الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة السياسة الى المجتمع السوري والحوار الوطني

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2011 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


-1-
منذ انقلاب حزب البعث على المجتمع السوري, واحتكاره للسلطة عام (1963), بدأت السياسة تختفي من المجتمع. حيث بدأ البعث بتصفية حلفائه من الضباط الناصريين الذين شاركوه في الانقلاب. ثم انقلب على القيادة الاولى للبعث عبر حركة (23شباط1966).
وجاءت هزيمة حزيران (1967) التي أربكت القيادة السياسية آنذاك. وبدلاً من عزل وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد, باعتباره المسؤول المباشر عن الهزيمة, والشروع في العمل على إزالة آثارها والنهوض من جديد, جاء الرد سريعا عبر انقلاب الأسد في (1970), وتصفية كل رفاقه في الحزب, بالإضافة إلى ملاحقة واعتقال كافة الأحزاب الأخرى القومية والشيوعية والإسلامية والليبرالية الموجودة خارج السلطة.
ويمكن القول بأنه منذ انقلاب الأسد انتهى دور حزب البعث, كحزب سياسي, حيث تم تحويله إلى واجهة, ضمن جبهة تضم أحزاب أجراء تنتظر حصتها من الرئيس في نهاية كل شهر. بالإضافة إلى دستور جديد تم تفصيله ليشرع للسلطة الفردية المطلقة للرئيس.
إلى أن جاءت أحداث الثمانينات الكارثية والصراع الدموي بين السلطة والإخوان المسلمين, وما نجم عن هذا الصراع من كوارث وقتل للأبرياء, وملاحقة واعتقال لكل مشبوه يمكن أن يتحدث في السياسة, بالإضافة للتأسيس لصراع طائفي لم تعرفه سوريا من قبل, ولم نتخلص منه حتى الآن.
ومنذ أحداث الثمانينات يمكن إعلان موت السياسة في سوريا. لا احد يتحدث في السياسة إلا الرئيس والتي أصبحت كلماته قليلة ومقدسة!, والذي لا يظهر أمام الشعب إلا في المناسبات البعيدة حفاظا على الهيبة اللازمة للمستبد الذي حول نفسه إلى اله.
ومع وراثة الابن لسورية منذ مطلع القرن الحالي, ووعوده بالإصلاح, انتشرت المنتديات بسرعة هائلة في كل سوريا, وتنفست النخب السياسية والثقافية قليلا, وبدأ حراك سياسي ثقافي, تحدث فيه الجميع عن الواقع السوري المأزوم. وطًرحت مشاريع وبرامج سياسية لا تُحصى للخروج من النفق المظلم, فيما سمي بربيع دمشق. إلا انه سرعان ما تم إخماده, خوفا من أن ينتعش الحراك أكثر من المسموح به ويتحول إلى ظاهرة مجتمعية سياسية. فتم اعتقال الناشطين, وإغلاق المنتديات, وعاد الجميع إلى الغرف الضيقة, مع الشعور باليأس واللا جدوى من العمل السياسي.
-2-
ومع ذلك استمرت المعارضة في تقديم مبادرات وبرامج للإصلاح السياسي السلمي التدرجي, خلال العقد الماضي, للانتقال من السلطة الأمنية إلى الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية. أي إعادة السياسة للمجتمع وحقه في المشاركة في بناء دولته. إلا أن هذه البرامج بقيت في الأدراج تنتظر حاملها الاجتماعي.
مع الانتفاضة السورية, عادت السياسة هذه المرة من تحت, وليس من فوق. ليست هبة أو مكرمة من السلطة, أو من النخب السياسية والثقافية المعارضة. ومن دون أن تستأذن أحدا من الأجيال القديمة. عادت من أطفال درعا الذين سطروا على جدران شوارعهم "الشعب يريد إسقاط النظام", وأشعلوا بشرارتهم الانتفاضة السورية, ثورة الحرية والكرامة. من المجتمع كله الذي بدأ يتحدث في السياسة بين مؤيد للانتفاضة, ومعارض لها. بين مصدق لتبريرات السلطة بالقتل, ومكذب لها. والانقسام أصبح واضحا في كل عائلة, بين الإخوة والأخوات, وبين الآباء والشباب. وحتى الحديث اليومي للجزء الصامت من الشعب والذي لم ينزل إلى الشارع بعد, كان سياسيا حول الانتفاضة ومصير سوريا ومستقبلها.
فتحت الانتفاضة السورية كل الأبواب المغلقة ليس للحديث في السياسة فقط, إنما للفعل السياسي العميق والجذري. فالانتفاضة السلمية بحد ذاتها, وشعارها الرئيسي المطالبة بالحرية, ثم انتقالها إلى شعار إسقاط النظام, والدعوة إلى دولة مدنية ديمقراطية, تعبر عن فعل سياسي مجتمعي بامتياز, إذا اعتبرنا أن السياسة هي تدبير امور المجتمع والدولة, بتعبير أرسطو.
كما أن إصدار ائتلاف الشباب رؤيتهم السياسية للانتقال السلمي نحو دولة مدنية ديمقراطية لكل السوريين, ثم العمل على تشكيل قيادة للثورة, هو مؤشر كبير على النضج السياسي للحركة الشبابية السورية التي كانت تختمر في القاع المجتمعي.
والواقع السوري الراهن, يعيد للأذهان تحذير شكري القوتلي الذي تنازل عن الحكم لعبد الناصر, حين تم إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958, " أيها الرئيس سوف تجدون من الصعوبة بمكان حكم سوريا. إنكم ستلقون شعباً يعتبر جميع أفراده أنفسهم رجال سياسة, ونصفهم قادة وطنيين....". ولم يكن عبد الناصر قادرا على حكم سوريا لأكثر من ثلاث سنوات, في حين استطاع البعث حكم سوريا بالحديد والنار لمدة نصف قرن. والآن تعود السياسة من جديد للمجتمع السوري كي يقول كفى للاستبداد, كي يصنع مستقبله بيديه.
وبعد ثلاثة أشهر من بدء الانتفاضة دفع خلالها الشعب السوري عشرات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمهجرين, واتساع رقعة الاحتجاجات جغرافيا وعدديا ونوعيا, وتحولها إلى ثورة شعبية حقيقية, لها برنامجها السياسي وقيادتها, وآلياتها, ومؤيديها من أغلبية الشعب, بدأت النخب السياسية المعارضة تخرج من الأقبية التي سجنها فيها النظام, وقد وجدت في الانتفاضة الشعبية تنقل برامجها من الورق إلى الأرض, الانتقال من الاستبداد إلى الدولة الوطنية الديمقراطية, وبالتالي وجدت نفسها أن من واجبها دعم الانتفاضة. لكن كيف يتم ذلك؟
بدأ المخاض السياسي للمعارضة بتأييد الانتفاضة, والترحم على الشهداء, ومطالبة السلطة بوقف العنف, والقتل للتظاهرات السلمية. أما المثقفين والكتاب السوريين ومنظمات حقوق الإنسان, فقد شاركوا الانتفاضة على مستويات متعددة: منهم من انضم للثورة مباشرة وعمل على تغطية الانتفاضة سياسيا وإعلاميا عبر وسائل الإعلام المختلفة. وآخرين قدموا مشاريع مختلفة للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالوطن. ونوع ثالث كان ينظر من مكتبه بعين واحدة يملؤها الشك إلى المتظاهرين, وبالعين الأخرى إلى القصر الجمهوري. وينتمي إلى النوع الثالث: أدونيس الذي يراهم "رافعو رايات وشعارات, قتلى, مقاتلون", ونبرتهم "التهييج والطائفية والسلفية". وينظر إلى الرئيس وحده باعتباره الرئيس المنتخب! المنقذ. وميشيل كيلو الذي يقترح خريطة طريق (السفير:18-6-2011) يدعو البعث بموجبها "أن يعيد إنتاج نفسه من تحت, بما يلبي رغبات المجتمع". و"أن يستعيد النظام رؤية البعث الأصلية, التي دعت إلى نظام برلماني منتخب بحرية, وتعدد للأحزاب, وصحافة حرة..الخ".
وبدأت المعارضة بعقد مؤتمراتها في محاولة للوصول إلى رؤية مشتركة حول كيفية دعم الانتفاضة, وسُبل الانتقال السلمي للدولة الديمقراطية. مؤتمر في انطاليا, وثاني في بروكسل, وثالث في دمشق في فندق سمير أميس, لمثقفين معارضين مستقلين, ورابع في دمشق لأحزاب المعارضة انبثق عنها هيئة تنسيقية للتغيير الديمقراطي. وبالإضافة إلى المئات من الاجتماعات غير المنظورة في بيوت الناشطين السياسيين. وكل هذه المؤتمرات تعبر عن حالة طبيعية وصحية يتم من خلالها التعرف إلى الآخر ضمن المعارضة بقصد التوصل إلى رؤية مشتركة, بعد نصف قرن من التفكير المنفرد ضمن الأقبية, وبعد أربعة أشهر من انطلاقة الثورة السورية.
لكن المطلوب من المعارضة موقف واضح من الانتفاضة الشعبية, أكثر من التعاطف, أو موقف المتفرج على الرصيف. المطلوب إعلان الانضمام إليها, والقطع الكلي الفعلي مع النظام, رغم أن هذا القطع موجود في وثائق المعارضة. المطلوب العمل مع ائتلاف الشباب على تشكيل غطاء سياسي للانتفاضة. أو تشكيل قطب وطني ديمقراطي يشمل المعارضة بكافة أشكالها وانتماءاتها, و ائتلاف الشباب, من أجل تحقيق الهدف المشترك الذي يسعى إليه الجميع, عبر برنامج انتقالي ينقل الوطن بشكل سلمي وآمن إلى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. قطب وغطاء سياسي وطني للثورة السورية, يعبر عن أهدافها, وناطق باسمها في الداخل والخارج وتجاه السلطة, ويحمي الانتفاضة من اتهامات السلطة, ومن دائرة التنظير الطائفي البغيض التي يسعى البعض جرها إليه, مثل عرعور وغيره. وهذا الغطاء ضروري وأكثر أهمية من الغطاء الذي شكلته المعارضة في الخارج, وضرورته أن يتشكل الآن وليس غدا.
جاءت الانتفاضة لتنقل برنامج المعارضة من التأمل إلى الأرض, وهو برنامج للوطن كله, ومازالت المعارضة تقف بين الثوار والسلطة. والخطأ في تقدير اللحظة الثورية قاتل. والآن في سوريا لم يعد يوجد حلقة وسطى بين النظام والثورة, بعد كل الدماء التي سالت في الشوارع.
-3-
إلا أن السلطة الجديدة, لم تُدرك أن إعادة إنتاج السلطة الاستبدادية ذاتها, عند توريثها للابن, يجعل منها "مسخرة" - بتعبير ماركس- أو " مهزلة", للاستبداد الأبوي "المأساة", الذي جثم على صدور السوريين لمدة أربعة عقود. والدليل أن النظام, وبعد نصف قرن من التسلط, لا يعترف بوجود أزمة سياسية في سوريا, ولم يفكر يوما بالإصلاح السياسي, ومازالت عقلية الثمانينات هي التي تحكم سلوكه, وبالتالي فهو لا يملك إلا الحل العسكري والقتل وتمشيط المدن, لوقف احتجاجات الشعب في الشارع, بوصفهم خونة وسلفيين وعملاء للخارج وأخيرا جراثيم. ولم تدرك السلطة بأن هذه العقلية لم تعد صالحة للتحكم بالشعب وضبطه, بفعل المتغيرات الكبيرة التي حصلت على المستوى العالمي والداخلي. والاهم من كل المتغيرات, أن المتظاهرين في الشارع ليسوا سلفيين مسلحين (كالإخوان المسلمين في الثمانينات), أو جراثيم, أو مجرمين, كما يشيع النظام وأبواقه, إنما في الحقيقة, يعبر المتظاهرون عن انتفاضة سلمية للمجتمع المدني السوري بكافة الأطياف تطالب بالحرية, وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية. كما عبرت عن ذلك على الأرض, وكما ورد في شعاراتهم ووثائقهم الاولى.
ولأن الرئيس وحده يتكلم في السياسة, فقد خرج ثلاث مرات لا ليخاطب الشعب مباشرة, إنما ظهر أمام حاشيته ليقدم وعودا بالإصلاح, لكن لم يصدقه الشعب, فارتفع سقف أهداف الانتفاضة إلى إسقاط النظام.
واستمر النظام في تصعيد العنف العسكري, وتمشيط المدن, والاعتقال اليومي للناشطين, وفي محاولة لكسب الوقت حتى يسيطر على الانتفاضة, طرح مسألة الحوار الوطني, ليس فقط كإشارة للخارج بأنه يعمل على محاورة معارضيه, وإنما مرغما أيضا على تقديم بعض التنازلات. والحوار الوطني بقيادة النظام ليس أكثر من محاولة لتوفير غطاء سياسي للعنف العسكري الذي يمارسه على الأرض. إنها محاولة لتقديم بعض الفتات, ربما يستطيع بحسب تقديره, السيطرة على الانتفاضة وإجهاضها.
لكن مع من سيتحاور النظام, طالما مازال يردد بان المتظاهرين هم سلفيون وإرهابيون وعملاء, والمعارضة في الخارج عملاء للاستعمار الغربي الامبريالي, وانه لا يوجد معارضة وطنية حقيقية في الداخل يتحاور معها, لان المبدأ الذي يرتكز إليه النظام هو انه لم يقبل تاريخيا بوجود أي نوع من المعارضة تحاول مشاركته أو نزع ملكيته لسورية.
ولذلك انعقد المؤتمر التشاوري للنظام في مجمع صحارى (10-7-2011) بحضور الحاشية من البعث وجبهته التقدمية, وتم تزيينه ببعض ممثلي وممثلات الدراما السورية, وجميلات اتحاد الطلبة الذي يشارك الأمن في قمع التظاهرات كشبيحة. كما تم الاستعانة بمفكر لا يشك احد بوطنيته مثل طيب تيزيني, وهو الوحيد الذي تجرأ على رفع صوته ضد قتل المتظاهرين, وضرورة البدء فورا بتفكيك الدولة الأمنية.
وكانت الدعوة إلى بعض رموز المعارضة للحضور ليس أكثر من دعاية إعلامية, لأن منظمي المؤتمر لم يعملوا على تأمين مناخ طبيعي للحوار, وهم يعرفون موقف المعارضة الرافض للحضور تحت سقف النظام المستمر باعتقال وقتل المتظاهرين واجتياح المدن.
ولأن النظام لم يمارس السياسة منذ زمن بعيد, حيث تتلخص السياسة عنده في تنفيذ أوامر الأمن, وببعض العبارات التي تؤبد سيطرة الرئيس وعبودية الشعب. ولذلك فهو يدير الحوار بطريقة أمنية تحت سقف الرئيس, والذي جعله مطابق لسقف الوطن. وكان الشرط الرئيسي للحاضرين بأن لا يطرح احد إسقاط النظام, أو رحيله, أو انتهاء صلاحيته, كما تريد المعارضة والشارع المنتفض. وكل من يتجرأ على ذلك سيتعرض للضرب والاهانة من المؤتمرين أنفسهم, كما حصل في مؤتمر المبادرة الذي عقده النظام في سمير أميس تحت اسم الخط الثالث.
وليس غريبا على النظام أن يستخدم تعابير ومصطلحات ومطالب المعارضة لإضفاء الجدية على المؤتمر. فنائب الرئيس يفتتح المؤتمر تحت عنوان الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية. واستمر الآخرون بالدعوة إلى الإصلاحات التي تعيد إنتاج الدولة الأمنية برئاسة الأسد على أسس جديدة يحددها بنفسه. لكن التاريخ المعاصر لن يسمح بالمهزلة للمرة الثانية خلال عقد واحد.
إن النظام يعمل في الوقت الضائع, والذي يحاول تمديده بقصد الحصول على لعبة جديدة لعقود جديدة, باسم الحرية والديمقراطية. وهو لا يريد أن يعرف أن الشعب خرج من ملعبه, ليتنفس هواء الحرية, ويعيد بناء وطنه من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة