الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرس الدم التونسي

فريد العليبي

2011 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


انتفاضة شعب تونس لونها الدم ، الياسمين الذي يزين أسوار المنازل التونسية لم يعد كما كان قبل أشهر، البياض تلاشى ، تناثرت على الأوراق بقع الدم ، اللون الأبيض حل مكانه الأحمر القاني ، شهداء يرفضون الموت ، جرحى يرسلون النداء ، يحاصرون في كل يوم قتلتهم ، سلاحهم هؤلاء الذين رتلوا على مسامعهم قسم الوفاء ، تأتيك أصواتهم من القصرين و بوزيد وصولا إلى العاصمة ، و هي تنطلق من حناجر تحررت من قيدها ، كأنما تبحث لها عن مكان في إيقاع الزمن ، إنه عرس الدم التونسي المتواصل ، الذي لن يكتفي بنصف انتصار .
لا ياسمين هنا في هذه الأيام و لا ورد و لا قرنفل ، بل دم و جراح و رصاص ، شوارع و أزقة و ساحات زينتها دخان و نار ، عويل في المستشفى ، امرأة تعاند الموت ، تهدي الوطن إبنا ، و تشهر الأربعة المتبقين سلاحا في وجه العتاة ، فتى أصابت رصاصة عنقه يبتسم في وجه الموت ، و أم تركت صغارها و نالت نصيبها من غدر الطغاة .

و رغم هول التضحيات فإن تونس الآن و أكثر من أي وقت مضى تبدو جميلة آسرة ، تشدك إليها ، تحبس أنفاسك و أنت ترقب سحرها ، مبهرة في عنفوانها ، متوثبة في إقدامها ، كأنما تتلو آية من آياتها ، لكي تفصح عن سر قدسي من أسرارها ، و ترسم لغيرها دروب الحياة .
تجد تونس نفسها في مفترق طرق ، رئيس مخلوع و طاقم حكومي غير لونه الحزبي بسرعة فائقة ، و انتهازيون من كل لون يحاولون الالتفاف على ثورة شعبها ، موظفون مرتشون أصبحوا دون سابق إعلام مناضلين من طينة عالية ، " معارضون " اختصروا الطريق إلى الوزارة ، إذاعات و مجلات و جرائد و قنوات تلفزية طلقت صمتها ، وأصبحت بقدرة قادر صوتا للشعب ، مثقفون مزيفون كانوا لوقت قريب خدم السلطان ، خلعوا عن أنفسهم ثوب السماسرة و استبدلوه بمعطف الثوار ، و المهم بالنسبة إلى كل هؤلاء استمرار الجوهر و تغيير المظهر ، و في قلب المشهد تنتصب دماء الشهداء بشموخ تتلو على المسامع درسها .
ما يحدث في تونس مشهد ثوري واقعي بالنسبة إلى الشعب ، الذي يمسك بنصف التفاحة اليانعة التي تحدث عنها يوما بيسمارك ، بينما لا يزال نصفها الآخر في يد أعدائه ، وهو مشهد سوريالي بالنسبة إلى الرجعية ، التي فقدت البوصلة و استغرقتها حيرة قاتلة .
شعب تونس شعب عظيم ، هذا ما تعترف له به الآن شعوب العالم قاطبة ، بل حتى الرجعية العالمية لا يضيرها الآن التعبير عن ذلك الاعتراف طالما وقعت الواقعة ، عانى هذا الشعب طويلا من القهر ، جرب الانتفاضة تلو الانتفاضة خلال ستين عاما ، و في الأخير أجبر قسما من طغاته على الرحيل و لا يزال قسم آخر ينتظر على القائمة .
كتب بتاريخ 20 جانفي 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست