الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (12).. تغييب العربي عامة والفلسطيني خاصة

خالد أبو شرخ

2011 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


من أجل تبرير عملية نقل اليهود من بلدانهم, إلى الأرض الموعودة (فلسطين), قامت الصهيونية بنقد الشخصية اليهودية في الشتات, كشخصية هامشية وجوالة, تمثل الماضي والحاضر, وطرحت تصورا لليهودي النقي, الذي سيحل محل يهودي المنفى, بوصفه يهودي المستقبل, وفي المقابل كان عليها نقد الشخصية العربية, في فلسطين خاصة, وفي البلدان العربية عامة, بصفتها الشخصية المقابلة والنقيضة لليهودي النقي في مشروع إستيطان فلسطين.
قدمت الصهيونية الإنسان العربي, من المنظار الإستعماري العنصري التقليدي, فهي شخصية متخلفة, لا تفهم شوى لغة القوة, وإتباع سياسية الردع معها هو الأسلوب الأمثل, وهذا الوصف شائع في التبريرات والإعتذاريات العنصرية, وأدبيات الإستعمار الأوروبي, فهذا الوصف ليس للعربي أو الفلسطيني, بقدر ما هو وصف لأي آسيوي أو إفريقي أو هندي أحمر.
الصهيونية التي رأت نفسها جزءا لا يتجزأ, من الحركة الإمبريالية الغربية, ومن الهجمة العسكرية على المشرق العربي, لم يكن من الضروري لها دراسة دقيقة للشخصية العربية, وإنما يكفي الحديث عن مدى تقدم الحضارة الغربية, وتقدم الإنسان الغربي, والإشارة إلى تخلف الإنسان العربي.
فأي تفكير عنصري لا بد أن يتسم بهذا التعميم والتجريد والإنتقاء, وغير ذلك فسيجد نفسه أمام وجود كيان بشري محسوس, له قيمته الإنسانية والحضارية, مما يجعل من العسير تقبل التبريرات التي تسوغ إستغلاله.
الفيلسوف الأمريكي الصهيوني " هوارس كالن", لم ير في العربي إلا صورة الشيخ العربي, من الإمارات البترولية, الذي يضيء قصره بأضواء حمراء, ويستمع للآذان من جهاز تسجيل, ولا يقابل سوى شيخ قبيلة من صحراء النقب في فلسطين, يلبس هو وأبناءه ساعات مستوردة لا تبين الوقت, ويحملون أقلاما لا يستعملونها, ويرتدون جاكيتات فوق جلاليبهم, ووظيفتهم بطبيعة الحال تهريب المخدرات ....!!!

لكن الصهيونية تتعمق أكثر في التجريد, عن الإستعمار التقليدي, في نظرتها للعربي عامة والفلسطيني خاصة, حيث تتفرد بنظرة خاصة بها, تشكل أساس التصور الصهيوني للعرب, وهو الموقف الصهيوني من "الأغيار".
فالرؤية الصهيونية تتسم بالإستقطاب المتطرف, " يهودي نقي ضد الأغيار ", وقد وصفت الصهيونية "الأغيار" بأقذع الصفات, مثل قتله, متربصون باليهود, معادون أزليون للسامية ....الخ
ومقولة "الأغيار" في الأدبيات الصهيونية أكثر تجريدا من مقولة "يهودي" في الأدبيات النازية, أو "الزنجي" في الأدبيات العنصرية البيضاء, لأنها لا تضم أقلية واحدة أو عدة أقليات, إنما تضم كل الآخرين في كل زمان ومكان, ووضعت الصهيونية الإنسان العربي عموما, والفلسطيني خصوصا داخل مقولة "الأغيار" .
وتظهر مقولة "الأغيار" في وعد "بلفور", الذي أشار إلى السكان العرب الفلسطينين, والذين كانوا يشكلون أكثر من 95% من مجموع السكان حينذاك, على أنهم " الجماعات غير اليهودية ", ودون تحديد لهذه الجماعات أو ذكر إسمها.
وعندما كان "هرتزل" يفاوض بشأن "كريت" كموقعا للإستيطان الصهيوني كتب عن " الجماعات غير اليهودية " التي تقطنها ووصفهم بـ " الحشد المختلط من الشرق ", وبهذا التعريف يصبحون شيئا عاما, وجزءا من الطبيعة, يسهل التعامل معه واصطياده وإبادته .
وبشير "إسرائيل شاحاك" اليهودي الغير صهيوني, أن كل شيء في إسرائيل, ينقسم إلى يهودي وغير يهودي, وينطبق هذا التقسيم على كل مظاهر الحياة, الإقتصادية والسياسية والإجتماعية .

وإذا كانت الصهيونية قد رأت العربي, في الماض والحاضر, هو الإنسان المتخلف الغير متحضر, ووضعته من ضمن "الأغيار", وأنكرت أي حق له, والذي يسهل نقله أو إقتلاعه أو إبادته, فإن العربي في المستقبل رات به, هو نفس العربي في الماضي والحاضر, "فالأغيار" ذئاب الماضي, وذئاب الحاضر, وذئاب المستقبل, فقد وصف " إسحق بن تزفي" المقاومة العربية في بداية القرن العشرين, والتي كانت تتطلع لمستقبل الشعب الفلسطيني, بأنها: " مجرد مذبحة يرتكبها معادو السامية, حرض عليها قنصل روسيا " وفي المؤتمر الصهيوني السابع (1905م) حذر المؤتمرون من أن الفلاحين العرب, سيتحولون ضد اليهود, مهما كان تصرف وسلوك اليهود, وحياتهم فثورة فلسطين ليست محاولة لرد العدوان والظلم, بل هي تعبير عن العداء الأبدي, الذي يبديه "الأغيار" تجاه اليهود .
ولا يزال هذا الأمر شائعا في إسرائيل, فقد فسر المفكر والعالم الصهيوني " بشاياهو ليبوفيتز" ما سماه الصراع العربي اليهودي, على أنه تعبير عن الجوهر الأزلي لمأساة الشعب اليهودي التاريخية, أما الشاعر " بنحاس صادح" فيرى أن العرب, هم التعبير عن حاجة العالم المسيحي لتصفية ظاهرة اليهود.
ويفسر الكاتب الإسرائيلي " يهوشادا" المقاومه الفلسطينية, على أساس أنها شئ غير مفهوم, ودوافعها غير عقلانية, فثمة شيء في اليهود, يؤدي إلى إثارة جنون الشعوب الأخرى.

وفي هذا الإطار نجد أن العربي الجديد, المقابل البينوي لليهودي النقي, لا وجود له في الأدبيات الصهيونية إلا نادرا.
ومن هذه الكتابات النادرة, ما دونه "هرتزل" في يومياته, حين كان في القاهرة, حيث إستمع إلى محاضرة في الري, ولاحظ العرب المصريين, وإستمع الى ملاحظاتهم وإستفساراتهم, فكتب :" إن المصريين هم سادة المستقبل هنا, ومن العجيب أن الإنجليز لا يرون ذلك, فهم يعتقدون إنهم سيتعاملون مع الفلاحيين إلى الأبد", وأخذ بعد ذلك يصف كيف أن الإستعمار ذاته يخلق " الجرثومة ", التي تقضي عليه, وذلك لأنه " يعلم الفلاحين الثورة ", وأبدى "هرتزل" دهشته لفشل البريطانيين في إدراك هذه الحقيقة, ولكن يحق للمرء أن يتعجب لفشله هو أيضا, في إدراكها فهو في اليوم التالي ذهب للتفاوض بشأن منطقة العريش, لتكون موطنا للإستعمار الصهيوني.
وعلى ما يبدو أن ما سجله هرتزل, إنما يدل على لحظة تاريخية نادرة, في فهم القانون التاريخي للإستعمار, ولكنه غاص مرة أخرى في الأسطورة الصهيونية, فاستثنى تفكيره الإستعمار الصهيوني المقدس والمطلق, من هذا القانون التاريخي, ولم تترجم لحظة الإدراك نفسها, في حكمة وسلوك أنساني أو سلوك عقلاني.
وقد رسم "هوارس كالن" صورة العربي الفلسطيني في المستقبل, كما تحب الصهيونية أن تراه, فكتب :" لو حصل اللاجئون على جوازات سفر تمكنهم من التحرك بحرية, ومبلغ كاف من المال ليشقوا به طريقهم, إلى مكان يجدوا فيه سبل العيش المعقول, وقيل لهم هذا كل شيء ستحصلون عليه, ولا شيء آخر لبدأوا عندئذ في الإعتماد على النفس "
أي أن تحديث الشخصية العربية المستقبلية, يجب أن ينتج عنها تفهم وتقبل العرب للمشروع الصهيوني, والحقوق المقدسة الصهيونية, هذا هو عربي المستقبل أو فلسطيني المستقبل, في وجهة نظر الصهيونية .
الكاتب الإسرائيلي والمفكر الإستراتيجي " حاييم أورنسون ", يؤكد أن المشكلة التي تواجهها إسرائيل, هي أنها مجتمع حديث في وسط سياق حضاري إجتماعي تقليدي, وعدم التماثل بين إسرائيل وجيرانها, هو أحد أسباب العداوة بينهما, ويرى أن عملية تحديث العالم العربي ستستغرق ما لا يقل عن مائة عام, ولذا يقترح إحاطة إسرائيل بحزام نووي, إلى أن تتم عملية التحديث .
والأسئلة المشروعة حول وجهة نظر "حاييم أورنسون", هل عملية تحديث العالم العربي, نتيجتها يجب أن تكون قبول المشروع الصهيوني؟... هل التصور الصهيوني يعتقد أن تحديث الشخصية العربية سيؤدي إفلاس هذه الشخصية؟... أو إنها ستكتشف أن لا وجود لهوية عربية ؟... إنما هوية سنية, وشيعية أو مصرية فرعونية, وجديدا جنوب سودانية؟
ومن هنا نرى أن التحديث من وجهة نظر الصهيونية, هو ظهور دويلات عرقية إثنية ودينية, على النمط الإسرائيلي, وبلا هوية عربية, وهذا يفسر الحماس الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية تحت مبررات شتى .
ومن هنا نرى أن الشخصية العربية المستقبلية لا وجود لها في الأدبيات الصهيونية.
ويفسر بعض الكتاب الإسرائيلين ظاهر تغييب العربي, عند رواد الصهيونية, بأنها تهرب من حقيقة صلبة, تتحطم عندها الآمال الصهيونية, فالكاتب "شلومو افنيري" يرى :" بأنه لم يكن بمقدورهم مواجهة حقيقة أن ثمن الصهيونية, هو نقل العربي من وطنه, ولذا أكدت آليات الدفاع عن النفس, شكل تجاهل المشكلة العربية, فالتمسك بالرؤية الصهيونية لم يكن ممكنا, دون اللجؤ بِشكل مراوغ, لخداع النفس", أما "ليبوفيتز" فكتب :" إن الصهاينة الأوائل لم يريدوا لأسباب نفسية, رؤية الحقيقة, ولم يدركوا إنهم كانوا يضللون أنفسهم ورفاقهم "

إن فكرة اليهودي النقي الخالص, كان لا بد لها أن تتضمن تغييب العربي, الذي يجب أن يغيب, فأرض فلسطين هي الغنيمة المطلوبة, أما العمل والعامل الفلسطيني فيجب أن يختفيا ويزولا .

لكن الأنساق الأيدولوجية التي تتسم بالتجريد المطلق, كالأيدولوجية الصهيونية, تبدأ بالتوتر والإرتباك عند إحتكاكها بالواقع, ما ينتج زيادة في التكلس والتطرف والجمود, أو تتغير بعض جزيئياتها, فأمام تمسك الفلسطيني بأرضه, ورفض الإنسان العربي للمشروع الصهيوني, بدأت بعض إتجاهات الصهيونية, تغير الرؤية الصهيونية للعربي, فمن التغييب الكامل, إلى الإعتراف بالإنسان العربي, ولكن بالسمات التي تضعها الصهيونية له, وهي السمات التي كانت تراها الصهيونية في يهودي الشتات, والتي استوردتها من أدبيات معاداة السامية, ذلك اليهودي الهامشي الجوال, الذي لا إنتماء له لأي ارض, إنتماؤه فقط لجواز سفره ورأسماله, وبتضح ذلك جليا في مقولة "هوراس كالن" آنفة الذكر والذي إختزل بها الفلسطيني بجواز سفر ورأسمال, ولعل هذا التحول نتيجة طبيعية لإختفاء يهودية الجيتو والشتات, فكان من الحتمي أن تجد الصهيونية, بديلا ليهودي الجيتو المختفي, وخاصة بعد أن عاد العربي الغائب بتصاعد المقاومة الفلسطينية.
وإذا كان هذا التطور في رسم صورة العربي والفلسطيني, يأخذ في ظاهره شكلا عنصريا, ولكنه قد يحمل تطورا ثوريا, فهو يعترف ضمنا بالعربي وبالفلسطيني وبوجوده, وبالتالي بضرورة التعامل معه, وهو أيضا يعزف على وترا حساسا في النفس الإسرائيلية, فإذا كان العربي هو اليهودي الهامشي الجوال, الذي ذاق صنوف العذاب طيلة حياته, فهذا يعني أن نظرية الحقوق اليهوديه المقدسه, بكل تأكيد ستنطبق على العربي كحقوق عربية مقدسة.
فأثناء حرب 1967م, صرح بعض الجنود الإسرائيليين, بأنهم رأوا أنفسهم الأطفال اليهود المضطهدين في الماضي, في الفلسطينيين المطرودين, الذين يحملون أطفالهم, وصرح البروفيسور " أكيفا أرنست ميمون" من حركة "السلام الان":" أن مشكلة العرب الفلسطينيين, تعتبر جزءا أساسيا من المسألة اليهودية " .

ولكن تبقى ملامح التصور الصهيوني الإسرائيلي, للعربي الفلسطيني هي الملامح التي وضعها رواد الصهيونية ( العربي من الأغيار أو العربي الغائب ), وتعبر هذه الأفكار عن نفسها بالقوانين والممارسات الإسرائيلية, مثل قانون العودة ( عودة يهود المنفي إلى فلسطين) في الوقت الذي يتم فيه رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين, وقوانين الصندوق القومي اليهودي ( القوانين التي تمكن الشعب المقدس من الإستيلاء على الأرض المقدسة), وقانون النكبة ( يمنع الفلسطينيين في إسرائيل من إحياء ذكرى نكبة شعبهم ), وقانون منع جمع الشمل ( يمنع منح الإقامة للعرب الذين يتزوجون من حملة الجنسيات الإسرائيلية من الإقامة في إسرائيل ) وأخيرا وليس آخرا قانون يهودية الدولة ( والذي يجعل من إسرائيل جيتو كبير ), ولعل عدم تحقيق المساواة للفلسطينين المقيمن في إسرائيل وإعطائهم حقوق المواطنه كاملة, حتى اللحظة لهو دليل على بقاء الفكر الصهيوني على حاله في تجاهل عربي المستقبل .

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل