الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناؤنا في تطرفهم واعتدالهم

اسعد الامارة

2011 / 7 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان الطفل المشكل ما هو إلا المُعبر الظاهري عن اختلال اسرته في تربيتهم لابنائها وكثيرا ما يكون هو اكثر ابناء الاسرة ذكاء وحساسية ورغبة في النمو العقلي السريع وعليه فإن سلوك اطفالنا انما هو تعبير ونقل عن تربيتنا لهم فإن كانت التربية متزمتة وجدنا صداها في الابناء وإن كانت معتدلة لمسنا ذلك في سلوكهم مع انفسهم ومع الاخرين ويكون تقديرهم لذاتهم ايجابي ومتفاءل فضلا عن تطلعاتهم التي تعبرعن الصحة النفسية في الافعال والممارسات.
كثير من ابنائنا يعانون من التناقض الوجداني والبعض منهم تبدو عليهم علامات النفور والبعض الاخر يبدو عليه الغموض والالتواء في طريقة الحديث والتعامل فنعلم عندئذ انه تعلم الخضوع والطاعة العمياء من الاب المشغول دائما ومع العواطف السطحية من الام التي لم تعرف ابسط اساليب التربية فهي فقدت الصحة نفسية شيئا فشيئا من خلال ترك الحبل على الغارب في تربية الابناء .
اهملت الاسرة تربية ابسط المفاهيم والقيم وهي مفاهيم الشر والخير في نفوسهم الاحترام المتبادل فتولد تقدير الذات المنخفض لديهم حتى انطمست الحدود بين الصحيح والخطأ وتصل بهم الحال الى العجز عن التمييز بين ما يخص ذاته وما يخص الاخرين ونلاحظ هذه الظاهرة في سلوك الكثير من البالغين اليوم في كثير من المجتمعات وممن تربوا في اسر ضاعت فيها هذه الحدود في التربية لان الاب مشغول في عمله وغير متواجد في بيته لساعات طويلة من اليوم وإن تواجد فقط يصدر الاوامر والنواهي وأم غاضبة تعاني من صعوبة في تربية الابناء وتوجيههم توجيها صحيحا فتارة تغضب وتصب جام غضبها على ابنائها وتارة اخرى تلعن الاب الذي تركها وحيدة في مواجهة تربية هؤلاء الابناء الذين بدأوا يكبرون بسرعة جسديا ً وانفعاليا .
نحن (الاباء والامهات) المسؤول الاول والاخير عن ما يصدر من ابنائنا من تصرفات وسلوك مستهجن غير مقبول او سلوك مقبول ، فالقبول والطمأنينة والشعور بالانتماء للاسرة يمنح الابن او البنت طفلا كان ام مراهقا ً شعورا بالألفة مع مجتمعه ، هذا الشعور ينعكس ايجابيا مع خفض القلق لديه ويمنحه الامان النفسي الذي يستطيع من خلاله اشباع حاجاته الاساسية باقامة علاقات متوازنة مع الاخرين ، تبعد عنه عقدة الشعور بالنقص او الشعور بالدونية .. ولوتسألنا ما هي هذه العقدة؟
ان عقدة شعور بالدونية التي تنتاب البعض من ابنائنا وهم صغار تكبر لديهم في المراهقة وتستمر معهم في البلوغ حتى تصبح عصابا "اضطراب نفسي" متى ما أثاره موقف صادم او حالة حصر "قلق" نفسي .. يقول علماء النفس ان الشعور بالدونية يصبح استجابة شخصية برمتها أمام اي فرد كان وفي كل وضع .
هذا الشعور يسبب الآلم لصاحبه مع احساس عميق باللاأمن والخوف والعجز كما يقول "بيير داكو" في كتابه الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث .
نحن (الاباء) المسؤول الاول والاخير عن تربية ابنائنا ، فالتربية الصحيحة منذ الطفولة الاولى تقوم على التوازن بين النواهي والممنوعات ، القبول والاستحسان مقابل الرفض والعقاب ولا نغالي اذا قلنا ان التربية الصحيحة تقوم على اقصاء الترهيب والعقاب واستبداله بالمنح والتقبل مع التوجيه لانه يولد الثقة لدى الطفل في ان يقول ما يريد بدون خوف او تردد، اذا لم يقل ما يريد فإنه سيلجأ الى الكبت ، وهو اول الحيل الدفاعية اللاشعورية لاستبعاد الممنوعات والمحرمات التي لا يرضاها الوالدين او المجتمع ، والكبت هو من اكثر الحيل الدفاعية انتشارا بين الاطفال ومن ثم بين المراهقين حتى تستفحل لديهم وهم بالغين فتبتعد الشخصية عن مسار الصحة النفسية ، انه يقود صاحبه الى الفشل في التوافق مع الذات ومع الاخرين في المجتمع الكبير.
ان الاسرة المتطرفة في تعاليمها التربوية تخلق لدى ابناؤها النقيضين : اولهما : الانحراف
ثانيهما : العزلة .
اما اذا كانت الاسرة تعلم ابناؤها الاعتدال في التربية والتوجيه فإنها ستحدث التوافق في سلوك ابنائها ، التوافق مع الذات والتوافق مع الاخرين في المجتمع فسلوك الابناء هو مرآة لما يدور من اساليب للتربية داخل الاسرة .
ان الاسرة التي تنجح في تربية الاعتدال في ابنائها تنجح في خلق صحة نفسية فردية وجمعية لدى الابناء والمجتمع لانها تسعى لاقامة علاقة آلفة مع الاخرين من خلال زرع بذور القبول والتآلف بين الابن والمجتمع والعكس غير صحيح اذا ما زرعت الاسرة لدى ابنائها التطرف في الاحكام على الاخرين سواءا الاحكام القيمية او الدينية المتطرفه او حتى الرياضية فتخلق لديهم الرفض الدائم لكل ما يطرحه الاخر ويتكون السلوك المعارض لكل ما يقوله الآخر وعليه فالاسرة التي تتقبل ذاتها وتقوم بتربية ابنائها باعتدال تكون قد حققت هويتها أزاء المجتمع ومارست درجة من النجاح في التوافق معه والمساهمة في تكوينه وتعد مشبعة في محاولات وجودها بحيث لاتعوض عن نقصها او شعورها بالدونية في الخارج بوساطة استخدام صغارها .
شكل التطرف سلوكا ً مقيتا ً لدى معظم الابناء الذين تلقوا تربية صارمة من اسرهم فصفة الغموض ملازمة لهم وهم كبار فضلا عن الالتواء في طريقة الحديث والاسلوب والتفكير ويجد الفرد نفسه ملزما بالرقابة على سلوك الاخرين ونقدهم بمناسبة او غير مناسبة ، نقدا جارحا يخلو من اللياقة والدبلوماسية لان صاحبه لم يشبع من الحنان والعاطفة فكيف به ان يعطيها لاسيما ان فاقد الشئ لا يعطيه .
يلجأ الى النفور من الاخر والتشكيك به وبكل ما يقول فنجده وهو كبير يشكك في اقرب الناس اليه ويشكك في نفسه وتقود هذه الاشكالات النفسية الشخصية الى التشكيك في العلاقة الزوجية وما يتعلق بها من اقامة سوية تستند على الثقة المتبادلة فنجد الكثير منهم يفشل في الزواج وربما ينفصل وهو السبب في ان تكون العلاقة مع الزوجة بها من المنغصات اكثر من التوافقات ، وينسحب ذلك على العلاقة في العمل والعلاقة بالاخوة والاخوات الاشقاء والعلاقة بالابناء ان وجدوا وبكل المحيطين به حتى ان هذا النمط من الشخصية يتسم بسمات الشخصية التي تحمل افعالها مثل الغموض والالتواء والنفور من الاخرين .
ان الجميع ينحني احتراما واجلالا أمام الاباء الذين لايعدون انفسهم أسياد ومتسلطين على ابنائهم لأنهم عرفوا ان التربية تعني نقل القوة في الشخصية والتوازن في السلوك لذا فهم ايقنوا تماما ان الانسان يعطي إلا ما يملك فكان العطاء للابناء الثقة والاعتدال في التعامل في كل المواقف فكانت الشخصية المتزنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا