الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العـولــمـــة

ساسي سفيان

2004 / 11 / 17
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الباحث الجزائري ساسي سفيان
العـولــمـــة
( تحد ام ضرورة )
يشهد العالم منذ أكثر من عقدين ثورة جديدة في العلم والتكنولوجيا قد تفوق نتائجها أكثر بما لا يقاس نتائج الثورة الصناعية التي بدأت في إنكلترا أواخر القرن الثامن عشر .
تبدو مظاهر هذه الثورة الجديدة في :
1. الإعلام والاتصال والمعلوماتية.
2. المال والشركات المتعددة الجنسية
3. التكنولوجيا الحيوية .
4. الإنسان الآلي .
يرى بول كينيدي مؤلف كتاب " الاستعداد للقرن الحادي والعشرين" أنه " لولا التقدم الهائل في قوة الكمبيوتر و البرمجيات والأقمار الصناعية و كابلات الألياف البصرية والتحويلات الإلكترونية ذات السرعة العالية لما أمكن للأسواق العالمية أن تعمل كسوق واحدة"(2) .
وتعتبر الانترنيت المثال الأكثر نضوجاً للمشاريع المعلوماتية التي تزداد انتشاراً في مختلف بلدان العالم ، وهي عبارة عن شبكات اتصالات لتبادل المعلومات ونتائج الأبحاث بشكل سريع ، كامل وأمين(3) .
وتظهر نتائج هذه ثورة المعلوماتية في الاتجاهات الجديدة الآخذة بالانتشار عالمياً وأهم هذه الاتجاهات هي :
- الاتجاه نحو العولمة Mondialisation في حركة المال و الرسام يل والسوق والمنشآت.
السعي إلى إلغاء الأسواق القومية للدخول في مجال عالمي واحد ، و بأسلوب قد يؤدي لاحقاً إلى رفض وإدانة كل شكل من أشكال الحماية الوطنية .
- إلغاء وتعطيل أي اتجاه حكومي في إدارة وتوجيه الاقتصاد .
- الاتجاه نحو الخصخصة الكاملة في مختلف المجالات: في النقل البري والبحري والجوي ، في الصحة والتربية والثقافة ، في التأمين والمياه والكهرباء وغيرها من المجالات التي كانت ولا تزال تعتبر من الشؤون العامة التي ترعاها الدولة ذات الاقتصاد الليبرالي الحر (4).
ومنذ 1970 يجتمع كل سنة خلال فصل الشتاء في دافوس Davos أهم المسؤولين في العالم: رؤساء دول، مد راء بنوك ومال وشركات . ليدرسوا تطوير اقتصاد السوق والتبادل الحر ، وقد أصبحت دافوس مكان لقاء الأسياد الجدد ومركز الليبرالية المفرطة Lphyperliberalisme وعاصمة العولمة . ويرى بول كينيدي : "أن المنطق الحقيقي لعالم لا تحده حدود هو أن لا سلطة لأي كان ربما باستثناء سلطة مد راء الشركات المتعددة الجنسيات"(5) ويصرح هانس تيتمار Hanes Tietmeyer :" سيكون الرجال السياسيون منذ الآن فصاعداً تحت رقابة الأسواق المالية". ويقول مارك بلوندل Marc Blondel " السوق يحكم والحكومة تدير"(6) .
" هؤلاء السادة الجدد ، يعدون العالم بمستقبل ساطع وهم يمجون الانفتاح المتزايد للبلدان في التجارة العالمية وجهود الحكومات لخفض العجز والنفقات والضرائب ويصفقون للخصخصة ويشيرون إلى فضائل الادخار. ويبقى التنافس بنظرهم هو القوة القاطرة الوحيدة .
ويقول هلموت موشر Helmut Maucher رئيس شركة نسلة : في ما يخص الفرد أو المؤسسة أو البلد ، فإن الأمر المهم للبقاء في هذا العالم هو أن تكون أكثر تنافساً من جارك"(7) . بالمقابل هنالك مفكرون و استراتيجيين يبدون خشيتهم من النتائج المترتبة على مسار العولمة ، ويرى البروفيسور كلاوس شواب Klaus Schwab "أن العولمة دخلت مرحلة حرجة جداً . ونحس بتفشي الفوضى أكثر فأكثر وأخشى حصول صدمة قوية مشؤومة على النشاط الاقتصادي والاستقرار السياسي لعدة بلدان". وثمة تصاريح أكثر تشاؤماً إذ تقول روزابث موس كانتر Rosabeth Moss Kanter :" يجب خلق الثقة عند الأجراء وتنظيم التعاون بين المؤسسات قبل أن تستفيد الجماعات المحلية والمدن والمقاطعات من العولمة . وإلا فإننا نساعد على انبعاث حركات اجتماعية لم نشهد لها مثيلأً منذ الحرب العالمية الثانية ".
أما برسي بارنيفيك Percy Barnevik فيبدي تخوفاً من نتائج العولمة إذا لم ترفع المؤسسات تحديات الفقر والبطالة فإن التوترات ستزداد بين المالكين والمحرومين ، وسيزداد الإرهاب والعنف بشكل كبير "(8) . ويقول بول كينيدي :
" الهوة بين الأغنياء والفقراء في عالم اليوم هي في اتساع ، فكيف يمكن حقاً لثقافة مؤسسية ، متخطية للقوميات ، وتتمتع بتكنولوجيا معقدة ، ولا ولاء لديها لأية حكومة من الحكومات ولا تخضع لأية قوانين محلية أن تتعايش مع جماهير متعددة اللغات خاوية البطون ساخطة في عالم سيضم ثمانية أو عشرة بلايين من البشر"(9) ويضيف قائلاً : " أن المضامين التي تنطوي عليها الثورة المالية وثورة الاتصالات واتساع دور الشركات متعددة الجنسيات تشكل خطورة أكبر على العالم النامي "(10) .
و يتواصل الجدل حول العولمة منذ أواخر الثمانينات وحتى يومنا هذا، حيث تختلط الرؤى السياسية بالرؤى الإيديولوجية بالمصالح الاقتصادية أثناء التحليلات الفكرية لحالة التشكل السياسي والاقتصادي العالمي، التي تصنعها التطورات العالمية المصاحبة للعولمة. و للعولمة تجليات متنوعة ومتعددة اقتصادية اجتماعية سياسية وثقافية. والمشكلة المطروحة الآن هي الاتجاه نحو صياغة ثقافة عالمية. لكن هل تؤدي هذه الثقافة العالمية إلى القضاء على الخصوصيات الثقافية للمجتمعات المحلية؟ وهل تهدد هذه الصياغة للثقافة العالمية هويات وثقافات المجتمعات المختلفة. والمسألة الأكثر أهمية هي موقف المجتمعات المختلفة من العولمة.
مصطلح العولمة :
منذ التسعينات أصبح مصطلح العولمة هو السائد في مجال العلاقات الدولية وفي المجال الأكاديمي، وقد لعبت وسائل الإعلام والدوريات والمجلات العلمية وتصريحات السياسيين دوراً محدداً لنشر هذا المفهوم على المستوى العالمي، لدرجة اعتبرت العولمة حتمية تاريخية لا مناص منها لكل شعوب العالم، من هنا يمكن القول أن حقبة التسعينات وما يتبعها ستكون بدون منازع حقبة العولمة، وإن الحضارة القادمة ستكون حضارة العولمة كما يريد لها الأمريكيون أن تكون، وذلك وفقاً لأهدافهم وتصوراتهم الخاصة بهم، للسيطرة والهيمنة على بقة أجزاء العالم في جميع المجالات، وبخاصة في المجال الثقافي. حتى أصبح اسم العولمة مقرونا في كثير من الأحيان بالأمركة. فكبار المسؤولين الأمريكيين لا يخفون سعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهيمنة على العالم و عولمة القيم والثقافة الأمريكية التي يرونها الثقافة المناسبة والصالحة لكل شعوب الأرض لأنها تحمل من قيم ( التسامح ، العدالة ، الديمقراطية ) ما يجعلها مقبولة من طرف الجميع.
العولمة بناء على ما تحمله من عناصر، هي في تقديري تسمية جديدة لظاهرة قديمة. وعلى الرغم من أن الكثيرين حاولوا التأريخ لها عبر مراحل وحقب زمنية من تطور المجتمعات البشرية، سواء منهم من أرجع بدايات ظهورها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، أو من رأى فيها ظاهرة تزامنت مع سقوط جدار برلين وتفتت الاتحاد السوفيتي، إلا أنني أرى أن بذورها ملازمة لفطرة الإنسان وفق منطق: - أنا خير منه - الذي حكم على إبليس بالطرد من الجنة، وجعل قابيل يقتل هابيل، والاسكندر المقدوني يغزو فارس والهند، وقامت الحروب الصليبية في القرون الوسطى، وأبيدت الشعوب ولا تزال شعوب أخرى تتعرض للإبادة.. إنه منطق (الصراع الحضاري) الذي انتقل من مستوى الصراع المحدود في الزمان والمكان، إلى المستوى العالمي، فتنوعت أساليبه وتشعبت مجالاته. وتمثل العولمة في شكلها المعاصر قمة التراكم في العناصر المشكلة لهذا الصراع .
فالعولمة هي التداخل الواضح لأمور السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو الانتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية . فالعولمة هي إكساب الشيء طابع العالمية، وجعل نطاقه وتطبيقه عالمياً .
وعلى المستوى الاقتصادي، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية، بل: إن الاقتصاد القومي يتحدد بهذه العمليات. وهذا الوضع مغاير تماماً، لما كان عليه الحال في السابق، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها.
كما تعني العولمة ذلك التجانس الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي ينبغي أن تعيشه شعوب العالم، أي الإيديولوجية الموحدة في طريقة الحياة، والواقع أن العولمة تعني أمركة العالم، أي فرض نمط الحياة والثقافة الأمريكية على مختلف شعوب العالم. غير أن الإشكالية المطروحة تتلخص في الأسئلة التالية: ما هي العوامل التاريخية التي أنجبت العولمة؟ وهل فعلا يصل الإنسان إلى وضع تصور موحد للعالم بخصوص طريقة الحياة؟ وهل تراعى خصوصيات كل مجتمع في وسط المجتمع الدولي؟ ومن الذي يشرف على العولمة؟ ألا تطغى الذاتية لدى مدير العولمة، وبالتالي تسيطر خصوصيات ومصالح مجتمعة على بقية شعوب العالم؟ وهل العولمة ضرورية ؟ وماذا يكون جزاء من سار في ركب العولمة؟ وماذا يكون عقاب من تخلف عنها؟ وما السبيل الأفضل الذي ينبغي على الدول العربية سلوكه ؟
لقد أصبح مصطلح العولمة اليوم شائعاً أكثر من أي وقت مضى، فهو لا يغيب عن مواضيع النقاش والبحث. إن نشوء النظام الاقتصادي العالمي الأحادي كنتيجة لسيرورة طبيعية لتطور النظام الرأسمالي، وناتج لانهيار الأنظمة الشيوعية والاشتراكية، كانت له انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على مختلف البلدان والأقطار التي هي بدورها تشهد تحولات جذرية وبعضها في طريق الانتقال للعمل بميكانزمات المنظومة الجديدة حتى ولو كان ذلك تحت أغطية متنوعة كإعادة الهيكلة والإصلاحات والانتقال إلى اقتصاد السوق والنظام الليبرالي … إلخ وهذا سواء كان بصفة إدارية أو كنتيجة حتمية مفروضة.
العولمة والهوية الثقافة :
إن الحق الإنساني يخول لكل أمة أن تتميز عن غيرها من الأمم بما تمتلكه من مقومات حضارية تعمل على تشكيل هويتها الثقافية ، وصيانة خصوصيتها الوطنية، وتمنحها حق الاختلاف والتمايز، كما تجعلها قادرة على التعاون مع بقية شعوب الدول الأخرى كشريك منتج له شخصياته الفردية لا كتابع أو مستهلك أو مروج لما ينتجه الآخر، وتتمثل هذه المقومات الحضارية في كل القيم الرمزية للأمة.
ويبدو أن ظاهرة العولمة – من منظور الشمولية الكونية - باتت تطال المجتمعات الوطنية والقومية في مقوماتها الثقافية الأساسية. الفكر واللغة والآداب والفنون والتاريخ والعادات والتقاليد وحتى أنماط العيش والسلوك. مما يضع الدول أمام أخطر تحد - بعد زوال الاستعمار الاستيطاني والحرب الباردة – وهي تستشرف الألفية الثالثة.
تشير القرائن والمعطيات الماثلة في الساحة الدولية المعاصرة، إلى أن الصراع القادم – خلال الألفية الثالثة – إنما هو صراع حضاري مناطه القيم الرمزية والثقافية للأمة، أكثر مما هو صراع اقتصادي على المنافع المادية وإن كانا متلازمين.
ومن المعروف أن السيادة الوطنية التي كانت الحكومات والدول تدافع عنها في وقت ما بالقوى العسكرية، أصبحت الآن تعتبر قيدا غير مرغوب فيه على حرية الشركات غير الوطنية، ونلاحظ اليوم أنه حتى بالنسبة " للقوى العظمى" العالمية لا بد لها أن تفكر جيدا في الآثار والنتائج الخطيرة إذا قامت بأعمال عسكرية خارج حدودها، وذلك بدون استشارة الدول الأخرى.
إن الدول لم تعد قادرة على التحكم وبكل سيادة فيما تصنعه وما تشتريه، وأنه ولأول مرة في تاريخ البشرية، أضحى كل شيء يمكن أن يصنع في أي مكان ويباع في كل مكان، كما أن الحكومات لم تعد تتحكم في اقتصادها الوطني، وأن تنفيذ السياسات الوطنية يعتمد أساساً على التعاون مع الشركات والحكومات الأخرى.
كما إن الحكومات الآن لا يمكن أن تغلق حدودها لمواجهة الأمراض المعدية، أو المخدرات، أو الإرهاب، كما أن القطاع الخاص والإعلام أصبح يتحكم في نظم الدعاية بصورة أكبر من أي نظام شمولي عرف على مر التاريخ .
إن العولمة تهدف لدى كثير من الباحثين المتمرسين في بحث هذا الموضوع إلى توحيد العالم على أساس نظام نموذجي أحادي يلغي خصوصيات المجتمعات الناشئة والصغيرة وتكريس ثقافة المجتمعات القوية المسيطرة والمتفوقة لفترة أطول .
وفي مقابل ما يطرحه ( فوكوياما ) من أن نهاية التاريخ الذي زعمه حقق غايته المتمثلة في الحرية والمساواة، وفق النموذج الليبرالي، أعتقد من جهتي بأن الصراع سوف يصبح أكثر شراسة، وسيشمل مجالات أوسع في ظل العولمة، التي تعني فيما تعنيه من أوجهها المتعددة، هيمنة نمط ثقافي معين، هو تحديد النمط الثقافي الغربي عموماً، والأمريكي بوجه خاص، وما تحاول أن تفرضه وسائل الإعلام الأمريكية بصفة أخص على العالم وعلى المجتمع الأمريكي نفسه، وهو ما يفسر الصرخات الرافضة أو المتخوفة من هذه الهيمنة .
العرب و العولمة :
ما هي خصوصية الهوية القومية الحضارية للوطن العربي في ظل ما يسمى بالعو لمة التي أثارت جدلاً فكرياً وسياسياً وحضارياً وعلمياً كبيرا في جميع الأوساط، وعبر مختلف الوسائل الإعلامية والمنابر الأكاديمية والبحثية؟
إن تحقيق تزاوج ودمج عضوي وثيق بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين الثقافة القومية والقيم الذاتية، يتطلب الربط بينهما، وهذا لا يتم إلا إذا غدت قيم التراث واتجاهاته قيماً متحركة محركة حية، وإلا لبست اللبوس الذي يستلزمه التقدم العلمي التكنولوجي، فالتراث الثقافي شيء ثمين، تزداد قيمته عندما نجدده ونملأه بالديناميكية والحركة، ونجعل منه حافزاً على بناء حاضر جديد ومستقبل جديد، والماضي يظل مغنياً ما حافظ على هذه الرموز المحركة، ولا يغدو تخلفاً وجموداً إلا حين تفقد هذه الرموز معناها.
والثورة الثقافية ألحقه لا تعني هدم الماضي وتقويضه، وإنما تعني أن تجعل هذا الماضي حياً من جديد، عن طريق دمجه بالممارسة الاجتماعية والحضارية الفعلية، ومعنى هذا كله أن من الواجب توليد ثقافة جديدة تستطيع أن تستوعب العلم والتكنولوجيا اللذين يعدان من العناصر المحركة والمغنية للثقافة، ذلك أن العلم والتكنولوجيا لا يحملان معنى هداماً للثقافة إلا إذا وردا من خارج المجتمع. أما إذا ارتبطا بالمجتمع وأصبحا جزءاً مما يبدع وينتج، وعنصراً مرافقاً محرضاً لهذا الإبداع الذاتي، فلا بد أن يؤديا بالضرورة إلى تجديد الثقافة وتغييرها دون القضاء عليها، وهذا يعتبر بناءً للهوية، لا تشويه لها.
إذا كانت العولمة كما يقال" ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي، بل أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم، فهي نفي للآخر.." أو كما يقال "هي نوع من الهيمنة الرأسمالية المتوحشة التي تضع الفرد قبل المجتمع والاستهلاك قبل الإنتاج والمال قبل القيم. فإنه يتعين علينا في ظل هذه الوضعية، أن نتساءل: كيف يمكن للوطن العربي بمرجعيته التي تقوم على التاريخ والثقافة، من أجل وضع مشروع سياسي وحضاري متكامل، أن تتفاعل مع هذه العولمة التي ترتكز على مرجعية تقوم على الأبعاد الجغرافية والاعتبارات الاستراتيجية والاقتصادية وتكرس الاختلافات والتناحر فيما بين الشعوب المستضعفة لتسهيل عملية القضاء عليها ؟
هل العولمة أقصى درجات رقيها، عقبة كؤود، عصية على المواجهة والتجاوز بالنسبة لبلدان الوطن العربي ؟
تظل إمكانيات الشعوب العربية الذاتية والمرتبطة بالأصالة العربية الإسلامية من أهم المؤهلات وآليات الحفز والتأييد على الإسهام والتفاعل في متطلبات التطور والرقي في ظل النظام العالمي الجديد الذي هو في أساسه لا يزال بعد في طور التبلور أو التشكل. كما تظل الشعوب الإسلامية وسكان العالم الثالث ومنظماتها خير سند لنا فكرياً، ثقافياً، سياسياً، واقتصادياً، للوطن العربي والشعوب العربية.
أن المتغيرات الدولية ذات الإيقاع السريع مثل ظهور الأحادية القطبية، التحول في بنية النظام العالمي وآلياته، كلها عوامل أدت إلى سيطرة أفكار وثقافة وتنظيم غربي لكل مظاهر الحياة، وإذا دققنا النظر في الكتابات التي تتناول العولمة والهوية الثقتفية من جهة، و العولمة وتغير النسق القيمي من جهة أخرى لوجدنا أنها تثير قضيتين أساسيتين تتعلق أولاهما - بتفوق الثقافة الغربية والثقافة الاستهلاكية، ومحاولة تحطيم منظومة القيم السائدة في بلدان الجنوب، أما الثانية - فتركز على الخصوصية التاريخية والتفاعل بين الحضارات، وضرورة مواجهة الهمجية الغربية الهادفة إلى إرباك البنى الاجتماعية المتخلفة للاندراج في نسق التحول الرأسمالي العالمي. وهذا ما دعا المفكرين والمتخصصين إلى تناول إشكالية العولمة والنسق القيمي باعتباره أساس أي بناء اجتماعي، ومفتاح تحقيق الهوية والخصوصية والتفرد في مواجهة الآخر.
ستلعب العولمة المالية دوراً أساسيا في درجة تبعية الدول المتخلفة للدول المتقدمة فيما يتعلق بالمديونية الخارجية، إذا أصبحت تلك الديون أدوات مالية تتداولها البنوك والمؤسسات المالية العالمية، هذا ما أدى إلى نوع من عدم ثبات الدول الدائنة، وبالتالي احتارت الدول المدينة فيما يتعلق بالدولة أو الدول التي تتبعها من حيث ملكية رؤوس الأموال.
في ظل العولمة المالية، ظهرت التكتلات المالية العالمية لتسيطر على مصادر التمويل وتوجهها الوجهة التي تخدم مصالح الدول الكبرى بالدرجة الكبرى، دونما اعتبار لموضوع التنمية. باختصار تؤثر العولمة المالية (التي تعتبر حجر الأساس في العولمة الاقتصادية) على توزيع الادخار العالمي و توظيفاته في عالم وحيد القطب .
أمام تنامي وتزايد هيمنة الليبرالية الجديدة في طبعتها الأمريكية، تبدي مختلف الدوائر المهتمة بمستقبل الجزائر تخوفات رهيبة من دخولها الألفية الثالثة، وهي أمة مشتتة –مسلوبة الإرادة والقدرة والقوة. فعلى الرغم من أننا لا نمتلك المستقبل ولا نمسك بزمامه تماماً، إلا أننا نمتلك جزئياً تشكيل جانب منه، إذا ما استطعنا تحديد القوى والمتغيرات الحاكمة لحركيتها، وطورنا آليات التكيف الإيجابية والتأثير في الحركية الجارفة للعولمة المتعددة الأبعاد.
ولا بد من الإشارة إلى مؤسسات الاختراق وبخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي تستخدمها الإمبريالية الجديدة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت محتوى جديدا للنظام الدولي الجديد الذي يقوم على الفلسفة الغربية والأمريكية. فلسفة القوة التي تصنع الحق وتحميه، وهي في الواقع فلسفة تعمل على تشكيل العالم بالطرائق الغربية من أجل تجسيد أطروحة : إن المراكز الأساسية القائمة اليوم هي مراكز الغد، و مهمشي اليوم هم مهمشو الغد .
هل العولمة ظاهرة جديدة أم أنها عبارة عن مفهوم جديد لتشخيص واقع قديم؟ وبالتالي هل العولمة خرافة أم حقيقة ؟
إن محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات ليس معناه تبنى مواقف سلبية أو إيجابية من العولمة بل هي محاولة البحث عن الحقيقة الممكنة التي سوف تؤدي بنا لا محالة إلى احتمالين رئيسين :
أولاً - مناقشة احتمالات النجاح المطلق لعملية التخطيط المستقبلي لظاهرة العولمة ورصد ومتابعة ومراقبة خطوات هذه العملية والآثار المباشرة وغير المباشرة والمصاحبة لتنفيذ كل خطة، وهذا معناه الإقرار بحقيقة العولمة وما تحدثه من تشكل لنظام عالمي جديد يجعل الكثير يراجع حساباته من حيث ما أحدثه وما سيحدثه هذا النظام في المجال الاقتصادي والاجتماعي وخاصة في دول العالم النامي .
ثانياً - اعتبار العولمة مجرد مفهوم خرافي الغرض منه بسط إيديولوجية معينة يخضع لها الجميع، وبالتالي على شعوب العالم النامي بصورة خاصة التحلي بالوعي الحقيقي لمخاوفها الكثيرة النابعة عن الطابع الدعائي لمفهوم العولمة .
إن وقوف السياسات الكينزية عاجزة أمام الحد من ظاهرة البطالة والتضخم أدى إلى مراجعة تامة في الأسس النظرية للسياسات الاقتصادية، وكان من نتيجة هذه المراجعة انتصار عودة الأرتوذوكسية الكلاسيكية الجديدة، بعد خمسين عاماً من الغياب إلى ساحة الفكر الاقتصادي.
ويؤكد أنصار مذهب الحرية الاقتصادية الأرتوذوكسية ابتداء من نهاية السبعينات طابع عملية عولمة الاقتصاد غير قابلة للرجوع إلى الوراء، ومن هنا فإنه لا يمكن الفصل في تحليل ظاهرة العولمة بين التفكير في طبيعة الرأسمالية، وعلى نحو أكثر وضوحاً التفكير في علاقات الرأسمالية في المجالات السياسية والاجتماعية.
ساهمت الثورة المعلوماتية والاتصالات في انهيار البعد المكاني بين الحضارات والثقافات والأمم بحيث صار العالم وكأنه قرية صغيرة، إذ ازدادت التفاعلات بين الأفكار والمعلومات بشكل سريع فصار الكل يعرف ما يدور لدى الآخرين مهما كانت المسافات والأصقاع، كما ساهمت في تقليص أهمية البعد الزماني فصار من اليسير تتبع أحداث معنية في وقت واحد، فمثلاً يمكن مشاهدة برنامج معين أو مقابلة رياضية في نفس الوقت وفي لحظتها عبر أنحاء العالم، كما أن بعض الثقافات المحلية الشعبية أصبحت ذات خاصية انتشارية لدرجة كبيرة، فهذه أشكال الزي والعادات المتعلقة بالطعام وأنماطه، والمواقف الاجتماعية صارت تحظى باهتمام عالمي " وحتى الجرائم والمخدرات، أو إساءات معاملة المرأة أو الاختلاس أصبحت تتخطى الحدود ومتشابهة في كل مكان. ومن هنا نقول أن الظاهرة الثقافية المعينة تنتشر بسرعة عبر أنحاء العالم متجاهلة البعد الزماني (الزماني + المكاني)، وبطبيعة الحال فإن السرعة والسهولة الإنتشارية للأنماط الثقافية المختلفة تكون لصالح الأقوى، ذلك الذي يمتلك الوسائل ولديه الإمكانيات، فتنتشر بذلك ثقافة دون أخرى وعلى حسابها.
والمثير للانتباه أن العولمة لم تقتصر على الجوانب (الثقافية) الإيجابية، وإنما تطال أيضاً الجوانب السلبية، كالجريمة، والمخدرات، و السيدا Aids… الخ . ففي هذا الصدد صار الحديث عن عولمة البطالة، و عولمة الفقر وما إلى ذلك .
إن العولمة عبارة عن عملية مستمرة ذات أبعاد كمية وكيفية تشمل مجالات السياسات والاقتصاد والثقافة والاتصال، ولكن آليتها الفاعلة تتمثل أساسا في تكنولوجيا الاتصال بالأقمار الصناعية والشبكات المعلوماتية المتعددة الخدمات وثورة المعلومات عموماً. ولأن السيطرة على هذه الآليات التكنولوجية وتطويعها يعد مفتاح المشاركة في النظام الحالي للعولمة أو مقاومته.
إن العولمة هي ظاهرة شاملة تأخذ الطابع العالمي (بالرغم مما لها وما عليها)، وذلك على اعتبار أن كل مكوناتها لا تراعي الحدود الجغرافية للدولة القطرية، وشموليتها تصيب كل المجالات الحيوية للإنسان، حيث تتجلى العولمة في المجالات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية .
لا جدال في أن العولمة هي نتاج الرأسمالية العالمية المعاصرة التي أضحت تعميماً شاملاً بوصفها الشكل النهائي للحكم البشري. ولقد تولد عن هذا التعميم ردود أفعال تتراوح بين الرفض والقلق السلبي الذي يبطنه الإذعان والانصياع أو التأقلم الإيجابي مع مقتضيات وتحديات العولمة التي يعمل التكتل الصناعي من خلالها على تحديد مصائر الشعوب ويصنع غدها حسب ما تقتضيه مصالحه الحيوية.
العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والاجتماع والسلوك، ويكون فيها الانتماء للعالم كله، وهي ترتبط بالنظام الليبرالي الرأسمالي، الذي يملك قوة انتشارها وتوزيعها عبر العالم من خلال وسائل القوة التي يمتلكها، وتكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة، ثم من خلال قوته الاقتصادية والعسكرية .
ولا تملك أية دولة اليوم قدرة مواجهة العولمة، وبذلك تبدو وكأنها خيار لا مفر منه، الاندماج المطلق فيها دون وعي، والانعزال المطلق، كلاهما انتحار حضاري، ولا بد من انتهاج طريق وسط بين الأمرين .
وتبدو سلبيات العولمة بصورة أساسية في الغزو الثقافي. وتراجع الإنتاج الوطني لحساب الشركات متعددة الجنسيات، كذا إغراق السوق بالإنتاج العلمي والفني والاقتصادي للدول الغنية، مع تهميش الإنتاج والإبداع الوطني للدول النامية .
وخلاصة القول أن العولمة تتجلى في جميع المجالات، وهي بأبعادها المختلفة ليست كلها إيجابية، وإنما لها آثارها السلبية الكثيرة التي تمس جميع المجتمعات في بنيتها المختلفة وبخاصة منها تلك التي لا تملك مقومات قادرة على التصدي والصمود.
ورغم درجة الانتشار الواسعة لهذا المفهوم –العولمة – في الأوساط الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية، إلا أن الكثير من الباحثين يبدون نحوه كثيراً من المخاوف، بل يرونه باعثاً على القلق، بحكم أن المستقبل في ظل العولمة غير مضمون وسوف لن يكون له نفس النتائج لدى الجميع بحكم الاختلاف الكبير بين الدول في شتى المجالات، وخاصة في المجال التكنولوجي والمعرفي وفي مجال الاقتصاد والمال .
الباحث ساسي سفيان


[email protected] : البريد الإلكتروني
مصادر ومراجع الدراسة
(2) بول كينيدي – الاستعداد للقرن الحادي والعشرين ، دار الشروق ، بيروت 1993، ص 73.
(3) د. عادل الزعيم ، شبكة الانترنيت ، قدراتها ومجالات استعمالها ، الديار الثقافي ، العدد 11/ 10 آذار 1996 .
(4) Ricardo Petrella, le monde Diplomatique, Octobre 1995 P : 28
(5) Ignacio Ramonet, le Monde Diplomatique, Mars 1995, P: 1
(6) بول كينيدي ، المرجع السابق ص 78.
(7) Ignacio Ramonet, Op.cit. P: 1
(8) المرجع نفسه .
. (9)المرجع نفسه
(10) بول كينيدي، المرجع السابق ص81 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على