الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي ثورات عربية تريدها امريكا ؟؟؟.

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2011 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الحساسية الكبيرة التي يتصف بها الموقف الشعبي العربي، من السياسات الامريكية نحو عدد من القضايا العربية، وشكه الدائم في وقوفها القوي وراء الانظمة العربية الاكثر دكتاتورية واستبدادا بين الانظمة السياسية في العالم، والاكثرها فسادا وفشلا في انتهاج سياسات تنموية، لم يقطف منها المواطن العربي سوى اساليب عيش استهلاكية، فرضت عليه انساق حياة تفوق عشرات المرات قدراته الشرائية الحقيقية، لزجه تحت طائلة سياسة افقار منظم، يفك ارتباطه بكل مناحي الحياة السياسية، ويبقيه سكين دائرة مفرغة من البحث عن سبل تدبر احوال حياته المعاشية، هو ما يدفع هذه الايام بالسؤال المتعلق بمعرفة حقيقة الموقف الامريكي من الثورات الشعبية في اكثر من بلد عربي الى السطح .
بالتأكيد ان طرح سؤال من هذا القبيل ليس شرعيا فقط، بل هو الجزء الاساس لضمان استكمال مهام التغيير التي اخذ الشارع العربي على عاتقه القيام بها ، بعد ان عيل صبره من مرواغات انظمة ادمنت ممارسة الكذب على شعوبها، بل وعدم اعتبارها في عداد الشعوب التي يمكن لها ان ترد الفعل.
ولمحاولة الوقوف على حقيقة الموقف الامريكي مما يجري راهنا في المنطقة العربية، لا بد من العودة قليلا لتشخيص موقع الاصلاح السياسي والديمقراطي في فلسفة السياسة الخارجية الامريكية اثناء الحرب الباردة، ومقتضيات القرار الامريكي للانفراد بقيادة النظام الدولي الذي اعقب هذه الحرب، ووصل لدى بعض غلاة الاتجاه المحافظ الى محاولة تنميط الحياة الكونية على الشاكلة الامريكية، وانكار حتى حق التمايز الثقافي للاخرين لو لا استدراكات لاحقه، تنبه لها البعض من الامريكيين.
فعلى الرغم من ان أجواء الصراع والتركيز على القضايا الاستراتيجية، الامنية والعسكرية هي التي سادت خلال تلك الحرب و طبعت بطابعها العلاقات السوفييتية - الأمريكية، الا انها لم تغيب المسألة الديمقراطية عن دائرة الطرح الامريكي ، حيث شكلت إحدى ركائز الدعاية الأمريكية الرسمية، في مواجهة الدول الشيوعية التي كانت تقول بانها تفتقر إليها، بالإضافة إلى مخالفاتها لحقوق الإنسان.
وشهد العام 1983 تطوراً مهما على صعيد دعم التحولات الديمقراطية عبر العالم حيث تم تأسيس "الصندوق الدولي للديمقراطية"، الذي سعى إلى دعم التوجهات الديمقراطية في الدول الشيوعية ودول العالم الثالث، التي عرفت خلال فترة الرئيس بيل كلينتون، تصاعدا ملحوظا، بعد ان تبلور الاتجاه الامريكي للانفراد بقيادة النظام الدولي، واقرار سياسة اقتصاديات السوق المفتوح، اذ أصبحت تقارير الخارجية الأميركية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ورقة ضغط مهمة في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التجارية. وركزت الرئاسة الامريكية عام 1993 على ما عرف بسياسة التوسع الديمقراطي التي ربطت التحرير السياسي بالاقتصادي فيما أطلق عليه "ديمقراطيات السوق"، واستخدام الأدوات الاقتصادية كحافز أو أداة ضغط على الدول المختلفة للقيام بالإصلاحات السياسية.
وعلى الرغم من هذه الخلفية البعيدة للمفهوم الاصلاحي في فلسفة السياسة الخارجية الامريكية إلا أنها اكتسبت أبعادا وأهمية خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، ولم تعد قضية تخص أحد مكاتب وزارة الخارجية بل قضية الإدارة الأمريكية ككل، حيث دفعت هذه الاحداث إلى إعادة النظر في استراتيجية الأمن القومي الامريكي، التي دعت اليها وثيقة "استراتيجية الأمن القومي الأميركية" التي صدرت عام 2002، وفيها احتلت قضية دعم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان مكانا متقدماً في أولويات الأمن القومي كما حددتها الوثيقة، ويلفت النظر أن الرئيس بوش استهل الوثيقة بالدعوة إلى "تأسيس توازن قوى في صالح الحرية".
وهنا طرحت هذه الادارة إطارين لادارة نشر الديمقراطية والإصلاح في المنطقة، اولهما " مبادرة الشراكة مع دول الشرق الأوسط" MEPI. وشملت مجالات الإصلاح الاقتصادي، والتعليمي، والسياسي، وحقوق المرأة. وركزت في تحقيقها لاهدافها على شركاء محليين من المنظمات غير الحكومة وقطاع الأعمال والجامعات والمؤسسات الدولية بالإضافة إلى حكومات المنطقة.
وثانيهما هيئة المعونة الأمريكية USAID التي تركز عادة على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة من خلال تشجيع النمو الاقتصادي والمساعدات الإنسانية بالإضافة إلى تشجيع الديمقراطية، غير انها وتحت تأثير أحداث سبتمبر اتجهت إلى التركيز على قضايا الحكم الرشيد ونشر الديمقراطية والإصلاح القضائي وزيادة الشفافية ودعم المجتمع المدني.
والحقيقة انه لا يمكن انكار ان الاهتمام الامريكي بنشر الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، قد حظي باهتمام خاص، حيث ان اربع من هذه المبادرات كانت مبادرات رئيسية وهي: مبادرة تحدي الألفية، ومبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، والاستراتيجية المتقدمة للحرية، وأخيراً مبادرة الشرق الأوسط الكبير.
وشجعت الولايات المتحدة الاتحاد الاوروبي على نهج مماثل، فطرح الأوروبيون ايضا اطارين اخرين، هما "الشراكة الأوروبية- المتوسطية" EMP وركزت على ثلاثة مجالات، هي الشراكة السياسية والأمنية، والشراكة المالية والاقتصادية، وأخيرا الشراكة الثقافية والاجتماعية، والإطار الثاني هو ما عرف بسياسة الجوار الأوروبي ENP التي تبناها الاتحاد الأوروبي عام 2004 كإطار للتعامل مع دول الجوار بعد التوسع الذي شهده الاتحاد.
وتهدف تلك السياسة إلى خلق حوار سياسي واجتماعي مع دول الجوار يرتكز اساسا على العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية المباشرة بين الاتحاد وكل دولة على حدة وفقا لقدرة كل شريك على أقلمة سياساته مع توقعات الاتحاد الأوروبي في مجالات القانون والحكم الرشيد وحقوق الإنسان واقتصاد السوق.
وقد نجم عن الإدراك الامريكي-الاوروبي لاهمية الاصلاحات السياسية في المنطقة، ان انتقلا من التنسيق الى العمل المشترك فطرحا "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" من خلال مجموعة الثماني في 2004. واستحدثت المبادرة "منتدى المستقبل" كمنتدى سنوي يشارك فيه بالإضافة إلى المسئولين الحكوميين على المستوى الوزاري، ممثلون عن المجتمع المدني وقطاع الأعمال والمؤسسات الأكاديمية.
ان اهم ما يمكن ملاحظته على كل المبادرات الامريكية والامريكية – الاوروبية، انها مبادرات خاطبت بصورة لا لبس فيها الانظمة السياسية القائمة. اي انها طالبت انظمة الحكم العربية للمبادرة باتخاذ مجموعة من الاجراءات الاصلاحية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي من شأن الاقدام عليها التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي الذي كانت الولايات المتحدة ترقبه بكثير من القلق.
فقد ادركت الولايات المتحدة، مدى الخطر الذي بات يتهدد سمعتها. فانه علاوة على ما الحقتها حربان اقليميتان شنتهما على المنطقة، واسفرتا عن تفكيك دولة العراق، وتعمدها الفشل في حمل اسرائيل على التقدم في العملية السلمية، فانها اصبحت في موضع تحملها فيها الشعوب العربية مسؤولية استمرار حمايتها ورعايتها لانظمة استبدادية، تمارس سياسات افقار منظمة لشعوبها.
وفي اطاره تحليله لاسباب اندلاع الثورات العربية الان، وفي اشارة للدور الامريكي في حماية هذه الانظمة، يذهب جوين داير بصحيفة World View، للقول ان الشعوب تعرف أنه مع رحيل آخر القوات الأمريكية من العراق لن تعود الولايات المتحدة للتدخل العسكري مرة أخرى، وبالتالي ستنهار شبكات الأمان التي كانت تحمي الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وفي هذا فرصة للانقضاض على هذه الأنظمة وإزالتها.
لهذه الاسباب وفضلا عن رغبتها في تحسين صورتها المشوهة، والعالقة في أذهان الشعوب العربية والإسلامية نتيجة لممارستها الاستبداد والقهر على نحو ما يجري في العراق وأفغانستان، فانها كانت مصممة على ان تكون أية تحولات قد تطرأ على المشهد السياسي العربي تحت الرعاية الأمريكيَّة، وفي اطارها استراتيجيتها الكونية.
بمعنى ان السعي الامريكي للاصلاح لم يتعدى دفع حلفائها لتجديد قوة بقاءهم عبر سلسلة من الاصلاحات، لا تؤدي باي شكل من الاشكال الى المساس بجوهر تلك الانظمة القائمة، بل يعمل على عصرنة وجودها لاعادة انتاج ذاتها بما يكيف تلك الانظمة وخصائص دول ما بعد انهيار القطبية الثنائية.
وما يؤكد ذلك حالة الارتباك والتردد التي اتصفت بها السياسة الامريكية ابان الثورتين التونسية والمصرية، وخلال الاسابيع الاربعة الاولى من اندلاع الثورة الليبية، والمواقف المتناقضة نحو ثورة الشعب اليمني، والسعي المحموم الان الذي تبديه حاليا لتطويق التغيير في كل من مصر وتونس.
وربما كان مقال ريتشارد باركر، في صحيفة The Bellingham Herald الذي اختار له عنوان "الثورة العربية: ما الذي ينبغي على الولايات المتحدة فعله؟"، يعبر بقوة عن حقيقة الموقف الامريكي.
فقد نظر باركر الى هذه الثورات التي اجتاحت الدول العربية و نجحت حتى الآن في خلع رأس النظام الديكتاتوري في كل من تونس ومصر، وما زالت تتواصل في ليبيا والبحرين واليمن وغيرها من دول المنطقة لا يمكن التقليل من شأنها فهي رحلة طويلة من الثورة إلى الديمقراطية. وهي لا تعبر عن غضب عابر بل هي ثورات حقيقية تسعى للوصول إلى الديمقراطية والإطاحة بأنظمة سلطوية فردية ظلت قابعة على كراسي الحكم لعقود طويلة.
بل وربما الاكثر اقلاقا للولايات المتحدة ان مسار تطور الاحداث في كل من تونس ومصر يشي بكثير من الثبات الى الاتجاه نحو تغييرات سوف لن تقف عند مستوى اقتلاع رؤوس الانظمة لتذهب لاقتلاع جذري لها قد يعيد النظر بسياسات ترسخت عبر سنوات طويلة، ويدفع بالولايات المتحدة لمواقف قد لا تستطيع اخفاء عداءها لها.

هاني الروسان












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس يبحث تمويلا إضافيا لإسرائيل| #أميركا_اليوم


.. كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي: لدينا القدرة على




.. الخارجية الأمريكية: التزامنا بالدفاع عن إسرائيل قوي والدفاع


.. مؤتمر دولي بشأن السودان في العاصمة الفرنسية باريس لزيادة الم




.. سر علاقة ترمب وجونسون