الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (14).. وجه آخر للاسامية

خالد أبو شرخ

2011 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


حمل عصر التنوير الفرنسي في القرن الثامن عشر, موقفا متطورا من اليهود, فالفلسفة الثورية الجديدة, كانت تهدف إلى إقامة الدولة العلمانية, على أنقاض الدولة الدينية المسيحية, وإنتشرت الكتابات الداعية, إلى الحقوق المدنية والإنسانية الواحدة للجميع, مثل كتابات "مونتسكيو" و"روسو" و"ليسنغ" وغيرهم, وكانت الموجة الإندماجية من ثمار عصر التنوير, ومباديء الحرية والعدالة والمساواة, إلا إنها لم تفض إلى الحل العملي والنهائي للمسألة اليهودية, ذلك أنها أخذت في الإنحسار, مع إنتشار الروح القومية في القرن التاسع عشر, قرن صعود الإمبريالية, وإحتدام الصراعات الإجتماعية والإقتصادية في أوروبا, وما رافقها من دعوات عنصرية عرقية, إستخدمها الساسة لأغراضهم.
وهذا ما يؤكده "ماكس ديمونت" في مؤلفه " اليهود والله والتاريخ" حيت كتب :" إن اللاسامية وهي أيدولوجية معاصرة, تختلف تمام الإختلاف عن معاداة اليهود في القرون الوسطى, نشأت في أواخر القرن التاسع عشر, وشاعت بين الفئات المتوسطه, التي كانت قلقة بحكم عدم إستقرار اوضاعها الإجتماعية " وأضاف "أن ساسة اليمين إستخدموها في محاربة ساسة اليسار" ثم كتب " وفسر الساسة عدم إستقرار هذه الفئات, لا بأسبابه الإجتماعية والإقتصادية, بل بسبب شرور اليهود, فإذا كانت هذه الفئات, تخاف أخطار الرأسمالية عليها, لوحوا لها باليهودي الرأسمالي المستغل, أما إذا كانت تخاف الشيوعية, فكانوا يلوحوا لها باليهودي الشيوعي المتآمر".
وقد أعتبر "غوبينو" و"تشمبرلين" و"ريتان" و"ترايتشكي" في مقدمة الكُتاب, الذين مهدوا بدعواتهم العرقية لمعاداة السامية.
ومما قاله "ريتان" الفيلسوف الفرنسي :" إن الساميين لم يمتلكوا يوما مفهوم الحضارة, كما إمتلكه الآريون" وقد إعتبر أن " الأنانية والإفتقار إلى الشجاعة الذاتية, من أهم صفات اليهودي, أما التضحية بالذات والوطنية فصفتان لا تنتميان له بصله" .
أما "ترايتشكي" أستاذ التاريخ في جامعة برلين, فقد تناقلت عنه الألسن العبارات المختلفة, الداعية إلى تحقير اليهود, ومنها "اليهود سر بلائنا" .
كان لإنتشار الروح القومية سيفا ذو حدين للمسالة اليهودية, فإما قبول اليهود بالقومية الأوروبية نهائيا, والإندماج الكامل بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها, كما حاول "نابليون بونبارت" أن يفعل, وإما تمييزهم دون سواهم, لكونهم يهود يسعون لقومية خاصة بهم , مما يشجع النظريات العرقية سواء عند الشعوب الأوروبية, وهو ما سعت إليه اللاسامية.

تُعرف "معاداة السامية" أو "اللاسامية", أنها عبارة يراد بها التعبير عن العداء لليهود, وهي تعود أساسا إلى النظرية العرقية, التي إعتبرت اليهود ساميين, يختلفون كليا عن الآريين أوالهندو- أوروبيين, وبالتالي لا يمكن أن يندمجوا معهم.
وإنطلاقا من هذا التعريف, "لمعاداة السامية" لم تكن تتضمن في طبيعتها, العداء لليهود بسبب الفوراق الدينية, أي كما كان الحال قبل عصر التنوير, في عهد الدولة الدينية المسيحية, وإنما كان بسبب الخصائص العرقية, التي إدعت "اللاسامية" أنها ميزتهم عن غيرهم, وبذلك أصبحت تعني العداء لليهود, إينما كانوا ولأي سبب كان, وأبعد من ذلك فقد أصبحت "معاداة السامية" تعني العداء لليهود, عبر العصور كلها و الأزمنة, وللمزيد للتعريف أصبح يضاف لها, وصف للدلالة على اسباب العداء, فهناك اللاسامية الإقتصادية, واللاسامية الإجتماعية أو العرقية ....الخ

وقد أستعمل مصطلح "معاداة السامية" او "اللاسامية" أول مرة عام 1879م, على يد الصحفي الألماني "ولهلم مار" للدلالة على الحملات الأوروبية المتعددة ضد اليهود, ففي ألمانيا بدأ ظهور الأحزاب والمؤسسات السياسية, الموجهة ضد اليهود, والتي كانت دوافعها مختلفة من إقتصادية, أو دينية, أو عرقية, أو إنتخابية محلية, أو من مجمل هذه الدوافع مجتمعة, واتفق المؤرخون, أن مستشار ألمانيا "بسمارك", الذي لعب دورا كبيرا في إنعتاق اليهود, ودمجهم في الحياة الألمانية, لجأ بنفسه إلى "اللاسامية", في معركته السياسية, حين قاد معركة حزب المحافظين, مع الاحرار الذين إعتبرهم تقدميين.
وقد إنطلقت "اللاسامية" الحديثة بعد حرب 1866م و 1870م في أوروبا, وخصوصا مع الأزمة الإقتصادية العامة عام 1877م, وتعتبر ألمانيا والنمسا أول الدول, التي مارست "اللاسامية", بواسطة الأحزاب والمؤسسات الموجهه ضد اليهود, وتلتهما كلا من بولندا وهنغاريا.
أما "معاداة السامية" في روسيا ورومانيا, فقد كانت من صنع الحكومتين الروسية والرومانية, وفي فرنسا أخذ طابع "اللاسامية" طابعا مختلفا, تأثر بواقع الإنتماء الديني للفرنسيين, وخصوصا عندما راح الكاثوليك, يبحثون عن كبش فداء, لهزيمة فرنسا, فلم يجدوا سوى اليهود الماسونيين, ومن "اللاسامية" الفرنسية, إنطلقت فكرة الخطة اليهودية, للإستيلاء على العالم .
ومما يؤكد إرتباط "اللاسامية", بالأوضاع الإجتماعية والإقتصادية, إنها لم تظهر إلا في أوقات إحتدام الصراع الإجتماعي والإقتصادي, وتبددت حين لم تعد هناك ضرورة, فقد شاعت في المانيا في سنوات السبعين والثمانين من القرن التاسع عشر, وتبددت بل إختفت من الحياة السياسية, في مطلع القرن العشرين, ثن عاودت للظهور في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى, أبان الأزمة الإقتصادية العالمية, في سنوات العشرين من القرن العشرين.

إنطلقت "الصهيونية" في موقفها من "اللاسامية", من كلمات رواد "الصهيونية" الأوائل "فتيودور هرتزل" في كراسه" الدولة اليهودية" كتب :" إن الشعوب التي يعيش اليهود بين ظهرانيها, هي إما ضمنا او صراحة لا سامية, وإن اليهود هم شعب واحد .... جعلهم أعداؤهم هكذا بدون موافقتهم ".
أما "ليوبنسكر" فقد رأى في كره اليهود, مرضا نفسيا موروثا, لدى الشعوب, وان "اللاسامية" أبدية ولا سبيل للنضال ضدها, إذ كتب :" ولكوننا نفهم كره اليهود كحقيقة روحية خاصة, و وصفة خاصة موروثة للجنس البشري, وكره اليهود كظاهرة مرضية تنتقل بالوراثة, في الروح الإنسانية, يتحتم علينا أن نستخلص نتيجة هامة بالنسبة لنا, بأن نتنازل عن محاربة هذه الميول المعادية, كما نتنازل عن أي ميول موروثة", وهكذا يقرر "ليوبنسكر" بأن لا إمكانية أو ضرورة, لمحاربة ومقاومة "اللاسامية" بل قبولها كأبدية
وهذا يعني أن "الصهيونية" قد قبلت مقولة "اللاسامية", أن لا حل للمسألة اليهودية عن طريق الإندماج, وبتقديمها نفسها كحركة قومية لليهود, لا تكتسب شرعيتها إلا بوجود الشعب اليهودي, ولا وجود للشعب اليهودي إلا بوجود أعداءه, على حد تعبير "هرتزل", وبالتالي لا شرعية للحركة الصهيونية كحركة قومية لليهود كما عرفت نفسها, إلا بوجود أعداء الشعب اليهودي.
وبذلك تكون "الصهيونية" قد ربطت وجودها ومصيرها, بوجود ومصير "اللاسامية", وأصبحت وجهها الآخر.
وقرر التقارب الأيدولوجي بين "اللاسامية" و"الصهيونية", على الرغم من التناقض الظاهري بينهما, موقف الحركة الصهيونية العالمية من "اللاسامية", فالقيادة الصهيونية لم تجد في "اللاسامية" عدوا خطيرا, بل عاملا مساعدا على تحقيق برامجها, إنطلاقا من مقولة "هرتزل" أن اعداء اليهود هم الذين جعلوهم شعبا, بل وذهب "هرتزل" على أبعد من ذلك, حين كتب في يومياته :" إن اللاسامية وهي قوة غير واعية, وشديدة المراس بين الجماهير, لن تضر اليهود " وأضاف أنه يعتبرها " حركة مفيدة لتطوير الخلق اليهودي ".
وعلى الرغم من التناقض بين "اللاسامية", التي تصف اليهود بكل المثالب, التي اكتشتفتها العقليات المتعصبة, و"الصهيونية" التي تضفي على اليهود, كافة أشكال الكمال الإنساني, فقد كان التقارب ملازما لهما على صعيد العمل, حيث أن "الصهيونية" رأت "اللاسامية", محركها الأساسي والتاريخي, وتحتاج إليها لتحقيق أهدافها .
ولم يتخذ هذا التقارب, شكل السكوت عن "اللاسامية", وممارساتها فحسب, بل في إطار من التعاون الوثيق بين اللاساميين والصهاينة, وهذا ما أظهرته حقائق التعاون بين قادة وزعماء الحركة الصهيونية, وقادة النازية في ألماني,ا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية .

وقد تثير كلمة التعاون بين "النازية" و"الصهيونية" شيئا من الدهشة, إلا أن الأمر لم يكن كذلك في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي, فكثيرا ما أبدى المستوطنون الصهاينة في فلسطين, إعجابهم بالنازية الألمانية, وكثيرا ما أبدوا تفهمهم "للنازية", ومثلها ونجاحها في إنقاذ ألمانيا, وإعتبروها حركة تحرر وطني للشعب الألماني, ربما مثل "الصهيونية" التي زعمت أنها هي الأخرى حركة تحرر وطني للشعب اليهودي, وكان من أشهر الهتافات في المستوطنات الصهيونية, في فلسطين " ألمانيا لهتلر, وإيطاليا لموسوليني, وفلسطين لجاوبتنسكي".
وقد سجل "حاييم كابلان", وهو صهيوني كان موجودا في جيتو وارسو, أثناء حصاره " انه لا يوجد أي تناقض, بين رؤية الصهيونية والنازية للعالم, فيما يخص المسألة اليهودية, فكلتاهما تهدفان إلى هجرة اليهود إلى فلسطين, وكلتاهما ترى أن لا مكان لليهود في الحضارات الغربية ", وقد سجل "كابلان" أن هذه الكلمات كانت مصدر دهشة للنازيين, حين سمعوها أول مرة من أحد اليهود المحاصرين.
وعن التعاون الوثيق بين "النازية" و"الصهيونية" موضوع مبحثنا القادم

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد