الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة التونسية بين الجهويات و العروشية

إقبال الغربي

2011 / 6 / 14
المجتمع المدني


إلى صديقتي عائشة من الجنوب

جسدت ثورة الكرامة التونسية في بدايتها تجربة الانصهار الوجداني واندثار الانتماءات الطبقية والجهوية . الجميع في خندق واحد ،يأكلون نفس الرغيف، ويحسون نفس الإحساس ويواجهون نفس المصير وبدا للجميع أن هذه التجربة حبلى بالقيم الإنسانية الأصيلة كأساس لتطهير الوعي الاجتماعي من الأمراض الأخلاقية والتشوهات السياسية التي حولت الجماهير إلى كتل ديموغرافية عديمة الأهمية إذ كان تقدير الفرد يقاس بعدد الوشايات عن جيرانه و زملائه في العمل.‏

لذلك شكلت الأحداث المروعة التي جدت في مدينة المتلوي في بدابة شهر جوان الجاري صدمة عنيفة للوعي التونسي جعلت البعض يخشى ويتخوف من «تطييف البلاد » ومن تهديد للنسيج الاجتماعيّ في تونس وزيادة انغلاق بعض الجهات بعضها على بعض ودخولها في «غيتوهات» اجتماعية و جغرافية .‏

و يبدو أن الحرب الأهلية في المتلوي اندلعت على خلفية حصص الانتدابات المرتقبة صلب شركة فسفاط قفصة و التي يتمكن المواطن من خلالها إلى الوصول إل الوظيفة أو المركز المرموق بموجب التوزيع العشائري .‏
ويبدو أن ذلك كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى وقوع شرخا كبيرا في علاقات متساكني المدينة أي أولاد بويحيى والجريدية و أولاد سلامة وأولاد معمر و غيرهم و هم في العادة عائلات مسالمة متجاورة متصاهرة و متضامنة .‏

يبين لنا علم الاجتماع السياسي أن الاندماج الجمهوري ليس أمرا مفروضا أو إجباريا بل هو نتيجة نموذج مجتمعي ناجح و يتفق الخبراء على أن أجهزة الانصهار الجمهوري في الغرب كانت تاريخيا الدولة والكنيسة والمدرسة والنقابة و المؤسسة العسكرية .‏
و يعتبر العديد من الباحثين من أمثال دومنيك شنابير أن آليات الاندماج تمر اليوم بأزمات هيكلية عميقة .‏
الدولة القومية أصبحت عاجزة عن الحد من تغول المركبات الصناعية العسكرية و سيطرتها في صنع القرار و كذلك فهي غير قادرة على ضبط حركة الرأسمال العابر للحدود الذي ينذر بتحويل العالم اليوم إلى شركة كبرى متعددة الفروع .‏
المدرسة لم تعد طريقا للنجاح الفردي و لم تعد رافعة للحراك الاجتماعي أي فصل الأطفال عن أصولهم الطبقية و إلحاقهم بوظائف متميزة فهي بالتالي لم تعد تخدع أحدا.‏
النقابة فقدت تأثيرها نتيجة آفة البطالة و الخدمة العسكرية لم تعد إجبارية.‏
أما في بلداننا العربية فأزمة الانصهار الجمهوري هي أيضا و بالأساس أزمة المواطنة .‏
فلا اندماج و حس و طني بدون مواطنة و لا مواطنة بدون حرية وعدالة‏,‏ فهما سبيل خلق المواطن الصالح المدافع عن منجزات وطنه ومكتسباته ‏.‏ فالإنسان المقموع والمضطهد في وطنه‏,‏ لا ينمو لديه حس المواطنة بشكل إيجابي‏,‏ وذلك لأنه باسم الوطن والمصلحة العليا للوطن و هيبة الوطن يضطهد ويقمع‏,‏ وتحت علمه وشعاراته الرنانة تهان كرامته وتنتهك حقوقه‏.‏
كما أن الاستغلال الفاحش للفقراء و منطق الربح أولا و الربح أخيرا يحولهم إلى حشود بشرية فاقدة لمعاني الكرامة الإنسانية والإحساس بالهوية الذاتية والجماعية
تنتج العنف و الدمار.‏
فكيف ندعو شباب المتلوي إلى احترام قوانين الجمهورية وقد حرم آباؤهم من ميزاتها و جردوا من حقوقها .‏
و كيف نقنع أبناء المتلوي بالحفاظ على الممتلكات و المكتسبات بينما وقع التعامل مع هذه الجهات المحرومة والمنكوبة بذهنيّة الغنيمة وأرض «السيبة»، منذ أن كان البايات يسيّرون إليها «المحلاّت» لانتزاع المجبى إلى قيام شركة فسفاط قفصة بعيد انتصاب الحماية على أراضيها المنتزعة غصبا دون أدنى تعويضات ولا امتيازات، وصولا إلى الدولة الوطنيّة التي تعاملت مع أهلها على أنّهم «أهل حِراب» لا يصحّ معهم إلاّ التمييز والشدّة والتفقير والتهميش،كما وضخ ذلك الكاتب مختار الخلفاوي في مقاله المميز " إحداث المتلوّي ليست نزوة نوميديّة.‏
لذلك فإن طريق المواطنة هو الحرية وصيانة حقوق الإنسان والدفاع عن كرامته الإنسانية‏.‏ إن هذه القيم والمبادئ‏, ‏ هي التي تبني آمالا مشتركة و تخلق عند الأفراد الحس الوطني الصادق وتوفر عناصر العقد الاجتماعي الحقيقي‏، و تجعل من وحدتهم سدا منيعا عصيا على الاختراق ‏.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال ممتاز
طارق حجي ( 2011 / 6 / 14 - 18:09 )
مقال رائع مفعم بالصدق والرؤية والحس التاريخي

اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا