الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الثائر الجديد: - دَعْهُم يسمعون صمتي!!!-

أنور العلي

2011 / 3 / 2
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


للتنويه: (محتوى هذه المقالة غير موجهة ضد سلطة معينة، بل ضد من يتجاهل شعبه وأمته).

يُبرز لنا علم النفس الحديث والفلسفة المعاصرة مفهوم "الإدراك الجماعي"، والذي أفسره على انه "ذلك الشعور الإنساني الذي يربط مجموعة من الناس بغض النظر عن حجمها، دون معرفة أو رؤية هؤلاء الناس بعضهم الآخر أو بوجود كلتاهما، ويتجسد هذا الشعور من خلال السعي لتحقيق أهداف ومطالب مشروعة ترمي لخدمة المجتمع الإنساني والذي حُرم منها بالإكراه أو القبول نتيجة لظروف خارجة عن إرادتهم. وانطلاقا ً من هذا البعد النفسي والفلسفي أحاول أن أسبر أغوار نفس الثائر العربي الجديد لأقول (مع احترامي لرأي مَن لا يشاطرني ذلك):

إن الإنسان الذي يمارس التدمير بحق المبادئ السامية التي تربى عليها في وطنه وبيته ومدرسته وشارعه وحتى في خلوته يشعر بنفسه وحيدا، بل إنه خارج المجتمع البشري، وهو يتأمل ليقول "إنني مجنون". إن هذا الإنسان لا يدرك بأن المجتمع مثله يواجه "مطلب الضياع المحسوس"، ويواجه الكارثة والجوع والحرمان والعواقب الوخيمة للفياضات والزلازل، ويواجه دمعة طفل تزلزلت لها السماوات والأرض جراء ما يعانيه من مرض فرضه بنو البشر عليه، وهو نفسه (أي الإنسان) يتشبع باحتياجات محدودة (بمفهوم آخر لا يمكن تسميتها "احتياجات")، في الوقت الذي تصبح فيه "الفوضى" ضرورية لذلك لإنسان، وهو يتعطش لها. فالانفصام بالشخصية والصراع والانتفاض والقتل والانتحار كل ذلك يمثل صور مختلفة للفظاعة بحد ذاتها. وينجر هذا الإنسان الى حالة وحشية لابد لها أن تبرز ليتلذذ بها. وتجعل وسائل الإعلام (وأقصد هنا وسائل الإعلام التي تسيرها السلطات) تجعل من وجهه حزينا عابسا، وهي تصور تلك الحالة على إنه مأساة إنسانية هائلة، لكننا نعلم بأن وسائل الإعلام لا تلاحق الشر الذي يهيمن على هذا العالم ولا تساعد في القضاء عليه. إن واجبها هو إقناعنا بقبول هذا الشر وتلقننا كيفية العيش فيه والتعايش معه. كما إن السلطات الحاكمة تريد منا أن نكون مجرد مراقبين عن بعد ولم تترك لنا فرصة سوى تصويت نادر ذي رمزية مطلقة نتيجته محسومة مسبقا لصالح ... ، وبالتالي علينا الاختيار ما بين دميتين الأولى موضوعة على اليمين والأخرى على يسارها. لقد حان الوقت للتعبير عن حالة عدم الرضا الشخصي بأسلوب اجتماعي وسياسي جديد ودعهم يسمون صمتي.

لنحلل ما سلف ذكره ووفق مفهومي "المسموح" و "الممنوع" في عصر الطغيان والأنظمة الشمولية لنرى ما نرى.

مسموح لك أيه الإنسان أن تكفر بمبادئك السامية، وممنوع أن تمس فخامة الرئيس أو دولة رئيس الوزراء أو معالي الوزير أو السيد الشرطي أو السيد المخبر السري بقريب أو بعيد، فهؤلاء يمثلون "ولي الأمر" وطاعتهم واجب علينا! وإن لم تطع فأدفع ما بجيبك لأن ثروة فخامة الرئيس بحاجة لدراهمك لتكمل صفرا جديدا في ملياراته وكأنه خالدا إلى الأبد، وإلا ستكون وحيدا مجنونا لا جار لك ولا صديق ولا أب و لا أم و لا... و لا... ولا ... وتقبع في زنزانة لا تدركها الأبصار والمسامع، أو في حفرة تجمعك مع آخرين بانتظار يوم الحساب!!!.

أيها المواطن، مطلوب منك أن ترضى ( بل واجب عليك القبول) بالضياع حتى لو شعرت به، وعليك فقدان الهوية التي تثبت انتماءك الوطني أو القومي أو الديني، فهويتك هو ولائك للسلطة وهو ضمانة (عزتك وكبرياءك) ما بعدها ضمانة تكفيك الكوارث والفواجع. فحبك للوطن و التزامك بمبادئك و إيمانك بها ممنوع، وطاعتك للسلطة الطاغية "مسموح" لتكون من الأقربين، وكما هو معلوم "الأقربون أولى بالمعروف"، لاسيما وان المعروف من وجهة نظر فخامة الرئيس وإتباعه هو الجوع والحرمان ، وأنت أيها الأقرب أولى بهما!!!

نواصل لنرى ما هي الكيفية التي نواجه بها الفيضانات والزلازل. بالطبع، هذه الظواهر هي طبيعية ويمكن أن تقع و تحدث في أية بقعة من العالم، وهي نتيجة لعوامل جيولوجية، وهي خارجة عن إرادة "فخامة الرئيس" و لا تدخل في بنود الميزانية العامة للدولة، لاسيما وان 70% من تلك الميزانية تودع في البنوك "الاستعمارية" (وليست الاستثمارية) في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وغيرها، و 29% منها مخصصة لشراء الأسلحة الكيميائية والدمار الشامل لمواجهة "العدو الحقيقي" للسلطة ألا وهو الشعب و "عدوانه الغاشم" ضدها. ربما يتبادر الى الأذهان سؤال عن نسبة الـ 1% المتبقية، فالجواب هو: توزع تلك النسبة "كصدقات ودفع بلاء" عن "فخامة الرئيس ومَن سار على خطاه". فيا أيها الشعب ممنوع عليك أن تسأل عما "ليس لك فيه ناقة أو جمل"، وهذه الثروة هي للسلطة والسلطة (بمفهوم الجبابرة والطغاة) تعني البلاد، وبالتالي هي ليست للعباد، ومسموح لك أن تلبي كل "احتياجاتك" و "تجود بالموجود" وما تكرم به معالي وزير المالية من "صدقات". وإذا ما تحدثت أيها الشعب عن العواقب الوخيمة لتلك الظواهر الطبيعية فلا ضرر عليك، وشيد لك بيتا من الطين بدلا من دارك التي قضى عليها الزلزال، وإن باغتكَ الفيضان فاستعمل قارب جارك صياد السمك وحسبك الله ونعم الوكيل.

أما ما يتعلق بمفهوم "الانتفاضة" فهي بمنظورنا ثورة مباركة ضد كل قاتل ومجرم وفاسد وغاشم ومتسلط وسارق ومرتشي، وهي ضد كل مَن جلب المرتزقة لقتل الشعب أو النيل من مقدراته. والانتفاضة برأي "سيادة الرئيس" وحاشيته هي"فوضى" تعم البلاد وتدمر اقتصاده وتقضي على موارده، التي لا وجود لها، وكما قلنا تستثمر في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وغيرها من أجل رفاهية "شعب الله المختار".

إن حالات الانفصام بالشخصية والانتحار (كفاكم الله شرها وحفظكم من كل سوء) هي من أوجه الفظاعة، لكنها تـُعد في فسلفة الحكم الشمولي ووفق مبادئه الساذجة من الأمور المسموح بها، وهي تجنب "سيادة الرئيس" وجع الرأس وتقلل نسبة المتسولين في "البلاد" وتوفر أموال طائلة من نسبة الـ 1% من ميزانية الدولة (آسف من ثروة " فخامة الرئيس المبجل") ومع الاعتذار لاستخدامي مفردة "المبجل" السامية التي لا ترتبط بهكذا شخصية.

كلنا نعرف المثل القائل "شر البلية ما يضحك"، كما ندرك جيدا محتواه الدلالي ومغزاه الفكري. لقد سكتنا على بلية طالما أضفت على وجوهنا ابتسامة صفراء وأضحكتنا حتى البكاء على ما نحن فيه من واقع مرير. وتمثلت هذه البلية "بالديمقراطية المزيفة" المفروضة علينا نتيجة لحالة السبات العميق التي عشناها ولا زلنا نعيشها في العالم العربي، بالإضافة الى الخنوع الذي إستسلمنا له طويلا خوفا من جور وبطش السلطات الطاغية التي بدأت تتساقط، وقد أصَمَت أبواقها مسامعنا وأبكمت أفواهنا وذهبنا دون "إدراك جماعي" إلى ما يسمى بصناديق الاقتراع أو التصويت لنختار إحدى الدميتين ووفق مبادئ اللعبة الشعبية العراقية القديمة والشهيرة "طـَمْ خريزة"، بعبارة أخرى علينا الاختيار ما بين الكف الأيمن أو الأيسر لتعثر على الخرزة المخفية بكل دقة، وما خفي في تلك الصناديق كان أعظم، فكلتا الدميتان تحملان وجهين جميلين وحلتين زاهيتين وقد صُنعتا في أعظم المصانع الاستعمارية ووفق أدق المقاييس وأرقى الماركات. وإذا رأى مَن يراقبك عن قرب بأنك لم تختر أحدى الدميتين (اعلم بأن أجلك قد حان!!!).

خلاصة القول، تبا ً لكل الطغاة ولكل الجبابرة ومرتزقتهم، فالشعب العربي كان ويظل الى الأبد واحدا موحدا بإرادة لا يدركها إلا أصحابها، وسموا "ثوراته" بما شاءت لكم أنفسكم أيها الزائلون ... قلوا "فوضى"!. إن كانت الثورة و الانتفاضة بمفهومكم فوضى فالشباب العربي هم ثوار "الفوضى"، ولا عودة إلى الوراء، لقد بدأ هذا الشعب مسيرة التخلص من رداء الخزي والعار الذي ألبستموهم أنتم وأسيادكم في الغرب، وانتفض من حالة السبات والخنوع والاستسلام، فلا سلطات طاغية، و لا حكم شمولي، ولا صناديق مزيفة و لا "ديمقراطية خاوية" ولا دمى مزينة. وليبارك الله كل خطوة من خطوات شبابنا العظيم ممن يقارعون الباطل من أجل الحرية والاستبداد. أيها الطغاة لن تنفعكم الزنزانات التي شيدتموها لهذا الشعب، وكان الأجدر أن تشيدوا صروحا يمجدكم من خلالها الشعب، فثرواتكم ستعود الى مَن هم أحق بها. لقد احترقت كل الأوراق التي راهنتم عليها وروجتم لكسبها من خلال أبواقكم المزعومة، وتصورتم أن الشعب لا يصنع سوى الخونة من أمثالك، كلا إنه ومهما طال زمن السبات هو يصنع أبطالا صبورين، ويقدم شبابه قرابين لهذه الأمة. وليعلم كل من يُسقط الشعب من حساباته، بأن نظريته بما هو "مسموح" أصبحت أيديولوجية "ممنوع" بالنسبة للشباب العربي.

تحية لكل شهداء الأمة وشعبها الجبار، التي لا تفرق بين أبناءها وفق القومية أو العرق أو الدين. تحية لكل من رحل من هذه الدنيا الفانية مضحيا ً بحياته وتاركا ُ أهله وعياله في سبيل المبادئ الإنسانية السامية وقال: "إن لم يسمعني الطغاة ... دَعْهُم يسمعون صمتي!!!"، فالصمت ثار ودك مضاجع المجرمين، وأصبح فلسفة قائمة، وتظل لحديث الصمت بقية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024