الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران والثورات العربية

وديان حمداش

2011 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرا أصبح للشعب العربي صوت يسمع، صوت عندما توحد هز عروش المفسدين وألقى بهم في مزبلة التاريخ. لقد نفخت روح الثورة في جسد الإنسان العربي لتحييه من جديد، تحيي هيبته وكرامته وتذكره بمجده وتاريخه العتيق. شعوب لا تهاب الموت ولا تهاب الرصاص، شعوب واجهت الموت بصدورعارية في سبيل تحرير بلدانهم من استعمار داخلي من ذوي جلداتهم، آملين في غذ أفضل ينهي مرحلة طويلة من الظلم والقهر والإستعباد ويؤسس لمرحلة جديدة من الحرية والكرامة والديمقراطية. لكن هل سيتحقق هذا الحلم العربي بولادة شرق أوسط جديد من رحم هذه الثورات قائم على الديمقراطية وإحترام حقوق الانسان والمساواة بغض النظر عن الدين أوالعرق أو الجنس، أم أنها ستسلب كغيرها من الثورات التي صنعها الشرفاء وورثها الجبناء؟ الحقيقة أن مشروع السلب قد بدأ بالفعل، والبداية كانت بتغيير أسماء هذه الثورات، فإيران لم يعجبها إسم ثورة الياسمين ولا ثورة النيل ولا ثورة الغضب، فقررت أن تأسلم هذه الأسماء فاختارت "الصحوه الإسلامية" كعنوان شامل لثوراتنا العربية. أو كما سماها رامين مهمانبرست (المتحدث باسم وزارة الخارجية) "موجة اليقظة الإسلامية". أما آية الله خامنئي فقد صرح بشكل علني وبافتخاربأن "الشعب التونسي شعب مسلم وأنه بمجرد أن هرب بن علي من تونس ارتفعت وتيرة إرتداء الحجاب لدى الفتيات التونسيات" وبأن العالم الإسلامي يتغير لصالح الشعوب في المنطقة لانها ثورات شعبية بروح إسلامية.
من المعروف أن علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي تأثرت بشكل كبير بعد الحرب على العراق وانهيار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. هذا الإستياء العربي أعطى فرصة هامة لطهران كي تبسط نفوذها بالمنطقة حتى أصبحت الدولة الفارسية تختار أسماء ثوراتنا العربية بل تجر بها الى "محور الممانعة" لزرع المزيد من الحقد في صفوف أبناء الوطن الواحد وجعل وطننا العربي معزولا عن العالم. فإيران التي زجت بآلاف المتظاهرين في السجون وقتلت المئات من أبنائها في الثورة الخضراء - لمجرد أنهم نادوا بالديمقراطية وتغيير نظام أصحاب العمائم—تأتي اليوم لتعلم العرب قيم الثورة وأصول الديمقراطية وحقوق الإنسان. إيران التي إحتلت المرتبة الأولى في عدد الأحكام بالإعدامات في العالم والتي لازالت تحكم بإقامة الحد بوضع عقوبات قاسية على "جرائم بلا ضحايا" مثل الزنا، المثلية الجنسية، وإعدام القاصرين تحت عمر 18 سنة وغيرها من العقوبات التي تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان. فدموية الثورة الإيرانية لم يسبق لها مثيل في المنطقة، والتاريخ يشهد على الإعدامات اللامحدودة للسجناء السياسيين وكبار الجنرالات و المسؤولين، إضافة الى حوادث قتل وخطف متفرقة لإزالة خطر أي إنقلاب يهدد نظام العمائم. فقد شهد التاريخ كيف أجرى قضاة الثورة من أمثال "صادق الخلخالي" محاكمات موجزة إفتقرت إلى الشفافية وحس العدالة، فآلالاف أعدموا بدون محاكمة وأمير عباس هويدا( رئيس الوزراء الأسبق لإيران) كان واحدا من بين الآلاف. أما الديمقراطية التي رفع شعارها شباب الثورة العربية، فهي لا توجد في قاموس الخميني الذي حذرالشعب الإيراني بشكل علني من داء "الديمقراطية " لأنها من وجهة نظره " مفهوم غربي". لهذا لم يكتمل العام على الثورة الإيرانية حتى بدأ قمع أحزاب المعارضة المتمثلة في (حزب الشعب الجمهوري ومجاهدي خلق وفدائي خلق وحزب تودة الشيوعي) والزج برموزها في السجن، وأغلقت الجامعات التي إعتبرت معاقل لليسار(مارس 1980) لمدة سنتين، كما تم إغلاق عشرات الصحف المعارضة لنظام الحكم. وقد علق الخميني على الإحتجاجات المناهضة لمثل هذه القررات والتجاوزات قائلا "كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك"!

فالخميني كان بارعا والحق يقال في استخدام أسلوب التكفير للتخلص من معارضيه، فعندما خرج قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر (منتصف 1981) ضد القصاص، هددهم بالإعدام بتهمة الردة "إذا لم يتوبوا". وتعد منظمة مجاهدي خلق من أهم المنظمات المعارضة للحكم الثيوقراطي في إيران، حيث تعتمد على الكفاح المسلح. ولتصفية أعضائها تم الهجوم على مراكزها الإجتماعيه وقتل عدد لايستهان به من اليساريين الذين يديرون نشاطهم في الخفاء. أما عن إضطهاد الأقليات فحدث ولاحرج، خاصة عندما يتعلق الأمر بأتباع المذهب البهائي، الذي أعلنت إيران أنه بدعة فأعدمت المئات وزجت بآخرين في السجن، كما حرم الآلاف منهم من فرص العمل والمعاشات التقاعدية، وفرص التعليم. فبالرغم من أن الدستور الإيراني (المادة 13) يمنح االأقليات حق الحماية، إلا ان مصطلح الأقليات له مفهوم خاص لدى نظام الملالي فهم "المسيحيون واليهود والزرادشت" أما السنة العرب فهم لايعتبرون أقليات بل " ذوو اللسان". هذا هو النظام الإيراني الذي يعطينا دروسا في الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، النظام الذي قمع أحواز العرب المسلمين في عبدان والبسيتين وخوزستان والمحمرة ،لا ذنب لهم سوى أنهم – ذوو اللسان.

هذه هي الجمهورية الإيرانية التي تدرسنا مناهج الديمقراطية، دولة تحكمها ولاية الفقيه ويسودها فكر تقبيل العمائم للحفاظ على الكراسي مادامت الشرعية لا تأخذ من الشعب. حتى أمل الشعب الإيراني في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد تبخر عندما رفضت طهران قرار تعيين مقر خاص لحقوق الإنسان على أراضيها، بحجة أن القرار "سياسي بحت وغير منصف وتم بضغط تام من الولايات المتحدة". أما دولياً فينظر إلى الثورة الإيرانية على أنها المسؤولة عن بدء حقبة الأصولية الخمينية، من حزب الله إلى تنظيم القاعدة إلى الجماعات الجهادية المتنوعة. وعلى المستوى الإقتصادي فما زالت طهران تعتمد على صادرات النفط بشكل أساسي، فدخل الفرد يتقلب مع سعر البراميل! أما على الصعيد الدبلوماسي فقد ساهمت الثورة في عزل إيران عن العالم الغربي بشكل كبير، لكنني أستبعد أن يبقى الأمر كذلك نظرا للتطور التكنولوجي والعولمة (فالفيس بوك واليوتوب سيسقط قريبا ورقة التوت التي تستر عورة هذا النظام القمعي الظالم لشعبه المقهور.
وأخيرا أقول، لست أدري حقيقة ما الذي يمكن أن تستفاذ منه الثورات العربية من نموذج إيران أو من إقامة دويلات ثيوقراطية (دينية) معزولة عن العالم. إن صعود التيارات الإسلامية (أو أي تيار ديني اخر: مسيحي أو يهودي) يهدد الوحدة الوطنية ويساعد على ولادة صراع طائفي بغيض أخذ بالفعل يلف المنطقة، ليس في البحرين فقط (الهدف الرئيسي لإيران: خاصة بعد التهديد الإيراني العلني باحتلال أراضيها) وإنما في المنطقة بأكملها. فالدولة الدينية عُرفت في العصور الوسطى بـ"عصور الظلام" في أوروبا، عندما أوهمت الكنيسة الشعوب بأن الحاكم هو ظل الله في الأرض، وهو الناطق باسم الذات الإلهية، فلا يجوز عصيان أوامره ولا يجوز مناقشتها (لاتجادل ولاتناقش!)، فمن يعارض النظام في الدولة الدينية فهو كافر لأنه يعمل ضد مشيئة الله. إن الحديث عن نجاح الثورات العربية لن يكتمل إلا بالتأسيس الفعلي لمفهوم الدولة المدنية التي لا يصادر فيها حق أي أحد، ولا يكون للإنتماء الديني أو المذهبي أي تأثير. حان الوقت كي يستوعب الشعب العربي المتعطش للحرية والديمقراطية دروس التاريخ ويؤسس نظاما ديمقراطيا يكون فيه مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية. دولة مدنية تقتضي الحفاظ على حرية الجميع في المشاركة السياسية وتحث على العدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد ولا تزرع فلسفة (نحن وهم: نحن مسلمون وهم مسيحيون أو يهود، نحن شيعة وهم سنة) فعروبتنا واحدة ووطننا واحد مزروع في قلوبنا أبد الآبدين، وفي الإتحاد قوة فاستوعبوا الدرس إن كنتم وطنيين. فالضمان الوحيد لعدم الإنزلاق إلى النموذج الطالباني أو الإيراني يتحقق بإلتزام جميع الأطياف السياسية بالعالم العربي (ومنها الإسلامية) بالثوابت التي تجمع أبناء الوطن الواحد، كما هو الشأن في تركيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجمهوريات الاسلامية والوطن الواحد والثوابت
فيصل حرسان ( 2011 / 6 / 24 - 21:48 )
فقل لي يا سيدي ويا سيدتي وبصراحة , ما الذي عالجتموه في هذا المضمار ؟ ايران تقتل وتخنق البشر علانية ...وانت كذلك في مسألة الاقليات داخل الوطن الواحد
عمامة جهل وفاشية بعث هذا ما افتهمته من افكارك وعرضك للموضوع القتل على الحدين
الديني والقومي....سادتي ان الدجل والكذب وانكار الاخرين ...هو سبب كل المصائب التي
افقدتنا كرامتنا وانسانيتنا ورشدنا واعمت بصيرتنا...فلا تركيا ولا ايران ولا انكار حقوق الاخرين قد نجحت في نشر الطمأنينة بين شعوب المنطقة ...ما هكذا يكون الدفاع عن الانسان
وعن الحريات والاقليات والمرأة في هذه المجتمعات التي اصبحت زبالة داخل اكياس من
الفحم ,و الفاشية تغني والعمامة تكبر والاستعلاء تاج من معادن الافكار البالية
التعايش والامان وحرية الرأي ودور المرأة وحق الغير , مفتاح الأمان والتقدم لأرض ثابته
وانسان ثابت دائم العطاء والنور , عندها نستطيع ان نقيم الاخرين من خلال انسانيتنا
مع شيئ من التحية لموضوع قادم اقل دموية

اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا