الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف والجمعة والرصيف ..

صادق البصري

2011 / 4 / 14
الادب والفن


يوسف والجمعة والرصيف .. ( قصة قصيرة )

يفترش الرصيف ببضاعة خردة ، هي سقط المتاع،حاجيات شخصية قديمة ،وعدد بناء مستعملة ومفكات صدئة هجرت زمنها واستنفدت عمرها ،كان يجمعها بطول تجوال في الأزقة والخرائب وأماكن طمر النفايات ،يعد الساعات والأيام بفارغ الصبر ولا يشعر بالاطمئنان إلا في قدوم يوم الجمعة من كل أسبوع ،الجمعة سوقه الفسيح ويومه المفضل ، إذ انه اعتاد على تصريف بضاعته الخردة في هرج ذلك اليوم الذي يستمر إلى منتصف النهار ومن ثم يضمحل باختفاء الباعة والمتسوقين ويبان للشارع وجه ،الشارع الطويل المؤدي إلى مركز المدينة وينكشف وجه الرصيف قرب القسم البلدي، في كل جمعة كان يعود وقد فرغت حقائبه والصندوق الخشبي الذي كان ينقل بضاعته فيه ، كان يبيع الأشياء بأي ثمن وبأقل عملة وما يتبق من الخردة يعود فيتخلص منها في اقرب مكبا للنقيات وهكذا ..كان يضطر أن يستيقظ مبكرا من كل يوم مزاولا مهنة التجوال في الأزقة والخرائب ومكبات النفايات والسعي لجمع مايمكن جمعه من الخردة والحاجات المستهلكة على أمل إصلاح مايمكن إصلاحه ومن ثم ادخارها إلى يوم الجمعة حيث زحمة السوق ويعرضها كبضاعة قابلة للبيع بأي ثمن يسد رمقه ورمق أطفاله ، ولكن يوم الجمعة ليس كباقي الأيام إذ يجب عليه أن يستيقظ أبكر من كل الأيام لحجز مكان ما على الرصيف لشدة التنافس بين حشود الباعة على الأماكن التي تغص بهم على طول امتداد الشارع من كل جمعة فلا يجد مكانا شاغرا إن هو وصل بعد بزوغ الشمس لكي يؤمن له مكانا بعرض 2متر على الرصيف ،ومن لايجد مكانا لبضاعته على الرصيف عليه فرش بضاعته في الساحة الترابية خلف واجهة الرصيف مما يضعف حظه في البيع ونكوص جمعته ، اختلطت نداءات الباعة مع ضجيج السوق المتواصل ، دون أن يلتفت إلى بضاعته احد..تتعالى طلبات الزبائن والمتسوقين لاحتساء الشاي الصباحي قرب باعة الشاي وسندويجات الفطور السريعة الرخيصة ،الشارع الممتد يموج بالعابرين ،الباعة يطوقون واجهات المحلات الفارهة قبالة الرصيف ترتفع أيديهم بالعديد من الحاجيات الجديدة والقديمة ،والباعة يتلقون الأوراق النقدية في غبطة بالغة ،وتتراقص سمات الفرح في أحداقهم وهم يبيعون حاجياتهم ، كان منزويا هناك يفترش الرصيف المتسخ بأكوام من خردة مهملة وقنان فارغة .. تبدو بضاعته أمامه جديدة بعد أن رممها وأجهد في تنظيفها لتبدو اقل عمرا وما زال فيها رمق الحياة رغم أنها قد ودعت زمن صناعتها منذ عقود ،وكان يبرر دائما انه إنما يتاجر بمثل هكذا بضاعة لأنها أصلية المنشأ وماركات عالمية ،ومازالت صالحة للعمل على أتم وجه وأفضل من تلك البضاعة الهشة المقلدة والتي لايعرف منشأها ويقسم بأغلظ الإيمان على ذلك ، كان يبصر رفاقه ممن يفترشون الرصيف قربه يبيعون ما لديهم يحدق بالأيادي ،كان يود لو أن احدهم قلب بضاعته أو سأله حتى بكلام عابر.. وأحيانا يبصر بضاعته الملقاة على الرصيف كنفاية مكانها الحقيقي الطمر، ويجب أن يتخلص منها في اقرب مزبلة ، مذياع بقربه يلوك أغنية حزينة تزيد في جزعه والحشود البشرية تقرع شارع السوق بلا توقف ،كان يحدق بالأحذية المارقة قرب بضاعته منها ماهو جديد لامع وأخرى متهالكة يرفع حدقتيه باحثا عن يد ترفع حاجة ما من بضاعته المبعثرة التي تتوسد الرصيف بلا انتظام ، كان شارد الخواطر مجروح الوجدان ، سيارة تشق الحشود البشرية مارقة كسلحفاة كبيرة من جانب بضاعته ويجلجل منبهها ببوق فيه شيء من الغرابة ، انتبه رفع رأسه كئيبا ، الهرج يعم السوق اقتفت أثرها حافلة طويلة ولامعة وقفت حذاء بضاعته تنحدر من جوفها عشرات الإقدام حدق في الأحذية مغتبطا تحركت في أعماقه كل ضحكات أطفاله المفقودة ، طفله الذي يحبو يمسك قنينة حليب فارغة ويصرخ من جوعه ،زوجته التي تلح عليه في طلب المال لتوفير الطعام وتسيير شؤون أسرتها وطلبات ومصاريف ....مصاريف ردد الوقت ينفذ تعالت نداءاته ،حاجيات أصلية ،بضاعة أصليه ،تحف نادرة ،بسعر البلاش يابلاش ،كانت عيون المارة تشرئب نحوه ثم لن تلبث أن تزيغ بنظراتها عنه ،كرر نداءاته المستغيثة بغصة ، السوق يوشك على الانفضاض وأنا لم أبع أية حاجة ،راح يكرر نداءاته بصوت مرتفع يكلم المارة صدقوني لااطلب منكم صدقة بضاعتي أصلية وذات مناشئ عالمية جربوها ثمنها بسيط جدا لكنني احتاج هذا المال البسيط لأقيم أود عيالي صدقوني ،ماذا افعل والشارع بدأ يفرغ من المارة ويكاد ينفض السوق قال : بيأس ذهبت الجمعة هباء يالبؤسي ، جلس على الرصيف خائر القوى ساهم البال لاحت له صورة غرفته الكئيبة المنزوية في احد الأزقة من المدينة البائسة ، وهو يضم صغاره وهم يستقبلونه عند غروب كل يوم تغمرهم اشراقة الدنيا . يكاد لايصدق مايحدث لم يبع أي شيء ولو بثمن قنينة حليب لصغيره ..سيعود باكرا هذه الجمعة إلى غرفته المنزوية الكئيبة خاو الجيب وستلاحقه طلبات الزوجة والصغار يالقبحي وضآلتي ، وبينما كانت عيون صغاره تحدق الطريق المفضي إلى غرفته والعائد بما يسد رمقهم بشوق جائع طفحت شبه ابتسامة على وجنتيه الصفراوين ، حمل جسده من على الرصيف تحركت قدماه في حذائه المتآكل بثقل غادر الرصيف حاملا بضاعته بحقائب قديمة وصندوق خشبي للعدد الأصلية على ظهره وراح يتهادى بثقله على الشارع ويترنح كالسكران ،وبينما هو كذلك وإذا بصوت من أعماق الشارع يصرخ انتبه انتبه ،ارتفع الصندوق الخشبي عدة أمتار في الهواء وتهشم ، ويوسف بائع الرصيف كومة لحم تنز دما تزاحم حشود الباعة ، تحجز مكانا لها على الرصيف باكرا الجمعة القادمة ..رحل يوسف إلى عالم لايعرف التعب ولا يحتاج فيه المرء إلى شكوى أو شعور بدونية ،هناك في الغرفة الكئيبة كانت زوجته في ذات اللحظة تربت على صدر صغيرها الباكي جوعا بانتظار عودة يوسف ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما