الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (8) .. أيدولوجية أم حركة تحرر قومي

خالد أبو شرخ

2011 / 7 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تطرقنا في المبحث السابق للظروف التي نشأت بها الصهيونية, في صالونات الحكم للدول الغربية الإستعمارية, ولم تنشأ من طبقات الجماعات اليهودية الأوروبية ( والتي تداخلت مع طبقات المجتمعات التي عاش اليهود بين ظهرانيها), فلم تعبر عن مصالح تلك الطبقات, بل عبرت عن مصالح البرجوازيات الأوروبية الكبيرة, والتي إستوعبت البرجوازيات اليهودية الكبيرة, فقد تحول الرأسمال اليهودي من رأسمال بضاعي ربوي, إلى رأسمال مستثمر في النظام الرأسمالي الجديد.
وقد عبرت الصهيونية عن نفسها بنسقٍ من الأفكار, والتي وضعت للتعبير عن المطامع الإمبريالية, ولم تعبر عن مصالح الجماعات اليهودية وطبقاتها كما سنرى, مستغلةً العقبات التي واجهت عملية إنعتاق ودمج اليهود.

منطلق الصهيونية الأول صاغه هرتزل في كتابه الدولة اليهودية " أن الشعوب التي يعيش اليهود بين ظهرانيها هي أمم إما ضمناٌ أو صراحة هي لاسامية وأن اليهود هم شعب واحد...جعلهم أعداؤهم كذلك بدون موافقتهم كما يحدث مراراً وتكراراً في التاريخ ".
وهكذا تنطلق الصهيونية من المقولة الغيبية, التي تتجاهل العوامل الإقتصادية والإجتماعية التي أوجدت اللاسامية, وتؤكد أن اللاسامية أبدية قائمة بين الشعوب قاطبة, وهي لطابعها العدائي لليهود, أنشأت الشعب اليهودي ووحدته بدون إرادته أو موافقته.
وكما تفترض الصهيونية أبدية اللاسامية, فهي تفترض أيضا فشل أي عملية إندماج لليهود, مع الشعوب الأخرى, فالشعب اليهودي وحسب رؤيتها موجود بسبب أعدائه, وبالطبع لا يمكن الإندماج مع الأعداء, أو أن الإندماج سيلغي الهوية اليهودية.
وإعتمادا على هاتين الفرضيتين ( أبدية اللاسامية, وفشل عملية الإنعتاق والإندماج), فلا حل إذاً للمسالة اليهودية إلا بتجميع اليهود في مركز واحد, يقيمون عليه دولتهم وتنتهي مشكلتهم ( المسألة اليهودية ).

ومن هذه الإفتراضات إنطلق دعاة الصهيونية, في نسج منظومة متكاملة من الأفكار السياسية والأخلاقية والإقتصادية والإجتماعية والدينية, تمحورت كلها حول مقولات " الشعب اليهودي العالمي أو الامة اليهودية العالمية " و " العودة لأرض الميعاد أو الوطن القومي اليهودي ", و " الصهيونية حركة تحرر قومي لليهود أو حركة إنبعاث الشعب اليهودي ", و" أبدية اللاسامية " .

أولا - الأمـه اليهودية أو القومية اليهودية :

تُعَرف الأُمه على أنها مجموعة ثابته من الناس, تتكون نتيجة تطور تاريخي وطبيعي ومتواصل, تتميز بالمشاركة في الأرض واللغة والحياة الإقتصادية, ( التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية أو السوق القومية المشتركه) والتراث الثقافي المشترك ووحدة التكوين النفسي.
ولو نظرنا إلى الجماعات اليهودية في العالم بأسره, عند نشوء الصهيونية لا توجد مشاركه من هذا القبيل, بل لا يوجد مشاركه في أي واحد من هذه المجالات المذكورة أعلاه.
وحتى في وقتنا الحالي لا نجد مشاركه جميع يهود العالم, في أيٍ من الأسس المذكورة أعلاه, فغالبية اليهود ما زالوا يعيشون خارج فلسطين المحتله, على الرغم من نجاح الحركة الصهيونية وبدعم من الإمبريالية والرجعيات العربية, من إقامة دولة إسرائيل.

أدرك دعاة الصهيونية إشكالية عدم وجود أمه يهودية, فحاولو الإلتفاف على ذلك بتعريفات مختلقة للأمه, تعريفات لا تجدها إلا في الأدبيات الصهيونية, ففي خطاب لهرتزل عام 1899م يقول فيه :" إنني أعتقد ان الأمه هي جماعة من الناس ذات ماضٍ تاريخي مشترك وإنتساب واضح في الحاضر والتي تتوحد لوجود عدو مشترك "
ويحمل هذا التعريف للأمه نقاط ضعف عديدة
- يفتح التعريف ذو الأساسين العامين ( إنتساب وعدو مشترك ), الباب واسعا بلا حدود حول إصطلاح الأمة, فهل يمكن أن نعتبر إنتساب دول عدة, في الحرب ضد الإرهاب الدولي كعدو مشترك, أن شعوب هذه الدول أصبحت أمه واحدة؟( حسب معيار الإنتساب والعدو ).... وإذا عملت مجموعة من المجرمين, في إطار منظم, ضد جماعة أخرى, فمن حقها أيضا (حسب معيار الإنتساب والعدو المشترك) أن تحمل صفة الأمه .
- يفتقر التعريف لأي عامل قومي, فهل يمكن إعتبار طبقات العمال في العالم أمه؟ فهي تنتسب للعمل المأجور, وتواجه عدو مشترك " الرأسمالي " .
- يعتمد هذا التعريف على الفرضية الصهيونية بخلود اللاسامية, فاليهود أمه لأن لهم عدو مشترك خالداً إلى الأبد.
لا شك ان هرتزل كان يدرك مقدار ضعف تعريفه للأمه, ولكنه لم يكن يستطع أن يصف جميع الجاليات اليهودية, في العالم بأسره كأمه إلا بلجوئه, إلى التعريف التلفيقي الذي قدمه.
أما رجل التيار الديني في الصهيونية يحيئيل ميخال فينس (1843- 1912), فيلجأ للدين اليهودي لتعريف الأمه اليهودية حين يقول " وبماذا تختلف إسرائيل عن كل أمه ولسان؟ هذا السؤال جوابه معه : فشعب إسرائيل ليس طبيعيا منذ ولادته لأن شعبيته لم تولد في أحضان الطبيعة أي أحضان الإشتراك في العرق وفي البلاد, بل في أحضان التوراة وفي حلف مع الدين ".
تعريف جديد للأمه اليهودية, يفتقر إلى أي مقياس موضوعي, لتعريف الأمه أو الشعب, فهو يقر ويعترف بإختلاف الأعراق والأراضي لليهود, ويقر بعدم وجود أي أساس من أسس الأمه , ويعتبر أن الدين اليهودي هو وحده الذي يحدد وجود أمة يهودية, وبهذا يتناقض أولا مع الحركة الصهيونية التي حملت مفاهيم العلمانية, بل أن كثير من مؤسسيها كانوا ملحدين مثل هرتزل وبينسكر, كما أن الدين لا يمكن أن يكون أساسا لتشكيل أمة, فالأمة الواحدة تشمل أكثر من دين, والدين ينتشر بين أمم عدة , ولكن تعريف فينس يحمل نزعة فوقية, بتفوق خاص للأمه اليهودية على جميع الأمم.
وعرض ش. منتيفيوري وجهة نظر ثالثة حول مفهوم الأمة اليهودية " إذا كان اليهود أمه, وأخترنا أن نجلس على المقعد القومي, حينئذ من المهم لنا أن ندرك بأن نختار من هذا القبيل يتوجب عليه أن يؤثر في تطور الدين اليهودي بشكل حازم"
إذن فالمسألة عند منتيفيوري هي مسألة إختيار إن يكونوا أمة أم لا (نحن نختار), ولم يحمل نفسه عناء الفحص إذا كانوا يشكلون أمه أم لا.
وفي الصهيونية المعاصرة, وبعد قيام إسرائيل نجد تعريفات وتوجهات مشابهة لتعريفات رواد الصهيونية, فقد حدد ناحوم غولدمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية أن " الشعب اليهودي هو شخصية تاريخية وحيدة وفريدة من نوعها... تميزه ثلاثة أسس : كونه شعبا عالميا, كونه مرتبطا في فلسطين, وكونه أكثر الجماعات الغير منحازة في تاريخ العالم, من ناحية تاريخية عامه".
غولدمان يريح نفسه بإدخال مصطلح " شعب عالمي " , في تحديد مصطلح " الشعب اليهودي " دون أن يبرهن ما هي الأسس التي يمنح بموجبها صفة العالمية لليهود, وفيما إذا كان شيء من هذا القبيل ( شعب عالمي) موجوداً أصلاً
أما بالنسبة للعلاقة مع فلسطين, فلا يفسر غولدمان ما الذي يقصده بالارتباط الديني, هل هو التوجه شرقا أثناء الصلاة أو الإرتباط مع العمل الصهيوني في فلسطين.
وبالنسبة لمصطلح "جماعات غير منحازة " فهو موازٍ لمصطلح الغربة عند هرتزل وبينسكر .

وفي مقالة ليعقوب نويستر " نشر في صحيفة المنظمة الصهيونية العالمية ونقلتها عنها صحيفة معاريف (22/9/1974) "واضح بأن اليهود ليسوا أمه بالمفهوم المألوف....إن شعبا يهوديا بمفهومه الملموس التاريخي الدينيوي, وتابعا لهذا العالم هو أساسه قضية إيمان, أي تأليف مؤرخين,... ففي هذه الأيام أيضا توجد لليهود مشاعر وردود فعل مشتركه, ولكن هذه لا تشكل هوية, فليست هي سوى مجموعه من صفات مشتركه, مبينة على إنطباعات وشروح كلامية مختلفه, .... والان مرة أخرى ليس لليهود لغة مشتركه, ولا ثقافة مشتركه, ولا حتى دين مشترك كما كان لهم في السابق."
ما هو إذن المشترك لجميع اليهود, إذا لم يكونو أمه حتى ولا بموجب تعريف هرتزل؟ يجيب على ذلك نويستر " لقد أعطيت التفسير, لقد بقي اليهود شعبا حقا , ولكن الأساس في كونهم شعبا يستتر في اهتماماتهم المشترك بصهيون,وفي الوسائل التي يكرسونها لبناء البلاد ولتجديد السيادة اليهودية عليها"
حسب وجهة نظر نويستر, أن اليهود شعب عالمي بفضل الصهيونية, والنشاط الصهيوني, وبناءاً عليه فاليهود الغير صهيونين لا ينتمون للشعب اليهودي.
من الواضح قد عجز دعاة الصهيونية سواء روادها الأوائل, أو منظري الصهيونية الجديدة, عن إثبات وجود شعب يهودي واحد, او أمه يهودية, بالرغم من محاولتهم من إختلاق تعريفات وأسس خاصه للأمه, تخدم وجهة نظرهم, وبتخلخل التحديد حول وجود أمه يهودية, يسقط أيضا التحديد حول حركة تحرر قومي .

ثانيا - حركة تحرر قومي

كما ذكرنا أعلاه بعدم وجود مقومات أمه, على الشعب اليهودي, يسقط مفهوم حركة التحرر الوطني, عن أي حركة يكون اليهود مادتها البشرية , ولتأكيد وجهة نظرنا هذه, نبدأ بتعريف حركة التحرر الوطني, التي هي تعبير عن تطلعات طبقات الشعب المختلفة للتحرر, من نير الإحتلال الأجنبي, في مرحلة الثورة الوطنية التحررية, أو للتحرر من نير أنظمة حكم شمولية ورجعية, في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.
لو نظرنا لتركيب اليهود الطبقي, منذ نشوء الصهيونية, أكتشفنا أنه لم تكن توجد طبقات يهودية متكالمة ومستقلة, عن البرجوازيات المسيحية, فالبرجوازية اليهودية الكبيرة, لم تكن بحالة صراع مع البرجوازيات الأوروبية المسيحية الكبيرة, بل كانت مستوعبه بها إستيعاباً كاملاً, ووجدت أسواقاً واسعة لها في كل أنحاء العالم, بوصفها جزءا من البرجوازية الأوروبية, وتحول الرأسمال اليهودي من رأسمال بضاعي ربوي, إلى رأسمال مستثمر, في النظام الرأسمالي الجديد.
أما البرجوازية اليهودية الصغيرة, فلم تكن طبقة منتجة, ولا تحتاج إلى سوق وطنية, وإذا كان ثمة فئة من المثقفين اليهود من البرجوازية الصغيرة, تتطلع لإيجاد وطن قومي لها, فذلك بدافع البحث عن مجال يهيء لها فرصة الصعود إلى مرتبه أعلى في السلم الطبقي, كما يعبر عن ذلك هرتزل في الدولة اليهودية.
لم تكن هناك طبقة عاملة يهودية لها مصالح مستقله, بل إنخرط العمال اليهود في صفوف الحركات الثورية المختلفة, وتم إستيعابهم فيها إستيعابا كاملا, مثل إستيعاب البرجوازية الأوروبية المسيحية للبرجوازية الأوروبية اليهودية.

بهذا نرى أن كلا من مقولتا " الأمة اليهودية " و " الصهيونية حركة تحرر قومي لليهود ", قد فقدتا أسسا موضوعية لإثبات صحتهما, ولم يعبرا سوى عن أفكار تبريرية, طرحتها الحركة الصهيونية لتقدم نفسها للجماعات اليهودية في أوروبا, حلاً للمسألة اليهودية, وهي لا تهدف في الواقع إلا إلى خدمة المشاريع الإمبريالية, كما أوضحنا في المباحث السابقة.
السؤال الذي يطرح نفسه وبشكل مشروع, إذا كانت الصهيونية لم تستطع إثبات وجود شعب أو أمة يهودية, ولم تكن حركة تحرر, بل مجرد منظومة أو نسقٌ من الأفكار السياسية والإجتماعية والأخلاقية والقانونية والجمالية, يعتمد على الغيبيات, ويخدم مصالح طبقات معينة في المجتمعات الرأسمالية, ماذا أبقت الصهيونية إذن من تعريف الأيدولوجية ؟ كي يتبرع البعض بنفي هذه الصفة عنها؟!

وعن باقي المفاهيم والأفكار الصهيونية لنا مباحث قادمة



ملاحظة أولى : يتبرع البعض بمحاولة إثبات وجود أمة يهودية بدلائل تاريخية, عن وجودهم في فلسطين قبل الميلاد, ودون الخوض بصحة هذه الرواية التوراتية من عدمه, ننوه أن الأصل العرقي لا يمكن أن يكون عنصراً رئيسياً في تشكيل الأمه, وإلا لأصبحت شعوب البلدان, التي هاجر إليها الأسبان في أمريكا اللاتينة, تشكل أمه عالمية مع الشعب الأسباني, وشعوب البلدان التي إستوطنها الإنجليز, يشكلون مع الشعوب البريطاني أمة بريطانية عالمية, وننوه أيضاً أن اليهود الذي كانوا في فلسطين, عند حدوث الشتات لم يشكلوا أكثر من ربع من تم سبيهم إلى بابل (هوية من تم سبيهم لبابل تحت النقاش الآن على ضوء الأبحاث الأركيلوجية الجديدة في فلسطين), ولا يستطيع أحد إثبات أن الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم, هم من سلالة يهود فلسطين عند الشتات, وإن كان كذلك, فإن من مقومات الأمه هو التطور التاريخي الطبيعية والمتواصل على الأرض وهذا ما فقده اليهود.


ملاحظة ثانية : يتبرع بعض الليبرالين الجدد أو التنويرين الجدد, مجهولي الهوية الفكرية والإنتماء الوطني والتوجهات, بمهاجمة المؤدلجين سواء أصوليين أو ماركسيين أو قوميين, مبشرين إياهم سيولون الأدبار, وبنفس الوقت نجدهم يصطفون خلف أحد دعاة الصهيونية في موقع الحوار المتمدن, مروجين له ومهللين له في كل ما يكتب, ومدافعين عن جميع وجهات نظره, ألم يميزوا بعد أن الصهيونية أيدولوجية؟ وبذلك أصبحوا مهللين لمؤدلج, أم انهم معادون للأيدولجيات العربية فقط, ملقين بأنفسهم بأحضان أي أيدولوجية غربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة