الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودي الى ينابيعك يا بلاد الأحزان !

رضا الظاهر

2011 / 2 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تأملات

يتعين علي، أولاً، أن أعلن، اعتماداً على حقائق صارخة، ارتيابي بـ "الديمقراطية" العراقية، وقد تجلت واضحة مثل الشمس في ما حدث يوم الخامس والعشرين من شباط، حيث تصاعدت الاحتجات السلمية العارمة في بغداد وسائر أرجاء البلاد، بينما كان حصار الناس وقمعهم والاعتداء على الاعلام والاعلاميين في تصاعد.
ولعل من بين أكثر التطورات تجلياً زيف الادعاءات التي أطلقها مسؤولون وأجهزة أمنية عشية المظاهرات، السلمية المتحضرة في الغالب باستثناء حالات معزولة، من أنها كلها ستسيَّر وتوجَّه وتوظَّف لصالح أيتام النظام المقبور وقوى الارهاب. ومن الطبيعي أن الهدف الواضح كان تخويف الناس ومنعهم من المشاركة في الاحتجاجات.
وبالتالي فان ما جرى يوم الجمعة الماضي شكل صفعة لهذه القوى التي سعت جاهدة، وهي توظف إمكانيات الدولة وأجهزتها، الى إحباط التظاهرات بدلاً من تسخير هذه الموارد لتأمين سلامة المتظاهرين المحتجين بطريقة سلمية وتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري.
لقد أثارت الأحداث تساؤلات مشروعة حول جدية الحكومة والسلطات المحلية في الاستجابة لمطالب المحتجين. وأظهرت أن الناس سئموا من الوعود المكرورة باصلاح الأوضاع. ولم يعد من المقبول مطالبتهم بمهلة إضافية بحجة أن الحكومة ماتزال في بداية فترة ولايتها. فقد انقضت سنة كاملة على الانتخابات وما تلاها من مهزلة تشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق يتعين ادراك حقيقة أن تخصيص الحكومة مبالغ من الموارد الاضافية من عائدات النفط المتوقعة ليس سوى محاولة لشراء سكوت الناس، تكشف عن غياب مصداقية الحكام، وعجزهم عن حل أزمة البلاد العميقة، ولجوئهم الى الأساليب القديمة ذاتها للحفاظ على امتيازاتهم، وهو كل ما يعنيهم من الاجراءات الترقيعية والمضلِّلة.
ومن ناحية أخرى فانه في إطار انتقاد اللجوء الى القوة المفرطة وجه الاتحاد الأوروبي، وللمرة الأولى، تحذيراً للحكومة، حيث سقط أحد عشر شهيداً في يوم واحد فقط، مما يكشف عن خلل خطير في قضية تعامل السلطات مع التظاهرات، إذ قابلت حجارة المحتجين العزّل بالرصاص الحي.
إن هذا السلوك، غير المبرر على الاطلاق، لا يتفق مع التبجح بأن العراق بات دولة ديمقراطية متحضرة. وهو يعكس من ناحية هلع القوى المتنفذة في الحكم من مطالبة الناس بحقوقهم المشروعة ومن التعبير عن الرأي الآخر، وخشيتها على امتيازاتها المهددة وتأبيد راهنها المهتز. ومن ناحية ثانية يكشف عن ثقافة استخفاف بحياة البشر رغم كل الادعاءات باحترام حقوق الانسان.
ومما له دلالة عميقة أن المجتمع الدولي لم يعد قادراً على السكوت عن تجاوزات فظة يعاقب عليها القانون الدولي بل والعراقي نفسه، بحجة أن العراق مايزال في مرحلة استثنائية انتقالية من عهد الدكتاتورية ثم الاحتلال الى عهد بناء ديمقراطية، وأنه بحاجة الى المزيد من الوقت لممارسة السلوك الديمقراطي المتحضر.
ومن نافل القول إن على عاتق القوى والشخصيات الديمقراطية خصوصاً مسؤولية استثنائية، فهي القوى الأكثر اخلاصاً وانسجاماً مع التطلعات الطامحة الى التغيير الجذري للنظام السياسي القائم، بدءاً بالتخلص، مرة والى الأبد، من جذر المشكلة المتمثل في نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، الى جانب استئصال الآفات الأخرى وأولها وأخطرها الفساد.
وعلى هذه القوى التفكير، على نحو أعمق وأكثر جدية، بكيفية استثمار هذه الحركة الاحتجاجية المتعاظمة، حتى لا تتبدد الطاقات، وخصوصاً الشابة التي تقدمت الصفوف.
ومن الهام ملاحظة حقيقة أن الناس الذين توجهوا الى صناديق الاقتراع بجرأة ومارسوا حقهم الدستوري أكثر من مرة، هم أنفسهم من خرجوا هذه المرة الى الاحتجاج، وفي مقدمتهم الشباب، رغم خداع السلطة وتهديدها، ليوجهوا أصابع الاتهام الى تلك القوى والنخب الحاكمة والمتنفذة التي تنكرت لوعود قطعتها في الانتخابات الأخيرة، وليؤكد كثير منهم أنهم لن يكونوا ضحية التضليل مرة أخرى.
وبذلك سجلت هذه الأحداث انعطافة في تطور مستوى الوعي، وعلى وجه الخصوص وسط فئات الشبيبة الطامحة الى التغيير الجذري.
ولابد من التأكيد على أنه من أجل ضمان تحقيق المطالب المشروعة التي عبرت عنها تظاهرات 25 شباط يتعين على هذه الحركة أن تطور أساليبها وتسعى الى تشكيل أدواتها الكفيلة بمواصلة التعبئة والضغط لتحقيق هذه المطالب والحيلولة دون الالتفاف عليها عبر إجراءات وخطوات ترقيعية لكسب الوقت وامتصاص مشاعر السخط الشعبي.
* * *
من الطبيعي أن تتشبث قوى المجتمع القديم بوجودها، وهي مرتعبة من تهديد الاحتجاج الواعي لامتيازاتها، فتستخدم كل ترسانتها، وبينها تضليل وترهيب وترغيب، واتهام "غوغائيين"، وهو التعبير الذي كان يفضله مهندس المقابر الجماعية لوصف منتفضي آذار. وقد شهدنا بعضاً من هذه الترسانة في تونس ومصر، ونشهدها اليوم على يد العقيد الليبي المعتوه.
لن يخدعونا بتعليق ثياب الامبراطور على مشجب "الديمقراطية"، فنحن نعرف، مثل طفل الدنماركي الرائع هانز كريستيان أندرسن، حقيقة الامبراطور العاري.
إنهضي يا بلاداً تقيم فيها الأحزان .. أوقفي سيل المحن ..
آن لك أن تعودي الى ينابيعك يا موطن الحكمة والاحتجاج والنور ..
عودي الينا، نحن عشاقك .. ننتظرك، حاملين الزهور، ومنشدين في ساحة التحرير !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فشل ألنظام ألسياسي بأشمله
طلال ألربيعي ( 2011 / 2 / 28 - 18:31 )
أن ألحكومة ألحالبة قد فقدت ألآن كل ما قد تبقى لها من مضاهر ألشرعية أو ثقة ألجماهير, وأظهرت بشكل ساطع أن ألمشكلة هي ليست أزمة حكومة فقط, بل هي أزمة ألنظام ألسياسي بأشمله كنظام طائفي وأقطاعي, وبألضبط بسبب طبيعته هذه فأنه غير مؤهل أبدا لبناء دولة مدنية حديثة تعتمد معايير ألنزاهة و ألكفاءة و أحترام حقوق ألأنسان, و أن أي أدعاء آخر نانج أما عن سذاجة سياسية أو مصالح ضيقة أو للضحك على ألذقون أو لربما لكلها مجتمعة


2 - دق جرس الإنذار لحكم المحاصصه
نبيل عبد الأمير الربيعي ( 2011 / 2 / 28 - 19:36 )
الاستاذ الفاضل اني من المتابعين لكل كتاباتك ومعجب بها وكما تكون لن يخدعونا كشعب بأسم الديمقراطية وهم في رحم المحاصصه الطائفية, ولكن يبقى العراق كما خلقه الله بعيداً عن المحسوبية والصراعات لأن الحكام والسياسيين الجدد قد نهبوا ثرواته ولكن الجماهير لهم بالمرصاد وقد فضحوهم في يو 25 شباط2011 ..
ليصبح عقال عربه وحزام كرده يلتف على رقاب الفاسدين والمزورين والمرتشين , لنجعل الجماهير الحاضره في ساحة التحرير وبقية المدن ترقص فرحاً , ويعود العراق كما كان لا كما يريدون أن يصبح مزرعة مفتوحة للسراق أو جره مكسورة لتهريب البترول كما يحكم الطغات والعتات والمنتفعين وسجناً كبيراً أقفاله بيد سجانيه وهم فرحين بأستخدام قوات تفريق المتظاهرين والرمانات الصوتية ومراقبتهم من بنايات شاهقه كالمطعم التركي في ساحة التحرير .. يريدون البلاد طفلاً غريقاً تتلاطمة الأمواج, أو كائناً حياً يعتاش على فتائت موائدهم وهذا لا ولن يكون لهم.


3 - اي ديمقراطيه
فؤاده قاسم محمد ( 2011 / 3 / 14 - 19:39 )
استاذي العزيز..........ديمقراطية الامريكان لن ولن تنطلي سوى على السذج القلائل من العراقيين ,فالعراقيين عاشوا معاناة لسنين طوال وهذه المعاناه جعلتهم يتنبهون لكل من يريد سلبهم ارادتهم فهو ليس بالشعب المترفه والتافه بل خاض قمع وكبت جعل منه شعب ذكي وما الاحداث الاخيره الا دليل على انه شعب يستحق الاحترام والتقدير ولا تنطلي عليه مؤامرات الاستعمار السخيفه والقديمه منذ بدأ العصور بفرق تسد................تحياتي ولك ودي

اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل