الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسارات التنافس الامريكى – الصينى

محمود خليفة جودة
كاتب وباحث

(Mahmoud El Siely)

2011 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


مع مطلع القرن الحادي والعشرين، شهد النظام العالمي تحولات في ميزان القوي الدولي، وبزوغ قوي دولية جديدة تتنافس علي المكانة الدولية بعدما منيت الولايات المتحدة الأمريكية بالفشل فى حربها فى أفغانستان والعراق وتأكد ذلك بعد تصدع النظام الرأسمالى العالمى بقيادة الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية العالمية , أصبح النظام العالمى يتوجه نحو قياده التنين الصينى كقوة عظمى , وقد أدى ذلك إلى تغيرات فى طبيعة العلاقات بين القوي الرئيسية في هذا النظام، وفي مقدمتها العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين, وحدوث تغير فى الخطاب العام الصيني تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بعد الأزمة المالية العالمية، والتعامل معها بشكل أكثر ندية ,تشكل العلاقات الأمريكية الصينية نموذجاً يجمع بين الصراع والتعاون الحذر ، إذ تمتلك كل منهما أبعاد وعناصر القوة فالولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة فى العالم ، تريد الاحتفاظ بالهيمنة على النظام الدولى ، والصين بثقلها الديموغرافى والاقتصادى والسياسى والعسكرى المتزايد ، تعمل من أجل الوصول لقمة النظام الدولى خلال منتصف هذا القرن.واذا كانت العلاقات الأمريكية الصينية تتراوح بين الصراع والتعاون .

شكل العلاقات الصينية الأمريكية خلال المرحلة القادمة وخاصة فى ظل تنامى القدرات الصينية بقوة سوف يحدد ملامح النظام العالمى الجديد القادم , العلاقات الصينية الأمريكية هى علاقات معقدة تتراوح بين التقارب حين والتصارع حين أخر ويرجع ذلك لاختلافات مصالح كل منهما عن الأخرى , الولايات المتحدة تنظر إلى الصين على أنها قوة ناهضة لها دورها الأقليمى والعالمى كما تنظر الصين إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة ذات المصالح المتشعبة على مستوى العالم كما أنها يمكن أن تلعب دوراً مهماً بالنسبة للصين , ولكن فى نفس الوقت فأننا نجد الولايات المتحدة ترى أن صعود الصين يهدد مصالحها الحيوية وأمنها القومى , وترى الصين ضرورة التوجة نحو عالم متعدد الأقطاب لا تكون فيه هيمنة أمريكية بل توازن بين القوى المختلفة , وتلعب العديد من القضايا دور رئيسى فى تحديد طبيعة وشكل العلاقات الصينية الأمريكية , فتمثل قضية دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأنفصال تايوان نقطة محورية فى العلاقات الصينية الأمريكية ,وتعود جذور التوتر فى العلاقات الصينية الأمريكية إلى عام 1949م بسبب دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأنفصال تايوان عن الصين ,الأمر الذى تعتبره الصين غير مقبول فهى تنظر إلى تايوان باعتبارها جزء لا يتجزاء من الصين , كما يثير الدعم الأمريكى العسكرى لليابان والهند حفيظة الصين إذ تعتبره الصين فى الأساس موجه ضدها ولتحجيم تقدمها , كما يأتى هذا التحرك الأمريكي فى المجال الحيوى للصين ليزيد من توتر العلاقات بينهما , إذ تحرص أمريكيا على التواجد العسكرى فى آسيا لتحقيق التوازن الأقليمى وردع الصين عن التحول لقوة مهيمنة ولمنع حدوث أى تحالف استراتيجى بين روسيا والصين , فالإستراتيجية الأمريكية في آسيا إستراتيجية هدفها الرئيسي هو تطويق الصين من خلال تواجد للقوات الأمريكية في مناطق العمق الإستراتيجي للصين فيما يعرف باسم إستراتيجية "احتواء الصين"., كما تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية تزايد الأنفاق العسكرى وترى أن ذلك التزايد فى القوة العسكرية الصينية موجه إليها على الرغم من أن الصين لا يمثل أنفاقها العسكرى سوى 6% من حجم الانفاق العسكرى فى العالم مقارنة ب 43% للولايات المتحدة الأمريكية.

منذ عام 1990 م فأننا نجد تطور غير متوازي للعلاقات السياسية الاقتصادية الصينية الاميركية هو السمة الاساسية للعلاقات بين البلدين ،فالسياسة الخارجية الأمريكية معقدة , فالنظام الأمريكى بقتسم فيه الرئيس والكونجرس السلطة التنفيذية , وهو ما أنعكس على تضارب فى طبيعة وشكل العلاقات الأمريكية الصينية ,ففى الوقت الذى يحدث فيه تقارب على المستوى الرئاسى فقد مثلت زيارة أباما للصين بعد تولية الحكم نقطة انطلق نحو تعاون أمريكى صينى إلا أن توجهات الكونجرس التى ترى الصين قوة معادية , قد قاد إلى خلق شكوك صينية حول الكونجرس والعلاقات بينهاوبين أمريكيا فهناك تضارب فى المواقف الأمريكية تجاة الصين الأمر الذى يذكى التوتر وعدم التعاون بينهما ، تعرضت العلاقات السياسية بين الصين وامريكا الى العديد من المتاعب والعراقيل ؛ فالاضطرابات السياسية عام 1998 م والعقوبات الامريكية التي فرضتها على الصين ، وبيع المقاتلات اف – 16 لتايوان ، وحادثة سفينة نهر المجرة ، والمناورات العسكرية الصينية وارسال امريكا لاسطولها الى مضيق تايوان ، وربطها لمسالة حقوق الانسان بالتجارة ، وتقديم مشاريع قرارات ضد الصين في مؤتمرات حقوق الانسان لهيئة الامم المتحدة ، وقصف السفارة الصينية عام 1999 م ومنح أحد المعارضين السياسيين الصينيين جائزة نوبل للسلام , واستقبل الزعيم الروحى لأقليم التبت الدالى لاما الذى يدعو لأنفصال التبت عن الصين ,والتنافس الأمريكى الصينى على استخراج والتنقيب عن النفط والغاز فى منطقة بحر الصين وغيرها من المواقف .

تعمد الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام ملف حقوق الأنسان كورقة ضغط على الصين لأحراجها فى المجتمع الدولى وللضغط عليها لتحقيق مصالحها تجارية مع الصين ,وتوجة الولايات المتحدة العديد من الاتهامات للصين لأنتهاكها حقوق الأنسان , وتعارض الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الطفل الواحد فى الصين وتجد ذلك ضد حقوق الأنسان , فى حين ترى الصين أن أوضاعها السكانية هى التى فرضت عليها هذا حتى تستطيع تحقيق التنمية, كما تنتقد الصين النظام السياسى الشيوعى القائم فى الصين وتدعوه إلى إتخاذ العديد من الإصلاحات السياسية وفقاً للرؤية الأمريكية ,وفتح المجال أمام حرية التعبير والرأى وعدم قمع المعارضة , وتجد الصين فى ذلك خطر يهدد الكيان الصينى قد يفضى إلى تفككة مثل ما حدث مع الاتحاد السوفيتى بعد تينى اصلاحات سياسية فيما يعرف بالبروسترويكا, كما تضغط الولايات المتحدة باتجاه محاولة تغيير اساس النظام الاجتماعي , كما نجد خلاف أمريكى صينى حول مكافحة الاحتباس الحرارى الناتج عن عمليات التصنيع وحرق الوقود ووتصاعد الغازات السامة فى الهواء , فالصين ترى ضرورة تحمل الدول المتقدمة عبء تلوث البيئة العالمية لأنها المسبب الرئيسى لظاهرة الاحتباس الحرارى , وفى الجانب الأخر نجد أن الولايات المتحدة تلقى بالمسئولية على عاتق الجميع وضرورة مشاركتهم فى تحمل نتائجها ومكافحتها, كما هناك اختلاف امريكى صينى فيما يتعلق بحظر انتشار الأسلحة النووية , فعلى الرغم من توقيع الصين على اتفاقية حظر الانتشار النووى والتجارب النووية بالأضافة إلى اتفاقيتين حظر انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية , فأن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن الصين تمد بعض الدول بالتقنيات النووية العسكرية مثل كوريا الشمالية الأمر التى تعتبره أمريكيا تصعيدا للتوتر الأقليمى فى آسيا وتهديداً للسلم الدولى .

نجد تشابك فى طبيعة وحجم المصالح الإقتصادية بين الصين والولايات المتحدة على الرغم من المنافسة القوية بين الدولتين على كافة الأصعدة السياسية والإقتصادية والتكنولوجية والعسكرية,وما تشهده علاقاتهما السياسية من توترات , فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين عام 1990م إلى 4,807 مليار دولار وذاد ليصل ب 191,674مليار دولار في عام 2003م , التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين قد تضاعف 6 مرات في الفترة ما بين 1990م- 2000م , وقد جاءت الأنطلاقة القوية فى حجم التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع الصين وانضمامها لمنظمة التجارة الدولية فى عام 2001م , وتعد الصين هى الشريك التجارى الثالث على مستوى العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد اليابان وكندا , في حين تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الشريك التجاري الأول مع الصين يليها اليابان ,إذ تحتل الصادرات الصينية لامريكا تحتل 21 % من اجمالي الصادرات الصينية مع دول العالم , فى حين ترتفع الصادرات الأمريكية للصين بمعدل سنوى بنسبة 21.5% منذ عام 2001م ,وتستثمر الصين مليارات الدولارات فى سندات الخزانة الأمريكية مما جعل استمرار الصين في إعادة استثمار فوائض الحساب الجاري المتراكمة لديها في الأوراق المالية الحكومية الأمريكية، يشكل أهمية بالغة بالنسبة لنمو الولايات المتحدة واستقرارها المالي,فعلى الرغم من انظمام الصين لمنظمة التجارة الدولية وأهمية الصين كقوة اقتصادية كبرى لاغنى عنها فى النظام الاقتصادى العالمى بالأضافة كبر حجم السوق الصينى والأمريكى وقدراتهما على استيعاب حجم التبادل التجارى بينهما , فأن العلاقات الاقتصادية الصينية الأمريكية تشهد عدم استقرار وتوتر ,حيث ترى الولايات المتحدة الصين لا تلتزم باتفاقية تحرير التجارة بما يضمن التنافسية , كما أن التبادل التجارى يعمل فى الأساس لصالح الصين فهناك عجز بالنسبة للولايات المتحدة فى تجارتها مع الصين, وتعمل سياسات الحماية التجارية المتبادلة على عرقلة نمو التبادل التجاري بين الدولتين لمستويات أكبر مما تبلغ عليه الآنففى أغسطس 2005 عرقل الكونغرس صفقة شراء شركة الطاقة صينية CNOOC لشركة البترول الأمريكية UNOCAL. حتى لا يؤدى ذلك لزيادة قدرة الصين التكنولوجية بما قد يخدم الأغراض العسكرية , وفى الجانب الأخر تحد الصين من حجم الاستثمارات الإمريكية فيها حتى لا يؤدى ذلك لتحكم خارجى فى اقتصادها ,كما تمثل حقوق الملكية الفكرية أحد مصادر التوتر في العلاقات التجارية الأمريكية الصينية , فالولايات المتحدة الأمريكية ترى أن الصين لا تتحترم حقوق الملكية الفكرية وتقوم بتقليد العلامات التجارية الأمريكية , مما يجعل الشركات الأمريكية تخسر خسائر كبيرة , وتعد قضية العملة الصينية " يوان " أهم القضايا الشائكة المتعلقة بالتجارة بين الولايات المتحدة والصين , فالولايات المتحدة الأمريكية تجد أن الصين تتحكم فى عملتها الأمر الذى يؤثر بالسلب على قيمة الدولار فهى ترى ضرورة تعويم الصين لعملتها الوطنية , حقيقة الأمر فأن العلاقات الصينية الأمريكية فى مجملها هى علاقات توتر وأن جانبها التقارب فى بعض الأوقات .

سوف نحاول التعرف على مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية لما لذلك من تأثير فى تشكيل النظام الدولى فى المرحلة المقبلة , فالمتتبع للعلاقات الصينية الأمريكية يجد أن هناك ثلاثة مسارات لمستقبل العلاقات بينهما .
المسار الأول : ينظر إلى أن ثمة تقارب وتعاون صينى أمريكى سيحدث فى المستقبل , فى ظل ترسيخ العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين , وفى ظل تفعيل لغة الحوار والاعتماد على الدبلوماسية فى حل القضايا العالقة بين البلدين ,فالتقارب والتعاون يصب فى مصلحة البلدين معاً , فالصين المتقدمة أفضل من الصين المتخلفة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بل النظام الدولى ,فالتعاون بينهما يحقق مكاسب لكل منهما , فيمنع حدوث تحالف استراتيجى صينى روسى موجه ضد الولايات المتحدة الأمريكية كما يمنع دعم الولايات المتحدة للقوى الأقليمية فى آسيا للحد من التقدم الصينى ,كما سوف يخدم الصين فى طريقها فى الدفاع عن وحدتها السياسية , كما تلتقى المصالح الصينية الأمريكية فى العديد من النقاط, فالصين لها مصالح استراتيجية مشتركة مع الولايات المتحدة في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة شرق آسيا, كما هناك حاجة للتعاون بينهما لحل المسائل العالمية كالبيئة والمخدرات والتهريب والهجرة والطاقة وغيرها,كما أوجدت تفجيرات الحادى عشر من سيتمبر 2001م نقاط التقاء جديدة لمصالحهما المشتركة في مسالة مكافحة الإرهاب الدولي , فى حين نجد أيضاً إن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تتميز بشمولية كبيرة وامكانية احتواء مرنة مما يتيح لها التعلم من تجارب الديمقراطية الاجتماعية الناجحة ذو النمط الغربى, ففى النهاية كلما اشتدت التوترات بين البلدين ، يمكنهما في النهاية التوصل الى حلول لها ، والعامل الاقتصادي يلعب الدور الاهم في تهدئة الامور والذي دائما ما يعيد العلاقات الى مجراها الطبيعي.
المسار الثانى : المسار الصراعى إذ يتوقع أن تشهد العلاقات الصينية الأمريكية المزيد من التوترات والاحتكاكات الأمر الذى قد يقود لصراع عسكرى بينهما , وذلك فى ظل رغبة الصين الشديدة فى التحول إلى قوة عظمى فى ظل السعى الدائم لتطوير قدراتها وانفاقها العسكرى , الأمر الذى تنظر إليه الولايات المتحدة الأمريكية على أنه مصدر التهديد الرئيسى للأمن القومى الأمريكى ولأمكانتها فى النظام الدول , فهناك قلق امريكى من تنامى القدرات العسكرية الصينية والخوف من حدوث تحالف استراتيجى مع الند الروسى , كما هناك قلق وشكوك صينية حول دعم الصين لليابان والهند ودعم الحراكات الأنفصالية فهذه القضايا موجهة ضد الصين , الأمر الذى يهدد الكيان الصينى , وفى حال نشوب الصراع المسلح بينهما فأن نتائجه غير معلومة وغير محتملة فهى مفتوحة على كل الأحتمالات فى ظل ما تملكه الصين وأمريكيا من قدرات نووية عسكرية , بلأضافة إلى تفوق الصين الكمى والذى يقابل بتفوق كيفى أمريكى .
المسار الثالث : المسار الواقعى الأوضاع على أرض الواقع لا تعبر عن علاقات صينية أمريكية قد ترقى فى المستقبل لحد التقارب والتعاون الأستراتيجى, كما لن تصل إيضاً لحد المواجهة العسكرية , فهناك توترات وخلافات جوهرية يقابلها وجود مصالح مشتركة مما قد يؤرجج العلاقات بينهما بين الصعود والنزول , فكل منهما قادر على الأضرار بمصالح الأخر أو العمل على تقويتها وتنسيقها.

فنجد أن مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية يتأرحج بين التعاون والصراع, فالعلاقات الامريكية الصينية لا تسير علي وتيرة واحدة, يمكن القول إن مستقبل العلاقات بين البلدين لم يعد محكوما فقط بالمصالح التجارية والاقتصادية بين البلدين أو بالإستراتيجية العسكرية والأمنية لهما؛ ففي كل الأحوال يستطيع الطرفان تحقيق قدر ما من التوازن في مجمل هذه العلاقات في العقود الثلاثة المقبلة رغم الافتقار إلى الثقة المتبادلة على الصعيد السياسي بعد أن تمكنا من إحداث تطوير إيجابي نسبي في علاقتهما معا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط