الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (6)..هزيمة العقل التنويري اليهودي

خالد أبو شرخ

2011 / 6 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


حملت الهسكلاة ( ويمكن أن تكتب هسكالاة ) وكأي ظاهرة طبيعية نقيضها معها, وكأي ظاهرة ثورية, واجهت ثورة مضادة, ورغم النجاحات السريعة التي حققتها في بعض الأهداف خلال فترة زمنية قصيرة بالمقارنة مع تجارب مماثلة, مثل تجربة إنعتاق العبيد في أمريكا الشمالية, فقد كان تجاوب اليهود معها بداية تجاوبا مذهلا, وبدأ اليهودي بتحطيم جدران الجيتو الداخلي, بعد أن حطم جدران الجيتو الخارجي, وبدأ اليهود بالتمتع بالمساواة السياسية والإقتصادية شأن باقي الأقليات, بيد أن جملة من العوامل والأسباب الموضوعية والذاتية وصعوبات جمة واجهت الهسكلاة, جعلتها تتراجع عن الكثير من منجزاتها في عملية إندماج اليهود في مجتمعاتهم, تراكة الساحة للأفكار الصهيونية لتتفشى في المجتمعات اليهودية.
مما لا شك فيه أن الواقع الأوروبي, وإختلاف درجة درجات التطور والنمو, ومفاهيم الدولة القومية, والتنوير في المجتمعات الأوروبية, علاوة على بعض خصائص الأقليات اليهودية, قد لعبت دورا في تراجع الهسكلاة, التي لو قدر لها النجاح الكامل, لتغير مجرى أحداث التاريخ في كثير من البلدان, وفي مقدمتها بلداننا العربية وفلسطين خاصة.
فقد تم التراجع عن بعض القوانين, التي سنت في براءة التسامح, في بعض البلدان الأوروبية, مثل النمسا حيث تم إسقاط حق اليهود في شراء منازل أو أراضي زراعية وزيدت عليهم الضرائب وأصبح بإمكان اليهودي دفع المال بدلا من تأدية الخدمة العسكرية وبهذا إعتراف ضمني بأنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الأولى.
كما أخذت حركة التنوير والإنعتاق اليهودية في ألمانيا بالتعثر وقابلت صعوبات جمة في إنجلترا وفرنسا مع إنتقال رأسماليتهما إلى مرحلة الإمبريالية .
لكن الوضع في أوروبا الشرقيه وخاصةً في روسيا بالدرجة الأولى, هو الذي أدى إلى تفجير المسألة اليهودية, على صعيد العالم الأوروبي بأسره, فيعد أن ضمت روسيا أجزاءاً من بولندا, وجدت نفسها أمام أكبر تجمع, لليهود في العالم, له صفاته الحضارية المميزة, ولغته الغريبة, وعقيدته الفريدة, ولم تكن لدى البيروقراطية الروسية أدنى علم, باليهود ولغتهم وعقيدتهم, ووجد اليهود الراغبين في الإنعتاق والإندماج أنفسهم في مواجهة, مؤسسة حكومية روسية مطلقة, تتسم بالضخامة والفساد, وعاجزة عن نقل الأقليات من مرحلة إلى أخرى, كما إرتطمت محاولة تحويل اليهود إلى مزارعين, بحركة أخرى, ألا وهي حركة تحرير الأقنان عام 1860م, إذ ضيقت هذه الحركة مساحة الأرض الزراعية, التي يمكن توطين اليهود بها, في الوقت الذي كان المجتمع الروسي يمر بتحولات إجتماعية وإقتصادية عميقة أدت في نهاية الأمر إلى إندلاع الثورة البلشفية.
فلم تنجح محاولات الدمج على المستوى الإقتصادي, وبقي التقسيم الطبقي لليهود في روسيا في نهاية القرن التاسع عشر, كما كان عليه عند ضم الأراضي البولندية, (38% يعملون في التجارة, 35%يعملون في الحرف, 3% يعملون في الزراعة وكان 72.8% ممن يعملون في التجارة يعيشون في مناطق الاستيطان ).
كما كان إقبال اليهود على الدمج في التعليم ضئيلا جدا, فلم يزد عدد التلاميذ عام 1825م في مدينة أشكلوف عن 19 تلميذا, من أصل 15550 مواطن روسي يهودي في المدينة, وفي عام 1886م لم يزد عدد التلاميذ في كافة أرجاء روسيا عن 9225 تلميذا, وعدد طلبة الجامعات 858 طالبا.
دفعت هذه الأوضاع وتعثر عملية الدمج لليهود, الحكومة الروسية إلى إتخاذ إجراءات قانونية وإقتصادية لمجابهتها, وشكل القيصر عام 1881م لجنة عرفت باسم " لجنة إيجناتيف ", لإعادة النظر في المسألة اليهودية, وفي عام 1882م قدمت هذه اللجنة تقريرها, والذي جاء فيه " إن سياسة القيصر التسامحية تجاه اليهود قد فشلت " .
وأدى قيام معارضة شعبية ضد اليهود في روسيا, إلى إتخاذ إجراءات معينة ضد اليهود الروس, وبناءاً على توصيات لجنة إيجناتيف أصدر القيصر عدة إجراءات عرفت باسم " قوانين مايو ", حيث أصبحت نافذة المفعول في مايو 19882م وبصورة تتابعية, ويمكن أن نوجز هذه القوانين بالتالي :
على صعيد الإقامة : عدم السماح لليهودي الذي يغادر مكان سكناه بالعودة إليه, وعدم تجديد عقود الإيجار المبرمه مع اليهود, وعدم السماح لليهود الريفيين باستجلاب أقاربهم للإقامة معهم, وتحريم إقامة اليهود في موسكو وإغلاق معبدها .
على صعيد التعليم : تحديد نسبة ضئيلة للطلاب اليهود في المدارس الأساسية والثانوية والجامعات.
على الصعيد الإقتصادي : عدم السماح لليهودي بتوسيع مجال نشاطه الإقتصادي, وإذا فعلها يغادر إلى مناطق الإستيطان, واليهودي التاجر الذي يترك مهنة التجارة إلى مهنة أخرى بفقد حقه بالإقامة في روسيا .
على صعيد القضاء : قلصت قوانين مايو اليهود العاملين في القضاء من 22% إلى 9%.
على صعيد البلديات : تم منع اليهود من ممارسة حق الإنتخاب, وترشيح انفسهم لمجالس البلديات التي يقطنون بها.
أدت قوانين مايو إلى القضاء على أي فرصه لإندماج اليهود في المجتمع الروسي, مما أطلق مناخا إقتصاديا وفكريا قضى على الحركات الإندماجية وشجع الأفكار الصهيونية.
ولم يكن الحال في باقي بلدان شرق القارة الاوربية, بأفضل من الحال في روسيا, حيث الحكومات هنالك حكومات مطلقة, ومتخلفة وملتصقة بالكنسية, وتسيطر عليها المصالح الإقطاعية, والتي كان تصورها لعملية الإصلاح والتحديث تصورا ساذجا وسطحيا, لا يتجاوز حدود الإصلاح الديني, ونشر المعرفة والعقلانية, دون إدراك كامل لعمق عملية التحويل الثوري من النواحي الإجتماعية و الإقتصادية, والتي تتطلب خطوات ثورية على رأسها التغير الطبقي, ففي الوقت التي كانت تقدمية وثورية في الفلسفة والدين, كانت رجعية في القضايا الإجتماعية والإقتصادية, فكانت محاولات الإصلاح تعبر عن نفسها, في محاولات " الإصلاح من فوق " عن طريق مؤسسات غارقة في الرجعية, مع الحفاظ على الأساس الإقتصادي للتخلف, وأصبح التغيير منحة من القيصر أو الملك أو الحاكم يسحبها في أي وقت, وأمام أي أزمة .

لم تمارس مجتمعات بلدان أوروبا الشرقية, عملية النمو الإقتصادي والحضاري البطيء, فقد كانت الدولة في شرق القارة تقوم, بالثورة التجارية والقومية والإجتماعية والصناعية دفعة واحدة, وفي آن واحد, في عمليات النمو سريعة لا تسمح بالإجراءات البطيئة, مثل عملية دمج الأقليات, ولا تسمح بالخطا أو التراجع, بل تتطلب تحديد الأهداف والإندفاع نحوها, بينما عملية النمو البطيئة تسمح للأقليات, وخاصة الإقتصادية مثل اليهود, إكتساب الخبرة المطلوبة, للعمل في الإقتصاد الجديد.

بتفجر المسألة اليهودية في شرق القارة, أدى إلى إنحسار الأفكار الإندماجية, وإنتشار الأفكار الإنعزالية وفي مقدمتها الأفكار الصهيونية, كما تمت هجرة واسعة من شرق القارة إلى غربها.

وبالهجرة من الشرق إلى الغرب, تكون المسألة اليهودية قد طرحت نفسها, على مجمل القارة الأوروبية, وهذه البلاد كانت تخوض تحولات إجتماعية وإقتصادية عميقة, وإعتبرت قوى التغيير في هذه المجتمعات, اليهود جزءا من النظام القديم, ففي الوقت الذي استمد اليهود وجودهم, من تمويل النظام الإقطاعي القديم, كانت البرجوازية الصاعدة تسعى لتوسيع نطاق سلطانها, ورأت بهم جزءا من النظام الإقطاعي الزائل, وانتقد الكثيرين من الليبراليين الأوروبيين اليهود بسبب إصرارهم على المحافظة على إنعزاليتهم وإستقلالهم, ولرفضهم فصل الدين عن الدولة والإنتماء السياسي.
بينما إعتبرت القوى المناهضة للتغيير, اليهود من طلائع المجتمع الجديد, بسبب إنضمام الكثير من البرجوازيين الصغار والحرفيين والمثقفين اليهود إلى الحركات البرولتارية, مما زاد من كراهية الإقطاعيين والفلاحيين والبرجوازيين وكل الطبقات التي تعارض التغيير الثوري في المجتمع لليهود.

إختلاف التجارب الثورية داخل القارة ومن بلد لاخر, أدى إلى إختلاف مفهوم الدولة القومية في أوروبا, حيث كانت البرجوازيات الشرقية متحالفة مع الإقطاع, مما ادى إلى ظهور القوميات الرجعية في شرق القارة, والذي يختلف عن مفهوم البرجوازيات في أوروبا الغربية, وخاصة في فرنسا وإنجلترا لمفهوم القومية, حيث البرجوازية نشأت بتطور تاريخي طبيعي وبطيء, وقامت بقيادة الثورة ضد الإقطاع, أما في القوميات السلافية والألمانية فلم تكن البرجوازية وحدها الطبقة الوحيدة القائدة, مما أعطى فكر هذه القوميات طابعا رومانسيا ولا عقلانيا معادي للتنوير, وأدى إختلاف مفهوم القومية إلى إختلاف وجهة النظر تجاه عملية دمج الأقليات, ومنهم اليهود, ففي الوقت الذي نادت القومية الفرنسية بالمساواة الكاملة للجميع, كانت الفكرة القومية الألمانية تقوم على فكــرة الفولك أو الشعب أو الروابط العضوية بين الإنسان وأرضه, وكانت هذه الرؤية ترى في الإختلاف بين الأفراد مسألة أساسية, لذلك طرحت شعرات ميتافيزيقية, مثل " روح الشعب " و " رسالة الأمة الخالدة " و " المصير القومي ", أما الفكرة السلافية, فقد أدخلت عنصر المسيحية الأرثذوكسية في فكرها, مما أعطى البعد القومي بعداً دينيا.
ولنا أن نلاحظ أن المسألة اليهودية, قد تفجرت بدايةً ثم تركزت في البلدان, ذات الرؤية القومية الألمانية والرؤية القومية السلافية, حيث كان يتم تقسيم الناس إلى ألمان وأغيار, أو سلاف و أغيار, مما أدى إلى خلق مناخا معادي للفكر الإندماجي, ولنا أن نلاحظ أيضا أن الفكر الصهيوني الرجعي, قد تأثر بالفكر الألماني كما تأثر به معادوا السامية في أوروبا وخاصةً في ألمانيا.

كان لإرتداد مد فكر الثورة الفرنسية التنويري, وعودة الملكية إلى فرنسا, وتشديد الرجعية لقبضتها على أوروبا, وإنتشار الأفكار الشوفونية وتغيير القيم الإنسانية, من أجل تقسيم مناطق الإستعمار والنفوذ ( بمعنى أدق دخول الرأسمالية لمرحلة الإمبريالية ) أثره البالغ في جعل الحكومات الأوروبية البحث وتشجيع حلفاء للإستعمار (مثل الصهيونية), بدلا من حركات التنوير .

علاوة على ما تقدم يجب أن ننوه أن عملة الإنعتاق والدمج لم تكن تتم بالإقناع, وإظهار النتائج الإيجابية والمكاسب التي يمكن تحقيقها, بل كانت تتم عن طريق الإرهاب والقسر وبالعصا الغليظه, كما أن عملية الإندماج والإنعتاق لم تكن تتم داخل مجتمع منفتح بفترض المساواة بين الأفراد, ويظهر الإحترام لكل الأقليات, وإنما ثمة من منطلقات أن على اليهود وبالعصا الغليظة, اللحاق بركب الحضارة, الأمر الذي كان يثير مخاوف الجماهير, فتندفع عائده إلى إلى الجيتو, حيث الأمن والطمأنينة.

ما ذكرناه أعلاه أهم الأسباب الموضوعية التي أعاقت حركة التنوير اليهودية, وإندماج اليهود في مجتمعاتهم, والتي تعود جذورها إلى المجتمعات التي عاش اليهود بين ظهرانيها, ولكن ثمة أسباب وعوامل ذاتية ترجع إلى طبيعة الوجود اليهودي ذاته أوروبا, فقد مر عصر النهضة, وعصر الإصلاح الديني على أوروبا, دون ان يتركا أي أثراً على الجيتو اليهودي, لذا فإن أوروبا كانت مستعدة لحركة التنوير حضاريا ونفسيا, بعكس الجيتو اليهودي, الذي لم يكن مستعدا لذلك.

الثورة البرجوازية في أوروبا حررت اليهود من عبودية القرون الوسطى بشكل مفاجيء, ومنحتهم المساواة السياسية والمدنية دون أي جهد من طرفهم, فقد حدث تحررهم صدفة عن طريق إنتصار مبدأ المساواة, فكان على اليهودي أن يعيد صياغة نفسه وذاته, بدءا من طريقة ملابسه وقص شعره إلى الإنتماء للأرض التي يعيش عليها, والتوقف عن الإنتماء الغامض لبلاد لا يعرفها ولا تعرفه, كان عليه الخروج من الجيتو الداخلي والخارجي الذي يعيش به, ولم يكن ذلك بالأمر الهين على اليهودي, ومما زاد من تعقيد الأمر, وجود مناطق إستيطان في أراضي متنازع عليها شرق القارة بين روسيا وبولندا والنمسا وألمانيا ورومانيا وهنغاريا وغيرهم من البلدان, مما أضاع إتجاه بوصلة الإنتماء الجديد لليهودي .

ومن الصعوبات التي واجهت الهسكلاة أن دعاة التنوير والإندماج من اليهود كانوا عادةً من الأرستقراطيين والبرجوازيين حيث الإندماج لا يضيرهم بشيء, غير أن غالبية الجماهير اليهودية كانت تنتمي إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة التي يعني لها الإندماج الهبوط في السلم الإجتماعي إلى مرتبة البرولتاريا أو البرجوازية الصغيرة المتخلفة, مما اخاف هذه القطاعات والطبقات من عملية الغندماج وهذه الجماهير البرجوازية الصغيرة هي التي اعتمدت عليها الصهيونية فيما بعد.

لعب إنتشار الفكر الصهيوني في أواسط يهود القوميات الليبرالية المندمجين في غرب القارة وأمريكا دورا في إعاقة إندماج اليهود, فعلى الرغم من عقلانية وضعهم الإجتماعي والإنساني, إلا أن تعاطفهم مع يهود أوروبا الشرقية, وخاصة بعد مذابح "كيشينف" الشهيرة, ورغبتهم في مساعدة يهود أوروبا الشرقية, جعل من الصهيونية تقدم نفسها على إنها العلاج الوحيد والبديل عن الإندماج, علاوةاً على الدور الذي لعبه وصول جماعات المهاجرين من شرق القارة, والتي كانت تذكر اليهود الغربيين, بأصول اليهود وأساطيرهم وأرض الميعاد, وكلما تم دمج دفعة من المهاجرين كانت دفعة أخرى تصل فيضطر اليهودي القديم المندمج, والقادم الجديد إلى البدء من نقطة الصفر, ولذا كان الحل الصهيوني الذي يطالب بتحويل الهجرة إلى أرض الميعاد هو الحل الأمثل.

بقي أن نقول أن الدين اليهودي وتراث اليهودية, لعب دورا كبيرا في تقهقر عملية الإندماج, فاليهودية عبر تاريخها كانت دين أقلية غير آمنه, وأقامت سياجا سميكا بينها وبين الواقع, وأخذ هذا السياج شكل الطقوس الدينية, التي كبلت اليهودي, ليكتسب هويته الإنعزالية من خلالها, وعندما بدأت عملية التحديث, حاول الإصلاحيين الإحتفاظ بالجوهر الأخلاقي للدين اليهودي, دون الطقوس ولكن بذلك أصبحت اليهودية بلا معنى يميزها.
لذا كان من السهل بالنسبة لليهود المندمجين المؤمنين بالمذهب الإصلاحي إعتناق المسيحية مثل (عائلة موسى منلدسون, أولاد هيرتزل , عائلة كارل ماركس, ....الخ) ويذكر أبراهام ليون أن خلال ثلاثين سنه تحول نصف سكان برلين من اليهودية إلى المسيحية, وهذا مما أثار مخاوف اليهود وخاصة رجال الدين والمتدينين من عملية الإندماج, لأنها تعني القضاء على اليهودية, والخروج من العزلة يؤدي إلى فقدان الهوية, وفي هذا يقول الفيلسوف الروسي الصهيوني " أحاد هعام " (1856-1927)" إن اليهودية إذ تخرج من أسوار الجيتو الإنعزالية تتعرض لخسارة كيانها الأصلي أو على الأقل وحدتها القومية, وتصبح مهددة بالإنقسام إلى أكثر من نوع واحد من اليهودية".
كما عبر عن ذلك أيضا المفكر الصهيوني "موسى هس" (1812-1875) حين قال " على اليهودي إحتمال مملكة السماء حتى النهاية"

هذه كانت بعض أسباب تراجع حركة الهسكلاة وإندماج اليهود في مجتمعاتهم, وهزيمة العقل اليهودي التنويري, والتي تعود هذه الأسباب لطبيعة الوجود اليهودي في القارة الأوروبية علاوةً على أوضاع المجتمعات الأوروبيه نفسها, ولا بد ان نذكر هنا أن الصهيونية ما هي إلا ردة الفعل المضاد للتنوير أساساً, ولكن حركة التنوير قد ساهمت بشكل غير مباشر في ظهر الصهيونية, فقد خلقت حركة التنوير طبقة متوسطه يهودية متشربه بالثقافة اليهودية وتدين بالولاء لتراثها وفي نفس الوقت متشبعة بالافكار السياسية والاجتماعية الغربية من قومية واشتراكية وليبرالية, وهذا الإزدواج الفكري أفرز قيادات صهيونية قادرة على التحرك في إطار معتقدات صهيونية غيبية وتجيد في نفس الوقت إستخدام الوسائل العلمانية.

يعثت الهسكلاة البطولات العبرية القديمة مثل ( شمشون وشاؤول ) في محاولة إخراج الشخصية اليهودية من خنوعها, وانتقدت طفيلية وهامشية وإنعزالية الشخصية اليهودية وطالبوا بتحويل اليهودي على شخصية منتجه وهذه قضية ورثها منهم الحركة الصهيونية ودعاة اللاسامية.

أهم نتائج الهسكلاة أنها أدت بشكل غير مباشر إلى الإعداد الفكري للصهيونية حيث دعت إلى نبذ فكرة تقبل الأمر الإلهي كما هو , فنادت بأن على اليهود أن يكفوا عن الإنتظار السلبي كأمر لاهوتي, وأن عليهم الخلاص بأنفسهم, هذه الدعوة التي أنهت عهد اليهودية الكلاسيكية, وأصبحت العودة بالنسبة للإندماجيين فكرة مثالية اما بالنسبة للإنفصاليين فأصبحت بالنسبه لهم أن يعود اليهودي بنفسه إلى أرض الميعاد, وتحت مظلة المنظمة الصهيونية العالمية أو الإمبريالية او بالعنف. فالهسكلاة قامت بتحديث فكرة العودة وطرحتها بشكل مغاير للشكل التقليدي وقد استفادت الحركة الصهيونية من هذه المحاولات ووظفتها لصالحها.

إذا كانت الصهيونية هي عودة إلى التراث اليهودي, والمعتقدات الدينية اليهودية, وصبغها بطابع قومي, فهي عودة غير كاملة, لأن هذا التراث قد تم تحديثه على يد " الهسكلاة ", فكان على الصهيونية أن تضفي غلالة علمانية عقلانية, على المعتقدات الغيبية الأسطورية, وبهذا يذهب المفكر " عبد الوهاب المسيري " إلى أن الصهيونية إستمدت الثالوث الهيجلي ( وضع ثم نفي ثم تركيب ) فاليهودية كانت الوضع الاول, والهسكلاة كانت النفي أي نفي اليهودية, أما الصهيونية فهي الوضع المركب الناتج عن صراع المتضادين الوضع والنفي) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجهود محترم ورائع
عبدالله ( 2011 / 6 / 23 - 10:01 )
شكراً للكاتب خالد على جهوده التنويرية فيما يخص إشكاليات الجيتو والذي دفعنا نحن الفسطينيين ثمناً باهظاً أدى إلى احتلالهم لفلسطين.


2 - الوضع ثم النفي فم التركيب
يعقوب ابراهامي ( 2011 / 6 / 23 - 19:59 )
وفقاً للعملية الهيغلية الديالكتيكية
Thesis antiThesis Synthesis
فإن التركيب هو ليس هزيمة أو تدهور بل درجة عليا في التطور


3 - الى يعقوب ابراهامي
خالد أبو شرخ ( 2011 / 6 / 23 - 21:37 )
بعد التحية
يعقوب ابراهامي أهلا
نعم حسب المفهوم الهيجلي التركيب تطور, ولكن الاهم باي اتجاه كان التطور؟ لقد سار باتجاه صحيح بتبني الافكار العلمانية والليبرالية ولكنه ايضا سار باتجاه الانعزالية والعنصرية وهذا بسبب طبيعة النقيضين ما بين افكار دينية اسطورية وافكار علمانية حديثة , لقد كان تركيبا ليس من اجل احلال الجديد محل القديم بل باتجاه تكوين جديد مع الحفاظ على القديم وهنا يكمن لب الازمة في الفكر الصهيوني ,لو سار باتجاه الاندماج لكان تطورا تقدميا وطبيعيا اكثر

اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية