الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الإطار النظري لسياسات جانب العرض-

عدنان فرحان الجوراني

2011 / 1 / 6
الادارة و الاقتصاد



اقتصاديات جانب العرض
المقدمة :
خلال الفترة الممتدة من الحرب العالمية الثانية وحتى عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، كان تركيز السياسات الاقتصادية منصبا على كيفية محاربة التضخم والبطالة وما هي أنجع السبل لمواجهة هاتين الافتين؟ ، واذا حدث وان ارتفع معدل البطالة فان الليبراليون يدعون الى خفض الضرائب ، واتباع سياسة نقدية توسعية ، أما اذا كانت هناك بوادر حدوث تضخم فنجد المحافظون يطالبون بسياسة نقدية انكماشية وسياسة مالية متشددة.
عند نهاية عقد السبعينات تبين لبعض الاقتصاديين بأن السياسة الاقتصادية أصبحت موجهة بشكل كبير ناحية ادارة الطلب الكلي ، فطالب النقديون بوضع قاعدة ثابتة لنمو العرض النقدي ، في حين رأى علماء الاقتصاد الكلاسيكيون الجدد أن الحكومات تلعب دورا سلبيا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي حينما تحاول استخدام سياسة تحقيق الاستقرار بناء على تقديراتها الذاتية.
في بداية عقد الثمانينيات ، ظهرت مجموعة جديدة من الاقتصاديين شكلوا ما عرف بمدرسة اقتصاديات جانب العرض ( SUPPLY- SIDE ECONOMICS) ، وتؤكد هذه المدرسة على تحفيز الناس على العمل والادخار وتقترح اجراء تخفيضات كبيرة في الضرائب ، ومن أبرز مؤسسي هذه المدرسة ومؤيديها الاقتصاديون آرثر لافر ، بول كريج روبرتس ، ونورمان تيور ، وتبنى الرئيس الامريكي السابق رونالد ريغان بقوة تطبيق مبادئ هذه المدرسة في الولايات المتحدة خلال الفترة ( 1981 – 1989) كما تبنتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر خلال الفترة ( 1979- 1990).
1- مفهوم اقتصاديات جانب العرض:
تعرف اقتصاديات جانب العرض اعلاميا باقتصاديات ريغان (Reganomics) ، حيث أن أول من طبق سياسة جانب العرض هو الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان ، الذي ساهم في نشر الفكرة الرئيسية لهذه المدرسة والتي تقول ان تخفيض الضرائب على المستثمرين ورجال الأعمال سيعطيهم الحافز للادخار والاستثمار وبالتالي تشجيع الزيادة في الانتاج مما يؤدي الى رفع مستويات الدخول والتوظيف ويعم الرخاء كل الاقتصاد ، أي أن تخفيض الضرائب هو السلاح السحري (Magical weapon) لهذه المدرسة، ولذلك ارتبط اسم مدرسة جانب العرض باسم الرئيس ريغان.
وقد واجهت ادارة الرئيس ريغان عند استلامها للسلطة مشاكل عديدة في الاقتصاد الأمريكي أهمها:
1. معدل التضخم المرتفع : اذ ارتفع هذا المعدل بشكل مستمر من أقل من 2% في الستينات إلى 12.5% خلال الانكماش التضخمي في 1974-1975 ، ورغم أن هذا المعدل انخفض الى 4.8% عام 1976 الا أنه عاد للارتفاع مجددا حتى وصل الى 12.4% عام 1980.
2. ضعف النمو الاقتصادي :حيث كان أدا الاقتصاد الامريكي في عقد السبعينات من أسوأ العقود حيث بلغ متوسط معدل النمو 1.5% فقط.
3. انخفاض معدلات الادخار والاستثمار: حيث أن انخفاض معدلات الادخار لدى الأفراد يؤدي الى خفض معدلات الاستثمار ومن ثم تخفيض معدل النمو الاقتصادي.
4. أسعار الفائدة المرتفعة وغير المستقرة: فقد تميزت الفترة من 1974 الى 1980 بتقلبات حادة في أسعار الفائدة فقد ارتفعت اسعار الفائدة قصيرة الأجل بشكل حاد سنة 1974 لتصل الى 12% ثم انخفضت الى 6% بعد أقل من 12 شهرا، وفي عام 1980 ارتفعت تلك الأسعار الى 15-17% في شهر شباط ثم انخفضت بشكل حاد الى ما يقرب من 8% في تموز ثم قفزت ثانية الى 18% في نهاية العام.
5. العجز الكبير والمستمر في الموازنة العامة : حيث ارتفع عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي من 0.2% خلال الستينات الى 2.4% خلال الفترة 1975- 1981.
أما كيف حصل المشروع المقترح على نجاحه التشريعي ؟، فان هذا السؤال وجهه دافيد ستوكمان الذي كان مهندس لسياسيات جانب العرض في اثناء خدمته كمدير لمكتب ريغان لشؤون الإدارة و الميزانية من عام 1981 الى عام 1984 . فيما يلي وصف ستوكمان لطريقة تحول الرئيس ريغان :
في يناير 1980 قام مديرو حملة ريغان بإرساله الى المدرسة لبضعة أيام لتحسين اطلاعه على القضايا القومية ، هناك قام جاك كيمب ، وارت لافر ، وجود وانيسكي بتجريعه مذهب جانب العرض . فأخبروه عن منحنى ( لافر) فنزل على مسامعة و كأنه سيمفونية وعرف على الفور أنه صحيح و لم يخامره الشك بشأنه فيما بعد وكان هو نفسه قد واجه ظروفاً تنطبق عليه نظرية لافر وكان يقول دائماً :
( لقد انجزت أفلاماً تدر أموالاً كثيرة خلال الحرب عالمية الثانية ) – من المعروف أن الرئيس ريغان كان ممثلا - في ذلك الحين كان الحدّ الأعلى لضريبة الدخل يصل الى (90) بالمئة ( ولم يكن في وسعك عمل أكثر من أربعة افلام قبل أن تصل لفئة دافعي الحدّ الأعلى من الضريبة ) و يواصل القول ( لذلك كنا نتوقف عن العمل بعد إنجاز الأفلام الأربعة ونذهب الى الريف ) نسب الضريبة العالية تسبب إنخفاض العمل ، ونسب الضريبة المنخفضة تزيده و قد اثبتت تجربتة هذه الحقيقة )
ولذا فقد كانت هناك سلسلة من التغييرات المهمة في نظام الضرائب الفيدرالي في ظل إدارة ريغان تمثلت في تشريعات راديكالية سُنت في العامين 1981و 1986 . و تمشياً مع فلسفة إقتصاديات جانب العرض ، خفّض (( قانون الضريبة والإنعاش الإقتصادي )) الضرائب المفروضة على الأفراد والأعمال بقدر كبير وقد وعد مؤيدو هذه التخفيضات بانها سوف تطلق ما يكفي من النشاط الإقتصادي بحيث أن عوائد الحكومة لن تهبط وقد خفّض الحد الأعلى لمعدل الضريبة الحدّية على الأفراد مجدداً من 50 الى 28 بالمئة بموجب قانون الإصلاح الضريبي للعام 1986 واتخذ هذا التشريع ايضاً خطوات واسعة رئيسية في مجال تحسين العدالة الأفقية للنظام الضريبي فاغلقت الثغرات ، و فرضت ضرائب على مختلف مصادر الدخل على أسس اكثر عدالة . و كانت أهم التغييرات هي تلك المتعلقة بالمكاسب الرأسمالية ( الدخل المكتسب من بيع أصول عامة مثل الأسهم والعقارات ) التي فرضت عليها ضريبة و كأنها مداخيل عادية بدلاً من فرض ضرائب بمعدلات تفضيلة عليها ، و لم يعد في الإمكان خصم ضرائب المبيعات من الدخل اوخصم الفوائد المدفوعة على قروض المستهلكين وديون الطلاب. و كان التأثير الإجمالي لذلك القانون محايداً فيما يتعلق بإيرادته الحكومية ، اي انه لم يؤد الى رفع او تخفيض مجمل إيرادات الحكومة إلا ان هذا التعادل تم تحقيقه برفع الضرائب على الشركات المساهمة وخفض الضرائب على الأفراد بالقدر ذاته .
ومثل معظم النظريات الاقتصادية ، تحاول نظرية جانب العرض توضيح ظاهرة الاقتصاد الكلي من خلال وصف سياسة مستقرة للنمو الاقتصادي ، وبشكل عام فان هناك ثلاثة ركائز أساسية لهذه النظرية هي:
1- السياسة الضريبية ( TAX POLICY).
2- السياسة التنظيمية (REGULATORY POLICY).
3- السياسة النقدية (MONETARY POLICY).
والفكرة الرئيسية وراء هذه الركائز الثلاث هي أن الانتاج هو المحدد الأكثر أهمية بالنسبة للنمو الاقتصادي.
ويمكن توضيح فكرة اقتصاديات جانب العرض من خلال الشكلين البيانيين التاليين ، حيث الشكل الى الأعلى يوضح توازن اقتصاد كلي لنموذج مبسط حيث يتقاطع منحنى الطلب الكلي مع منحنى العرض الكلي لتحديد الناتج الكلي ومستوى الاسعار ، بينما يوضح الشكل الى الأسفل أن الزيادة في العرض الكلي الناجمة عن تخفيض الضرائب وبالتالي تخفيض التكاليف مما يؤدي لزيادة الارباح ، سوف تؤدي الى زيادة في الناتج الكلي وتخفيض في المستوى العام للأسعار.
شكل رقم (1) التوازن الكلي وجانب العرض







في الحقيقة اقتصاديات جانب العرض تذهب بعيدا فتوضح أن جانب الطلب غير ذي أهمية كبيرة ، حيث أن الافراط في الانتاج أو النقص فيه ليسا ظواهر مستمرة أو قابلة للبقاء ، ويجادل اقتصاديوا جانب العرض بأنه حين يكون لدى الشركات فائض في الإنتاج فسوف يؤدي ذلك لخلق فائض في الخزين وبالتالي فان الأسعار سوف تنخفض والمستهلكين سيزيدون مشترياتهم لمعادلة العرض الفائض.
الركائز الثلاث:
بالنسبة للركائز الثلاثة التي ذكرت سابقا ، فان السياسة الضريبية وفقا لجانب العرض تؤكد على أن تخفيض معدلات الضريبة الحدية ( marginal tax rates) وفقا لتخفيض ضريبة الدخل الحدية ( Marginal income tax) سيؤدي الى حث العمال وتحفيزهم على تفضيل العمل على الراحة ، كما أنه سيؤدي الى تحفيز المستثمرين على زيادة استثماراتهم ، وعند معدلات معينة ، فان اقتصاديوا جانب العرض يجادلون بأن الحكومة لن تخسر شيئا من الايراد الضريبي لأن انخفاض المعدلات الضريبية سيعوض من خلال زيادة ايرادات الضريبة على أرباح الشركات التي ستزداد نتيجة لزيادة الانتاج ، وهذه يمكن أن نطلق عليها أيضا تسمية السياسة المالية كون الضرائب هي احدى أدوات السياسة المالية ، ويكون تأثير الضريبة على الاقتصاد من خلال تأثيرها على مكافآت عوامل الانتاج بعد اقتطاع الضريبة ، والأهم هو تأثيرها على معدل عائد العمل أو الادخار أو الاستثمار وليس النظر الى تأثير التغير في الضريبة على الدخل المتاح للانفاق.
بالنسبة للسياسة التنظيمية فان اقتصاديوا جانب العرض يميلون الى التحالف مع السياسين المحافظين التقليدين ، وهم أولئك الذين يفضلون حكومة اصغر وتدخل اقل في السوق الحرة ، وهذا منطقي لأن اقتصاديوا جانب العرض بالرغم من أنهم قد يقرون بأن الجكومة يمكن أن تساعد الاقتصاد بشكل مؤقت عن طريق زيادة مشترياتها ، الا أنهم لا يعتقدون أن هذا الطلب يمكن أن ينقذ الاقتصاد من الركود ، أو سيكون له تأثير مستمر على النمو.
الركيزة الثالثة هي السياسة النقدية ، وهي موضع جدل ، فبواسطة السياسة النقدية يمكن للبنك المركزي تخفيض أو زيادة كمية النقود بالتداول ،ويميل الكنزيون الى الاعتقاد بأن السياسة النقدية أداة مهمة للتعامل مع الدورات الاقتصادية، بينما لايعتقد اقتصاديوا جانب العرض بأن السياسة النقدية يمكن أن تخلق قيمة اقتصادية.
2- الضرائب والناتج ومنحنى لافر:
يوضح الاقتصادي جوارتيني في مقاله "Supply Side-Economics" ، ان الزيادة في معدلات الضرائب الحدية تخفض حصة الدخل الاضافي الذي يسمح للعمال والكسبة الاحتفاظ به ، وهذا يؤثر على الناتج عكسيا لسببين:
الأول:معدلات الضريبة العالية تخفض رواتب العاملين الذين يحصلون عليها من العمل أو من اية أنشطة انتاجية أخرى ما دامت خاضعة للضريبة ، وعندما يمنع الناس من حصاد معظم ما يبذرون فانهم سيبذرون بشكل مقتصد أكثر ، ولهذا عندما ترتفع معلات الضرائب الحدية فان بعض الناس مثل الذين يعملون مع أزواجهم سيخرجون من قوة العمل ، آخرون سيقررون أخذ عطل أكثر أو يتقاعدون مبكرا ، أو يتخلون عن العمل الاضافي.
هذه التخفيضات في الانتاجية ستقلص العرض الفعال للموارد وبالتالي ستقلص الناتج.
الثاني: المعدلات العالية للضرائب الحدية تشجع على اخفاء الاستثمارات والأشكال الأخرى من التهرب الضريبي ، وكلما ارتفعت معدلات الضرائب الحدية فان الاستثمارات التي تولد خسائر ورقية " generate paper losses" في الأصول ، ستصبح أكثر جاذبية، وكذلك ستشجع الأنشطة التي تقدم فرص تخفيض الانفاق على الهوايات ( مثل جمع التحف والسفر) ، ووسائل الراحة الشخصية ( السيارات الفارهة والمكاتب الفاخرة) ، وهكذا سيتجه الناس الى تلك الانشطة بسبب فوائد الضرائب بدلا من الربحية. وبالمثل هم سيشجعون على استبدال السلع التي يرغبونها ولكن عليها ضريبة عالية بسلع غير مرغوبة ولكنها تصبح مرغوبة بسبب انخفاض الضريبة عليها، وستكون النتيجة فقدان وعدم كفاءة استخدام الموارد الثمينة الذي سيكون نواتج عرضية لهذا التركيب المحفز.
ويضيف جوارتيني أن من المهم التمييز بين التغير في نسب الضريبة والتغير في نسب عائدات الضريبة ، لأن نسب الضريبة الأعلى تعيق جهد العمل وتشجع على التهرب الضريبي، قاعدة الضريبة سوف تتقلص كلما ارتفعت المعدلات ، لذلك فان الزيادة في معدلات الضريبة ستؤدي الى نسب ارتفاع أقل في الايرادات الضريبية ، في الحقيقة ، الاقتصادي آرثر لافر أشاع فكرة أن معدلات الضريبة العالية تسبب تقليص القاعدة الضريبية بشكل كبير ولذلك فان عوائد الضريبة سوف تنخفض.
هذه العلاقة العكسية بين التغير في نسب الضريبة والتغيرات المرافقة في العائدات الضريبية محتملة جدا عندما تكون معدلات الضرائب الحدية مرتفعة لكنها غير محتملة عندما تكون تلك المعدلات منخفضة .
تحليل التأثيرت المحفزة لأقواس الضريبة المختلفة توضح لماذا هذه حقيقة. افترض أن حكومة لديها معدلات ضريبة دخل تتراوح بين الأدنى 15% والأعلى 75% ، خفضت نسب الضريبة بحدود الثلث ، أي أن نسبة الضريبة الأعلى ستنخفض من 75% الى 50% .
بعد الاستقطاع الضريبي فان دافعي الضرائب الذين هم في الحد الأعلى والذين يكسبون 100 دولار اضافية سيحتفظون ب 50 دولارا بدلا من 25 دولارا اي أن نسبة الزيادة في دخولهم بعد الضريبة أصبحت 100% مما يحفزهم على توسيع أعمالهم لزيادة الكسب ، بشكل متوقع فان دافعي الضرائب هؤلاء يكسبون دخلا أعلى بعد نخفيض الضريبة والضريبة المستقطعة منهم ستهبط الى أقل من الثلث . لكن في الحقيقة ، أعطتهم الزيادة الضخمة في دخولهم الحافز على الكسب ، والعائدات الضريبية المجموعة من دافعي الضرائب هؤلاء في الواقع قد ترتفع.
نفس الشئ بالنسبة للشريحة الدنيا فان تخفيض نسبة الثلث ستخفض نسبة الضريبة من 15% الى 10% ، هنا فان كسب 100 دولار كان يعني الاحتفاظ ب 85 دولار والآن ارتفعت الى 90 دولارا، أي أن نسبة الزيادة فقط 5.9% كدافع للكسب ( مقارنة ب 100% زيادة في قمة القوس) لأن تخفيض ال 15% الى 10% ستمارس تأثيرا صغيرا على حافز للكسب ، وهذا التخفيض سيكون له تأثير صغير على قاعدة الضريبة ، لذلك وبالمقارنة مع تأثير العائدات في أقواس الضريبة العليا ، فان عائدات الضريبة ستنخفض تقريبا بنفس نسبة معدلات الضريبة في أدنى أقواس الضريبة ، ان الخط الأدنى الذي خفضت فيه الضريبة الى الثلث سيؤدي الى خسائر ايرادات قليلة ( أو حتى مكاسب) ، بينما في الخط الأعلى تكون العائدات كبيرة وسهم ضريبة الدخل سيرتفع.
الدراسات التطبيقية التي حدثت اثناء العشرينيات من القرن الماضي دعمت اقتصاديات جانب العرض، فبتشجيع من وزير الخزانة أندرو ميلون تم تخفيض ثلاثة استقطاعات ضريبية رئيسية إذ انخفضت معدلات الضرائب الحدية الأعلى من 73% في عام 1921 الى 25% في عام 1926 ، بالاضافة الى أن الاستقطاعات الضريبية قد أزيلت عمليا من مستلمي الدخول المنخفضة ، النتائج كانت مذهلة ، حيث نما الاقتصاد بسرعة خلال الفترة ( 1921-1926) بعد تخفيض المعدلات الضريبية.
عوائد الضريبة الحقيقية ( بدولار عام 1929) التي جمعت من هؤلاء الذين دخولهم اعلى من 50000 دولار ، ارتفعت من 305.1 مليون دولار عام 1921 الى 498.1 مليون دولار عام 1926 أي بنسبة زيادة 63% ، وعلى النقيض من ذلك فان عوائد الضريبة التي جمعت من الذين دخولهم تقل عن 50000 دولار هبط بنسبة 45% ، ولهذا فانه كلما انخفضت معدلات الضرائب فان الايرادات التي تتحقق من أصحاب الدخول المرتفعة سترتفع بينما العوائد المتحصلة من أصحاب الدخول المنخفضة ستهبط .
نتائج استقطاعات كندي – جونسون الضريبية في منتصف الستينيات كانت مماثلة ، فبين عامي 1963 و1965 تم تخفيض معدلات الضريبة بنسبة 25% ، حيث انخفضت معدلات الضريبة الحدية الأعلى من 91% الى 70% ، وبنفس الوقت تم تخفيض النسب الدنيا من 20% الى 14% ، لمعظم دافعي الضرائب فان تخفيض نسب الضريبة الدنيا خفضت عائدات الضريبة.
بدولار عام 1963 الحقيقي فان عائدات الضريبة التي جمعت من نسبة 95% من دافعي الضرائب من الحد الأدنى انخفضت من 31 بليون دولار عام 1963 الى 29.6 بليون دولار عام 1965 ، أي بانخفاض قدره 4.5% ، وبالمقارنة فان عائدات الضريبة الحقيقية التي جمعت من 5% من دافعي الضرائب من الحد الأعلى ارتفعت من 17.2 بليون دولار عام 1963 الى 18.5 بليون دولار عام 1965 ، أي نسبة ارتفاع 7.6% .وكما في حالة العشرينيات فان تخفيض الضرائب على الحدود الدنيا خفضت من عوائد الضريبة ، بينما ارتفعت عوائد الضريبة التي جمعت من دافعي الضرائب في الحدود العليا .
من المحتمل أن أكثر دراسة مفصلة لتغيرات الضريبة في الثمانينيات أجريت من قبل لورانس لندساي ، من جامعة هارفارد ، حيث استعمل لندساي نموذج محاكاة لتقدير تأثير تغير نسبة الضريبة في الثمانينيات على المكونات المختلفة للدخل ، ووجد أنه بعد تخفيض الضرائب فان الأجور والرواتب لدافعي الضرائب ذوي الدخل المرتفع كانت تقريبا 30% أكثر من المتوقع ، وبالمثل فانه بعد تخفيض الضرائب فان الأرباح الرأسمالية ارتفعت بنسبة 100% أكثر من المتوقع ، ودخل أصحاب الأعمال ذوي الدخول المرتفعة كان 200% أعلى من المتوقع.
استنتج ليندساي من ذلك بأن آثار اقتصاديات العرض الرئيسة نتجت من :
• أشخاص يدفعون أنفسهم للحصول على دخل نقدي أكثر من الحصول على فوائد اضافية ووسائل راحة أكثر.
• زيادة الأنشطة التجارية.
• انخفاض في نشاطات التهرب الضريبي.
3- الفروقات بين اقتصادي جانب العرض والكنزيين:
يصحح اقتصاديوا جانب العرض خطأ أساسيا في الاقتصاد الكنزي ، وهو أن الاقتصاد الكنزي يعرف على أنه ادارة الطلب واهمال العرض ، حيث أن الطلب هو العنصر المهم ، والعرض يستجيب للطلب ، والطريقة التي يراها الكنزيون أن الطلب يجب أن يكون مرتفعا للحفاظ على معلات تشغيل عالية أو في مستوى الاستخدام الكامل ، الاقتصاديون الكنزيون لديهم حساسية للبطالة والمعاناة الانسانية اللتان ارتبطتا بالكساد الكبير ، وقد نسبوا الكساد الى أن الطلب الكلي لم يكن فعالا بما يكفي لابقاء كل شخص في عمله ، وكانت سياستهم هي تأمين الطلب الفعال.
يعتقد الكنزيون بأن الطلب الخاص قد يميل الى أن يكون غير فعال ولضمان مستوى الاستخدام الكامل فان على الحكومة أن تزيد من نفقاتها ، وهكذا فان الاضافة الى الطلب الكلي تؤدي الى العجز بالميزانية العامة ، وهناك طريقتان لانفاق الايرادات الأولى هي ابقاء الانفاق الحكومي ثابتا وتخفيض الايرادات الضريبية ، والثانية هي ابقاء الايراد الضريبي ثابتا وزيادة الانفاق الحكومي.
وقد اعتبر الكنزيون السياسة النقدية عاجزة ، واعتمدوا على السياسة المالية ، أما الكنزيون الجدد وتحت النقد الكبير من قبل النقديين أمثال ملتون فريدمان ، فقد صححوا وجهة النظر هذه ، واستخدم الكنزيون الجدد السياسة النقدية لنفخ الطلب (Pump up demand) للوصول الى مستوى الاستخدام الكامل.، وسياسة مالية بصيغة معدلات ضريبية عالية للسيطرة على التضخم، أو على الأقل كان هذا هو المفروض أن يؤدي الى نتيجة ، لكن في منتصف السبعينات كان واضحا أن تلك الالية لاتعمل .
ما أوضحه اقتصاديوا جانب العرض للكنزيين هو أن معدلات الضريبة العالية لا تسيطر على التضخم ، وبدلا من ذلك تساهم تلك المعدلات المرتفعة في التضخم .
اعتقد الكنزيون أن السياسة المالية وحدها تؤثر على الطلب ، وذلك من خلال قدرة الحكومة على زيادة الطلب الكلي عن طريق تخفيض الضرائب ( على سبيل المثال) ، وفي هذه الحالة ستدير الحكومة اقتصادا يعاني من عجز الموازنة، وهكذا فان زيادة الانفاق تحدث نتيجة لتخفيض الضرائب على القطاع الخاص ، أو محاربة التضخم من خلال رفع الضرائب لاستنزاف قدرة القطاع الخاص على الانفاق ، ولكن بالنسبة للكنزيين فان السياسة المالية ليس لها تأثير على العرض الكلي.
اقتصاديوا جانب العرض أشاروا الى أن السياسات المالية ، مثل التغير في المعدل الحدي للضرائب ، والتعديل النسبي في الاسعار تعمل على رفع منحنى العرض الكلي وليس منحنى الطلب الكلي . ان الزيادة في المعدلات الحدية للضرائب ستؤدي الى تخفيض الأرباح بالنسبة للعمل والاستثمار مما سينتج عنه انخفاض في مستوى العرض الكلي، وبالعكس فان تخفيض معدلات الضرائب الحدية سيزيد من مكافآت العمل والاستثمار وبالنتيجة سيرتفع العرض الكلي.
ان السياسة الكنزية تسبب ركودا تضخميا (Stagflation) ، وتدهورا في منحنى فيلبس الذي يوضح العلاقة بين العمل والتضخم ، لأن معدلات الضرائب الحدية المرتفعة تسبب انخفاضا في ناتج العمل وانخفاضا في معدلات الادخار والاستثمار.
ويوضح الاقتصادي بول سامويلسون في كتابه "الاقتصاد" ، ان اقتصاديوا جانب العرض يقولون بأن السياسة المالية تؤدى الى ارتفاع منحنى العرض الكلي ، وبالمقارنة فان الكنزيين يؤكدون على أن السياسة المالية تؤدي الى ارتفاع منحنى الطلب الكلي.
ويتفق اقتصاديوا جانب العرض مع الكنزيين أن تخفيض الضرائب سيؤدي الى تخفيض معدلات البطالة ، ولكن ولأسباب مختلفة فانهم – أي اقتصاديوا جانب العرض- يقولون أنه ليس من الضروري حث المستهلكين على زيادة الطلب من خلال تخفيض الضرائب على الطبقة الفقيرة والمتوسطة ، لكنه من الضروري تخفيض الضرائب على الأغنياء لكي يتمكنوا من ادخار أموال أكبر، وتخفيضها على رجال الأعمال ليكون لديهم حافز أكبر لزيادة استثماراتهم ، أي أن الطرفين يتفقان على تخفيض الضرائب كعلاج للبطالة لكنهما يختلفان في الطبقة التي يجب استهدافها في ذلك التخفيض ، الكنزيزن يخفضون الضرائب على الفقراء لزيادة الطلب، اقتصاديوا جانب العرض يخفضون الضرائب على الأغنياء ورجال الأعمال لزيادة العرض.







المصادر:
1- بول سامويلسون وويليام نوردهاوس " الاقتصاد" ، ترجمة : هشام عبدالله – مراجعة د . أسامة الدباغ – الأهلية للنشر – عمان - الطبعة الخامسة عشرة – 2001.
2- فؤاد عباس "حيرة الضرائب يسن الاقتصاد والسياسة " ،نقلا عن الموقع الالكتروني:
www.annabaa.org/2006
3- جيمس جوارتيني وريجارد استروب " الاقتصاد الكلي الاختيار العام والخاص " ، ترجمة د.عبدالفتاح عبدالرحمن ود.عبدالعظيم محمد، دار المريخ للنشر ، الرياض، السعودية، 1988.
4- David Harper" Understanding Supply-Side Economics",
from website:
http://www.investopedia.com/articles/05/011805.
5- PAUL CRAIG ROBERTS " what is supply side economics"
from website: http://www.counterpunch.org/roberts02252006.htm
6- James D. Jwartney "Supply Side Economics" from website: http://www.econlib.org/LIBRARY/Enc/SupplySideEconomics








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو


.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج




.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة




.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا