الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السلطان والقطيع ...

حسن حاتم المذكور

2011 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لا اعني هنا حزباً او فئة او مجموعة بذاتها ’ بقدر ما هي ظاهرة في الثقافة العراقية لها جذورها التاريخية ’ وقد تسربت الى الواقع العراقي الراهن بكثافة من بيئـة الفكر الأنقلابي الألغائي البعثي عبر الذين كانوا ادواتها او ضحاياها ممن نقلوا بعض اعراضها’ ومن اهداف العقائد البعثية’ محاولة قتل الأخلاق في الثقافة’ كون الأخلاق تشكل ( غموس ) وطعم الثقافة الوطنية ’ وهنا يتحمل المثقف الوطني مسؤولية تقديم كل ما هو طيب وشهي وجميل لعافية وعي المتلقي ’ ويجب ان يلعب دور الجراح الماهر النزيه لمعالجة وتضميد اصابات الثقافة ’ وتلك الوظيفة الوطنية الأنسانية لايتقبلها السلطان ولا يفهمها القطيع .
كقاريء ــ ولا ادعي اكثر ـــ اتمنى ان اتذوق ثمة طعم فيما يكتبه البعض من مثقفي القطيع ’ فهم يلزمون انفسهم بكتابة اكثر من ثلاثة مقالات في اسبوع واحد دون ان يتركوا لأنفسهم الوقت المناسب للتفكير بما سيكتبون ’ مما يضطرهم حشو مقالاتهم بما هو غير نافع ’ وبدون مناسبة يتعرضون لبعض الكتاب والمفكرين شتيمـة واساءة واشياء اخرى غير حميدة ’ تلك التوافه وفي مثل اوضاعنا المرتبكة اصلاً الى جانب الأنفلات الأعلامي والفوضى الأخلاقية ’ تضر بسمعة وكرامة البعض من المبدعين ’ ويكون الأمر على حساب وقتهم ونتاجهم وثمناً يدفعه المتلقي بشكل خاص .
وعاظ السلاطين ... كتاب السلطة ... ذيول ومرتزقة الحاكم ... ولكل زمان كتاب حكومة ... فلان التقى مع المسؤول الفلاني ... تحدث واخذ صورة معه وهذا يكفي لألتقاط فضلاته ’ واسهالات اخرى اكثر تفاهة يستعملها بعض الذين يكتبون لأبتزاز المثقف الرصين ’ ليوهموا انفسهم والقاريء بعصمتهم ونزاهتهم وانهم لديهم الجديد دائماً شأنهم شأن المبدعين !!! بينما كل ما يفعلوه ’ اضافة تعقيدات وارباكات وتشويهات لوعي المتلقي’ وهذا كل ما يمكن ان تفرزه دواخلهم الخاوية الا من الزبد الأنشائي .
في هذه الحالة ’ ترتبك خيارات الكاتب والمفكر القدير ويجد نفسه اما محسوباً على السلطان دون ارادته ’ واما متراجعاً الى حضيض القطيع ’ فالمواقف المستقلة المنصفة الجريئة مرهقة للمبدع النزيه ’ حيث اصبحت مسئلة الدفاع عن النفس ضريبة يدفعها وقتـه ونتاجه الثقافي .
نتسائل هنا : الا يحق للآخرين ان تكون لهم فضاءاتهم الخاصة بهم ’ يمارسون فيها ادوارهم بكامل استقلاليتهم ’ يخطأون ويصيبون ’ يعثرون وينهضون ... ؟ ومتى كانت الحقيقة واحدة مطلقة في كل زمان ومكان ... وتجمدت صيرورة الأشياء والثقافة منها بشكل خاص بين السلطان والقطيع ... ؟ وكم نتمنى من الذين يكتبون اشيائهم مقالات ان يتجنبوا الأساءة الى غيرهم وعليهم ــ وهذا ما نرجوه ــ ان يعيدوا اولاً تقييم شخصيتهم عبر الحوار مع الذات ’ وينصفوا انفسهم عبر مصارحتها ’ ليستقروا حيث مواقع اقدامهم ’ ليوفروا للآخر اجواءه في الأنتاج والأبداع الفكري والمعرفي ’ حتى لا تبقى الثقافة الوطنية معلقة بين السلطان والقطيع .
شخصياً لم التقي الدكتور عبد الخالق حسين في حياتي ’ لكني واحد من قراءه ’ ما اعلمه عنه ’ انه كان طبيباً جراحاً عمل في مهنته لأكثر من خمسة وثلاثون عاماً وهو الآن متقاعد منصرف لعلوم اخرى وقد اصدر في السنتين الأخيرتين كتابين هامين ’ احدهما انصف فيه ثورة 14 / تموز / 1958 والشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم ’ والثاني حول الطائفية السياسية ’ اتمنى من الذين اساءوا او يسيئون اليه ’ ان يقرأوا الكتابين ’ ربما تساعدهم على اعادة تقييم شخصيتهم ليعيدوا لها توازنها بعيداً عن هوس المتاريس .
الدكتور عبد الخالق حسين ’ وكذلك الكثيرون من مثقفينا الأفاضل ’ لايوجد في افقهم المعرفي موعظة للسلطان ’ لأنهم وبحكم وظيفتهم ألأجتماعية الوطنية والأنسانية ـــ سادة في افقهم ـــ واذا ما التقوا وتحدثوا مع المسؤول والحاكم ’ فلا يضيف الأمر خردلـة الى مكانتهم ’ فالسياسي والحاكم ’ وبعد انتهاء مرحلته بشكل وآخر ’ نصادفه في المقهى يقرأ ويتابع ما كتبه ويكتبه المثقف ’ اما المثقف فيبقى خالداً في ذاكرة الناس والمدن والتاريخ حتى بعد رحيله ’ فلماذا يتجاهل البعض ممن يكتبون مكانة ووظيفة المثقف ويستصغرون دوره جلداً للذات والآخر وللثقافة بشكل عام .
قد يعترض البعض ويقدموا عبد الكريم قاسم مثالاً مغايراً ’ فالشهيد عبد الكريم قاسم كان انساناً وطنياً مثقفاً ديموقراطياً عادلاً اكثر منه سياسي حاكم’ لهذا مزقته المرحلة التي كانت لا تستحقـه .
مع شديد الأسف ’ ان البعض ممن يكتبون ويجترون مفردات الأساءة والتسقيط والتشويه كمحاولة لأعادة غسيل الذات وتبييض الشخصية وتزوير الماضي لتخفيف وطأة ما تعلق بهم من نقاط ضعف تستفز سريرتهم ’ وهذا شأنهم لكن يجب الا يكون على حساب الحقيقـة المتورطة بهم اصلاً ’ كما انها لم تكن مشكلة الدكتور عبد الخالق حسين اذا كان هكذا منصفاً موضوعياً وجريئاً تماماً كما هم عليه الكثيرون من الكتاب .
المثقف في نظر كاتب القطيع’ يجب ان يكون معارضاً رافضاً لكل شيء’ اما التمييز بين الخير والشر والحق والباطل ’ في نظره ارتماء في احضان السلطان ’ ومن اجل ان يكون معارضاً كما يريده مثقف القطيع ’ يجب ان يعارض نفسه اولاً ’ ابتداءً من رفضه لحقوقه هارباً عن واجباته متقمصاً مظاهر البؤس يستكثر على الآخرين ما يبرره لنفسه ’ يتوهم سجوناً للأبرياء ودماء تسيل في الساحات وهتكاً فاضحاً للأعراض ’ ليكون هو مدافعاً عن حقوق الأنسان داعياً المنظمات الدولية لدعمه في مسعاه لأسقاط الحكومة المتهمة ’ لكن عندما كانت المعارضة واجب مكلف ’ لم نسمع صوته ولم نقرأ لقلمه يكتب دموعـه ’ ربما كان في الجانب الآخر شاهد زور على مجزرة الحق .
انا شخصياً اتفق مع البعض ’ كون لكل زمان كتاب حكومته ’ كما ارجو منهم ان يتفقوا معي ’ على ان هناك كتاب حكومـة لكل زمان ’ ومن يقبل لنفسه واعظاً لسلطان صغير ’ لاتشفع لـه شتيمـة سلطان اكبر .
هنا نتجنب خلط الأوراق’ فهناك من تحاوروا مع الدكتور عبد الخالق حسين وتحاور معهم ’ وكانت الموضوعية وصدق النوايا حاضرة ’ تركت اثرها الأيجابي على مزاج القاريء وبللت عطشه للوعي والمعرفة ’ ومثلما ابتدأوا الحوار ودياً انتهوا بـه الى ذات الروح الصداقية ’ وهذا ما نحتاجه كقراء ومتابعون وما ينبغي ان يكون ليبق القطيع في ذمـة مشاجب المستهلكات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة