الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مفكري الحركة الصهيونية وفلاسفتها: يعقوب كلتزكن

جعفر هادي حسن

2010 / 12 / 3
سيرة ذاتية



لا يعرف القارئ العربي في الغالب من قادة الصهاينة ومنظريها إلا أولئك الذين كانت لهم أدوار قيادية أو سياسية معروفة في الحركة الصهيونية، خصوصاً بعد إقامة الكيان الصهيوني. ولكن هناك مفكرون صهاينة آخرون، يجهلهم أغلب القراء العرب مع أنهم أسهموا في تطور هذه الحركة ، وفي تطرفها ولعبوا دوراً مهماً فيها ، وكان لهم تأثير على المؤمنين بها. ومن هؤلاء يعقوب كلتزكن.
ويعقوب كلتزكن لم يكتب فقط عن هذه الحركة ، وإنما كان مفكرا ومنظرا فيها.وكذلك عرف بأفكاره ودراساته الفلسفية ، ولذلك عرَفته دائرة المعارف اليهودية بأنه "مؤلف وفيلسوف وصهيوني".
وكلتزكن هو روسي الأصل، ولد في مدينة بريزا كرتوسكايا عام 1882م.وهذه السنة كانت من السنين التي عانى فيها اليهود اضطهادا في روسيا ، بعد اغتيال القيصر الأسكندر الثاني في السنة التي قبلها ،حيث بدأت فيها أول الهجرات الصهيونية إلى فلسطين والتي نظمتها جمعية "حبة صهيون" وجماعة" البيلو/البلويم" وأقامتا أولى المستوطنات فيها.
وكان يعقوب كلتزكن قد تلقى دراسته الأولية في مسقط رأسه بعضها ، على يدي أبيه الذي كان حاخاما معروفا ، والذي اشتهر بتبحره في قضايا الشريعة اليهودية ، خاصة الدراسات التلمودية منها. وكان اليهود يستفتونه من أماكن بعيدة وكان جريئا في تبسيط الأحكام على الناس ، وهو من قلائل الحاخامين الذين وجدوا طريقا لفك قيد المرأة العغوناه(التي يمتنع زوجها من إعطائها كتاب الطلاق أو الذي اختفى عنها) ، وكان له معرفة بعلوم الطب والصيدلة والكيمياء، كما كان يعرف عددا من اللغات ويجيدها.
ولذلك استفاد كلتزكن كثيرا في دراسته مع أبيه ، حيث كانت معمقة وموسعة فبالإضافة إلى الدراسة الدينية فإنه على مايبدواستفاد أيضا من معرفة أبيه باللغات ، وبسبب دراسته الدينية اهتم بالحاخامين حتى أنه كتب كتابا عن تقاليدهم وتاريخهم ، وهولما يزل في العشرين من عمره. وقد أثرت دراسته الدينية هذه على مايبدو فيما بعد على نظرته الضيقة للناس وللعالم ، كما يتبين ذلك من كتاباته. كما أصبح وضع اليهود ومصيرهم ومستقبلهم بالنسبة له شغله الشاغل ، وهوسه الدائم طيلة حياته ، حيث انعكس ذلك بوضوح على أعماله. ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره ، هاجر الى المانيا ودرس في إحدى جامعاتها الفلسفة ، ثم غادر ألمانيا وذهب إلى سويسرا، وأكمل دراسته في مدينة بيرن وحصل على الدكتوراه منها في الفلسفة ثم رجع إلى المانيا..
كتب يعقوب كلتزكن كثيراً وخاصة في الصحف والمجلات اليهودية ، التي كانت تصدر في المانيا وسويسرا.وأصبح رئيس تحرير صحيفة"دي ولت" بين 1909-1911
وكانت هذه الصحيفة الأسبوعية قد أنشأها مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل في فيينا ثم أصبحت رسميا لسان حال الحركة الصهيونية الدولية ، منذ المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1903م. ثم أصبح بعد ذلك رئيس تحرير مجلة صهيونية أخرى كانت تصدر في هيدلبرج في ألمانيا من عام 1912م الى عام 1915م ، وفي نفس الوقت كان مدير الصندوق الخيري اليهودي في كولون.وبين الأعوام 1915و1919م رأس تحرير نشرة يهودية تعنى بأخبار العالم مع التركيزعلى مايتعلق باليهود. وفي هذه الفترة أنشأ دار نشر اسماها عالهمشمار تنشر كتبا بالألمانية والفرنسية ، تهتم بمشاكل اليهود في العالم وقضاياهم. ثم أنشأ دارا أخرى للنشر(اشكول) مع ناحوم غولدمان(1) لطبع دائرة المعارف اليهودية ونشرها ، وكان هو المسؤول عن تحريرها. وقد ظهر منها عشرة أجزاء بالألمانية ثم توقفت في العام 1934 م بعد صعود النازية في المانيا. وقد ترجمت خمسة اجزاء منها إلى العبرية.
وإلى جانب ذلك الَف قاموسا بالإشتراك مع غيره، في المصطلحات الفلسفية العبرية في أربعة مجلدات ، وكتابا بالإنجليزية بعنوان
(في مدح الحكمة) وقد نشره عام 1943م. In Praise of wisdom
ومن كتبه باللغة العبرية كتاب بعنوان "شقيعة حاييم" (إنحدار الحياة) ذكر فيه الكثير من جوانب فلسفته ، في المعرفة والأخلاق والجمال وغيرها حيث يركز في فلسفته على التركيب البايولوجي للإنسان أكثر من الجانب العقلي. وهو يرى بأن الثقافة والدين والفن تعبير عن عمل الحياة . ومن أهم كتبه كتاب بعنوان "الأزمة والحكم في اليهودية".وله مؤلفات أخرى غير ماذكرنا. وعندما جاء النازيون إلى الحكم في المانيا غادرها الى سويسرا ثم استقر في الولايات المتحدة عام1941م حيث أصبح استاذاً في كلية الدراسات اليهودية في شيكاغو ، ثم ترك أمريكا واستوطن فلسطين ومات فيها(أو في سويسرا) عام 1948م. واهتم كلتزكن باللغة العبرية والحفاظ عليها لأنها في رأيه جزء من هوية اليهودي ، لأنه يعتقد أن الذي يجعل الأمة أمة ، هما اللغة والأرض وليس الأفكار الدينية المجردة أو الثقافية ، وأن على اليهود أن يتكلموا اللغة العبرية عندما يحصلوا على الوطن(2).ولما علم في عام 1930م أن الإتحاد السوفياتي أخذ يضايق اليهود ، لاستعمالهم اللغة العبرية حيث اعتبر اليدش لغتهم، واللغة العبرية لغة أجنبية ، كتب رسالة احتجاج الى المسؤولين ، ووقعها معه شخصيات يهودية مهمة منهم ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء المعروف وصاحب نظرية النسبية.
وقد انتقد يعقوب كلتزكن بعض الفلاسفة اليهود من السابقين عليه والمعاصرين له ، لأنهم لم يؤمنوا بما آمن به ، ولم ينهجوا تماماً نفس النمط من التفكير الذي نهجه.وأهم هؤلاء ثلاثة بندكت( باروخ) سبينوزا(ت 1677م) الذي ولد وعاش في هولندا، وهرمان كوهن(ت1918م) وهو الماني وآشر هرش غنزبرغ المعروف باسمه المستعار"أحد هاعام" (واحد من الناس) (ت1927م) وهو روسي.
نشر كلتزكن دراسة عن سبينوزا وطبعت أكثر من مرة ، كما نشر أيضا كتاب سبينوزا "الأخلاق" بعد أن ترجمه من اللاتينية إلى العبرية. ومن آراء سبينوزا التي لاتتفق مع مايراه كلتزكن ، هو رفضه لفكرة الشعب المختار التي يتمسك بها اليهود ويؤمنون بها بصورة عامة. فهو قد رفضها جملة وتفصيلا ، إذ لايرى الشعب اليهودي متميزاًعن غيره وقال في هذا الخصوص " إن الرب لايفرق بين الشعوب وهو يحبهم جميعا ويرغب في أن تكون حالهم طيبة.... وليس هناك فرق على الإطلاق بين اليهود وشعوب العالم الأخرى من حيث ماحققوه روحيا وفكريا. واليهود انما بقوا على مر العصور بسبب الطقوس الخاصة بهم وبسبب عزلتهم وروح العداء وكره الشعوب لهم". وسنرى من خلال النص الذي سنذكره بأن كلتزكن من الذين يؤمنون بفكرة الشعب المختار إيمانا عميقا ، بل متطرفا. وهناك آراء أخرى لسبينوزا ليس مما يقبله كلتزكن ، خاصة بما يتعلق بعيش اليهود في الشتات. فسبينوزا يرى بأن اليهود يجب أن يطيعوا قوانين الدول التي يعيشون بينها ، وليس عليهم واجب الإلتزام بشريعتهم وتطبيقها ، ولم يعرف عنه أنه طلب من اليهود أن ينعزلوا عن الآخرين ، وكان هو نفسه نموذجا ممتازا لذلك. وقد كتب كلتزكن دراسة عن سبينوزا نشرت أكثر من مرة ، كما نشر أيضا كتابه "الأخلاق" بعد أن ترجمه من اللاتينية إلى العبرية.
وانتقد يعقوب كلتزكن كذلك أستاذه هرمان كوهن ، الذي درس على يديه الفلسفة في ألمانيا ، ونشر كتيبا عنه بعنوان"هرمان كوهن" الذي يعتبر أهم فيلسوف يهودي في القرن التاسع عشر وكان قد كتب كثيرا خاصة عن الفيلسوف الألماني "عمانوئيل كنت"، حيث أعطى تفسيرا نقديا جديدا لفلسفته في الأخلاق والجمال وغيرهما، وأصبح تفسيره لأهميته يسمى فيما بعد بمدرسة ميربورغ للكانتية الجديدة (ميربورغ هي الجامعة الألمانية الـي درَس فيها هرمان لفترة طويلة) كما كتب كتابا عن تأثير كنت على الحياة الثقافية الألمانية .وهرمان من أتباع اليهودية الإصلاحية ، التي كانت قد ظهرت في ألمانيا وهو ايضا كتب عن اليهودية كدين ودافع عنها. ومن أهم كتبه "فلسفة اليهودية". ولكن هرمان لم يكن متحمساً للصهيونية السياسية ولامؤمنا بها ، كما كان من رأيه امكانية أن يصبح يهود الشتات جزءاً من المجتمعات التي يعيشون فيها. ونفى أن يكون لهم ولاء مزدوجا ، ولكنه كان يرى أن على اليهود أن يحافظوا بصدق على دينهم وتراثهم. وقال عن أفكار الصهيونية السياسية بأنها تحجم اليهودية في القومية ، وهي أيضا ترفض فكرة المسيح المخلص بانشائها الدولة "إذ بدون المعتقد المسيحاني اليهودي لايوجد دين" كما يقول. كما يرى أن الأدبيات الصهيونية مليئة بالهزء الرخيص للدين واحتقاره ، كما أن الصهيونية في حقيقتها تضعف الدين. وانتقد خلط الصهيونيين في موضوع القومية، فاليهود في رأيه لهم قومية خاصة بهم ، حتى لو كانوا يعيشون مع شعب آخر (3) كما فسرفكرة" الشعب المختار" التي يؤمن بها اليهود تفسيرا مختلفا عما هو معروف بين اليهود. بينما كان كلتزكن يرفض أن يبقى اليهود جزءا من المجتمعات التي يعيشون بينها كما سنرى. وهو يجادل في ذلك ويقول إنه عندما يكون الشعب مشتتا بين البلدان ومقسما بين الشعوب ، فإنه في النهاية سيُبتلع من قبل هؤلاء ، عندها يكون الدين غير قادر على منع ذلك. أما بالنسبة إلى يهود الشتات فإنه يرى بأنهم يجب أن يضعوا الحدود
بينهم وبين الشعب الذي يعيشون بينه ، وإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم سيندمجون ويختفون كما اختفت في القديم شعوب كثيرة. ويرى بأن مكان اليهودي هو فلسطين ، وأن اليهودي لا حياة حقيقية له إلا في الهجرة إليها ، وربما يتمكن اليهود من الحفاظ على وجودهم في الشتات ، ولكن هذا الوجود سيكون وجودا غير حقيقي ، لأن اليهود لا يمكن أن يحققوا صفاتهم القومية في الشتات ،إذ يبقى اليهودي فيه ناقصا غير كامل فيه.(وهذا الكلام يقول به أيضا الحاخام أبراهام اسحق كوك حيث يرى أن اليهودي يكتمل وجوده بالهجرة إلى فلسطين). ويرى بان اليهودي ليس له أية قيمة في بقائه خارج فلسطين ، وأية قيمة تذكر للشتات فهي بالتحضير للهجرة إلى فلسطين ، وجعله وطنا قوميا لهم. وهو من الذين يرون بأن الشتات في آخر المطاف سينتهي كما أنه لا يرى حلا وسطا ، فإما فلسطين أو الإندماج. وهو قد قال كلاما شديدا عن الذين لايمانعون في الإندماج ويرى بأن الذي يدعو إلى الإندماج يخرج عن كونه يهوديا ، كالذي يتحول إلى المسيحية.(4)
ومن رأيه كذلك أن وضع الشتات اليهودي بعد عصر الأنوار أصبح أضعف مما كان عليه قبله ، إذ أصبح اليهود أقل تمسكا بالدين والتقاليد ، ولذلك أصبح الإندماج سهلا. وهو يعطي سببين لاختفاء اليهود في الشتات ، أحدهما سبب خارجي وهو اللاسامية والسبب الآخر هو سبب داخلي وهو الإندماج التدريجي.( وهذا السبب اليوم هو سبب حقيقي للإندماج ، فقد وصل الزواج المختلط بين اليهود – اي الزواج من غير اليهوديات- في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكثر من خمسين بالمائة حيث تضعف يهودية الأبناء أو تزول).
وانتقد كلكتزن كذلك إحد هاعام ، الذي كان يعتقد بأن حل المشكلة اليهودية يكمن بما يسميه "إحياء الروح اليهودي" ، وتقوية العلاقة بين اليهود وتراثهم ، وضرورة تعميق التربية والثقافة اليهوديتين . وهو لم يكن متحمسا للصهيونية السياسية التي جاء بها هرتزل ، فهو اعتقد أن هرتزل ونوردو(زميل هرتزل) قد أهملا القََيم اليهودية والثقافة وهو ما يجب التأكيد عليه في رأيه . واعتقد إحد هاعام ، بأن فلسطين يجب أن تكون مركزاً روحياً لليهود ، وموطن اشعاع والهام لهم . ومع أنه كان زعيما لمنظمة "حبة صهيون" ، وكان يدعو إلى هجرة اليهود التدريجية ، فهو كان يعتقد أيضاً بأن يهود الشتات سوف تحل مشاكلهم في نهاية الأمر، ويحصلون على حقوقهم المدنية من قبل الدول التي يعيشون فيها. ولكن كلتزكن اعتبر الصهيونية الروحية خطراً عظيماً على النهضة القومية لليهود جمعيا وللاشخاص ، لأنها في رأيه"تربط أرواح اليهود بسلاسل التقاليد والقيم القديمة". والغريب أنه اعتبر الدعوة إلى الصهيونية الروحية نوعا من الشوفينية ، كما رفض أن تكون هوية اليهودي قائمة على أساس روحي.
وكان إحد هاعام قد استقر في فلسطين وتوفي فيها. وعندما زار فلسطين أول مرة اعترف بوجود سكان كثيرين فيها ، وقال إنهم (السكان) سيرفضون المستوطنين اليهود واعتبر ذلك مشكلة تواجه الحركة الصهيونية. وقال عن أرض فلسطين وناسها " نحن في خارج فلسطين نميل للإعتقاد بأنها بلد خالية(من الناس) تماما ، وأنها صحراء لانبت فيها ، وأن بإمكان أي شخص أن يذهب إلى هناك ويشتري أرضا كما يحب ، ولكن واقع الحال ليس كذلك إذ من الصعب أن يجد ألإنسان في البلد أي أرض غير مزروعة". وقال "إن على اليهود أن لايعتبروا أنفسهم متفوقين على العرب ، بل إنهم يجب أن ينظروا إليهم على أنهم أناس يعتزون بأنفسهم كثيرا. كما أننا نحن نميل إلى الإعتقاد بأن كل العرب ، هم صحراويون برابرة ، وأنهم أناس مثل الحمير لايعرفون ما يدور حولهم ولا يفهمونه ، وهذا خطأ كبير...إن العرب خاصة سكان المدن منهم يفهمون جيدا ماذا نريد وماذا نحن نعمل في البلد ، ولكنهم يتظاهرون بأنهم لايعرفون ولاينتبهون ، لأنهم لايرون في الوقت الحاضر أي خطرعلى أنفسهم ، أو مستقبلهم فيما نقوم به ، ويحاولون أن يحولوا عمل هؤلاء الضيوف الجدد لصالحهم ، ولكن عندما يأتي اليوم الذي تكون فيه حياة شعبنا في أرض إسرائيل قد وصلت إلى درجة ، بحيث تدفع الناس المحليين جانبا كثيرا أو قليلا ،فانه سوف لايكون من السهولة أن يتخلوا عن أرضهم."وقال "إن المستوطنين يجب أن يتعاملوا مع السكان المحليين بحب واحترام" .(5) وهو في آرائه هذه يختلف عن الكثير من الصهيونيين ، الذين كانوا يرددون زيفا فكرة بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. هذه الفكرة ينتقدها اليوم بشدة المنتمون إلى حركة مابعد الصهيونية في إسرائيل ،الذين يتهمون المؤسسون للصهيونية بالكذب على اليهود بأن فسطين أرض بلاشعب.
.بينما ركز كلتزكن على اللغة العبرية والإستيطان في فلسطين . ومن المفيد أن نذكر بعض أفكاره القومية التي عبرعنها قبل حدوث المحرقة النازية لنعطي فكرة عن طبيعتها.
فهو يرى في اليهود شعبا مختارا ومنتقى ، وأنه نسيج وحده في دينه وثقافته وعقليته لا يدانيه في هذا شعب ، ولا تطاوله أمة، ولذلك فإن هذا الشعب يجب أن يعيش في بلد لا يشاركه فيه أحد من بقية الشعوب تمييزاله واعترافاً بأهميته وهذا يعني التخلص من سكان البلد الأصليين). وهو يرى أيضا بأن اليهودي الحقيقي ، هو الذي لا يخلص للبلد الذي يعيش فيه، بل يكون اخلاصه ليهوديته وقوميته، وفي نص كتبه عام 1921م مأخوذ من كتابه "الأزمة والحكم في اليهودية" يقول كلتزكن فيه: "نحن يهود بلا قيد أو شرط، ونحن يهود بلا تحفظ. نحن ببساطة غرباء في وسطكم ، ونؤكد بأننا نرغب أن نظل كذلك. إن بيننا وبينكم فرقاً شاسعاً ، لا يمكن أن يمد عليه جسر. إن روحيتكم وأساطيركم وقصصكم وعاداتكم وتقاليدكم ، كلها غريبة عنا وتراثكم القومي ، ومقدساتكم الدينية والقومية والوطنية ، وكذلك آحادكم وأعيادكم أيضاً غريبة عنا. تاريخ انتصاراتكم وهزائمكم وأغانيكم الحربية ، وأشعار معارككم ، وأبطالكم وأعمالهم العظيمة وطموحاتكم القومية ، وأمانيكم وآمالكم كلها غريبة عنا. وحدود بلدانكم لا يمكن أن تحدّ من تحركنا ، ونزاعاتكم الحدودية ليست من اهتماماتنا ، وإن وحدتنا اليهودية تقف شامخة عالية فوق حدودكم وتقسيمات بلدانكم. وكل يهودي يسمي الأرض التي يعيش فيها أرض الآباء ، فهو خائن لليهود ، وكل الأبطال اليهود الذين خاضوا حروباً إلى جانب غير اليهود ، لا يعنون شيئاً لنا وعلى اليهود أن لا يعلقوا على صدورهم النياشين والميداليات فهؤلاء ليسوا أبطالا يهوداً. فاليهودي المخلص ، لا يمكن أن يكون غير يهودي..
نحن نؤمن بالوحدة القومية لليهود في أرض يعيشون فيها ، ولذلك فإنه ليس هناك حدود تمنعنا من أتباع سياستنا اليهودية الخاصة بنا. إن ديننا اليهودي غني بالوقاية ، التي تجعل شعبنا ذا مناعة ضد التأثيرات الأجنبية ، فهو على العكس من الأديان الأخرى التي هي عبارة عن مجموعة من التعاليم والمعتقدات، فإنه مجموعة قوانين منظمة ، وبحفاظنا على هذه القوانين، فإننا برهنا على حقنا في تقرير المصير، أي أن الذي يحكمنا هو قوانينا فقط. لقد اضعنا دولتنا ولكننا لم نضع دستورنا. إن الحقيقة اليهودية هي سرّ الدين اليهودي. إنها جعلتنا ننشدُّ الى بعضنا البعض في وحدة لأنفسنا فقط حتى في الشتات، وإنها هي التي أبقتنا شعباً داخل شعب ، ودولة داخل دولة. نحن لم نكن أبداً مجموعة دينية فقط.
إن هناك سوراً قوياً محكم البناء بنيناه بأنفسنا ، وهذا السور هو الذي يفصلنا عن الشعب الذي نعيش بينه. وخلف هذا السور تعيش دولة يهودية مصغرة.
إن الفرق لعظيم بين اليهود والشعوب الأخرى، وانه لا توجد ذرة من الشعور في ضمير اليهودي للتعلق بالقومية الألمانية... نحن من الممكن فقط أن نعيش أحراراً في الشتات بين تلك الشعوب التي لم تنضج عندها بعد روح الوطنية، ولذلك فإذا بلغت الولايات المتحدة مرحلة النضج، فإننا عندئذ سنفقد مستعمراتنا فيما وراء البحار". ويعلق مونهايم – وهو يهودي- على هذا الكلام بالقول" لابد أن لاننسى بأن هذا الكلام كان قد كتب عندما كان اليهود يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية وكانوا أحرارا ليندمجوا مع الإحتفاظ بدينهم"(6)
وعندما جاء النازيون الى الحكم في المانيا ، وأرادوا أن يثبتوا للعالم بأن اليهود
لايشعرون برابط نحو البلد الذي يعيشون فيه، ولا ينتمون إليه ولا يعتبرون أنفسهم ذوي صلة به، وإنما هم يضعون مصالحهم القومية والدينية فوق مصلحة ذلك البلد قاموا بتكليف مجموعة من الخبراء النازيين منهم ثيودورفرتش وك.ت.وولف، وف.روز
وف. ملر ، لكي يبحثوا في كتابات اليهود ويستخرجوا نماذج منها ، تكون دليلاً يدعم ما كان يراه النازيون في اليهود ، فوقع اختيار جميع هؤلاء الخبراء على نماذج من كتابات
كلتزكن لتأكيد وجهة نظرهم وإثباتها.(8) فكلتزن كما نرى من هذا النص يؤكد على أن الشعب اليهودي شعب مختار ، وأنه لايمكن أن يندمج مع الشعوب الأخرى ، التي يعيش بينها ، وحسب تعبيره هناك سور محكم البناء بناه اليهود كما يقول يمنع من الإندماج.وهو أيضا أعلن بصراحة في النص أعلاه إن اليهودي لابد أن يخلص لقوميته وأبناء جلدته ، ولايجوز له أن يخلص للبلد الذي يعيش فيه ، وهذا يجعل اليهود في أعين الدول التي يعيشون فيها في دائرة الإتهام والشك.

(1)ناحوم غولدمان(ت1982م) شخصية صهيونية معروفة.اصله من ليثوانيا وعاش في المانيا والولايات المتحدة الأمريكية.رأس بعض مؤتمرات الحركة الصهيونية ثم أصبح رئيسها. وقد لعب دورا كبيرا في حصول اليهود على أموال من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تعويضا عما لحق بهم في هذه الحرب.وفي عام 1962 ترك الولايات المتحدة الأمريكية واستقر في إسرائيل مواطنا فيها.
(2)-A.Hurtzburg,The Zionist Idea,p31
(3)- W. Laqueur,The History of Zionism p395
(4)- G. Shimoni,The Zionist Ideology,p326
(5) - D. Cohen- Sherbok, Judaism,p.292
(6) M.Menuhim,The Decadence of Judaism In Our Time,p.483
(7) Ibid.,p.483
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط