الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي جيل , أي وطن ؟

فؤاد سلامة

2011 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



ألأوطان تبنيها الأجيال . وعلى صورة أجيالها تكون الأوطان . تصح هذه المقولة في المجتمعات التي قطعت شوطا في الممارسة الديمقراطية ولو كانت مشوهة كما في الحالة اللبنانية . مقارنة بين بلدان عربية متقاربة , مصر ,لبنان, سوريا والعراق يبدو النظام السياسي اللبناني النظام الأكثر تعبيراعن الواقع الشعبي . نستطيع القول بأن السلطة السياسية في لبنان هي الأكثر التصاقا بالناس وتعبيرا عن إرادتهم . ليست سلطة مفروضة بالقمع أو بالتزوير . الإنتخابات التي تجري في هذا البلد رغم شوائبها الكثيرة تأتي بحكام ممثلين للقواعد الشعبية وعلى صورتها , وإن كان يغيب تمثيل النخب العلمانية التي يجهد الجميع بإبعادها . هذه النخب لا زالت أقلية صغيرة ووجودها في السلطة لن يغير كثيرا في المشهد السياسي وإن كان سيضفي حيوية أكبر على هذا المشهد . لو أردنا أن نجري إحصاء دقيقا , وهو ربما قد جرى في لبنان , لمعرفة الرغبة الحقيقية في لبنان لتغيير نظامه وجعله على صورة الأنظمة العربية التي لم تغيرها الثورات , لما وجدنا تأييدا لإقامة نظام على صورة النظام السعودي أو السوري مثلا, حتى داخل الفئات الشعبية التي تتعاطف مع هذين البلدين أو النظامين . فالتأييد لسوريا أو السعودية في لبنان هو تأييد لفكرة وليس تأييدا لنمط في الحكم السياسي . أما إذا كان السؤال حول إسقاط النظام الطائفي في لبنان وإقامة نظام مدني علماني يحمي الأديان ويبعدها عن السياسة , فليس من المؤكد أن ينال هذا الإقتراح أكثرية موصوفة , بل ويمكن الرهان أن الأكثرية الساحقة من مختلف الطوائف ستترفضه .

أين يجد النظام الطائفي في لبنان أنصاره وأين يحشد مؤيديه والمدافعين عنه ؟ لا شك أنهم الشباب من مختلف الطوائف الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين سنة ,إنهم عصب النظام اللبناني ودعامته الأساسية . إنهم الجيل الذي ولد وشب وكبر في أجواء الحروب التي دارت رحاها في هذا البلد الصغير منذ بداية الستينات وحتى نهاية القرن السابق . أربعون سنة من الحروب والصراعات الوطنية والطائفية طحنت وجبلت ثلاثة أجيال , ومن هذه الأجيال يخرج قادة لبنان الحديث . الزعماء الكبار في السن يخلون المجال لقادة أكثر تشددا وتطرفا لا يبدون استعدادا كبيرا لاجتراح التسويات . هذه الصورة تتجلى بشكل خاص في أوساط الطوائف الإسلامية التي يتبارى أبناؤها في تقليد آبائهم بل وفي التفوق عليهم في النزوع نحو الإنغلاق وفي رفض الآخر المختلف .

الديمقراطية اللبنانية المشوهة لم تمنع الحروب الأهلية بكلفتها العالية, ولكنها حمت لبنان من تشكل نظام عسكري على غرار الأنظمة المجاورة , الجمهورية منها والملكية . ويقر الجميع في لبنان أن الفضل في ذلك يعود للوجود المسيحي بتقاليده ونزوعه نحو الحرية وسعيه للتميز . هل يعني ذلك رسم صورة قاتمة لبلدنا حيث يتناقص المسيحيون ويتكاثر الشيعة والسنة ومعهم تزداد مخاطر الصراعات التي تنتمي إلى عصورإسلامية غابرة ؟ هل يستطيع الجيل الذي عاش مآسي الحروب اللبنانية أن ينفذ بوطنه بعد أن نفذ بجلده ؟ أم أنه سيكون مطبوعا بما عاشه , غير قادر على الخروج من عقلية الحصار والحرب التي تربى على ثقافتها وتشرب أحقادها ؟

لئن كان من المشكوك فيه أن يتجاوز اللبنانيون انقساماتهم الطائفية المدمرة في أمد قصير, لأن أكثرية جيلية عاشت وعانت ويلات الحرب لن تستطيع بسهولة أن تنقل بلدها بسرعة إلى مصاف الدول الحديثة الراقية , فإن الأمل يبقى معقودا على الأجيال التي تنمو في رحم ثقافة الأنترنت المعولمة . هذه الأجيال التي ما زالت حديثة السن الآن , ستكون أكثر قدرة على التكيف مع متطلبات العصر والإستجابة لمعاييروقيم الحداثة والديمقراطية التي تغزو العالم . قد يستغرق الأمرعشرين سنة !! ولكن ذلك سيكون لحظة في عمر الزمن اللبناني الغائر في الحروب والصراعات والمجبول بالدماء والخرافات . وسيكون للمحيط العربي أثر إيجابي في تسريع الخطى نحو التغيير . لأول مرة سنرى المحيط العربي يدفع اللبنانيين للإقتداء بالعرب بدل النفور منهم , وقد عانى اللبنانيون طويلا من عقدة التفوق على العرب مجتمعين , فهل سيرون فيهم الآن نموذجا يصلح للتقليد ؟ الجيل اللبناني اليافع المتمرس بثقافة الأنترنت , إذ يرى مشهد الثورات العربية يتشكل أمام أعينه فإنه سوف يختزن هذا المشهد وسيكون أكثر قدرة على التفاعل معه في مستقبل غير بعيد .
لم يسبق أن امتلك اللبنانيون على مر العصور وعيا وطنيا جامعا , بل كانت ذاكرتهم المثخنة بمآسي الماضي وجروحه غير المندملة تنحو نحو أشكال مختلفة ومتناحرة من الوعي . ورغم تميزهم عن سائر العرب في الشكل والمظاهر , فإن اللبنانيين بقوا عربا في الصميم , في العقل والتفكير , في القلب والمشاعر, وفي التقاليد والأعراف . وإذ يعود الأمل في رؤية العالم العربي بعد طول انتظار, يخرج من القمقم الذي حبس فيه لعقود بل لقرون , يمكننا أن نستعيد تفاؤلنا بخروج اللبنانيين من ظلمات حروبهم القبلية الطائفية المتجلببة برداء الدين . ثمة إمكانية واقعية على أمد متوسط لنشوء وعي وطني جامع في لبنان , وهذا الوعي لا يمكن إلا ان يتشكل ويتطور في وعاء الديمقراطية وقوالب الحداثة , مهما خيل للبعض أن بإمكانهم اختراع أنماط سياسية مستوحاة من العصور الغابرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س