الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل والهذيان !!

اسعد الامارة

2011 / 4 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعد العقل البشري أكبر مستودع منتج للاسرار والافكار وله حرية التفضيل والاختيار ، ولذا فإن تفضيل شئ على ضده ليس إلا اسقاطا لاحساسه بتناقض ذاته مع واقعه واذا انتهى هذا التناقض بين الذات والواقع فان الصراعات الخارجية تبدو وهمية بالتالي.. كما عبر عن ذلك "محمد شعلان" أنه الصراع الذي يعصف في النفس فتستغيث لاسقاط انفعالاتها فيكون في النتيجة افكار مسموعة بصوت عال .. انه الهذيان ، وأي هذيان يطلقه هذا الانسان في مواقف حياتية متنوعة ومختلفه في المكان والزمان والوقت وعند ذلك يكون تساؤلنا كيف ؟ ومتى ؟ واين؟ ..
سنحاول في هذا المبحث البسيط ان نستعرض كيف ان الانسان مدفوعا بحاجة ملحة للتفريغ تخلصا من الالم النفسي لكي لا يصل به هذا الالم الى ضرب من جحيم من العذاب وخصوصا اذا لم تجد خلجات النفس منصرفا ً ملائما ً موفقا ً فيكون مصيرها الى الانحباس وبالتالي تمزق النفس نفسها بنفسها ..سنتناول هذيان العقل لدى بعض من شرائح البشر.
شتان بين هذيان المبدع وهذيان الذهاني وان اتفقا في المبنى فهما اختلفا في المعنى وانتاج ما يصدر عنهما ففي الاول هذيان ينتهي لصاحبه بانتاج فكري او علمي او قصيدة او رواية او مؤلف او ابداع في مجال علمي ولكن الثاني في هذيانه يعبر عن ألم نفسي خاص به ربما لا يستفيد منه اي شخص آخر سوى الفرد نفسه بالتفريغ القسري لهذه الافكار والهواجس التي كادت تخنقه وحرمته النوم ليالي ولكي لا نستعجل بالاحكام ولنتريث قليلا ونرى المقارنة .. ان كلا الهذيانين يصاحبهما آلم لا يعرفه إلا من عاشه لدى الاول ولدى الثاني ، وهذا الالم هو في الاساس رغبة ، والرغبة أما مكبوتة او مقموعة من صاحبها ، فعند الاول رغبة في تقيؤ ما يدور بخلده من ابداع بعد ان عاش في فجر حياته الاولى "طفولته" رغبات مكبوتة تبلورت وتحولت الى عمل ابداعي في النهاية وهو ما أطلق عليه "بالتسامي " والتسامي هو ميكانزم دفاعي .. فيكون الانتاج قصيدة او رواية او مسرحية تراجيدية او حتى فكاهة مثيرة للضحك او انتاج علمي رصين ، واذا أخذ الهذيان منحى الافكار المقموعة فنجده لدى الثاني لانها رغبات محرمة يعرفها من تعمق بالنفس الانسانية ودرسها فيكون تفسيرها .. ان الذهاني يعاني من مخلفات ورموز تعود لخبرات انفعالية خلت وهذه الخبرات ولدت شحنات لم يتح لها التفريغ المناسب وإنما حيل بينها وبين الافصاح وظلت منعزلة عن باقي الحياة النفسية لاتجد سبيلا للتنفيس عن نفسها سوى سبيل الاعراض المرضية دون ان يفطن صاحبها إلى العلاقة بين هذه الاعراض وتلك الخبرات الانفعالية التي زج بها في زاوية من النسيان كما يقول "مصطفى زيور" ويضيف "زيور"وبعبارة اخرى فإن الخبرات الانفعالية التي نسيها فلم يعد يتذكرها اثناء حياته الشعورية المعتادة او على الاقل لم يعد يدرك تأثيرها في سائر حياته النفسية فلجأ باصطناع الضد بوصفه خير وسيلة لضبط الرغبة المحظورة او المحرمة .
ان الهذيان لدى مريض العقل "الذهاني" ناتج عن صراع نشأ منذ سنوات طويلة وانتهى الى افكار غير مترابطة يتفوه بها وكثيرا ما يصفها البعض من عامة الناس بأنها غير ذات معنى ولا رابط بينها او بغير هدى والحقيقة انها ذات معنى ولها دلالات ويقول علماء النفس في الحقيقة يحمل الهذيان الكثير من المعنى و ان كل ما يصدر من الانسان له دلالة ومعنى حتى وان غاب عن التفسير .
فالهذيان له تفسير .. انه سلوك الانسان ..له دلالة وله معنى كما هو سلوك الانسان عند الانسان العادي ، فسلوك الانسان في الحلم له دلالة وله معنى ايضا .. فيقول شوبنهور "إن الحلم مرض عقلي قصير يستغرق الليل" وإن" المرض العقلي حلم طويل يستغرق الليل والنهار" .
ان النفس في جهادها تنشد الراحة في الحياة لدى جميع الناس ولدى المبدع والمفكر ولدى الذهاني ايضا ً ، فالكل ينشد الطمأنينة والهدوء ولكن كل ٌ على طريقته ، فالانسان الطبيعي يبحث عن الهدوء في ابسط سبله وطرقه فهو يحاول افراغ انفعالاته بسرعة وبالطرق المتاحة لديه بحيث تحفظ النفس لصاحبها هذا الاتزان خصوصا عندما تشتد الضغوط والازمات النفسية في الحياة فهو يبحث عن الاتزان خلاصا من اية اثارة ، بينما يضيق المقام عند المبدع او الشاعر او الفنان او الكاتب او من آلف التفكير بوعي اعمق حتى كاد ان يشقى من تفكيره وهو ما يمكن ان نطلق عليه الوعي الشقي فيلجأ الى تفريغ يتيح له تفريغا يكسبه جمال الانتاج ونجد صوره بذلك الانتاج الفني او التأليف فضلا عن معالجة الانفعالات في هذا الانتاج من رواية او قصيدة او لوحة او اغنية او مسرحية او اي عمل فني.. انه يطلق سراح اللاشعور إذا ما تدثر بالجمال مصحوبا بالرمزية والتكثيف والعمل الفني الراقي ، اما مريض العقل "الذهاني" فهذيانه يختلف عما سبقه فهو ينشد به التفريغ بقصد راحة النفس عما يختلج بها من انفعالات حتى جعلته مشلول الارادة لا يستطيع العيش إلا مع نفسه في نفسه فهو يتخذ من هذيانه سبيلان اولهما للاشفاق على النفس وثانيهما للتخلص من كل تلك الافكار المتلاطمة في داخله حتى نراه يمر بحالة هذيان حاد يصاحبه القلق الحاد ايضا مع اضطراب في التفكير وارتباك واضح في السلوك وهو ما يعبر عنه اضطراب في معالم الذات وحدودها.. انه العقل وما يرسم للنفس حول الوعي بالوجود ذاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى