الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدخل العسكري في سوريا

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2011 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد سوريا منذ شهر مارس 2011 ثورة كبيرة تجتاحها مطالبة باسقاط نظام الطاغية بشار الأسد وهي في الواقع أمثر ثورات ربيع الحرية العربية تواجه قمعآ وانتهاكات لحقوق الانسان ، فعلى الأقل تنعم الثورة الليبية العظيمة بالسلاح وبطائرات الناتو لتدافع بهم عن نفسها ، أما الثورة اليمنية المباركة والمرابطة فعلى الرغم من كثير من الانتهاكات والاعتداءات التي ينفذها الحرس الجمهوري تحت قيادة أحمد علي صالح نجل الطاغية علي صالح وأعوان وبلطجية النظام والحزب الحاكم وصولآ الى قطع امدادات المياه والكهرباء عن كثير من اليمنيين .

فان كل ذلك يظل أقل مما يتعرض له الثوار السوريون من قمع وقتل بل وتفجير ورجم بدانات الدبابات صباحآ ومساءً بدون أن يكون معهم سلاح يدافعون به مع أنفسهم مع عدم امتلاكهم لرفاهية خيار الامتناع عن حمل السلاح وهو الخيار الذي اختاره ثوار الحرية العظماء في اليمن الذي يسعى أن يكون سعيدآ بعد التخلص من جلاديه وفاسديه.

اننا شهود على ثورة عظيمة تندلع في سوريا ولن تهدا قبل ان تحقق أمانيها في الحرية والعدالة ، فنصف ثورة تحمل من المخاطر ما هو أكبر وأشد على الثوار وأحرار سوريا من أن تستمر ثورتهم العظيمة ، فان كان السوريون يتعرضون لكل هذا القمع وهم ثائرون فكيف الحال ان هم أصبحوا هادئون ومستسلمون لقوى الديكتاتورية والاستعباد ، فلا بديل ن استمرار الثورة وهنا مكمن القوة ومنبع فزع جلادي دمشق .

فمع استمرار عمليات القمع من خلال الجيش بعد أن عجزت قوى الأمن الداخلي الجبارة التي يمتلكها النظام من ان تضع حدآ لهذه المظاهرات العارمة ، فان لجوء النظام الى استخدام الجيش لقمع هذه المظاهرات واسكات الثورة يضع النظام أمام مفترق طرق أفضلها وأهونها بالنسبة للنظام تؤدي الى فقدان شرعيته سواء الداخلية أو الخارجية ، وارتفاع وتيرة التنديد بممارسات النظام السوري الوحشية ضد شعبه الأعزل ، وبالتالي فانه مع استمرار الثورة واستمرار سقوط ضحايا من الثوار الأحرار وارتفاع نبرة التنديد الدولي وصولآ الى اتخاذ قرارات تنديد حاسمة من قبل مجلس الأمن وتضييق الخناق على النظام السوري وسحب الاعتراف به عالميآ بعد أن تم سحبه داخليآ فان ذلك سوف يؤدي الى اختيار رموز وأعوان النظام السوري لخيار الرحيل خاصة في حالة تلقي عروض بالاستضافة و الحماية خاصة من قبل روسيا أو احدى ول أمريكا اللاتينية التي يحتفظ معها النظام بعلاقات جيدة .

أما الطريق الآخر هو حدوث انشقاقات خطيرة في بنية الجيش السوري والمخاطرة بحدوث انقلاب قوي اما أن يكون قاعديآ من قبل جنود الجيش والضباط الصغار والذي يغلب عليهم انهم سنة ويهولهم ما يحدث لاخوانهم من غالبية الشعب السوري السني ، واما انقلاب نخبوي من قبل القيادات المتوسطة وفريق من العليا والتي يغلب عليهم أنهم علويون ويحاولون استبدال نظام علوي فقد شرعيته ومآله الى الزوال فتكون الخطوة المناسبة من قبلهم هي القفز من السفينة قبل غرقها ، ومحاولة الظهور بمظهر المدافع عن الحق والساعي الى تحقيق الديموقراطية الحقيقية في البلاد وبالتالي يضمنون أن لا تتم ملاحقتهم بعد انهيار النظام الحالي سواء طال الوقت أو قصر ، وتجنيب أبناء الطاءفة أية عمليات انتقامية واسعة النطاق أو على الأقل التقليل من هذه العمليات ودفعها الى الحد الأدنى ، بل ويمكن ان يكون لم ولطائفتهم العلوية مكان في ترتيبات الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة .

وأيآ كانت نوعية هذا الانقلاب فان حدوثه في حد ذاته سيدفع بالأوضاع الى النهاية المبتغاة من قبل الثوار الأحرار خاصة في ظل نظام طاغي لا يفهم الا لغة القوة ولا يخاف ولا يرحل الا بقوة السلاح كما أتى أسلافه .

وفي حالة حدوث هذا الانقلاب فاننا نكون أمام احدى نتيجتين وهذا يتوقف على حجم وقوة بقية أعضاء الجيش الموالون للنظام الغاشم :

1- اما أن يحسم المنقلبون الوضع لصالحهم سريعآ ، وتتجنب البلاد الدخول في متاهات الخيار الثاني وخسائره الكبيرة وبالتالي الدخول الفوري في مرحلة المحاكمة لأعضاء النظام السابق والتخلص منهم كما هو الحال في الحالة المصرية .

2- واما الدخول في مرحلة من الاقتتال الداخلي بين ألوية الجيش السوري الانقلابية والنظامية ، وهي مرحلة ولا شك ستكون لها عواقب وخيمة على الأرض ، ولكنها ستظل أفضل من استمرار الوضع الحالي لمدة طويلة ، ويمكن ساعتها الحديث عن تدخل عسكري خارجي بالطبع سيكون الى جانب الانقلابيون والثوار وسيتم في اطار النموذج الليبي من خلال تقديم الدعم اللوجيستي والمخابراتي والضربات الجوية ، مع استخدام سياسة العصا والجزرة مع النظام السابق ، حيث سيتم رصد ارتفاع شديد في وتيرة التهديد والوعيد ضد رموز النظام السابق مع تقديم خيار الحماية وعدم المحاكمة لهم ان هم اختاروا الرحيل عن سوريا ، وكل ذلك بالطبع سيضعف من شوكة الجيش النظامي بل والمسؤولون المواليون للنظام وسنشهد مزيدآ من الانشقاقات الموالية للانقلابيون مما سيعضد من موقفهم ويضعف من موقف منافسيهم الطغاة .

وفي كلتا الحالتين فان النهاية ستتمثل الى حد كبير في الشروع في تأسيس مجلس أعلى عسكري من أعضاء الانقلاب بالتعاون مع مجلس رئاسي مدني من قبل رموز المعارضة السورية لتفعيل حياة انتقالية نحو بناء نظام سوري ديموقراطي حقيقي وتصالحي (خاصة اذا كان الانقلاب نخبويآ) وفي ظل ضغط ورقابة ومتابعة دولية لكي لا ينفرد العسكريون بالحكم مرة أخرى ، وهو خيار من المتوقع بألا يكون مطروحآ في عقول الانقلابيون ، خاصة بعد سنين الحكم العسكري والمخاطرة الحقيقية بتحويل محبة الشعب لهم الى كراهية خاصة وأن الشعب السوري يطمح الى التحول ببلاده العزيزة الى دولة مدنية عصرية بعيدى عن حكم العسكر وسنين قمعهم واضطهادهم للشعب وللحريات العامة منها والخاصة .

أما عدم حدوث هذا الانقلاب الحقيقي والمؤثر والذي يمكن الاعتداد به فان النتيجة تكون صعوبة كبيرة في احتمالات التدخل العسكري المساند للثورة والحامي لأبناء الوطن من مذابح شياطين الوطن ، فالحالة السورية تختلف عن نظيرتها الليبية من واقع :

1- التحالفات الأخطبوطية والسياسية الكبيرة التي أسسها النظام السوري مع دول كبرى كروسيا والصين يمثل لهم النظام السوري جسر المرور الى منطقة الشرق الأوسط في وجه الهيمنة الغربية على المنطقة خاصة وما تمثله قاعدة طرطوس البحرية من أهمية استراتجية كبيرة للأسطول الروسي لكي يكون له موطئ قدم في البحر المتوسط بل وبمباركة ومطالبة وتشجيع سوري.

على الرغم أن روسيا والصين تخاطران بشدة بمصالحهما الاستراتيجية على المديين المتوسط والطويل وذلك بعد وصول القوى الثورية الى السلطة ، فصحيح أن القوى الثورية الجديدة لن تكون قوى انبطاحية سواء للغرب أو للشرق كأسلافهم ولكنها ستأخذ الموقفين الروسي والصيني هذا في الاعتبار حال تأسيسها لخريطة تفاعلاتها الخارجية الجديدة وهو ما سيؤثر على حجم المكاسب التي كان من الممكن تحقيقها حال دعم الثورات او على الأقل الوقوف بحياد وليس حتى منع مجلس الأمن من اتخاذ موقف حاسم تجاه المجازر السورية التي يرتكبها النظام وأعوانه في حق الشعب السوري الأعزل والمسالم .

اضافة الى علاقات تحالفية أساسية مع جماعات سياسية شبه عسكرية هامة ومؤثرة في المنطقة على رأسها جماعة حزب الله والأحزاب الموالية لسوريا في لبنان وما لهؤلاء من تأثيرات هامة في حفظ الاستقرار في المنطقة وامكنية اثارة التوترات مع اسرائيل بل واثارة الأوضاع المتوترة أصلآ في لبنان ، اضافة الى قدرات خطابية وسياسية تأثيرية لاثارة الرأي العام العربي والاسلامي خاصة بين العامة المتأثرين بالشعارات والمخدوعين بالاستغلالات الدينية وصبغ التدخل العسكري ان حدث على أنه موجة من الهجوم الصليبي على الاسلام والمسلمين .

وهو بالطبع ما لاتريده القوى الغربية خاصة بعد تجربتي أفغانستان والعراق بل وحتى تدخلها في ليبيا الذي قوبل بتحفظات من قبل فريق من الاسلاميين المتاجرين بالدين والذين لهم للأسف العظيم تأثير كبير في الشارع المسلم بالاضافة الى ظهور قوى جديدة على الساحة تحاول الولوج بقوة الى المنطقة كروسيا والصين من باب مساندة الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة تحت عناوين براقة مثل حفظ الأمن والاستقرار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وهي كالحق الذي يراد به باطل الأباطيل .

2- مع اعتراف النظام السوري من قبل واحد من أهم أركانه وهو رجل الاعمال السوري رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد بأن استقرار سوريا من استقرار اسرائيل ، هو الأمر المعروف فعلآ خاصة بعد الجرائم الوحشية التي يرتكبها الجيش السوري في حق أبناء وطنه ، فبعد قرابة الأربعين عامآ من صمت السلاح ينفجر السلاح في وجه أصحابه .

وبالطبع فان الدول الغربية تدرك هذه الحقيقة أن النظام السوري الحالي في حربه الوهمية ضد اسرائيل يقف على عتبة الشعارات الغوغائية الجوفاء ، أما أي نظام سوري ديموقراطي يمثل شعبه لن يقبل باستمرار اغتصاب أرضه وسيعمل فورآ وبشكل سلمي ولكن فعلي ومؤثر للوصول الى حل لتحرير الجولان المحتل ، وبالتالي فن مثل هذه الاعتبار وان لم يكن له وزن مؤثر بشكل كافي يلجم التمادي الغربي في مواجهة نظام دمشق ومضعفآ لسيناريو التدخل العسكري .

3- ازدياد حجم الصعوبات المالية التي تواجهها القوى الغربية في ظل ارهاصات الأزمة المالية العالمية ، وما يترتب على عمليات التدخل العسكري وخاصة مع الوضع في الاعتبار المنظومة الصاروخية والدفاعات الجوية والأرضية التي يمتلكها النظام السوري وهي بالطبع تفوق بمراحل وبأشواط كبيرة نظيرتها اللليبية وبالتالي فان الحديث عن تدخل عسكري في سوريا سيترتب عليه تكاليف ضخمة تمثل عائقآ كبيرآ أمام الغربيون للقيام بهذا التدخل العسكري ، الا اذا تم تمويل هذا التدخل أو المساهمة في تمويله من قبل الدول الخليجية والتي لا تحتفظ مع النظام السوري بعلاقات جيدة ولكنها في نفس الوقت تخشى من انتقال ربيع ثورات الحرية العربية ليضرب عروشها العتيقة.

4- غياب الدعم العربي كما حدث في الحالة الليبية ، وهو غياب يثير حالة منطقية من التساؤلات عن ماهية هذا الغياب ، والذي يمكن تفسيره من باب الخشية الخليجية من انتقال نسائم الحرية الى أنظمتها ، وهذا الدعم العربي يمثل أهمية كبيرة لكي لا تتهم الدول الغربية خاصة من قبل الاسلاميين أنها تسهدف المنطقة وأنها تعمل على تقسيم بلدان المنطقة .

ولكن من ناحية أخرى يمكن تصور سيناريو دراماتيكي جديد من التدخل العسكري في حالة استمرار المظاهرات واتساع رقعتها الأفقية (عدد المدن والبلدات) والرأسية (عدد الثور الأحرار) واستمرا سقوط أعداد كبيرة من الضحايا ألا وهو تدخل عسكري تحالفي بين الغرب وروسيا يمثل مصلحة مشتركة للطرفين على النحو التالي :

أ - فالغرب سيجد في التحالف مع روسيا رفعآ للحرج عنه بالظهور بمظهر المتفرد والغازي والطامع في الأرض العربية كما يصوره معارضوه في المنطقة ، وفي نفس الوقت اقتسام تكاليف الحملة العسكرية المكلفة مع روسيا في ظل ضعف القدرات المادية الغربية حاليآ ، بالاضافة الى الاستفادة بالتكنولوجيا الروسية والمعرفة الغربية بتكنولوجيا وتقنيات السلاح السوري المستورد أغلبه من روسيا مما يقلل من مخاطر الحملة العسكرية والمادية أيضآ على الغربيين .

ب- أما بالنسبة لروسيا فان مثل هذا القرار الدراماتيكي الجرئ ، سيقدمها بوجه آخر الى العالم العربي والاسلامي تعمل من خلاله على توسيع دائرة نفوذها وتوسعها الاستراتيجي في الفضاء الاسلامي وستحوذ بذلك رضا القوى الثورية العربية المستقبلية ، بل وللمفارقة ستحوذ رضا القوى الرجعية الديكتاتورية خاصة ان تدخلها العسكري هذا جاء بعد مماطلة كبيرة منها ورفض للحلول العسكرية ودعوة الى عدم التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول ومعارضة للتدخل العسكري الغربي الموسع في ليبيا ، وأن تدخلها العسكري هذا في سوريا انما جاء لوقف حمامات الدم الرهيبة التي يسكبها أنهارآ نظام الدم والعنف السوري بحق الشعب السوري ، أي أنه تدخل انساني محض أو هكذا سيتم تصويره روسيآ ، وبالتالي تضمن روسيا لا استمرار نفوذها في سوريا وانما توسعه الى بقية أنحاء العالم الاسلامي من واقع انها دولة تتجاوز مفاهيم الشجب والاستنكار الى واقع العمل والفعل والتأثير ، وأنها صاحبة التأثير الفاعل في التدخل العسكري للدول الغربية وكسر احتكارهم للمشهد السياسي .


في النهاية يظل المشهد السوري مفتوحآ على عدة نهايات ، ولكن من المؤكد أنه ما ضاع حق وراؤه دماء أُرهقت وأرواح أُزهقت في سبيل الحرية والكرامة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آذان تسمع وعقول تصغي...٠
اللاءات السورية الثلاث ( 2011 / 8 / 4 - 22:27 )
هل سمعت باللاءات السورية الثلاث ؟ ؟

لا للأسد (الطاغية)
لا للفساد (وللحزب الواحد)
ولا للتدخل الأجنبي

بُحّ صوت المعارضة السورية وهي ترددها...

فهل من آذانٍ لتسمع، ومن عقول لتدرك ؟

اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟