الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علا و الموت من انكسار القلب !

فاطمه قاسم

2011 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كباحثة في علم النفس , أعرف أن انكسار القلب هو ذروة الألم الإنساني حين يصيب الأطفال , لأن عالمهم الطفولي يكون في العادة بعيدا عن الصراعات الكبرى , أي كانت عذه الصراعات ،عن الأسئلة الموجعة والصعبة, عن الفشل في تفسير الأقدار القاسية , بل إنه في تراثنا الإسلامي و الإنساني نقول عن الأطفال حين يموتون إنهم عصافير الجنة , لأنهم لا يعرضون على حساب أو عقاب.
علا الاسكافي , ابنة العشر سنوات واجهت منذ أيام أحد تلك الأسئلة المعقدة , و المصادمات الكبرى التي لم تستطع أن تحلق فوقها بسلام مثلما ترف فراشة ملونة فوق سياج من الشوك ، دون أن تدري أنه سياج قاتل , فقد ذهبت لزيارة والدها المناضل الفلسطيني المحكوم عليه من المحاكم الإسرائيلية بأربع مؤبدات , أربع مؤبدات ستلقي ما وراء العمر صبية , ثم شابة ، تتزوج و يصبح لها أولاد و أحفاد , و لكن والدها بحسب العدالة الإسرائيلية لن يكون قد خرج من السجن .
هذا النوع من الحسابات استهلك عقول الفلاسفة فكيف بعقل علا الإسكافي ابنة العشر سنوات ؟
المهم أن علا ذهبت مع عائلتها إلى سجن بئر السبع لزيارة والدها هناك المحكوم بأربع مؤبدات , و اكتشفت أن طقوس الزيارة ليست كما رسمتها ذاكرتها البريئة , فهي مسموح لها أن تراه من وراء ألواح زجاجية سميكة , تلك اللحظة بالنسبة لها كانت مستحيلة الفهم والاستيعاب , وضعت يدها على الزجاج لكي تسلم عليه , و وضع يده على الزجاج لكي يسلم عليها , لم تلتقي الأيدي , كان الزجاج يحول بينهما , و كانت شفافية الزجاج القاسية لا تسمح إلا بالرؤية , و لكنها رؤية أشبه بمسافةجليدية بين علا و أبيها , و خطر على بالها ما دامت تراه , و لكن الزجاج لا يوصل حرارة الأشواق , أنها تريد أن تحضنه , أن تقبله , أن تحس بنبض قلبه , و أصابعه تتحسس شعرها , فبدأت تنادي :
أريد أن أحضن أبي أريد أن أقبل أبي
كان خيالها البريء الأبيض يوحي لها أن الأمر بسيط , و سهل , و ممكن , و لا يضر أحدا بشيء , لا يدمر القبة الحديدية التي تم تركيبها حديثا على الحدود ، فرددت بصوت مكتوم..........
علا الإسكافي أدخلي و قبلي والدك و احضنيه ولكن لا تمكثي طويلا.
هكذا كانت تظن انه شيء سهل ممكن , غير ضار , لا يحتوي على أي نوع من الإرهاب ، و لكن حراس السجن نقلوا صرخاتها إلى الإدارة و الإدارة الإسرائيلية عقدت اجتماعا طارئا و سريعا و أصدرت قرارا قاطعا كحد السيف و باردا كالموت :
لا , هذا غير مسموح , هذا ممنوع بتاتا , هذا يتعارض مع قوانين إسرائيل , و يخل بأمن إسرائيل , و يتناقض مع فلسفة إسرائيل من وراء اكتظاظ سجونها بالفلسطينيين .
صرخت علا , صرخت ...يا أبي أريد أن أحضنك , يا أبي الغائب و أنت أمامي وراء الزمن أريد أن أقبلك , دعوني ... دعوني .
انتهت الدقائق في لمح البصر انتهت الزيارة , كانت الفرصة في نظرها متاحة و عادلة , ليس من فاصل سوى لوح زجاج , و لكن حراس السجن الإسرائيليين انتزعوها مثل قدر ظالم , كان صراخها مليء بالشعور بالظلم , و حزنها عظيما , و لأن أكثر الموت يأتي من انكسار القلوب , فإن قلبها الغض الذي يشبه ورقة نعناع شفافة ترشح بالندى , أنكسر, قلبها تماما , صار شظايا و أشعة تائهة و دموعا و صمتا أبديا .
ماتت علا
قتلها الإسرائيليون ليس بالرصاص الحي و ليس بالرصاص المطاطي و لا بقذيفة دبابة أو بصاروخ طائرة , و لا حتى بتكسير عظامها بالهروات و أعقاب البنادق , هذه المرة كان موت علا عجيبا , وجديدا ,و معقدا للغاية , و سهلا إلى حد مفزع , إنكسر قلبها الصغير فماتت و السلام .
كباحثة في علم النفس :
تابعت كثيرا من الأبحاث النظرية و الدراسات التطبيقية , أه لو أقول لكم كم هو معذب حزن الأطفال،حتى للذين يتابعونه في الأبحاث و الدراسات , و لكن حالة علا الإسكافي أغرقتني في دموعي , هزتني من الأعماق مثل الريح العاصفة التي تقتلع شجرة من جذورها , يا إلاهي متى ينتهي كل ذلك الظلم في السجون الإسرائيلية التي يوجد فيها الإسرائيليون من كل أنواع القتلة، يحضرون لهم زوجاتهم و أطفالهم , و يلعبون معهم في الساحات و يقضون معهم أوقات إنسانية , فلماذا علا الفلسطينية حين تطلب فقط أن تتلامس يدها مع يد أبيها , تعانقه , تحضنه , ترتفع في وجهها الجدران و القوانين و العنصرية و الحقد ؟ لماذا ينكسر قلب فراشة حلوة حتى الموت ؟ أجمل ما في النهايات التعيسة أن جنازة علا رفع فيها الأطفال النخل الأخضر و أوراق الورد !ورددوا بصوت حزين لكنه غاصب ومرتفع، هيا اذهبي , اذهبي هناك لتكوني عصفورا من عصافير الجنة .
فهل يسعفني علماء النفس ، ماذا يمكن ان يطلقوا اسما ، على هذا النوع من الموت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البرائه(Innocence)
دغمش ابو على ( 2011 / 4 / 24 - 22:34 )
الاسم الوحيد التى يليق بهازه الحاله هو البرائه لا اكثر لان اطفال فلسطين الاحياء منهم ابرياء والاموات ايضن ماتو ببرائه فلا حول لهم ولا قوه.


2 - الطفل
سامي الأخرس ( 2011 / 4 / 25 - 07:13 )
........................................................................... انكسار الطفلوة يولد

اخر الافلام

.. مؤتمر باريس حول السودان: ماكرون يعلن تعهد المانحين بتوفير مس


.. آلاف المستوطنين يعتدون على قرى فلسطينية في محافظتي رام الله




.. مطالبات بوقف إطلاق النار بغزة في منتدى الشباب الأوروبي


.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: هجوم إيران خلق فرص تعاون جديدة




.. وزارة الصحة في غزة: ارتفاع عدد الضحايا في قطاع غزة إلى 33757