الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراما المسرحية وجرائم شركات توظيف الأموال دراسة نقدية لمسرحية - المليم بأربعة -

إبراهيم حجاج

2010 / 11 / 17
الادب والفن


الدراما المسرحية وجرائم شركات توظيف الأموال دراسة نقدية لمسرحية - المليم بأربعة - بقلم :ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الاسكندرية
من دنيا الموالد الشعبية بحيلها القديمة الساذجة بدأت الرحلة ، ومن ذلك العالم السفلى بأنماطه الدونية بدأ الإعصار مدمراً قاسياً مكتسحاً كل شيء ، الاقتصاد المصرى ، وأحلام البسطاء ، وأموال اليتامى ، ومن بين كل الألعاب الشهيرة فى موالدنا وقع اختيار الكاتب " محمد أبو العلا السلامونى " على لعبة " المليم بأربعة " لتكون محوراً لأحداث المسرحية وعنواناً لها ، وهى لعبة تعتمد على المغامرة ، أو المقامرة إن شئنا الدقة ، حيث يقامر زائر المولد على رقم بعينه من أرقام النرد بعد أن يدفع " مليماً " بغية الفوز بـ " أربعة مليمات " إن صادفه الحظ وهو حظ عاثر فى أغلب الاحيان ، إذ أن النرد قابعُ فى يد صاحب اللعبة الذى يملك من المهارة ما يعينه على إلحاق الخسارة باللاعبين .
" لذا يصيب " السلامونى " باختياره لهذه اللعبة كمعادل موضوعى لما يحدث فى مصر ، وبخاصة إبان الانفتاح ، بعد أن تمكن المقامرون من السيطرة على كل مجالات الحياة التى أمست " مولداً ضخماً " " (51)
" ففى مطلع الثمانينيات وفى ظل سياسة الانفتاح الاقتصادى التى تبنتها الدولة منذ منتصف السبعينيات ، برزت شركات توظيف الأموال ، واستمرت فى العمل حتى يونيو 1988 دون قانون ينظم أعمالها ويحكم رقابة الدولة فى الإشراف عليها حتى صدر القانون رقم 146 لسنة 1988 لهذا الغرض " ( 52 )
وقد ارتبط ظهور هذه الشركات ببداية التفكير فى الاقتصاد الإسلامى الذى يستهدف استثمار الأموال وإيداعها وفقاً لنظام إسلامى بعيداً عن شبهة الربا المرتبطة بفوائد البنوك الحكومية .
وقد صارت الفكرة أكثر ظهوراً عندما قامت شركة الشريف فى عام 1978 بنشر إعلان فى الصحف بقصد تجميع مدخرات المواطنين ، كما قامت بدفع عدد من العاملين لديها إلى جمع الودائع ، والدعاية للشركة فى الشوارع والميادين العامة ، وكان النجاح الكبير لشركة الشريف فى تجميع وتوظيف الأموال نموذجاً دفع الآخرين فيما بعد إلى محاولة تقليده، ولذا تتابع إنشاء هذه الشركات ، حيث أنشأت شركة (بدر) للاستثمار (عام 1980) وتليها شركة ( الريان ) عام (1982) ، ثم ( الهدى والسعد ) عام ( 1985 ) والهلال عام ( 1986 ) . وهكذا فإنه مع نهاية السبعينيات ، ومنذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين تزايد عدد المنشأت فى هذا المجال ، كما تزايد حجم الأموال التى تلقتها ، وشكلت ظاهرة مالية واقتصادية فى المجتمع المصرى . (53 )
وقد أثير جدل حول مشروعية هذه الشركات ونشاطها المريب فى الاتجار بالعملات الأجنبية، والمضاربة بالذهب ، مما يؤثر على نشاط الدولة . وقد حصلت هذه الشركات على جانب كبير من مدخرات المودعين غير انه لوحظ توقف بعضها ومنها شركة الريان عن صرف أرباح المودعين ، وقد جرت العديد من المحاولات لرد أموالهم دون جدوى مما حدى إلى البعض منهم إلى التقدم ببلاغات إلى الجهات المختصة .

وقد صاغ " أبو العلا السلامونى " رؤيته لتلك الظاهرة الخطيرة على أرضية أحد الموالد، حيث تربى ، "على بمبة " بطل المسرحية وبرع فى ألعاب القمار وأتقن حيله ، ثم اختفى عدة سنوات جاب فيها الآفاق وتغرب وتشرد ليعود للمولد من جديد محملاً بثروة من الدولارات والمزيد من الحيل والألاعيب ، فبعد أن صارت الظروف مواتية ليصبح مليونيراً يعود لمعلمه " شلضم " الذى رباه ، وابنته " بطه " التى لعب معها فى صباه ، وما زال محتفظاً بحبها فى قلبه، ليحقق حلمه الدموى فى الصعود إلى قمة الهرم الاجتماعى لتكوين شركة ضخمة تعمل فى توظيف أموال المودعين مقابل فائدة أكبر من الفائدة التى تمنحها البنوك الحكومية ، ويعتمد هيكلها الوظيفى على مجموعة من النصابين الموجودين فى عالم المولد الشعبى ، ويستطيع بمساعدتهم إقناع الناس بمشروعه الذى سيحقق لهم أرباحاً هائلة حلالاً . وينجح المشروع نظرا لتهافت المودعين وارتفاع نسبة الأرباح التى يحققها ، ومن ثم ينجح "على بٌِمبة " فى جمع ملايين الدولارات .
وفى المسرحية خط آخر " ميلو درامى " ينسج الكاتب خيوطه من مأساة " بطة " وعلاقتها الآثمة بـ " عطعوط البصاص" (عين الشرطة المرتشى ) ، التى أثمرت عن حمل غير شرعى كاد يجلب لها الفضيحة ، لولا أن تستر عليها " على بٌمبة " وسارع بالزواج منها، مع الخضوع لابتزاز "عطعوط " الذى يهدده بين الحين والآخر بفضح ماضيه ، وبعد أربع سنوات من النصب والاحتيال يحول " على بُمبة " ثروته الطائلة باسم زوجته "بطة " ، ويودعها فى بنوك الخارج ، ويستعد لإعلان إفلاس الشركة ، وهنا يظهر "عطعوط " ( مخبر الشرطة الفاسد ) ليطالب بابنه وحقه فى استعادته ومعه أمه خاصة بعد علمه بطلاقها أملاً فى الاستيلاء على الثورة ، ويحتدم الصراع بين الأطراف الثلاثة ، ويتدخل " شلضم " ويطلق النار على ابنته بعد أن يعلم بحقيقة قصتها مع "عطعوط " ويقف أمام النيابة متهماً بجريمة الشروع فى القتل ، ويأتى " على " ويعرض على وكيل النيابة إدراج اسمه فى كشوف البركة كرشوة مقنعة مقابل الإفراج عن " شلضم " ويوافق وكيل النيابة ولكن فى اللحظة ذاتها تأتى إشارة تفيد بسرعة القبض على " على بمبة " بعد أن نفذ " عطعوط " تهديده وكشف حقيقة أمره .
وفى المشهد الأخير يعود بنا الكاتب إلى ساحة المولد مهد الأحداث ، وقد عاد " على بمبة " إلى عشيرته ثانية ـ بعد خروجه بكفالة ـ متخفياً ليبتكر وسيلة جديدة للنصب والاحتيال ، وتنتهى المسرحية بصرخة تحذر وتنبه وتعلن فى جرأة شديدة عن عمليات النصب التى مازالت مستمرة بأشكال متعددة .
إن هذا النص يسجل درامياً مرحلة هامة من مراحل تطورنا الاجتماعى وتحولنا الاقتصادى معبراً عن كل ما فى هذه المرحلة من نتوءات ، محذرا من كل ما فيها من مطبات.
فالمسرحية لا تتعرض لمجموعة المشاكل المتصلة بشركات توظيف الأموال التى استولت بالنصب والتزوير على حقوق المودعين فحسب ، بل قامت برصد الظاهرة للوقوف على أسبابها وتناول الأبعاد المختلفة لها .
لقد بدأ " أبو العلا السلامونى " مسرحيته من لحظة ما قبل الصعود تلك اللحظة التى تكشف عما وراء حدود الأفق وتجعلنا نعيش لحظة التكوين . ( 54) وهى اللحظة التى قرر فيها " على بمبة " إنشاء شركة ضخمة لتوظيف الأموال تقوم على نفس أسس لعبته القديمة " المليم بأربعة " .

" على : المليم بأربعة يا اخوانى .. هو مشروعنا الأصيل وسوف يتطور زى العلم
والتكنولوجيا ما بتطور .. ويصبح الدولار بأربعة .. والإسترلينى بأربعة ..
والفرنك بأربعة .. والين بأربعة .. ومع المزيد من التقدم يصبح خمسة
أو ستة أو عشرة أو مليون .. وبذلك نحقق المعادلة الصعبة بين الأصالة
والمعاصرة الأصالة يا اخوتى مليم .. والمعاصرة مليون .(55)

ومن داخل المولد من تلك المساحة المختنقة المنفجرة باللهب يعتمد " على بمبة " فى نهب أموال المودعين على بعض النماذج الموشومة بالشطارة وخفة اليد ، حيث تم اختبارهم وفقا لشروط محددة لتعينهم فى الشركة الجديدة .

" على : حنختبرهم عشان نختار العناصر اللى هي .. لا تقولى أهل الثقة ولا أهل
الخبرة .. احنا مبنشترطش شهادة حسن سير وسلوك ولا فيش وتشبيه
ولا أى مؤهل .. شرطنا الوحيد انه يكون ما ولدتهوش ولادة فى اللعبة
اللى بيلعبها فى المولد .. إحنا عاوزين ولاد الجحور والموالد .. ولاد الديابة
والتعالب .. ولاد البيضة والحجر والثلاث ورقات والجوكر إلى يكسب والولد
اللى يقش " ( 56) .

وبناءً على تلك الشروط يتم تعيين " عاشور النص " ( الحرامى خفيف اليد ) أميناً لصندوق الشركة ، و " شهبور " (المنوم المغناطيسى ) رئيساً لقطاع التنويم والتشخير القومى ، و " سعدون " ( صاحب صندوق الدنيا ) رئيساً لقطاع الدعاية والإعلان ، و "جورجى " ( بائع المصوغات الفلصو ) رئيساً لقسم المضاربة الحلال ، و " راتب أفندى " (العرضحالجى ) مستشاراً قانونياً للشركة ، وأخيراً " نجفه " (فتاة المولد الماجنة ) مديرة للعلاقات الخاصة فى إسقاط رمزى يهدف به الكاتب فى تعرية أصحاب وموظفى هذه الشركات ونعتهم بالنصب واللصوصية .
وهذا ما لمسناه على أرض الواقع . فقد أثبتت التحقيقات أن أصحاب هذه الشركات من المحتاجين والمغامرين والنصابين ، وأن لهم تاريخ حافل فى مجال تجارة العملة ، والنصب، وإصدار شيكات بدون رصيد ، وتهريب المخدرات ، أى أن نشاطهم يشمل النشاط الإجرامى الفاسد (57)
ويعلن " على بمبة " عن المبادئ الأساسية التى تقوم عليها شركته ، والنابعة من فكر وثقافة عالم الموالد الشعبية بما يحتويه من حواة ودجالين ونصابين .

" على : طول ما فى ناس بتودع فى شركتنا طول ما الأرباح مستمرة .. وطول ما
الناس بتاخد أرباح مستمرة حتحط فلوس كمان وكمان عشان تاخد أرباح
مستمرة .

بطة : ودوخينى يا لمونة دوخينى .

ستوتة : أه .. يعنى لبس طقية ده لدماغ ده .

على : اسم الله عليكى .. ومن دقنه وافتله 0

شلضم : من دقنه وافتله ؟

على : أه .. يعنى اللى دفع النهاردة .. هياخد ارباحه من اللى هيدفع بعده ..
واللى هيدفع بعده ياخد ارباحه من اللى هيدفع بعد بعده .. واللى بعده
واللى بعده واللى بعده . " ( 58)

وينخدع الكثير من الضحايا ، ويقعون فريسة لوهم الكسب الوفير نتيجة العديد من العوامل التى ساهمت فى تضليل تفكيرهم ، وحجب الرؤية الصائبة عن أعينهم ، والتى يحصرها الكاتب فى جلب بعض الذين يشغلون المناصب العليا كعملاء فى شركات توظيف الأموال لإعطاء نوع من وهم الضمان لدى كبار المودعين المتخوفين والمتشككين فى نزاهة تلك الشركات.

" على : (للعمدة وشيخ القرية ) بقول يعنى انتو كبارات البلد ..وعشان الناس
تشارك فى المشروع بقلب جامد .. لازم تشوف العمدة ومولانا أول
المساهمين . ( 59)

فبعد أن يسافر " على بمبة " إلى قريته ( عزبة البرج ) ، ومعه موظفوه لإقناع أهل البلدة بإيداع أموالهم عنده مقابل الأرباح الخيالية التى سوف يحصلون عليها ، ينجح فى إقناع العمدة، وشيخ الجامع فى المشاركة بصورة وهمية كعملاء فى شركته بهدف كسب ثقة الناس ، ودفعهم إلى إيداع أموالهم بشركته ، وذلك فى مقابل رشوة مقنعة قدمها إليهما تحت مسمى "كشوف البركة " وهى كشوف تعطى الحق فى صرف فوائد شهرية لرصيد وهمى يحدده صاحب الشركة مقابل تسهيلات يحصل عليها ممن تهدى إليهم تلك الكشوف لتيسير أعماله .

" على : أنا كمان هخليك مشارك فى المشروع مشاركة فخرية .

العمدة : ببلاش ؟

على : لأ بفلوس .

العمدة : يفتح الله .. ممعاييش فلوس .

على : أطمئن هاديك الفلوس اللى أنت عاوزها .

العمدة : رشوة .

على : أعوذ بالله .

العمدة : أمال ايه ؟

على : قرض حسن .

العمدة : محبش أبقى مديون لحد .

على : مش هتبقى مديون لحد .. دى كشوف البركة .

العمدة : كشوف البركة .. ازاى .. ؟

على : هحطلك فى الشركة عشرين ألف جنية باسمك .. حتاخد عليهم أرباح
سنوية خمسة وعشرين فى المية .. ومن الأرباح تسدد القرض .. وبعد
أربع سنين يبقى العشرين ألف بتوعك حلالك بلالك " ( 60 )

وهنا يشير الكاتب إلى أحد العوامل التى ساهمت فى تقوية نفوذ هذه الشركات وتحقيق ما تصبو إليه من حماية بتخصيص أصحاب هذه الشركات مبالغ ضخمة للإنفاق على الرشاوى والهبات التى يقدمونها للشخصيات التى يريدون استرضائها ، أو الحصول على تأييدها ، أو حتى لضمان سكوتهم ، وهذا ما أوضحه الكاتب من خلال " على بمبة " عندما جاء ليعرض على وكيل النيابة عشرين ألف جنيه باسمه ، وخمسة آلاف للكاتب ، مع وعد بفتح مكتب خاص له فى وسط البلد مقابل الإفراج عن " شلضم " . ولكى يطمئنه يطلعه على كشوف البركة التى تضم كبار الشخصيات ـ التى يتعامل معها ـ ممن يشغلون المناصب العليا ليكونوا ضمن جماعة ( اللوبى ) المناصرة لشركات توظيف الأموال داخل أجهزة الدولة ، ومراكز صنع القرار .

" على : .. العمدة وكل الأعيان البلد خدوا مننا قروض زى ما أنت عارف .

الوكيل : بتقول العمدة وأعيان البلد .

على : والمحافظ .. والسكرتير العام .. والمجلس المحلى وكله ,, مش مصدقنى
.. طلع له كشوف البركة يا راتب أفندى عشان يطمن .

راتب : قوى قوى يا على بيه ( يخرج كشفاً من حقيبته ) .

على : (وهو يقترب من الوكيل بالكشف ) بص يا سعادة البيه .. شايف ده مين
.. رئيس الوزراء السابق ..وده وزير الداخلية السابق .. وده وزير
الحربية السابق .. وده المحافظ ووزير الشباب السابق ..

الوكيل : ايه يا على بيه كله سابق سابق .. ما فيش حالى .

على : ما أنا بعين السابق .. عشان الحالى يطمن .. لما يخرج حيلاقى مكانه
عندنا جاهز . " ( 61 )

هذه الشركات قد لعبت نفس الدور الفاسد مع كبار الصحفيين ، ورؤساء الصحف القومية ، لضمان كسر الأقلام وإسكات الأصوات التى تكشف عن ممارساتها الفاسدة ، فلقد أمكن السيطرة على الضمير الصحفى من خلال الإعلانات التى كان ينفق عليها ببذخ ، وهذا ما دعى بعض رؤساء التحرير ـ أنيس منصور على سبيل المثال ـ للدفاع بعنف عن هذه الشركات (62)
وهذا ما أوضحه الكاتب على لسان " على بمبة " حيث يقول

" على : ومع ذلك يا سيدى أطمنك اكثر .. شوف ده بقى يطلع مين .. رئيس
تحرير كبير وكاتب مشهور فى الصحف القومية .. وده مسؤول إعلامى
خطير فاتح لنا الدعاية مخصوص فى التليفزيون " ( 63 )

كما يشير النص إلى واحد من أخطر العوامل التى ساهمت فى الترويج لهذه الشركات ، وزيادة إقبال الضحايا عليها وهو "ارتباط ظهور هذه الشركات بصعود طيار الأصولية الدينية، ومناداته بإسلامية الاقتصاد ، فلقد شن الأصوليون حملة على البنوك ، ودعوا إلى تحريم التعامل معها بوصفها بنوك ربوية ، وكان لهذا دور مؤثر فى أحجام الكثير من الناس عن التعامل مع البنوك ، والبحث عن قنوات جديدة لمدخراتهم " ( 64 )
فلقد واكبت تلك الفترة صحوة إسلامية وهذا ما دعى الناس إلى البعد عن شبهة الربا المرتبطة بالفوائد المصرفية ، والميل إلى إيداع أموالهم لدى شركة تعمل تحت راية الاقتصاد الإسلامى مدفوعين إلى ذلك بعاطفتهم الدينية ، ورغبتهم فى تحقيق ربح وفير وحلال فى نفس الوقت ، هذا بالإضافة إلى تواطؤ بعض رجال الدين مع هذه الموجة ، وترديدهم لفتاوى تحريم الفوائد البنكية ، ورفعهم للشعارات الفضفاضة التى لعبت على نغمة الحلال والحرام والتى كانت بمثابة المظلة التى نمت وتضخمت فى ظلها تلك الشركات إلى درجة أصبحت معها البديل عن البنوك الوطنية .

" على : ( وهو يقترب من الوكيل بالكشف ) ... وده بقى العالم العلامة والفاهم
الفهامة .. الداعية الإسلامى الكبير اللى طلع فتوى مخصوص بان بنوك
الدولة حرام .. وشهادات الاستثمار حرام .. وخلا الناس كلها تسحب
فلوسها من البنوك وتحطها عندنا فى الشركة عشان الأرباح بتاعتنا حلال
من ضهر حلال " (65)

لقد اتخذت هذه الشركات من الدين ذريعة للنصب والاحتيال سواء من حيث أسمائها ، أو من حيث مظهر أصحابها ، حيث حملت اسم شركة توظيف الأموال " الإسلامية " ، واحتشدت إعلاناتها بالآيات القرآنية ، واتخذت من بعض الآيات شعاراً لها ، ومن بعض رجال الدين ، ممن استغلوا الدين لتحقيق أطماعهم ، سنداً ومعيناً .

" على : إيه ... الحسبة صعبة ؟

العمدة : دى تمخول العقل .. وإلا إيه يا مولانا ؟

شيخ الجامع : لا تمخول العقل ولا حاجة يا عمدة .. بيقول كشوف بركة .. والبركة من
عند الله .. يعنى حلال من ضهر حلال .. مش احسن من الربا بتاع البنوك
والعياذ بالله " ( 66)

هذا فضلاً عن الإيهام بوجود مشروعات كاذبة أو الدعاية عن إنشاء ناطحات سحاب وهمية كنوع من كسب ثقة الناس ، وهو ما نمى إلى تفكير "على بمبة " بعد أن اقترح عليه " شلضم " استغلال المال فى مشروعات استثمارية .

" شلضم : طب يابنى ما دام الفلوس موجودة ما تعملك مشروع ولا اتنين .. منها
تشتغل ومنها تكسب

على : انهى مشروع ده اللى يكسب 25 فى المية .. ومع ذلك هية فكرة كويسة
برده ناخد قرشين ونشغلهم .. عشان الدعاية فى التليفزيون .. نعمل زريبة
بهايم نحط فيها جوزين بقر ونعلن فى التليفزيون إن عندنا مزرعة أبقار
فريزيان .. نبنى عمارة ولا اتنين ونعلن إن عندنا مشروعات اسكانية
وأبراج وناطحات سحاب .. ده هيدى للناس ثقة أكبر فى الشركة نقوم
نشجعهم انهم يشتركوا أكتر ويدفعوا أكثر .. ومن دقنة وافتله . " ( 67 )

لقد غاص الكاتب فى أعماق الظاهرة محللاً التربة الاجتماعية التى استزرعتها ، والمناخ الاقتصادى الذى نمت فى ظله ، وترعرعت حتى صارت نبتاً ساماً لا يجدى معه سوى اقتلاع جذوره.
كما قدم الكاتب طرحاً جديداً لقضية التواطؤ مع المجرمين والأفاقين من قبل أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية ، حيث يصنع التواطؤ حجاباً يمنع المواطن من رؤية هؤلاء النصابين على حقيقتهم وبالتالى يسقط ضحية غشهم وخداعهم .
ولم يكتف الكاتب بذلك بل تناول بعضاً من الآثار السلبية لعمل هذه الشركات ، والتى كان لها دوراً فعالاً فى خلق حالة من الاضطراب الاقتصادى والاجتماعى فى نسق المجتمع المصرى نتيجة ممارساتها لصور الفساد المختلفة .
فقد قامت هذه الشركات بتكوين احتكارات فى بعض أسواق السلع الحيوية كاحتكار أسواق اللحوم والأسمنت وإخفائها بهدف التحكم فى أسعارها دون منافس .

" نجفة : "هاللو " .. مين .. أيوة يا باشا .. موجود يا باشا .. حاضر يا باشا ..
وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية مع سعادتك يا على بيه .

على : مين .. ؟

نجفة : سيادة الوزير شخصياً .

على : تانى يا نجفة .. تانى كل شوية يقولى إلحقنى يا حاج ما فيش فى البلد
كيلو لحمة .. إلحقنى يا حاج ما فيش فى البلد شكارة أسمنت هاتى السماعة
وامرنا لله ( يأخذ السماعة ) أهلا يا باشاً .. متشكرين يا سيدى .. طب
وأخرتها يا باشا .. وبعدهالك بقى .. ما أنت كل مرة تحلف .. ولو كررتها
تانى .. خلاص يا سيدى .. بس دى آخر مرة .. وعليكم السلام ورحمة الله
وبركاته " ( 68 )

كما غرست الممارسات الاقتصادية الفاسدة لهذه الشركات فى نفوس مودعيها قيم البطالة والكسل ، والحصول على المال بأسرع طريقة ممكنة ، حيث أصبحت قيم العمل والشرف هى حجة العجزة ، والفاشلين ، وقد عكس " السلامونى " تلك الصورة الواقعية فى نصه من خلال تسابق أهل ( عزبة البرج ) لبيع ممتلكاتهم وأطيانهم ومنازلهم " لعلى بمبة " والإسراع بإيداع أموالهم فى شركته مع الاستكانة فى منازلهم بلا عمل فى انتظار الأرباح القادمة .

" العمدة : البلد كليتها عاوزة تبيع أملاكها وأطيانها وتسلمك فلوسها، وهمه هيعيشوا
على الأرباح اللى أنت هطلعها .

على : عين العقل يا عمدة

العمدة : كلام فى سرك الموضوع ده يهوس بصحيح .. الواحد يبيع اللى حيلتو
ويقعد فى بيته لا شغلة ولا مشغلة .. ويصرف على بيته من الأرباح
بتاعتكوا وهو مستريح أربعة وعشرين قيراط " ( 69 )

واستكمالاً لواقعية الصورة يتبنى الكاتب الفكرة القائلة بأن المشكلات الاجتماعية وما ينتج عنها من سلوك انحرافى عند بعض أبناء المجتمع ما هو إلا نتيجة حتمية للبيئة الاجتماعية التى نشأ فيها الفرد ، وبالتالى إلى ظروف تنشئته الاجتماعية ، وأهمية ذلك فى تشكيل سمات الشخصية ، فقد فقد "على " والدية وهو مازال فى العاشرة من عمره ليرتمى فى أحضان " شلضم " و زوجته " ستوتة " ويتربى فى ساحات المولد . وفى تلك البيئة التى يجد فيها بعض العاطلين والمشبوهين فرصة للكسب بحثاً عن لقمة العيش ، أو للاختفاء من مطاردة رجال الشرطة برع "على " فى العاب القمار وتشرب طرق النصب والاحتيال .

" شلضم : فينك يا على يا بمبة .. كان واد قشاط .. ينزل باللعبة يقش السوق .. كان
جن .. بس يا خسارة كت وهرب .. كان واد ابن حرام .

ستوته : ما تقولش عليه ابن حرام .. أبوه وأمه كانوا ناس مجدع .. الله يرحمهم
بقى .. ماتوا وسابوه عنده عشر سنين .

شلضم : خدته وربيته ولحم كتافه من عرق جبينى .

ستوتة : يا مفترى دا أنت كنت محسره على فلوسه ومقشطة من عرقه أول بأول
.. دا أنت السبب فى طفشانه " (70)

وشخصية المجرم فى هذه المسرحية تنتمى إلى نمط المجرم " التجديدى " الذى يسعى جاهدا لاستنباط وسائل جديدة لانتهاك المعايير الاجتماعية ، وتحقيق أهدافه بطرق غير مشروعة . فجريمة النصب فى شركات توظيف الأموال من الجرائم الجديدة على المجتمع المصرى التى أفرزتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية فى حقبتى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين
فمن عمليات النصب الصغيرة فى الموالد استلهم " على بمبة " مشروعه الوهمى الكبير مستغلاً القوانين الجديدة للانفتاح ، والتى منحته الحرية الكاملة لممارسة نشاطه الإجرامى فى ظل مناخ اقتصادى فاسد ، ومستفيداً من القيم الانفتاحية الغريبة التى اجتاحت المجتمع المصرى، وهى قيم جديدة دعمت السعى نحو تحقيق الربح السريع بغض النظر عن مشروعيته حاملة شعار " الغاية تبرر الوسيلة " .

" سعدون : انتهى عصر الفرسان وجه عصر الفران والقطط السمان .. واتفرج يا
سلام على عك الزمان ..

على : برافو يا سعدون .. ما دام فهمت التطورات الحديثة يبقى ييجى منك .. "
(71 )

وبعد أن ينجح " على بمبة" فى جمع ملايين الدولارات يفكر فى وسيلة جديدة يستولى بها على أموال المودعين لينهى اللعبة لصالحه ، خاصة بعد أن أودع ثروته الطائلة فى أحد بنوك (سويسرا) ، وتقاعس عن سداد الأرباح ، وفى أحد اجتماعات الشركة ، حيث نجد الجميع وقد أطلقوا لحاهم وارتدوا الجلابيب البيضاء ليلقى "على بمبة " بالقنبلة ، ويعلن إفلاس الشركة.

" شلضم : يعنى إيه الشركة فلست .. ؟

على : تعتبر فى حكم اللى فلست .

راتب : مش ممكن يا حاج .. الحسبة اللى أنا عاملها بتقول إن رصيدنا وصل ميت
مليون دولار .. تبقى فلست إزاى يا حاج ؟

على : أنا ما قلتش فلست .. أنا بقول فى حكم اللى فلست .

شهبور : ما تفهمنا العبارة يا حاج وبلاش توقع قلبنا

على : شوفو يا طيبين شركتنا دى دلوقت بقالها أربع سنين بتدفع خمسة
وعشرين فى المية كل سنة .. يعنى لغاية النهاردة دافعين مية فى المية ..
يعنى لا مؤاخذة كل واحد أخذ ريسماله اللى دفعه بالكامل يعنى بصراحة ربنا
محدش له حاجة عندنا بعد النهاردة .

شلضم : بس دى أرباح يا حاج .

على : أعوذ بالله .. أرباح إيه يا حاج .. هو أنا بشتغل بالربا عشان أدى أرباح
زى البنوك .. معاذ الله ولا حول ولا قوة إلا بالله " (72 )

ويغزل " على بمبة " من نسيج ابتكاراته حيل جديدة تحميه من لهيب ثورة المودعين وسعير العقوبة القانونية التى تنتظره مستخدماً الشعارات الدينية تبريراً لافعاله ، الأمر الذى هز ثقة المجتمع بكل ما ارتبط بالدين من قيم وشخصيات وأفعال .

" على : اجتماعنا النهاردة عشان نشوف هنعمل إيه .. شوفو يا طيبين قدامنا ثلاث
سكك .. أول هام .. نستمر فى الشركة .. وده معناه هندفع الأرباح من
رصيدنا وريس مالنا .. وبكده نخسر اللى كسبناه ونبقى كأنك يا أبو زيد
ما غزيت .

راتب : وتانى هام يا حاج

على : نقول يا فكيك

الجميع : نهرب

على : زغزغان زغزغان .. كل حى فى مكان

شلضم : على فين يا على

على : على برة يا عم شلضم .. رصيدنا برة ومنشآتنا كلها خيم ومنقولات سهل
نقلها فى أربعة وعشرين ساعة " (73)

وأخيراً ينجح " على بمبة " فى الوصول إلى حل يحقق له مأربه فى الاستيلاء على أموال المودعين ، وفى الوقت نفسه يجنبه الوقوع تحت طائلة القانون ، فقد أوصله شيطانه إلى فكرة جديدة للخروج من المأزق ، وهى أن يطلق بطة بعد أن يكتب لها كل ثروته أملاً فى استعادتهما معاً بعد مرور المحنة وهدوء العاصفة .

" على : أفهمينى يا بطة .. ده طلاق بيزنيس

بطة : أه بيزنيس .. هيه دى بردو كلمه عطعوط .. الجواز والطلاق بقى بيزنيس
.. يا خسارة الحب لما يضيع تحت الرجلين .

على : وبعدهالك يا بطة .. أنت هتقلبيها غم ..

بطة : ومطلقنى من أمتى يا على ..؟

على : من امبارح بس

بطة : وهان عليك تطلقنى يا على .. أنا عملت فيك حاجة .. دا أنا بحبك ..
ونفسى أعيش العمر جمبك .. أنا ماليش غيرك .. وانت كل حاجة فى
دنيتى .

على : عارف يا بطة .. عارف والله .. بس ده طلاق ضرورى لغاية متعدى
الأزمة اللى بتمر بيها الشركة .

بطة : أزمة ولا لعبة جديدة يا على ؟ " ( 74 )

وبينما يحاول " على " إقناع " بطة " بتلك اللعبة الجديدة يأتى " عطعوط " بعد أن علم بطلاقهما ، مطالباً بحقه فى ابنه ، واسترداد زوجته التى أصبحت مالكة لتلك الثروة الطائلة ، وأمام رفض الجميع يقوم " عطعوط " بتبليغ الشرطة عن الممارسات الإجرامية التى يقوم بها " على " وبالفعل يتم القبض عليه .

" الضابط : ... احنا بنقبض عليك عشان نضمن حقوق المودعين الغلابة

على : هو ده الخطأ اللى انتو وقعتوا فيه .. أنا ماشى بالقانون اللى وضعته
الحكومة بنفسها .. والدليل على كده إنى بقالى أربع سنين والحكومة
موافقة على كل اللى عملته فى الشركة .. جايين تحاسبونى على غيه على
قانون أنتو عملتوه .. والمشايخ ورجال الدين باركوه .. والصحافة
والتليفزيون هللوله .. حاسبوا نفسكم قبل ما تحاسبونى يا حكومة ولعلمكم
.. القانون بتاعكم هيطلعنى براءة .. واذا ما طلعتونيش براءة .. وشوفوا
بقى هترجعوا حقوق الموديعين إزاى .. ؟ ومتنسوش معايا كشوف البركة
وماسك الحكومة من مناخيرها " (75)

وهنا تكمن مقولة النص ، فالكاتب لم يكتف بكشف احتيال بطله وأعوانه ، بل أوضح أن هذا الاحتيال ما كان من الممكن أن ينجح ويستشرى لولا مشاركة عناصر عديدة من المسئولين فى الحكومة ، وأجهزتها ، واستفادتها المجانية من هذا الاحتيال فيما عرف بكشوف البركة ، ومشاركة أجهزة الإعلام فى الترويج لمشروعات تلك الشركات ( 76) .
ولعل ما تمتعت به قيادات هذه الشركات من دهاء وقوة ومقدرة على احتواء عناصر فعالة من صفوة القوى السياسية هو ما دعى أصحاب شركات الريان للقول "نحن دولة داخل دولة ، والجميع يقبض منا " ( 77)
فلقد شارك الجميع فى تلك اللعبة الدموية حتى تشابكت تفاصيلها ، ولم نعد ندرك أين محطات الحقيقة من محطات الوهم الموحشة ، فالكل ساهم فى إرساء قواعد اللعبة ، بل وممارساتها أيضاً ، فالكل مدان ويقع على عاتقه جزء من مسئولية تفشى هذه الظاهرة .

وفى المشهد الأخير من المسرحية نعود ثانيةً إلى المولد ، حيث عاد كل شيء إلى سيرته الأولى بعد أن تنازلت " بطة " عن كل أموالها للحكومة ، ويتحدث الجميع عن الشيخ الاسطنبولى الذى التف حوله الاتباع و المريدون ، ونكتشف بعد قليل أن هذا الشيخ هو نفسه " على بمبة " بعد أن عاد فى ثوب جديد بعد خروجه بكفالة متخفياً فى ثوب ذلك المتصوف التركى ليمارس هوايته فى استحداث وسائل جديدة للنصب والاحتيال معتمداً هذه المرة على الدجل الدينى .

" على : لما خرجت بالكفالة دخلت فى زوارق بتوع مشايخ الطرق .. لاقيته عالم
غريب سهل الواحد يدخل فيه وينصب نصبته .. ويلعب لعبته .. وعنها
ومكدبتش خبر لميت حوالية المريدين على إنى درويش وشيخ طريقة جاى
من استنبول قاصد أهل البيت " ( 78)

وينجح " على بمبة " فى جمع تبرعات من المريدين المندفعين فى الذكر ووضع أموالهم فى صندوق النذور بعد أن يشيع بين الناس بأنه صاحب بركات وكرامات فينخدع الناس ثانيةً ويهبوه أموالهم وذهبهم من اجل زيادة بركتها فى إشارة من الكاتب إلى غياب الوعى المجتمعى فى اكتشاف هذه الأنواع المتعددة من الاحتيال فضلا عن قبوله وسط حالة عامة من الضياع والإحباط أعجزت المجتمع عن التمييز بين الجيد والردئ وهو ما أدى إلى حالة سقوط قيمى ذريع للمجتمع بأكمله .
فالناس فى " المليم بأربعة " قد أسلمت نفسها للوهم ، ولأنها قد سقطت فى الوهم بمحض اختيارها ، ولأنها تريد أن تتجاوز حدود الفشل ، وترضى ضمائرها فإنها تحاول أن تخلق لنفسها وهماً جديداً تتعلق به حتى لا تسقط فى هاوية الأيام الصعبة ، ولهذا تتشبث بالوهم الجديد " الشيخ الاستانبولى " وتحمله على الأعناق (79)
وحين تكتشف " بطة " حقيقته ، تسرع بتحذير هؤلاء المريدين ، وتطالبهم بأن يستيقظوا من ثباتهم ويكفروا بإيمانهم الراسخ بالدجل والخرافة ولكن دون جدوى فقد ظل الناس حتى اللحظة الأخيرة يحملون وهمهم ويهتفون ، وفى تلك اللحظة تقرر "بطة"
أن تخلص الناس العاجزة عن الفعل والمغيبة فى طقوس الدروشة من هذا الوهم بأن تطلق النار على " على " .

" بطة : ( تصيح فى الناس الذين يفتتنون به ) يا ناس متصدقوش .. أوعوا
تصدقوه أو تمشوا وراه ده كداب ونصاب .. بيعملكم البحر طحينة ..
وهتغرقوا فى بحر لا فيه عسل ولا طحينة .. بحر مالوش قرار .. انتم مش
عارفين حقيقته .. لكن أنا عارفة كل حاجة .. صدقونى يا ناس ( يبنما تخرج
الجموع تتجه إلى لعبة التنشين وتتناول البندقية ) سامحنى يا على .. صحيح
أنا حبيتك ولسه بحبك .. لكن عمايلك دى خسارة فيها الحب .. حرام احبك
وأنت عمال بتضحك على الناس من غير حب ولا رحمة .. وأنت بتخنق فى
أحلام الناس الغلابة ومستقبل حياتهم حبك حرام يا على ( تصوب البندقية تجاه
على بمبة ) خلاص قتلتك يا على .. قتلتك وخلصت الناس من شرك ..( تجثو
باكية ) سامحنى يا على .. سامحنى يا حبيبى ." ( 80 )

وبعد لحظات نفاجأ بدخول " على " الذى مازل على قيد الحياة فقد أطلقت " بطة " الرصاص على خيال المآتة الذى يحمله الناس بينما يفر "على" هارباً محملاً بكل الأموال ، ويدخل الناس حاملين خيال المآته فتصرخ " بطة " فيهم لعلهم يفيقون ولا ينساقون وراء المظاهر الخادعة التى يتخذها مثل هؤلاء المجرمين سبيلاً للتحايل عليهم لسلب أموالهم .

" بطة : فوقوا يا عالم .. فوقوا يا ناس
فوقوا يا عالم .. فوقوا يا ناس . " ( 81 )

وبهذه الصرخة يسدل ستار الختام ـ حسب قول الكاتب ـ فالمأساة لم تنته بعد . فقد اخترقت تلك الصرخة حجب المستقبل لتخبرنا أن ما سوف يأتى سيكون أكثر ضراوة مما مضى ، فالسلامونى يسجل من خلال تلك الصرخة تخوفه من تكرار عمليات النصب والاحتيال باسم شركات توظيف الأموال أو غيرها بأشكال جديدة ، ويحذرنا من الوقوع فى براثن الخديعة مرة ثانية ، ولقد صدق حدس الكاتب وتجسدت مخاوفه على أرض الواقع .
فعلى الرغم من صدور القانون رقم 146 لسنة 1988 الخاص بشركات تلقى الأموال لتنظيم دور تلك الشركات ، وتأمين مصالح جماهير المودعين ، وإخضاعها لإشراف الدولة ، ورغم كارثة توظيف الأموال التى مر عليها حوالى ربع قرن ، والتى ضاعت فيها مدخرات المودعين إلا أنه لوحظ من خلال متابعة سير العمل فى النيابات قيام أعداد كبيرة من المواطنين بإيداع أموالهم لدى بعض الأفراد والشركات غير القانونية منساقين وراء تحقيق ربح سريع متناسين آثار الكارثة السابقة ، حيث تلقت النيابة العامة العديد من البلاغات عامى 2006 ، 2007 وبلغ عددهم خمسة آلاف مودع تعرضوا جميعاً للوقوع ضحية لبعض الشركات الوهمية، كما بلغ حجم الأموال الضائعة ما يزيد عن مليار جنيه ، وقد استعان هؤلاء المجرمين بحيل جديدة للإيقاع بضحاياهم ، فقد ظهر ريان جديد عام 2007 فى محافظة الغربية قام بالنصب على خمسة وعشرين مواطنا واستولى منهم على ثلاثين مليون جنيه لتوظيفها فى كروت شحن المحمول مقابل عائد 40% شهريا . (82)
وهنا يبرز دور المسرح ليس فى عكس الواقع المعاش فحسب ولكن فى رؤيته المستقبلية لما قد يصادفنا من مشكلات مع دق ناقوس الخطر لنتخذ الاحتياطات الواجبة لمواجهتها ، ومن هنا جاءت صرخة " بطة " مدوية حيث يصبح تثوير الجماهير وتوعيتها هو الموقف المثالى الذى يتناسب مع حيثيات وملابسات الواقع الذى يمثله النص الذى لم يشر إلى صراع حقيقى بين قوى الشر والخير ، فلم يقف أمام طوفان الفساد سوى "بطة " التى لا تمتلك القدرة على مواجهته بمفردها وترى أن الخلاص لا يبدأ إلا من حركة جماعية تستطيع أن تشكل سداً أمام هذه الريح العاتية .
إن نص " المليم بأربعة " يعتبر دراسة اجتماعية لظاهرة النصب فى شركات توظيف الأموال، فقد أزاح الستار عنها بحيث نرى أدق ملامحها ، وغاص وراء أسبابها وأدان كل عناصرها ، وحثنا على أن نصرخ فى النهاية لتتوحد صرختنا مع صرخة بطة حتى يصبح الصراخ رعداً مدوياً يطيح بحصون الوهم والخديعة وينبه الناس والأجهزة المسئولة بخطورة الموقف وضرورة التحرك لمواجهته .
ابراهيم حجاج
مدرس مساعد
قسم المسرح
كلية الآداب
جامعة الاسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض