الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين دقت الساعة 7:20 مساءً

صلاح وهابي

2011 / 2 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حين طلبت مذيعة قناة الحرة من مراسلها في القاهرة اكرم خزام الذي غطا احداث الانتفاضة المصرية الشبابية ميدانياً, عما يتوقعه من وصول مسؤول عسكري رفيع المستوى الى مبنى التلفزيون, لم يتوقع ان الساعة ستدق للرحيل.
لحظتها تسمرت عيناي على الساعة الجدارية لاسجل هذا الحدث المدوي لحظة بلحظة. فخرج من عينه قبل ايام نائباً للرئيس بعد غياب لهذا المنصب مدة ثلاثين سنة عمر سليمان عبوساً متهدج الصوت حزيناً ليعلن بعد اصرار مذل عن رحيل اخر طغاة الفراعنة حسني مبارك, و تسليم مقاليد البلد الى المجلس الاعلى العسكري. دقت الساعة 7:20 مساءً بتوقيت بغداد 11-2-2011, الساعة 6:20 بتوقيت القاهرة ليؤشر هذا الزلزال اعلى درجاته على مقياس ريختر بتهاوي اخر فرعون, و هذا ما لم يحدث منذ 7000 سنة من تاريخ الامة المصرية, ليصل تصدعه و حممه الى بقية العروش المتهرئة في المنطقة.
طغت احداث الانتفاضة على احداث العالم, فتابعت كما تابع العالم احداثها البيضاء في ميدان التحرير و كورنيش النيل و شارع عبد المنعم و في الاسكندرية و بور سعيد و السويس و طنطا و بقية المدن المصرية, و لا يزال لاسقا بسيكوتين دلوب و يعد الجماهير بإصلاحات!! و في الميدان يعرض علينا فلما من اخراج نظامه و تمثيل شرطته و امنه, يبدأ بإخراج المجرمين و الحرامية (البلطجية) من بعض السجون لحرق و سرقة المال العام لتشويه الثورة و الثوار و يدفع بهم الى الإغارة على المتظاهرين العزل في ميدان التحرير بإمتطاء الخيول و جمال الهجانة و استعمال العصي و الحجارة و القنابل الخانقة و خراطيم المياه و استعمال السلاح الابيض و الاطلاقات الحية. و كأننا نشاهد فلماً من افلام الغزاة الغابرة مستعينةً بما استجد من مخترعات العصر بدهس و قتل المسالمين بالسيارات المصفحة و المسرعة بشكل جنوني, لهو دليل على بربرية هذه الانظمة التي لا تتورع حتى النفس الاخير من الدوس على شعوبها. و هي تشترك في نفس السيناريوهات.
خلال مشاهدتي بعض مقاطع مسلسل الفلم المأساوي الذي لم تر بطل بعينه غير هذه الجماهير بكل مشاربها. اتصل بي احد الاصدقاء يعلن خوفه و توجسه من اجهاض الانتفاضة, او سرقتها ممن لهم باع في ركوب موجة الثورة من ازلام النظام, او من بعض الجدد, او مشاركة الجيش. كنت كالاخرين اشاركه هذا الخوف و هذا التوجس إلا ان هاجساً داخلياً كان يعلو صوت الخوف, فرددت الصدى و قلت لا تخف فالثورة لن تجهض.
و هاجسي بالانتصار يستند الى ان المنطقة مقبلة على تغييرات, تراكم في باطنها من حمم الظلم و التعسف و القهر و الاستهتار بحق الشعوب, لا بد ان يضفي الى عالم جديد و بتأيد عالمي.
و ما حصل في العراق رغم التغيير الخارجي كانت له قاعدة شعبية مهيئة لعملية التغيير الديمقراطي, و هبوب هذه الرياح على المنطقة بدءاً بتونس لتجر مصر و الحبل على الجرار.
و بالاستناد بمعرفتي البسيطة بتاريخ مصر و ما خلفه هذا الشعب العريق من تراث حضاري لا يزال يبهر العالم المتقدم, امتاز بالدقة و الضخامة و الرقي الهندسي و الفني.
حين استطاع العالم الاثاري الفرنسي (شامبليون) من فك رموز الكتابة الهيروغلوفية بقراءته لحجر الرشيد, مسافرا الى مصر حين شاهد الاهرامات سجد لها.
فعصر الاهرامات التي استمرت (2685-2180 ق.م) بداية بهرم سقارة المدرج و تطور لديهم بناء الاهرامات و اشهرهم خوفو و خفرع و منكورع, و كبيرهم خوفو المبني من الحجر الصلد و معدل وزن الواحدة منها 2.5 طن. فالشعب الذي تحمل رفع هذه الاحجار بإرتفاع 150 م ارتفاع الهرم بطول 226.5 متر ليشتغل في بناءه 100,000 عامل يوميا و لمدة 20 سنة في ظروف غاية في القسوة و الذلة, و بإدوات بدائية لا يزال يصعب على العالم المتحضر و المختصين معرفة الطريقة التي تمت بها بناء هذه الاهرامات. و الاخرون استحالوا بناء هذه المنجزات العظيمة بسواعد مصرية, بل ارجعوها الى مجيء كائنات من عوالم اخرى شيدوا هذه الاهرامات, لكن تحليل الحامض النووي DNA العامل المورث للمومياء المصرية اثبت ان المصريين المعاصرين هم ورثة تلك المومياءات.
و من لا يعرف تاريخ مصر الحقيقي ينعتهم بنعوت ظالمة (شعب طبال رقاص يميل الى الهزل و النكتة, شعب خانع).ارى الرقص و الغناء جزء مرافق للتطور الحضاري و المدني, و ما الهزل و النكتة إلا دفاعات بتحمل مصاعب الحياة من اجل بقاء الذات و استمراريتها, كما هي محاكمة للظواهر و الشخوص بعيون ذكية و نقد حاذق لمفاسد الحياة بشكل كاريكاتوري و كل هذه المسائل تحسب له و ليس عليه, و ان ظهرت بعض المساوء فهو ادانة للنظام قبل ادانة الشعوب.
و هذه المومياءات لا تزال تحتفظ بهياكلها و معالمها البشرية رغم مرور اكثر من 4500 سنة, صعب على الطب الحديث مجاراة المصريين القدماء في ذلك.
و هنالك تمثال (ابو الهول) الذي يمثل الملك خفرع بجسم اسد و رأس انسان يبلغ ارتفاع رأسه 20 م و طول جسمه 56 م وهو اكبر تمثال صنعه انسان في العصور القديمة.
هذا التراث الضخم يدل على قوة الملوك و سطوتهم الدينية و الدنيوية و على عظمة المهندس و البناء و الحرفي و الفنان و الطبيب و العمال الذين تحملوا كل هذا العناء للأرتقاء بهذه الصروح التي اعتبرت من عجائب الدنيا السبع. الشعب الذي بنى بسواعده كل هذا التراث الحضاري و تحمل مصاعب الحياة لقادر على بناء حياة جديدة تليق به, و لن يقبل اقل من طريق الديمقراطية طريقاً له.
ام من الناحية الدينية فقد عبد المصريون الهات متعددة و الاههم الوطني (امون) و يعتبر كبير الالهة المصرية, فالواحدية التي قادها (اخناتون) بإجبار المصريين عبادة إله واحد متمثلاً بالاله اتون (قرص الشمس) مما اثار غضب عبدة الاله الاخرى بالقضاء على اخناتون و الرجوع الى ديانات مصر القديمة و ترك عبادة التوحيد. هم حاليا في ميدان التحرير و بقية المدن المصرية بإسقاط اخنامبارك باقامة النظام الديمقراطي التعددي.
و عندما انتهى عصر المملكة الحديثة دخلت البلاد في منازعات مما سمح بتعرضها للاحتلال الاجنبي على يد الفرس الاخمينيين عام (525 ق.م) من هذا التاريخ فقدت مصر استقلالها السياسي ليعقبه الاحتلال اليوناني بقيادة (الاسكندر المقدوني) و خلفائه البطالسة ثم الرومان و الغزو الصحراوي و المماليك و الفرنسي و البريطاني, خلال هذه الحقبة خضعت مصر للاحتلال الاجنبي ما يقارب من (2500) سنة لم يحكمها مصري حتى مجيء ثورة يوليو 1952. و هي تقترب مما حدث للعراق من فقدانه لاستقلاله السياسي بسقوط بابل 539 ق.م على يد الفرس الاخمينيين حتى قيام ثورة 14 تموز 1958.
لقد طوى الشعب المصري الصفحة الاولى بسقوط اخر فرعون, و لكن امام الشعب المصري صفحات صعبة و معقدة اهمها الحفاظ على الثورة لتحقيق اهدافها باقامة نظام ديمقراطي يشترك فيه كل الذين ساهموا فيها بالتداول السلمي السلطة, و الخوف من سرقتها ممن يتصدرون الاعراس الثورية و لا تجدهم في المعارك الثورية, او ممن يرفعون الشعارات الوطنية تقيةً و حين يصلون كراسي السلطة يتنصلون منها.
خوفي ان يتحول الصراع الاساسي بين الجماهير و السلطة الراحلة الى صراع بين القوى الوطنية و بذا يعرقل عجلة الحياة و تهدر دماء و معاناة المصريين لسنين.
فالصراع الثانوي السلمي سنة الحياة و بغيره تخنق الحياة و لا تتطور. و الاستفادة من تجارب الاخرين بما فيها تجربة العراق التي سبقت في التغيير بدراستها من قبل المختصين سياسيين و اجتماعيين و اقتصاديين و قادة احزاب و منظمات و تجمعات و من سيتسلم مسؤولية مصر المقبلة باستلهام ايجابياتها و الابتعاد عن سلبياتها, من الاخذ بنظر الاعتبار التجربة المصرية و خصوصيتها.
فالشعب الذي بنى هذه الحضارة العظيمة و حمل كل هذه الاحجار و شق قناة السويس و عمالقة في الادب و العلم و الفلسفة كـ طه حسين و سلامة موسى ومحمد عبده و نجيب محفوظ و محمود امين العالم و السيد محمود القمني و حامد ابو زيد, و هؤلاء الشباب المصرين على التغيير لجدير بتحمل مسؤولياته في بناء غده المشرق رغم الصعاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة