الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من الضروري إطلاق فضائية يسارية علمانية؟

أحمد أبو مطر

2010 / 12 / 9
ملف مفتوح – أهمية و إمكانيات إطلاق فضائية يسارية علمانية


هل من الضروري إطلاق فضائية يسارية علمانية؟
أحمد ابو مطر

هذا الملف الذي دعت لفتحه مؤسسة الحوار المتمدن، ينمّ عن وعي عميق بالتحديات التي تواجه المجتمعات العربية، خاصة هذا الصعود المخيف للتيارات اليمينية الرجعية، التي غالبا تستعمل وتستغل الدين الإسلامي أسوأ استغلال، معتمدة على أنّ كل ما يمكن تسويقه من خلال الدين وآلياته، يمكن أن ينفذ سريعا لعقول وقلوب المشاهدين العرب. وأحدد هنا المشاهدين وليس القراء، لأن هذه التيارات الظلامية أدركت حقيقة نسبة الأمية في الأقطار العربية التي ترقى لستين بالمئة، وبالتالي توجهوا للمشاهدين الذين يقضّون جلّ وقتهم ليلا ونهارا في مشاهدة ما تبثه هذه الفضائيات، التي وصل عددها إلى رقم قياسي يرقى لمئات من الفضائيات والمحطات، أغلبها من خلال إمكانيات مادية كبيرة، تجعلها قادرة على الاستمرار والتواصل. ويسهم في انتشارها أيضا سطوة البرامج التعليمية السائدة التي تروج للأفكار التربوية المتخلفة، وهذا ما يفسر عملية غسيل الدماغ التي يتعرض لها مئات ألاف الشباب العرب، الذين أصبح شيوخ ومدّعو الدعوة الإسلامية قادرين على تحريكهم آليا بالريمونت كونترول الديني الموصل للجنة وحورها العين. وغسيل الدماغ المتخلف الظلامي هذا، هو ما يفسر مثلا قيام شباب مؤهلين علميا بتفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء، كما فعل المجرمون القتلة الذين قاموا بتفجير كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وذبح الكهنة والأطفال والنساء بالسكاكين، وهم يصيحون (الله أكبر...الله أكبر )!!!!. وأمثلة كثيرة لهؤلاء الشباب الذين يتركون عائلاتهم وأطفالهم للترمل واليتم، ويذهبون لتفجير أنفسهم في المدنيين الأبرياء في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها. لماذا وكيف؟. الجواب سهل: لأنّ هذه الفضائيات الإرهابية بامتياز عرفت من خلال أدعياء دين إرهابيين، كيف تغسل دماغهم وتوجههم لما تريد، كل ذلك وسط ما يسمونه (الصحوة الإسلامية)، وأنا أسميه (الصحوة الإرهابية)، لأنّ هذه الصحوة ترفض وتفجّر كل ما كان سائدا في الحياة الثقافية والاجتماعية العربية قبل ثلاثة عقود. فهل كان المجتمع آنذاك كافرا بما فيه شيوخ تلك الفترة الذين كانوا يؤيدون وينظّرون لكل ما كان سائدا آنذاك؟.

ضرورة الفضائية التقدمية

ضمن هذا الجو الثقافي والتعليمي المتخلف السائد، تنبع أهمية البدء بمواجهة هذه التيارات الرجعية الإرهابية، لأنّ المعركة في مواجهتها ليست معركة عسكرية بقدر ما هي معركة ثقافية تعليمية تربوية. عسكريا تقتل اليوم إرهابيا فيبقى ألاف غيره، ولكن تربويا وثقافيا إذا تمكنت من إعادة واحد من هؤلاء المضللين لصوابه الحضاري، ستمتد عدواه التنويرية لغيره من المضللين. وهذه المواجهة لها العديد من الأدوات، أهمها ما اقترحه الحوار المتمدن من أفكار حول إطلاق فضائيات تنويرية تقدمية لتواجه هذا الغزو الظلامي المتخلف. وأعتقد أنّ هذه الفكرة مهمة للغاية خاصة إذا عرف القائمون عليها كيف يتوجهون لعقول وعواطف نسبة الستين بالمئة من الأميين ، الذين يستقون كل معلوماتهم وتوجيهاتهم من تلك الفضائيات الدينية التي تتلاعب بالدين حسب مصلحة القائمين عليها، وهي مصالح شخصية وحكومية، بدليل أنها تنّظر للقتل في دولة ما، وتسكت على قمع حقوق الإنسان في بلد انطلاقها أو تمويلها، وتغضّ الطرف على الفساد في بلد مموليها، هذا الفساد الذي يستولي على المليارات من ثروة الشعب لصالح أفراد الأسر الحاكمة، الذين حولوا البلاد والعباد إلى مزارع شخصية لهم ولعائلاتهم، والحكم لهم وأولادهم من المهد إلى اللحد، وهذا اللحد لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال ملاك الموت عزرائيل، الذي يبدو أنه يتردد في الوصل لرقابهم من كثرة الحراسات والبنادق والمدرعات التي تحميهم.

كيفية الخطاب المناسب

من المهم التذكّر أنّ هذه الفضائيات الدينية المتخلفة، قد أتمت عملية شيطنة وتكفير الفكر العلماني التقدمي، مما أشاع التكفير محل التفكير، وأصبحت صفة (علماني) تعني بدون نقاش (كافر) أو (ملحد)، بدليل أن أولئك الدعاة الظلاميين كفّروا وأحلوا دمّ عشرات من الكتاب والمفكرين العرب، ولم يسلم من شتمهم وتكفيرهم كتاب إسلاميون تقدميون مثل المفكر الأستاذ جمال البنا وغيره. لذلك فإنّ هذه البيئة يلزمها الخطاب المناسب الذي يسعى لتجديد الفكر الديني دون الإخلال بفروضه الأساسية التي يجب أن تصبح علاقة شخصية بين الإنسان وخالقه فقط، فلا أحد من هؤلاء الدعاة يملك توكيلا إلهيا من الله تعالى لمحاكمة البشر في الدنيا الحالية، فالله تعالى هو القائل (لكم دينكم ولي دين ) ( يضلَ الله من يشاء ويهدي من يشاء )، وحساب كل فرد عند خالقه. وهذه النظرة للدين التي لا تخلّ بفروضه الأساسية هي التي أخرجت أوربا من ظلامية القرون الوسطى، التي لم تكن تقلّ بشاعة وقتلا وتكفيرا عن ظلامية السنوات العربية الحالية، فإذا أوربا منذ مائة وخمسين عاما تحلّق في آفاق الحضارة والعلم والصناعة والتكنولوجيا، ويعتمد عليها العرب والمسلمون في كافة أوجه حياتهم من الطعام إلى الدواء ووسائل المواصلات وبث الفضائيات الإرهابية والورق وآلات الطباعة التي يطبعون عليه وبها تحريضاتهم الإجرامية.

لذلك فإن خطاب هذه الفضائيات التقدمية إن تمكّنا من وجودها وبثها، يجب أن يبتعد عن الخطاب الماركسي اللينيني، كي لا يعطي فرصة لأولئك الظلاميين من محاربتها بدعوى الكفر والإلحاد، بل ينبغي الاعتماد على الخطاب الديني نفسه بعد تنقيته والتركيز على الإيجابي السلمي منه، خاصة أنّ لكل زمان خطابه المناسب. وكمثال فقط : لماذا يركّز أولئك الدعاة الظلاميين على آيات مثل ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) ، وينسون قوله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) و ( وجادلهم بالتي هي أحسن ). وضمن هذا السياق ففي الكتاب المقدس (الإنجيل ) عند المسيحيين، بعض الجمل في العهد القديم لا يماثلها أفلام الرعب الهوليودية خاصة ما ورد في سفر يوشع بن نون، ورغم ذلك تجاوزت الثقافة الأوربية ذلك، ولم تعد تتوقف عنده، وفعلا أصبح الدين المسيحي عندهم داخل الكنيسة ونفسية الفرد فقط، أمّا الحياة الاجتماعية والسياسية فلها قوانينها الوضعية التي تناسب كل ثقافة ومجتمع وزمان.

التمويل الضروري

أصبح الإعلام المقروء والمرئي والإليكتروني اليوم يعني ضرورة وجود التمويل اللازم، لأنّ كل الفضائيات الدينية وغيرها، ما كان لها أن تنجح وتسيطر على عقول هذه النسبة من المشاهدين، لولا توفر المال الكافي لإطلاق فضائيات ناجحة متنوعة تلبي حاجة هؤلاء المشاهدين. بالنسبة لفضائيات تقدمية كما يطمح ملف الحوار المتمدن هذا، الأمر ليس سهلا لكنّه ليس صعبا، إذا أحسنّا التنسيق بين منظمات المجتمع المدني الديمقرطي العربية ورجال الأعمال التقدميين العرب ومؤسسات دعم الديمقراطية والحوار الأوربية والأمريكية، وأعتقد أنّ هذا المشروع الطموح الضروري في الحالة العربية، يحتاج لمن يبدا؟ لمن يعلق الجرس؟.
[email protected]
www.dr-abumatar.net








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا