الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يسير الشارع العربي فعلا نحو الحداثة والديمقراطية؟! [ مقال ثالث]

عزيز الحاج

2011 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


1 - تساؤلات:

نشر المحلل الفرنسي "ألان جيرارد سلامه" مقالا عما يصفه بهلوسة اليسار الاشتراكي الفرنسي بالشارع العربي. والعنوان يبدو استفزازيا، ولكنه بطرح أسئلة عما إذا كان الشارع العربي، الثائر اليوم، قد تغير فعلا باتجاه العصرنة والديمقراطية والعلمنة كما يبشر الاشتراكيون الفرنسيون. ويقول الكاتب إن مجرد طرح سؤال كهذا يقابل منهم حالا باتهامات بالعنصرية أو بالجهل. وحين يذكّرهم أحد بخطر الإسلاميين في مصر وتونس، ينبري اليسار بالرد العنيف، نافين الخطر، وزاعمين أن هناك مجرد حفنات من المتطرفين، وأما بقية الإسلاميين في البلدين فهم معتدلون ويريدون الاقتداء بحزب أردوغان التركي. وهذه الدعاية صارت رائجة اليوم في الصحافة اليسارية الغربية ولدى كتاب وباحثين معروفين من أمثال فريد زكريا وروبيرت فيسك.

الكاتب يعيد للأذهان هياج الشارع العربي والإسلامي حول الرسوم الكاريكاتورية إياها، وما رافقها من مظاهرات واضطرابات واعتداءات. ويمكن أن نضيف هياج الشارع المصري مع وقوع جريمة قتل الضحية مروة الشربيني والهجوم على السفارة الألمانية وغير ذلك من أعمال، أو مظاهرات الإسكندرية ضد الكنائس القبطية والقسس بحجة وجود مسيحيتين أسلمتا ولكنهما محجوزتان.

والواقع، وإذا صحت قراءتي، [وهو ما لا ينكره الكاتب]، أن الشارعين التونسي والمصري، بزلزاليهما الثوريين، ضما خليطا من الانتماءات والاتجاهات: فهناك بالتأكيد قوى شبابية، وقوى سياسية حزبية، نشيطة وفعالة جدا، تؤمن حقا بالحداثة والديمقراطية وتعمل على التقدم بالأمور إلى أمام نحو دولة القيم العصرية الديمقراطية. وهناك أيضا، وعدا الجيش، تيارات وقوى أخرى، منها شرائح حركها الظلم والفقر والبطالة والفساد قبل كل شيء، ولكنها لا تملك نفس الدرجة من الوعي الديمقراطي، وقوى إسلامية رجعية متربصة للصعود بفضل التنظيم والنفوذ الشعبي. وهذه الظاهرة ليست فريدة في الحركات التغييرية والثورات، أي عدم تجانس القوى المتحركة في دوافعها وأهدافها، مع الاتفاق على هدف مركزي عاجل.

إن دراسة ظواهر كبرى كهذه لا تتم بمنطق التبسيط؛ كما أن لكل بلد ومجتمع خصوصياتهما وثقافتهما وتقاليدهما وأخلاقا سائدة معينة. والتحولات النوعية في السياسة والمجتمع تأتي نتيجة فعل وإرادة مجموع التيارات والإرادات المتضاربة، والنتيجة النهائية لا يمكن أن ترضي الجميع؛ فالإسلاميون المصريون والتونسيون مثلا لن يقبلوا بقيام دولة علمانية ديمقراطية حداثوية، والقوى العلمانية واللبرالية لن تقبل بدولة أحكام الشريعة وبأن الدين الإسلامي هو المنبع الرئيس للقوانين والتشريع. وفي حالات أخرى، قد تنفجر فجأة القواقع الضيقة، كالطائفية المذهبية [ البحرين] و كالقبلية [ الحالة الليبية].

إن ما يجري اليوم في معظم الشوارع العربية- لاسيما مصر وتونس والمغرب والجزائر وليبيا والبحرين، يمكن وصفه بالحالة الثورية المفاجئة، [ مفاجئة في التوقيت والطريقة وغير مفاجئة من حيث وجود وتراكم الأسباب والمشاكل]، ولكن كل بلد سيسير وفق ظروفه وخصائصه ومحيطه، دون نكران التفاعل بين الجميع، مع التأكيد على الأهمية الاستثنائية لمآل الثورة المصرية. وفي أغلب هذه الحالات كانت الدوافع الأولى للانفجار مرارة الخيبة من الحكم والشعور بالتمييز والفساد والفقر والبطالة، ولكنها انفجارات تسعى مختلف القوى الفاعلة في المجتمع لتوجيهها كل وفق مصالحها وحساباتها أولا.

2 - الديمقراطية والثقافة الديمقراطية:

الديمقراطية هي أولا فكر وثقافة. وليس المقصود أن يكون كل مواطن مستوعبا لأفكار فلاسفة ومفكري الديمقراطية أو حاصلا على تعليم جامعي عصري متميز. المقصود هو الإيمان بقيمة المواطن وحريته مع الاعتراف العملي بحق الاختلاف والاعتراف بالآخر والتعايش معه. وهذا الفكر يجب أن ينعكس في السلوك العملي. وليس من النادر أن نجد مثقفين يكتبون عن الديمقراطية أبحاثا ودراسات جيدة ومتعمقة ولكنهم في سلوكهم العملي غير ديمقراطيين، كأن يتنرفز الواحد من رأي مخالف، أو يقابل الرأي الآخر بالتحامل الشخصي والإسفاف، وربما لحد البذاءة. هذا النموذج هو "الديمقراطي" اللاديمقراطي. ومثله من يشيد بالأحداث الثورية العادلة خارج بلده ولكنه يسكت عما يجري في بلده هو. كما هناك العلماني غير العلماني، كأن يكتب ويتحدث عن فصل الدين عن السياسة والمساواة والمواطنة، ولكن هذه تكون مجرد قشرة سرعان ما يزيلها حدث ما، أو حتى حديث ما، فإذا بهذا العلماني، كلاما وعنوانا، طائفي حتى النخاع. وقد سمعت عن نماذج غير قليلة من هذا النمط من عراقيين في دول غربية خلال فترة الحرب الطائفية في العراق عامي 2006 – 2007 خاصة، وصلت أحيانا لحالات طلاق زوجي على أساس المذهب. فالقواقع الضيقة الكامنة تظهر فجأة لتطغي على الشخصية ومواقفها.

إذ تكتب هذه السطور، تتطور الأحداث العربية بسرعة. ففي ليبيا عنف وحشي يمارسه نظام القذافي يقابله تصميم على القتال لإسقاط النظام الذي يتعرض لهزة كبرى. وتونس تشهد حالة من عدم الاستقرار والوضوح وتعدد المواقف، ومن ذلك مطالبة الإسلاميين وفرقاء يساريين بإزاحة الحكومة المؤقتة. وأما في البحرين، فمن حسن الحظ أن الأمور تسير نحو التهدئة ومن المتوقع أن تتم بعض الإصلاحات الهامة. ونضيف أن البحرين بلد منفتح بالنسبة لدول خليجية أخرى ولكنه فقير في الموارد وإن غلاء الأسعار وبعض مظاهر التمييز المذهبي من بين أهم عوامل المظاهرات الأخيرة والاعتصام. ونتمنى أن يؤدي الحوار الجاري إلى انفتاح سياسي ودستوري يسير بالبلد خطوات إلى أمام. فالحوار البحريني- البحريني هو الطريق السليم . وتبقى تطورات مصر التي لا يمكن التنبؤ بما سوف تنتهي إليه. ولكن حب مصر وثورتها يجعل واجبا ملاحظة بعض الحوادث والظواهر الباعثة على التساؤل إن لم يكن على القلق:

1 – مشاركة إسلاميين في لجنة الدستور من دون أي طرف سياسي آخر؛

2 – ليس ضمن المواد الدستورية التي ستعدل المادة التي تجعل من الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع؛

3 – حضور الداعية الإسلامي الإخواني القرضاوي في ميدان التحرير يوم التجمع الكبير الأخير مع زملائه من قادة الإخوان، في مسعى للصعود على الموجة، ونفخه في المسألة الإسرائيلية ومحاولة تجيير فتح معبر رفح لرصيده؛

4 – عبور السفينتين الحربيتين الإيرانيتين لقناة السويس في عملية استعراض للقوة استفزازية ولجس نبض اتجاه السياسية الخارجية المصرية، وذلك في وقت يمر فيه نظام الفقيه في أزمة داخلية عميقة، ولأول مرة يهتف المتظاهرون بسقوط الولي الفقيه. ويذكر أن حزب الله قد استقبل، قبل ذلك، في احتفال شعبي ببيروت زعيم خلية حزب الله التخريبية المهرب من السجن في مصر، وحزب الله يعني إيران.

المنطقة كلها في جيشان وغليان، فإلى أين سوف تنتهي الأمور؟؟ من يستطيع التنبؤ؟ وهل كان أحد يتنبأ بزلازل اليوم؟! وكما قلنا، فلكل بلد مساره الخاص، والمستقبل كشاف.

الحوار المتمدن في 21 فبراير – شباط - 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس الان في الافق حداثة عربية
سيلوس العراقي ( 2011 / 2 / 21 - 17:01 )
الاستاذ القدير عزيز الحاج
في الحقيقة والحقيقة ليست اطراء شخصيا، بل ان تحليلاتك ومقارباتك فيما تكتب يتقارب فيها رؤية الواقع من الحقيقة، وانا اؤيدك بان المستقبل لا يمكن التنبؤ به ولكن يمكن مقاربته على ضوء الواقع المحلي والاقليمي والدولي، فمن خلال المقاربات هذه تشترك فكرة من الافكار وهي ان المستقبل سيولد من الحاضر، والحاضر يشير الى ان الدول العربية تقترب بشكل او باخر الى ان تاخذ بالحكم الاسلامي مع الاحترام لكل هذه الانتفاضات غير المقادة وغير المنظمة من اجل فصل الدين عن الدولة وكل همها العمل والخبز وشيء من الحريات، لذا ستسود الشريعة الاسلامية بشكل كبير على الحكم في كل دولة تنتفض وسنكون مقبلين على ايام بل سنين مقبلة يكون فيها الصراع الحقيقي بهدف فصل الاسلام (او عدم فصله )عن الحكم والسلطة والدستور، سيطول الصراع لان الاكثرية من شعوبنا تجهل بان الدين حين يحكم ويتحكم بالدولة يقضي على نفسه وعلى الدولة، ولهذا في هذه المرحلة سنرى الغرب سيترك العالم الاسلامي ينتحر من دون تدخل غربي والشعوب الاسلامية عليها ان تختبر بنفسها الحكم الاسلا مي حتى اذا رفضته مستقبلا سترفضه الى الابد مع التحيات


2 - من فضلك...ماذا تعني؟
محسن الخالدي ( 2011 / 2 / 22 - 05:07 )
سيدي الكاتب القدير....انا معجب بما تكتب..وبك ايضا ..وارجوك ان تفسر لي ماذا تعني ب (خلية حزب الله التخريبية ) ثم(حزب الله يعني ايران) ودمتم


3 - وتبقى أمنيات وأحلام ظهيرة
سرسبيندار السندي ( 2011 / 2 / 22 - 17:17 )
إن ما يحدث في مصر ليس صدفة وخاصة في سياق تسارع ألأحداث ، إنها مؤامرة قد حيكت بعناية والمتتبع للأحداث فقط يكتشف ذالك ، وهى تدمير أخر معقل للحضارة في منطقة الشرق ألأوسط وتفقيرها تماما ليتسنى السيطرة عليها بالتومان ألإيراني وحصان ألإخوان ، وتم ذالك من خلال إختراق الداخلية المصرية من قبل ألإخوان لدعم وتسهيل المهمة وما ثورة الشباب إلى حصان طروادة للوثوب على الحكم فكان لإصطدام الشرطة مع المحتجين بتلك القسوة وقبلها تفجير كنيسة القديسين وحادث العمرانية إلا القشة التي قصمت ظهر النظام ، وفي رأي المتواضع هناك دور خبيث للرئيس ألأمريكي أوباما في هذا السيناريو والتي إكتشفها الجيش المصري متأخرا ، والقادم من ألأيام سيكشف المستور وليس فوق الركام إلا الرماد !؟


4 - تساؤل
يوزرسيف دانيال ( 2011 / 3 / 6 - 15:24 )
حزب الله الذي يقف بوجه الاستبداد والدكتاتورية والغصب والسلب يسمى عند الديمقراطي تخريب ولكن اسرائيل قطعا مجتمع متمدن ومعمر ماهذه الديمقراطية التي تثير الغثيان؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اخر الافلام

.. جعفر الميرغني يوضح موقف حزبه من الحرب في السودان ودور الجيش


.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة




.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي


.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد




.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟