ليه لونها .. ما تفهمنى إيه اللى جرالكوا يا مصريين .. حد يكون
فاهم فيكم ينورنى ويعرفنى .

صوان : اهدى يا راجل مت جراش حاجة .. ما تغيرناش .

بشندى : إحنا يا دوبك غيرنا هدومنا وبس يا سيدنا .

معروف : طبعاً ما هو زى العادة يا بشندى .. لو تغير لون الحكام إحنا نغير فى
هدومنا قوام .. واهى دى مصيبتنا يا مصريين .. نلبس حسب الحكام أيا ً
ما يكون وبأيها لون .. حتى لو كان حاكم مجنون . "

ويرتكز رفض "الشيخ معروف " للسلطة الجديدة الحاكمة على إيمانه بعدم شرعيتها ، وتشككه فى صحة نسب الدولة الفاطمية إلى السيدة فاطمة ابنه رسول الله ( صلى الله علية وسلم ) .

" صوان : .. يا راجل دول حكامنا الفاطميين من أهل البيت .

معروف : بيت مين الله يعمر بيتك .. بتصدقهم .. الفاطميين دول ملهمش أصول ..
جايين يأكلوا على حساب مساطيل واهو رزق الهبل على المهاطيل ."

قد أعتمد " السلامونى " فى نصه على قضية خلافية قديمة ، وهى قضية التشكيك فى نسب الدولة الفاطمية .
حيث ذهب العديد من المؤرخين إلى أن الدولة الفاطمية نشأت نشأة غريبة بتونس ، واستطاع مؤسسها "المهدى" أن يقنع مريديه بأنها دولة المهدى المنتظر الذى جاء من نسل السيدة فاطمة الزهراء ، وإنه مهدى آخر الزمان ، بل وأقر بعضهم بأنه كان من أصل مجوسى أو يهودى ، ولا يمت للسيدة فاطمة بأى أصل أو نسب . بينما مال آخرون إلى تكذيب تلك الشائعة وأكدوا على أن التشكيك فى نسب الفاطميين قد جاء فى إطار المنافسة بين الشيعة والسنة ، لأن الدولة الفاطمية كانت دولة شيعية. وهو أمر معتاد فى مثل هذه الصراعات.
وقد أستغل " السلامونى " هذا الطرح المتباين فى التأكيد على مقولة النص ، والإشارة إلى لعبة الحكم الذكية التى تغلفها أفكار القداسة التى هى فى حقيقتها مطامع سلطوية للحاكم ظناً منه أن الولاء والطاعة لن يتحققا دون هالة من العقائد المقدسة تحيط به فينال بها مباركة الشعب وتأييده .

"معروف : شوفوا يا حضرات .. خمسين حاكم ومتين فرقة وألف جماعة مروا علينا
والكل يقول حاكم مهدى ومن أهل البيت .. إيشى علويين وإيشى زيديين
وإيشى فاطميين وإيشى أبصر إيه وإيشى مدرك إيه .. دى حكاية معروفة
ومألوفة .. وبقت لعبة سخيفة يا حضرات .

تميم : قصدق إيه يا شيخ معروف .

معروف : قصدى يا حضرات واضح معروف .. الحاكم أيا كان علشان يضمن حكمه
وولاء الناس .. ينسب حسبه وأصوله لأهل البيت ، ودى لعبة إخوانا
الفاطميين دى الوقت"

يرتكز الإطار الفكرى للنص على صيغة المشابهة والمماثلة بين الوقائع الماضية التى يتم تجسيدها ضمن أحداث المسرحية ، والوقائع التاريخية التى ترتبط بالواقع الحاضر . فالنسق الدلالى للنص المسرحى يناظر ما بين الدال التاريخى والمدلول المعاصر للتأكيد على فكرة تسييس الدين من أجل الوصول إلى السلطة ، وربطها بحاضر معاش تتخفى فيه المطامع السلطوية للجماعات الإرهابية وراء شعارات دينية براقة ، ولهذا فقد ارتكزت مقولات المسرحية أيضا على ضرورة رفض التحالف بين فئات الشعب وزعمائه وتلك السلطة غير الشرعية ، ذلك الرفض الذى يتزعمه " الشيخ معروف" إيماناً منه بأن الإصلاح والتغيير مرهون بالتثوير والمواجهة .

"صوان : اعمل معروف يا شيخ معروف للحيطة ودان .

معروف : يا راجل يا جبان .. لغاية إمتى حتفضلوا فى الخوف .. لغاية إمتى تناموا
وتأكلوا على قفاكم .. إمتى تفوقوا وأمتى حاتصحوا .. قسماً عظماً إللى
ما يصحى معاية ويفوق لا جالد مؤخرته لحد ما يصحى من النوم "

ولكن الظلمة إذا ما طالت تعودتها العين فأمام حكومات البطش والقهر المتتابعة ركن الشعب إلى الاستسلام والسكينة ، فنرى الناس تقابل صرخات " الشيخ معروف " الذى يحاول أن يفتح أعينهم على أنهم أصحاب الأرض الحقيقيين بالسخرية واللامبالاة ، فالجميع ركن إلى التواكل فاستبدت الظلمة واستسلم الناس . لقد تعود الناس على السمع والطاعة وأن يتركوا لغيرهم اتخاذ القرار ، وأصبح من طبائع الأشياء فى نظرهم أن يكون هناك مصدر خارجى هو الذى تأتى منه الإجابات عن كافة الأسئلة والحلول لكل المشاكل ، فلم يكن مطلوبا من الفرد أن يسهم بفكره واجتهاده فى اتخاذ أى قرار حاسم وإن كان عليه أن يتلقى الأوامر من مصدر أعلى أليس الأجدى به أن يتلقاها ممن ينسبون أنفسهم إلى نسب شريف؟
ووسط تلك الجدلية الشائكة نرى " تميم " ، وقد تخفى ، وصاحبه "برهام" فى ثياب تاجرين غريبين أملاً فى لقاء حبيبته " برديس " والتعرف عليها بعيدا عن تأثير هيبة السلطة. ويتحقق له مأربه ، ولكن ما يلبث أن ينقض رجال الشرطة على الحى ، ويتم القبض على " تميم" وصاحبه وبرديس ، وبعض الحرافيش ، لمخالفتهم الزى الرسمى للحكم الجديد ، ومشاركتهم فى الهتاف ضد الدولة الفاطمية ونسبها المشكوك فيه . وفى السجن يتم التعرف على شخصيتهما ويأمر الخليفة "المعز " بالإفراج عنها إلا أن "تميم " يرفض أن يخرج من السجن دون "برديس "، وبقية الحرافيش ، مما يثير غضب الخليفة وزوجته التى ترى فى "تميم " صورة لأمه الجارية التى عشقها " المعز" ، وتزوجها ، لذا فهى ترى أن أبنها "العزيز " هو الأحق بالولاية فنراها تتلمس المساعى للوشاية "بتميم " والإيقاع بينه وبين أبيه .

الزوجة : الحكاية عاوزة حسم .. ابنك العربيد يحاسب ويعاقب .. يبقى عبرة
للجميع.

العزيز : ليه يا أمى .. أنتِ ناسية أنه أخويا .

الزوجة : مش أخوك .. لو تميم ده يبقى أخوك .. كان زمانه عرف يحافظ على
القواعد والأصول .. كان قدر يرعى شرفنا وسمعة الحكم فى بلادنا .. أو
ما كانش نسى أنه من أسره شريفة فاطمية .. (مستدركه) ولا على ايه ..
ليه نلومه .. وأمه أصلاً ما كنتش فاطمية .

المعز : تانى حانعيد الكلام ده يا أميره . مستحيل تفضل حكاية زى دى فكراها
وأمه ميته من عشرين سنه .

الزوجة : للأسف ابنك بيقصد ينتمى للعامة والدهماء والأصول اللى أمه طالعة من
جذورها .. هو ده أصل البلاء .. ولذلك .. بأيدك أنت يا مولاى تحل المشكلة.

المعز : حلها بأيدى أنا !

الزوجة : العزيز يبقى ولى العهد مش تميم "

وتكلل مساعى الزوجة بالنجاح ، خاصة بعد تمسك تميم ببرديس ، وإعلانه عن رغبته فى الزواج منها . فقد رفض تميم كل مظاهر السلطة ، وامتيازاتها من أجل امتياز اكبر وأعظم وهو امتياز الحب ، فأعلن التحلل المطلق من كافة القيوم التى تربطه بالانتماءات الاجتماعية ، وتحدى إرادة الخليفة بل الأكثر من ذلك انحاز إلى جموع الشعب الساخطة محاولا تثويرهم ، واستنهاض هممهم لمقاومة السلطة غير الشرعية ، ولهذا وجب ردعه وحرمانه من ولاية العهد التى أسندها المعز إلى أخيه الأصغر " العزيز" .

"برديس : يا أمير .. حب مصر وشعبها لازم يكون أكبر كثير من حبنا

تميم : صعب أضحى بحبى ليك .. ده أنت أول حب صادق فى حياتى لو حاضحى
بيه صحيح يبقى أنا أنهيت حياتى .

الزوجة : ايه يا مولاى .. مهزلة وزادت كتير عن حدها .

المعز : اسمعونى كلكم .. ده قرارى وبعلنه قصاد الجميع .. العزيز ابنى حايتولى
الولاية بدل تميم .. حاجة تانية .. والكلام ليكم يا شعب مصر .. كلكم
بتشككوا فينا وفى أصولنا .. ومع ذلك اسمعوا الرد المبين .. اللى يسأل
عن حسبنا واللى يسأل عن نسبنا .. الإجابة عندى وباليقين
(يتناول كيساً من الذهب فينثره على الجميع)
ده حسبنا ، (يتقدم ويسل سيفه من غمده) وده نسبنا ."

ومن لحظة إقصاء تميم عن الولاية يبدأ صديقه برهام فى نسج خيوط المؤامرة التى تحمل فى ظاهرها النوايا الحسنة الطيبة ، وفى باطنها الغدر والطمع . فقد أبى برهام إلا أن يقف بجوار صديق عمره ليسترد له حقه فى الولاية حتى وان كلفه الأمر قلب نظام الدولة رأساً على عقب ، ويرى تميم فى ذلك إخلاصاً ووفاءً من صديق لصديقه ، فشاعرية تميم وذاتيته حالا دون كشف اللعبة القذرة التى يرسى برهام قواعدها.

" برهام : ما تخافوش .. عندى خطة .. حط ثقتك فيه يا مولاى تميم مش حاتندم
.... القضية مش حاتبقى قضيتك .. بل حتبقى قضيتى .. وان عارف فين
طريقى ومين حايضمن سكتى

تميم : يعنى ناوى تعلن العصيان وتخرج ع الخلافة الفاطمية ؟

برهام : المهم الحق يرجعلك وترجع لك خلافتك يا أمير

معروف : يا ترى حاتكون مقولتك ايه يا برهام ؟

برهام : لعبة الإرهاب وتكفير النظام

برديس : أنت فاكر ايه يا برهام .. ده أنت حاتواجه بدولة وجيش وسلطة .. أنت
مش قد الصدام

برهام : اطمنى يا ست برديس .. خطتى دى ولعبتى .. حاقلب الدولة واخلى
عاليها واطيها واقلبها على الجنبين شمال ويمين .. زى سمكة بتتشوى
على نار قايدة ولا البركان .. لحد ما تسقط الدولة فى أيد مولاى تميم "

وتتوالى الأحداث ، ويموت الخليفة "المعز" ويعتلى ابنه "العزيز" العرش ، بينما يتحصن برهام" فى إحدى قلاع الجبل ، بعد أن ينجح فى استقطاب قطاعات كبيرة من الحرافيش الذين يتبنون نوعاً من الأيديولوجية المضادة للقيم والمعايير الاجتماعية ، ويقوم بتشكيلهم تنظيمياً فى مجموعات صغيرة تدين بالولاء والطاعة لقائدها الذى ينمى فيها نوازع التمرد على السلطة الحاكمة .

"برهام : (يقف خطيباً) يا اخوانى .. حمدا لله على أنا وفقنا فى الهجرة من ارض
الكفرة ارض العصيان .. لنكون هنا فى ارض الهجرة والإيمان .. الهجرة
يا إخوان .. هى أول رحلتنا لكن العودة آخرها .. وما بين الهجرة والعودة
سيكون لدينا الوقت لنشحذ همتنا وعزيمتنا .. ونعد العدة والقوة لنواجه
من كانوا سبباً فى هجرتنا .. ونطهر أرضاً عاثوا فيها فساداً وفسوقاً
ونخلصهم من حكم الطاغوت الكافر وتراث المجتمع الفاجر "

تكتسب أحداث المسرحية شكلاً درامياً يعكس منظوراً معاصراً ، ورؤية سياسية حاضرة، فقد نجح السلامونى فى عقد مقابلة نقدية ما بين مغلفات الماضى ومفرزات الحاضر ، حيث تشير وقائع المسرحية إلى أزمة حقيقية من أزمات مجتمعنا المصرى فترة السبعينيات وتتناول بالنقد عبر سلسلة من الإسقاطات تلك الفترة التاريخية التى شهدت العديد من الجرائم الإرهابية التى استهدفت الاستيلاء على السلطة ، والوصول إلى الحكم ، فيستعرض من خلال عصابة برهام مبادئ جماعات التطرف الدينى التى ظهرت على الساحة إبان فترة حكم السادات ، والتى ارتكزت على وصف المجتمع بالجاهلية والكفر ، "والاعتقاد بان المسلمين جميعاً قد ارتدوا كفاراً لأنمه يحكمون بغير ما أنزل الله ، وانهم قد رضوا بذلك ولم يعملوا على تغييره ، وذلك استناداً إلى الآية الكريمة (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (سورة النساء، الآية 65)

كما يبرز دعوة تلك الجماعات إلى ضرورة العزلة عن المجتمع ، حيث تأخذ قضية العزلة فى نهج فكرها المتطرف صوراً مختلفة فتكتفى جماعات باعتزال المجتمع ومفاضلته شعورياً لتجنب المنكرات ، بينما تنادى جماعات أخرى بالهجرة المادية ولو إلى الكهوف والجبال . " حيث يذهب أصحاب الاتجاه الأخير إلى أن الجماعة الإسلامية مستضعفة ، ولم تقو شوكتها بعد، ويؤمنون بضرورة الإعداد والتدريب الجيد على القتال حتى يستطيعون فى النهاية غزو المجتمع الجاهلى من خارجه ، وقد انتهج "برهام" فى نص "السلامونى" ذلك الفكر حيث قرن العنف بالإيمان بل اكثر من ذلك قرنه أيضاً بفكرة التكفير ، فهو يؤمن بان عدم الاعتراف المطلق بالدولة الكافرة القائمة يستبيح إزالتها بأى صورة من صور العنف والإرهاب.
كما يشير الكاتب إلى أيديولوجية الطاعة العمياء لأمير الجماعة ، والتى تستند إلى التبعية المطلقة دون توقف أو تراجع أو تساؤل.

"معروف : جرى ايه يا برهام .. مش قلت انك حاتبطلهم شغل التحشيش .. ده بدل ما
تقول نفتح كتاب .. تفتح غرزة.

برهام : على مهلك بس يا شيخ معروف .. أفهمنى أمال ما هو ده الكتاب

معروف : بتقول كتاب .. كتاب بتعلم فيه فن التحشيش ؟

برهام : لو تفهمنى تعرف غرضى .. التحشيش ده وسيلة تدريس زى الكتاب ..
منهج ترويض .. أسلوب تدريب

معروف : حاجة عظيمة .. تدريب على ايه .. على غسل أمخاخهم وعقولهم ..
تدريب ازاى يلغوا التفكير

برهام : لا يا صديقى وأنت الصادق .. تدريب ع الطاعة بدون تفكير .. هو أنت
نسيت .. طاعة عمياء خرساء بكماء .. يعنى أجازه من التفكير "

وقد جنح الكاتب إلى تأكيد المشابهة بين ظاهرتى الإدمان والإرهاب – كما فعل سلماوى فى نص الجنزير – إيماناً منه بتوحد الظاهرتين فى الاعتماد على تغييب الوعى لتحقيق أهدافهما فى الحصول على واقع أفضل .
وقد اعتمد برهام فى محاولته لقلب نظام الحكم على عنصرى الدعاية المضادة ، والتنظيم المسلح ،" فجريمة الاعتداء على السلطة هى ولدية عصر ملىء بالتغيرات والأزمات ، وصراع الأفكار ، وفيه لا يمكن النظر إلى هذه النوعية من الجرائم دون أن نأخذ فى الاعتبار قضية الشرعية الدستورية كأساس للسلطة ، حيث لا يمكن الخروج على هذه الأخيرة بطريق العنف مهما كانت مدى مشروعية مطالب المجرم السياسى المعتدى "
وقد استوعب برهام هذا الدرس فبدأ بالدعاية المضادة ، والتشكيك فى أصول نسب الحكم الفاطمى ، واتهامه بالزيف والضلال .

واستكمالاً لمسلسل الدعاية القائم على تهديد النظام الحاكم بترويج فكر مناهض للسلطة، واستغلال المشاعر الدينية للشعب فى تنظير الرفض لما هو قائم ، والحلم بما يجب أن يكون. يتنكر "برهام" فى زى عابد زاهد من أهل برهامستان ، جاء ليقص على الشعب المصرى رؤياه، فيصنع من "تميم" مهدى منتظر ، منوط من قبل الله بتخليص البلاد من شرور الكفر والضلال . وينقاد الشعب المستكين ثانية وراء وهم الدعايات الدينية المزيفة .

"برهام : أن الحكم لديكم لم يلتزم بحكم الشرع .. والهاتف حين أتانى أخبرنى أن
المهدى المنتظر لهذا المجتمع المحكوم بلا شرع هو شخص يدعى تميم ..
هو من جاء يطبق أحكام الشرع . ولذلك يا إخوان جئت أحذركم إذ سوف
يظل المجتمع لديكم فى كفر وضلال .. ما لم يحكمه المهدى المنتظر تميم
الآتى كى ينقذكم من هذا الكفر البين والبطلان .. فتميم يا إخوان هو
حاكمكم، هو منقذكم .. هو مهديكم هو مرشدكم .. هو رب سفينتكم .. من
يقدر أن يرسو سفينتكم فى بر أمان .. فليهتف كل منكم يا إخوان لا حكم
مصر بغير تميم .

الجميع : لا حكم مصر بغير تميم "

لقد اعتمد "برهام" فى مؤامرته على لعبة الدين والسياسة فادعى انه مدفوع بوصايا إلهية لتمكين "تميم" من الحكم . وهنا لا ينكر الكاتب – كما لا يمكن لعاقل أن ينكر – أهمية الاصلاح الدينى ، وضرورته فى مجتمعات أدمنت الجمود والتقليد ، وصارت فى أمس الحاجة إلى نشر العقلانية فى طرائق التفكير ، وتمكين الدين من تقديم إجابات واضحة لكل أزمات الواقع ، وأسئلته الملحة وفق منطق العصر واحتياجاته . ولكنه أنكر معالجة الواقع القائم بأفكار خاطئة ومغلوطة عن الإسلام لا تستهدف الاصلاح بقدر ما تستهدف تحقيق مطامع سياسية .
وتأكيداً لهذا المعنى يقدم لنا الكاتب شخصية "الشيخ معروف" كواحد من رجال الدين المستنيرين ، وكرمز من رموز مواجهة العنف والإرهاب ، وكجبهة معارضة ضد تسييس الدين لخدمة المصالح الشخصية .

" بشندى : طب ايه الحل يا شيخ معروف

معروف : نربأ بالدين عن ملاعيب الحكام فى الحكم

برهام : أيوه .. قصدك فصل الدولة عن الدين .. مش ده غرضك يا شيخ معروف

معروف : أفهمنى يا برهام .. أنا قصدى ما نخلطش أمور الدولة فى أمور الدين ..
خلط الأوراق بين الأمرين لعبة خطيرة بتشوه صورة الاثنين .. ودى
مأساتنا فى كل تاريخنا ودى غلطتنا اللى مازالت فى مطاردتنا .. من عصر
الفتنة الكبرى لحد الآن . تطاردنا ليوم الدين غلطة خلط الأوراق واللبس
الحاصل بين الناس وفى أذهانهم حتى اختل الميزان وظهر حكام أشكال
وألوان .. وفرق وشيع وملل من كل مكان وفى كل زمان "

وهنا تكمن مقولة النص ، حيث تكشف الرؤية الفكرية للكاتب عن إيمانه بضرورة فصل الدين عن السياسة ، ويرى فى هذه الفصل حلاً للصراعات القائمة حول السلطة على مر التاريخ العربى . كما يحمل النص بين خلجاته إشارة واضحة لوجوب عدم الخلط بين فصل الدين عن السياسة ، وفصل الدين عن الدنيا . فليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا ، وان يكون فى ركن ضئيل منها بينما تسلم سائر الأركان الأخرى لآلهة مزيفة يضعون لها المناهج دون الرجوع إلى شرع الله ، فليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقاً للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا ، ولكن على الجانب الآخر يجب أن نترفع بالدين عن المهاترات السياسية ، وان نحرم استغلاله كقناع تتستر خلفه مطامع سلطوية . كما يجب على الحكومات العربية أن تترك الدين الإسلامى حراً من قبضتها السياسية ، أى أن تكف عن توظيفه ، واستخدامه بما يخدم مصالحها وأهدافها ومآربها المتقلبة المتغيرة ، بهدف قمع كل صاحب رأى معارض أو مخالف ، بصرف النظر عن قيمة الحقيقة التى يستند إليها وتكريساً لثقافة العنف ، والإرهاب ، وأهميتها فى المحافظة على كرسى الحكم .
ولا جدال فى أن الصراعات السياسية المختلفة على السلطة من شأنها أن تؤدى إلى العنف والإرهاب بكافة أشكاله كالتنظيم المسلح ، والاغتيال السياسى .

"تميم : ناوى تعمل ايه يا برهام ؟

برهام : يا أمير.. طعنة الخنجر دواء من كل داء

تميم : ناوى تطعن مين يا برهام ؟

برهام : أى واحد يعترضنا

برديس : بس ده غدر وخيانة

برهام : واللى عملوه فى الأمير .. لما عزلوه .. لما طردوه مش ده أصل الغدر
وأساس الخيانة .. صدقونى .. هو ده اسهل وسائل الانتصار .. عندى
ميت راجل مدرب ، كلهم بايعين حياتهم لاجل تنفيذ الأوامر كل واحد لو
قتل مسؤول كبير واحد فى مصر بعدها الدولة حتسقط بين أيدينا بدون
معارك أو حروب .

برديس : لعبة دموية ومخيفة

برهام : يا أميرة أن بعض الدم إصلاح وخير .. أن بعض الدم حقن للدماء .. لو
قتلنا ‘ثنين ثلاثة مش ده أحسن من دخول حرب ومعارك يتقتل فيها
الآلاف"

يقدم لنا النص من خلال شخصية "برهام" نموذجاً للآليات العقلية الجامدة والمتحجرة التى تنطوى عليها عقول الإرهابيين ،خصوصاً حين يبررون لأنفسهم ولغيرهم قتل الأبرياء بدوافع لا علاقة لها بالإسلام .
ومع تقدم الأحداث يتم القبض على" برهام " ، ولكنه ما يلبث أن يهرب ، ويظن "العزيز" أن هروبه كان بتدبير من أخيه "تميم" ، فيأمر بنفيه . ويلتقى "تميم" "ببرهام" فى قلعة الجبل، ويتخذ "برهام" من قصة نفى "تميم" ذريعة لإقناعه بعدالة خطته فى الاستيلاء على الحكم ، ويدخل معه فى نقاش جدلى حول مشروعية استرداد الحقوق بالعنف والإرهاب ، ذلك النقاش الذى يكشف عن المرمى الحقيقى للمؤامرة ، وعن مطامع "برهام" فى الاستئثار بالسلطة لنفسه . وتهاجم عصابة الحشاشين مدينة القاهرة ، وتستولى عليها ، وتحاصر قصر العزيز، وتهدد آل المعز جميعاً بالقتل ، ليرفع القناع عن الوجه الحقيقى للإرهاب ، وأيديولوجية العنف التى تتخفى حيناً وراء هتافات العدل والحق ، وأحياناً وراء الشعارات الدينية البراقة.
وهنا يحذر النص من الخلط بين مفهوم العنف ، والدين الإسلامى وهو خلط مغلوط من أساسه ، فالدين الإسلامى دين يدعو إلى السلام والعدل والحق ، يدعو إلى احترام الإنسان ، والمحافظة على سلامته مادياً ومعنوياً ، دين يدعو إلى إقامة الحوار والنقاش ، وإعمال العقل والمنطق ، لا إلى العنف والقتل والفساد . فالإسلام الحقيقى دين التسامح ، والاعتراف بالآخر ، واحترام حقه فى العيش والاختلاف.

"برهام : لا اتفاق مع مجتمع وثنى كافر .. هو ده حكم الشريعة والحاكمية للإله .

برديس : لو بتفهم ايه يكون حكم الشريعة فى مجتمع كافر تقول .. اذهبوا فأنتم
الطلقاء يا أمير "

ووفقاً للمنطق القائل المقدمات تؤدى إلى النتائج فإن الجو السياسى العام ، وتواكل الناس ، وعدم قدرتهم على الفعل ، وجشع الطامعين فى السلطة ، كل هذه المقدمات لابد وان تصل إلى النتيجة المنطقية وهى انتصار الظلام ، وتملك "برهام" زمام الأمور.
ويحيلنا الكاتب بأسلوب ساخر إلى عواقب وضع السلطة فى أيدى المتشردين من المتأسلمين فيستعرض جوهر الفكر التحريمى الذى تتمحور حوله سياستهم ، وما يتضمنه من املاءات الدين وشروطه التعسفية من جمود عقائدى وانغلاق فكرى مصحوب بعناد ومكابرة فى توكيد موضوعات بالية وأفكار شائخة بعيدة عن صحيح الدين ، ولا يثبتها العلم، ولا يقرها الواقع النابض بالتغيير والحيوية والتطور.

"برهام : من أمير الأمراء وفقيه الفقهاء الأمير برهان أمير المسلمين الصالحين
الرجل يخرج بدون لحية حرام .. بدون جلابية بيضة زاعرة حرام .. ست
تخرج دون نقاب حرام .. زينة فى الأفراح حرام .. التنزه والتمشى على
النيل حرام .. التمتع بالجناين وشم النسيم حرام .. الجلوس على المقاهى
حرام .. أكل الكوسة والكسكسى حرام .. رؤية الحاوى وخيال الظل حرام
..... الربابة والغناء والرقص حرام .. شعر أو شعراء حرام .. طبل زمر
ناى حرام .. العلاج عند الطبيب حرام .. الأكل بالشوكة والسكين حرام ..
لبس السراويل والفساتين حرام "
وتنتمى شخصية المجرم فى نص "السلامونى" وفقاً لنظرية "ميرتون" إلى نمط الانحراف المتمرد الذى ينظر إلى الأنساق الاجتماعية القائمة باعتبارها نظماً جائرة وغير متميزة بالشرعية ، فيقوم بحركات جماعية فى صورة فعل سياسى منظم من أجل التمرد عليها ، وتحقيق مصالح سياسية خاصة به فى محاولة لإيجاد نظام بديل قائم – من وجهة نظره – على الشرعية والعدالة الاجتماعية ، فالسلطة قد أفسدت "برهام" ، وعملت على تخريبه من الداخل ، أو بالأحرى ساهمت نقاط الضعف الإنسانى داخله فى إسقاطه أخلاقياً وسياسياً ، فينحرف فى اتجاهات إجرامية تدعم مصالحه الذاتية ، وامتيازاته المكتسبة .
ويرى الكاتب أن أعمال العنف والإرهاب نموذجاً للقضايا الكبرى والمهام الجسيمة التى لا تقتصر مواجهتها على الدولة فحسب ، بل لابد وان يكون المجتمع بشتى قواه ، ومنظمات مجتمعه المدنى شركاء فلا تحمل هذه المسؤولية ، لان قضية من هذا النوع تسعى إلى النيل من الكل ، ومن هنا تتطلب يقظة الجميع من أجل مواجهتها هذا إذا أردنا – فعلاً نحن الأفراد – وأرادت قوى المجتمع ، ومؤسساته المختلفة الحفاظ على بقائها وكينونتها ، واستمرار وجودها.

"تميم : كان غرضكم تقتلونا وتعلنوها دعاية للحكم الجديد .. حكم عصر
الحشاشين .. بس ما قدرتوش علينا .. أنت عارف ليه يا برهام .. مصر
قامت والمدينة القاهرة صحية وفاقت

برهام : شىء جميل .. وأنت يا أمير اللى صحيتهم بنفسك ؟

برديس : عمى صوان اللى بانى مصر صحاهم يا برهام .. عمى صوان وبشندى
واللى شاركوا فى بناء القاهرة والجامع الأزهر وسيدنا الحسين والسيدة
بنايين مصر القديمة والجديدة مهندسيها.

تميم : نجارينها وحدادينها

برديس : شغالينها وفلاحينها

تميم : سقاينها وحمالينها

برهام : وأكيد مطربينها ورقاصينها

برديس : ولأجل خاطرك .. طبالينها وزمارينها

تميم : رسامينها ومثالينها "

يشير الحوار السابق إلى أن مواجهة أعمال العنف والإرهاب ليست عملاً أمنياً يناط بالدولة فقط القيام به ، وتحمل أعبائه ، وتبعاته بمفردها ، بل هو إلى جانب ذلك عمل مجتمعى ، ومسؤولية فردية . وقد فطن "الشيخ معروف" إلى ذلك ، فحاول بدوره إيقاظ الوعى المجتمعى لجماهير الشعب معطياً إياه قوة دفع إلى التحرك لاكتشاف زيف تلك الجماعات ، ومواجهة القوى المتربصة التى تسعى إلى النيل منه ، وتحاول أن تجهز عليه لتورده معها مهاوى التهلكة . ويدرك "برهام" خطورة "الشيخ معروف" فيحاول استمالته وكسبه لصفه ، وعندما يفشل يقوم بقتله – مدعياً انه قد ارتد عن الإسلام – فى دلالة رمزية، وإشارة تحذيرية من الكاتب إلى محاولات جماعات التطرف لهدم صحيح الدين وسماحته .
ويشكل مقتل "الشيخ معروف" لحظة الانطلاق والتثوير لجموع الشعب التى هبت من سباتها لتزيح عن أعينها غيمة الخنوع والسلبية ، وتقف صفاً واحداً فى مواجهة عناصر العنف والإرهاب .

"بشندى : الشيخ معروف مرتد .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. الشيخ معروف كان
أتقى وأشجع خلق الله .. منك لله يا برهام .. ده احنا ولا عايشين فى غابة
.. هو مافيش شرطة ولا حكومة علشان تنقذ أرواح الناس ايه يعنى
خلاص حانسيبهم طايحين فى بلادنا يرهبوا فينا ويموتوا فى قلوبنا
الإحساس .

صوان : لا يا بشندى الناس هى اللى ضرورى تقوم .. لا الشرطة ولا حكومة ولا
جيش يقدروا يعملوا حاجة من غير الناس .. الناس لازم يبقى لهم دور

بشندى : الناس مين يا معلم .. خللى الطابق مستور .. الناس متوولة ونايمة على
ودانها .. الناس خايفين لابدين فى جحور

صوان : الناس لازم تصحى وتبطل خوف زى ما كان الشيخ معروف بيقول .. دى
حياة أو موت .. معقول نفضل خايفين من صيع يقتلوا فينا وباسم الدين ..
طب ليه ساكتين طب ليه نايمين ولأمتى حاتفضلوا كده خايفين .. قوموا
وفوقوا واصحوا وشوفوا مصر بلدكم حاتروح على فين .. مصر أمانة
حافظوا عليها وأوعوا تناموا تفرطوا فيها واحموها من رمش العين "

كما يرى الكاتب ضرورة أن يضطلع الفن بوظيفة تنويرية وتثقيفية على نحو يجعله أداة فعالة فى مواجهة أفكار التطرف والإرهاب . فلا جدال فى أن للفن دور إيجابى وتصحيحى لفتح رؤى جديدة فى أفق الوعى الاجتماعى الضيق بهذه الظاهرة ، وتفعيل ذلك الوعى ضد الأخطار الفكرية ، وتحصينه بفكر ناقد ومفند لخلق مسوغات الفرد الإيجابى تجاه وطنه والحفاظ عليه من أى قوى غادرة تحاول النيل من أمنه واستقراره ، حيث أن الانغلاق الفكرى والثقافى فى بعض الأوساط المجتمعية هو الذى يساهم فى نشأة ذلك الجو الذى قد يقود أحياناً إلى تفريخ عناصر إرهابية إذا وجد من يزكيها

"تميم : ... المهم نخلى كل الناس تقول .. صوتها يعلى ورأيها يعلى لفوق فوق
النجوم كلمة الناس ورأى الناس أهم من السلاح ومن الجيوش .

برديس : بالقصيدة غنوة حلوة .. برأى حر بفكرة حرة .. بعقل متنور وزاهى وفهم
واعى "

ومن ناحية أخرى فان للفن دور هادف فى إرساء القيم الإنسانية النبيلة ، وتنمية الوعى الجمالى ، مما يساهم فى النهوض بالواقع ، والأمل فى مستقبل أكثر إشراقا وهو المنطق الذى استند إليه "تميم" فى رفضه لطلب "برهام" بالتخلى عن الشعر .

"تميم : والحياة تكون ازاى بدون شعر وأغانى .. ازاى تكون من غير جمال .. كل
ده ليه يا برهام .. عشان أكون قصاد الناس حاكم كئيب .. لا يا برهام
يفتح الله "

يؤكد النص فى أكثر من موضع على أن الفن قادر برموزه وإبداعاته على إعادة إنتاج وتوليد وتجديد منظومة القيم المجتمعية ، وتوجيهها بما يضمن سلامة المجتمع وأمنه ، والمقصود بالفن هنا هو الفن الرفيع الذى يخاطب العقل والعاطفة ويرتفع بمشاعر الإنسان ، ويسمو بعواطفه ، ويزيد من إحساسه بالجمال . أما الفن الفاسد الذى يستهدف إثارة الغرائز ونشر القبح والفساد فلا يمكن أن نسميه فناً على الإطلاق .
وتأكيداً لتلك الرؤى الفكرية تأتى نهاية المسرحية بمثابة لحظة تنوير ، فبعد أن تعم الظلمة كل شىء فى مسرحية "أمير الحشاشين" تحتشد جموع الشعب ، وتبدأ مواجهة عنيفة بين "برهام" وأتباعه من جهة ، والجماهير المصرية من جهة أخرى ، وتنتهى المسرحية بانتصار إرادة الشعب ، وإعلائه لقيم التسامح والحب والخير والجمال .
بقلم: ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الاسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا