الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر .. والدولة الإسلامية

مصطفى حامد

2011 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة :
سألتنى آنسة عزيزة من مدينة الإسكندرية الغالية عدة أسئلة متشابكة حول وجهة نظرى فى الأحداث الجارية فى مصرنا المحروسة . وكنت أفضل أن أقابلها ونتكلم مشافهة فى ذلك الموضوع الحساس ، خاصة وأن معظم الأفكار التى سأذكرها سبق وأن قلت مثلها فى مناسبات مختلفة . ذلك إضافة إلى أن الآنسة التى شرفتنى بالسؤال تخالفنى كثيرا فى الجذور الفكرية ، فبينما تصنفنى هى على أننى أنتمى إلى التيار الإسلامى وذلك (شرف لا أدعيه وتهمة لا أنفيها) حسب القول المشهور ، فالآنسة تصنف نفسها على أنها ليبرالية ، وترى أن فكرة الدولة الإسلامية تخيف الكثيرين وأنها عبارة عن أشلاء تتطاير تنفيذا للحدود فى دولة لا حريات فيها ولا رأى مخالف .

ولما كانت الآنسة العزيزة هى إبنة شقيقتى الصغرى التى لم أرها منذ حوالى أربعين عاما ، وبالتالى فإننى لم أقابل الآنسة أبدا قبل ذلك وكنت أود أن أراها فى وقت قريب خلال شهر رمضان الحالى ، ولكن السلطات الإيرانية تمسكت مشكورة "بإستضافتى" داخل أسوار الإقامة الجبرية للعام التاسع على التوالى بلا جريمة وبلا محاكمة وبلا أى أفق لنيل الحرية الفطرية التى وهبها الله لجميع بنى آدم .
وذلك تطبيق نادر المثال لمفهوم العدالة والحرية فى الإسلام تنفرد به "جمهورية إيران الإسلامية" . لذا كان موقفى صعبا فى نقاشى مع الآنسة الليبرالية ، إبنة شقيقتى ، التى أحاول أن أثبت لها صوابية فكرة الدولة الإسلامية ، وأنا ، وبلا ذنب أو حكم قضائى أقبع داخل سجن إسلامى ، بينما هى ومن منطلقات ليبرالية ، تنادى بإطلاق سراحى من قبضة الإسلاميين !!.

وخروجا من ذلك التناقض والمأزق الحرج الذى لا ذنب لى فيه ، ولا ذنب للإسلام أيضا فيه ، إستنجدت بشاعرى المفضل ( أحمد مطر) ، وإستنجدت معه بفكرة العدالة ومحوريتها فى قضية الحكم ، وأن العدالة التى هى أساس الملك يجب قطعا أن تكون موجودة مهما كان عنوان أو شعار الدولة ، فالحقيقة أهم من الشعار ، لأن الحقيقة الملموسة لا تكذب بينما الشعار فى دنيا السياسة ، (غالبا ) ما يكون مخادعا وكذابا .
وإليكم بداية الحوار ... ورمضان كريم .

XXX

الدولة الإسلامية :
هذا الموضوع طويل جدا ، لكن أقول فيه المختصر المفيد .
الدولة الإسلامية / كما أفهمها / هى أولا وقبل كل شئ دولة العدل . ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى ، وينهى عن .... ) ـ الآية ـ فالعدل هو أساس الحكم ويسبق كل شئ وأى شئ . وفى الأثر الإسلامى ( الملك يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم ) ، ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) ، ( إن الله حرم على نفسه الظلم فلا تظالموا ) ، ( إعدلوا هو أقرب للتقوى) ... إلخ .
لهذا أقول أن ثورة يناير هى ثورة إسلامية ، أى متوافقة مع أهداف الشريعة / مهما كانت توجهات الذين قاموا بها / لأنها قامت ضد الظلم ومن أجل تحقيق العدل ، وهذا هدف إسلامى أساسى ، يستحق الجهاد من أجلة والتضحية فى سبيلة بالنفس والمال .
وهناك أحكام فقهية قوية ، ولكن مخفية عمدا ، تقول إن الجهاد ضد السلطان الظالم أولى من جهاد الكفار الخارجيين .
أما عن إقامة الحدود فى الدولة الإسلامية فهو تطبيق بشروط معروفة من أجل حماية المجتمع وحماية أفراده جميعا ( مسلمين وغير مسلمين) وحماية أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم وأمنهم وحريتهم وحقوقهم من أى عدوان من أيا كان ، حاكما أو محكوما ، غنيا أو فقيرا ، ضعيفا أو قويا : ( الضعيف عندى قوى حتى آخذ الحق له ، والقوى عندى ضعيف حتى آخذ الحق منه ) ـ "الخليفة الراشد أبو بكر الصديق" ـ .
الحدود الشرعية تبدو قوية جدا من أجل تحقيق الردع المعنوى الذى يمنع وقوع الجريمة. وعدد منها لا يقام إلا إذا حققت الدولة ما يكفى من شرائط مادية توفر للأفراد الحياة الكريمة ، فلا يضطر المواطن إلى السرقة ، أو الزنا ، أو القتل وقطع الطريق أوالسطو المسلح .
وقد تطبق بعض الحدود قبل أن تتمكن الدولة من توفير الحياة الكريمة للأفراد ، حيث أن تطبيقها يكون جزءا من تأمين عملية البناء الإجتماعى الصحيح . على سبيل المثال : ( وأنا هنا أكلمك عن تجربة عملية عايشتها مع حركة طالبان فى أفغانستان والتى نجحت فى تطبيق حدود الشريعة بشكل عادل وفورى فى أشد المجتمعات البشرية عنفوانا ) .
ـ وجود عصابات تحترف قطع الطرق وأخذ إتاوات ، وتعتدى على أرواح وممتلكات وأعراض الناس ، أو تهاجم البيوت بقوة السلاح وتفعل بالناس ما تشاء .
( وتعتبر ظاهرة البلطجية فى مصر حالة مخففة جدا مما كان يحدث فى أفغانستان ، حيث البلطجية الأفغان كانوا مسلحين بدبابات و بأسلحة ثقيلة ، ويتمتعون بدعم دول الجوار وغطاء سياسى كامل من زعماء كابل الفاسدين ذوى الصبغة الإسلامية المزيفة ) .
ـ وجود عصابات جريمة منظمة تتاجر بأعراض النساء أو تخطف الأطفال .
ـ جرائم القتل نتيجة الثارات القديمة أو المشاجرات العادية . فإذا لم تنفذ الحدود بعدل وسرعة فقد تتحول تلك الأحداث إلى حروب صغيرة تنمو فى أوساط القبائل ويصبح كبحها صعبا للغاية .
( فى دولة "أفغانستان طالبان" كانت تلك الحدود يحكم بها قاضى شرعى فى حضور الأطراف المعنية وكبار القوم وحكماء القبائل ، فتتم موافقة جماعية على نزاهة وعدل الحكم ، وموافقة على التنفيذ كونه أمر شرعى ، لذا كان التنفيذ طوعيا وبطيب خاطر بل وإيمانيا كونه جزء من الدين الذى يتعبدون الله به .
أكثر من ذلك فقد رأيت بعض المهاجرين الأوزبك الذين هاجرو ليعيشوا فى ظل حكم الشريعة ، فى دولة "أفغانستان طالبان" ، يذهبون إلى قاضيهم كى يطبق عليهم الحدود عن جرائم قديمة إرتكبوها ، وبعد تلقيهم للعقوبة يكونون فى حالة من السكينة والرضا وهم يتلقون تهانى إخوانهم بالتطهير من الذنوب عبر تطبيق الحد الشرعى . تلك هى نظرة هؤلاء المسلمين إلى الحدود الشرعية وأنها جزء من الدين يطهرهم وبالتالى يقربهم من الله بعد أن أبعدتهم عنه الذنوب )

ـ وقف عمليات الربا تماما وفورا .
( وقد تحقق ذلك بشكل ما فى الولايات المتحدة وكثير من دول أوروبا تحت ضغط الأزمة الإقتصادية التى تعصف بهم والتى يعتبر النظام الربوى أحد مسبباتها الأساسية ).

ومعروف أن الحدود لا تطبق عند وجود أى شبهة تكون فى صالح المتهم حسب القاعدة الشهيرة ( إدرأوا الحدود بالشبهات ) ـ حديث شريف ـ . لذلك فهى قليلة التطبيق عبر التاريخ الإسلامى كله .
والحدود تطبق على القوى مثل الضعيف وعلى الغنى مثل الفقير ، وعدم المساواة فى تطبيقها يعتبر مخالفة شرعية جسيمة عاقبتها الهلاك ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الفقير أقاموا عليه الحد ) .

# قلت أن تطبيق الحدود يمثل البناء الفوقى فى الدولة الإسلامية وهو سياج حماية للمجتمع ونظامة ومثله العليا . أما البنيان التحتى فهو توفير إحتياجين أساسيين للحياة البشرية ، أى للإنسان بصفته الإنسانية مهما كان دينه أو حتى عدم إنتمائه لأى دين، وهما : الأمن الغذائى والأمن الشخصى ( فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) ـ الآية ـ
نحن الآن فى شهر رمضان وتعرفين ماذا يعنى الجوع لفترة محدودة . فلو كان الجوع حالة دائمة ، فماذا يتبقى من الإنسان ومن كرامته ؟؟ . ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) ـ كما قال الخليفة الراشد على بن أبى طالب ـ نعم ينبغى أن نطارد الفقر ونقتله أينما وجدناه ، ولا نترك له أثرا فى المجتمع المسلم ، بل وكل مجتمع، لأنه يتنافى مع التكريم الذى منحه الله سبحانة لكل الجنس البشرى بلا تمييز ( ولقد كرمنا بنى آدم ) ـ الآية ـ
الإحتياج الإنسانى الآخر هو تأمين المواطن من الخوف ، سواء كان مصدر ذلك الخوف داخليا أو كان خارجيا .
والأسوأ هو الخوف القادم من الداخل على صورة طغيان داخلى أو إرهاب دولة ، فمقاومته تكون أصعب لأنه يأتى من ذوى القربى والإخوة فى الوطن والدين . وقد جربنا فى مصر ، لعقود كثيرة / أو حتى قرون/ من الزمن ، جميع أنواع الخوف الداخلى من تلك القلة التى كانت تحكم وتملك وتبطش بلا وازع من أى نوع .
أما الخوف أو العدوان القادم من الخارج فقد شرع له الإسلام نظاما دفاعيا جماعيا وهو الجهاد فى سبيل الله ، وهو نظام ناجع عماده الإيمان الشخصى والإلتزام الطوعى الجماعى بالدين وقيمة . وقوة النظام الدفاعى للجهاد تأتى أساسا من المدد الإلهى قبل كل شئ . ومن أجل الحصول على ذلك المدد الذى لا يقهر لابد من بذل كل الطاقة المتوفرة لدى الفرد ولدى المجتمع ، وبعد استنفاذها بالكامل يأتى نصر الله الذى هو دوما قريب من المؤمنين مهما تخيلوا أنه بعيد أوأنهم قد تعبوا و أوشكوا على الإنهيار .
وفريضة الجهاد لم ينفرد بها الإسلام بل كانت فى شرائع الأمم والديانات السابقة . فالمجتمع الذى يدين لله الواحد يكون مستهدفا من الآخرين الكارهين لقيم الدين ومبادئ العدل والمساواة ونفى العبودية لغير الله . فليس لأى بشر أن يستعبد الناس ويمارس عليهم سلطة الآلهة ( كما يفعل حكام العرب الآن وكما تفعل إسرائيل وكما تفعل أمريكا ودول العدوان الأوروبى وكما يفعل كثيرون فى هذا العالم المتعاون على الظلم والعدوان ) .

مظلومية مفهوم الدولة الإسلامية :
يتعرض مفهوم الدولة الإسلامية للكثير من الإساءة ، سواء من المسلمين أنفسهم ، أو من الدول التى تواصل ضد المسلمين حربا عدوانية لم تنقطع منذ قرون .
إساءات المسلمين للدين مصدرها الأساسى إبتعادهم عنه بعد سيطرة الإستعمار على بلادهم سنين طويلة ، ثم رحيله الشكلى تاركا أنظمة موالية ، تعمل وإلى جوارها فى الفراغ المجتمعى نخب معادية للدين وتتبنى منظومات الفكر الغربى . فقد دمر المستعمر الجامعات الدينية التاريخية بحيث أصبحت ذيلا للنظم الفاسدة المستبدة ، فضاع دورها فى قيادة المجتمع تاركة المجال للنخب الغربية المثقفة كى تقود وتوجه فكريا بمناهج غربية معادية للدين أو غير مبالية به على أحسن الأحوال .
على الجانب الآخر ظهرت جماعات إسلامية تحاول اصلاح الخلل ، ونتيجة للضغوط عليها من قتل وتشريد وإرهاب مع إغراء الحكومات لها بالمال والمناصب ، تم تطويع معظمها والسيطرة على الباقى بالعنف المبالغ فية والعزل الإجتماعى والسجن والتشويه المعنوى الظالم .
وسبق وأن أقام الإنجليز النظام السعودى بهدف تشويه صورة الإسلام ولجذب العمل الشعبى الإسلامى بالمال والفقة المنفعل الغارق فى الخلافيات وهوامش الفروع ، فانجذب بعضا من الحركات الشعبية الإسلامية إلى النموذج السعودى المشوه ، إما بحسن نية أو سعيا لأموال النفط التى أغدقها عليهم آل سعود .
النتيجة لكل ذلك هو ما نراه الآن ، حيث الكثير من المسلمين لا يعرفون أن الشريعة هى كل متكامل وليست مجرد عبادات وأخلاقيات ، بل هناك أيضا أحكام ومعاملات وقوانين . ولأنهم لا يعرفون فإنهم يقفون موقفا معاديا للتشريع الدينى ظانين أنه نوع من الزيادات التى أخترعها "المتشددون" المنبوذون فكريا وإجتماعيا .

إن عملية الإجتهاد المتوقفة منذ قرون قد أصابت الفكر الدينى فى مقتل ، لهذا نرى بيننا التطرف المهووس والعنف المتعصب الأعمى . وإلى جانب ذلك هناك التنطع ومعاونة الظالمين والمحتلين والناهبين والقتلة ، وهناك السلبية واللامبالاة .
إننا نمتلك طيفا واسعا من أنواع الإنحراف التى تجعل المطالبة بإقامة دولة الإسلامية فى مصر فى الوقت الراهن عملا غير ممكن بل ومحفوف بالمخاطر الشديدة ، لسببين :

أولا ـ أثبتت أحداث مصر فى تاريخها القريب على الأقل ،أنه ليس بيننا حاليا جهة قوية وأمينة ، يمكن أن يقتنع بها الشعب فيجعلها حاكمة على تطبيق إسلامى حديث وصحيح .
فالشعب لم يتعرف بشكل طبيعى على التيارات الإسلامية الحركية ، لأنها قضت ستة عقود تحت الملاحقة والبطش الرهيب وتشويه السمعة ، وتخويف الشعب منها . لذا هى فى حاجة إلى وقت كاف لتقديم نفسها من جديد وإكتساب ثقتة الناس وتطهير الأفكار العامة من الإفتراءات والأكاذيب التى رسخهتا نظم البطش لتشويه الإسلاميين والإسلام ومفهوم دولة الإسلام .
وبعد الإنفراج الحادث بعد 25 يناير تعيد الحركة الإسلامية فى مصر تقديم نفسها للشعب من أسوأ بوابة ممكنه وهى بوابة تشكيل الأحزاب الجديدة التى إندفع إليها الجميع بلهفة جنونية وفى مناخ كان يستدعى تحقيق إجماع وطنى شامل لتأسيس البناء التحتى لدولة جديدة تقطع علاقاتها بالماضى وتؤسس لمستقبل يليق بمصر . لقد كان النظام المتحكم يمتلك من الحصافة والخبرة ما يمكنه من إدراك أن الأحزاب تفتت الإجماع اللازم لإستكمال مسيرة الثورة ، وتجعل التنافس الحزبى يزيح جانبا نزعة التوحد والعمل الوطنى الجامع ضمن ثورة جذرية مكتملة الأركان وليس حركة مطلبية ساذجة ومملة وإستعراضية مثل التى بدأت ملامحها تظهر مع إشتداد السعار الحزبى الذى فتت النخبة وصدم آمال الشعب .
وينصح هنا بمراجعة تجربة الأحزاب فى مصر منذ أوائل القرن الماضى لأنها تجربة غنية بالصراعات الصغيرة وإهدار الأهداف الوطنية الكبيرة، إلى أن جاء جيش "الثوار الأحرار" وقذف بالجميع فى مزبلة التاريخ وحاكمهم بتهم الفساد وملأ بهم المنافى والمعتقلات وأوكار التعذيب الهمجى ، وكان الشعب مبتهجا ومؤيدا لذلك لأنه إستراح من الصخب الحزبى المجدب ومجئ ضباط عمليون وطنيون وإن كانوا ظلمة وباطشين وقليلى الخبرة والبصيرة .

ثانيا : جهل الناس بحقيقة الدولة الإسلامية أوصل الأمر إلى معاداة وخوف الكثيرين من ذلك الشعار الذى تم تشويهه بما يكفى وزيادة . لهذا فالمناداة بدولة إسلامية فى مصر سوف تواجه بمقاومة شديدة معرقلة ، ينتج عنها فوضى لن يستفيد منها أحد ، لأن أحدا غير قادر على حسمها وسوف يتحطم الجميع ، ويعود إلينا من جديد نظام الفساد والخيانة / الغائب الحاضر/ كى ينتقم من كل من شارك فى الثورة أو أيدها ولو بكلمة . فالبطش والتنكيل والفساد فى مصر ، مارد مخيف له تراث عريق ، بينما ثورة على هذا النحو الذى نشاهده الآن هى طفرة غير مسبوقة ومازالت طفلا وليدا يحبو .

نعود إلى مثالنا التطبيقى فى مصر :
لكى نكون عمليين ، فإن طرح شعار إسلامية الدولة فى مصر الآن هو شعار فى غير وقتة الصحيح ولا فى ظروفه المناسبة ، وهو نوع من المزايدة التى تخفى طموحات حزبية وفردية ربما تؤدى إلى الإضرار الشديد بالوطن وإنتكاسة كبرى فى مسيرته .
وبالمثل تماما هى شعارات علمانية الدولة وليبراليتها إلى باقى الشعارات الرنانة التى تتناطح داخل "حرب طوائف حزبية" منفصلة عن هموم المواطن وإحتياجات الوطن العاجلة والحيوية.

فى أعتقادى أن المطلوب هو :
1 ـ طرح تصور للثورة الشاملة المتوجبة فى مصر . وهى رؤية لتحرير الوطن من الإحتلال الخارجى المتمثل فى الحكم الإسرائيلى لمصر تحت وصاية أمريكية. ( وتلك حقيقة واضحة وليست مبالغة لفظية ) لأن الإحتلال الداخلى للنظام المستحكم ما هو إمتداد للإحتلال الخارجى .
2 ـ طرح رؤية لبناء مصر من جديد وبشكل ثورى وجذرى، بحيث نحقق بشكل متزامن ، كل من : ( منعة الوطن / مع / عزة المواطن ) .

والأسس الثابتة للبناء المنشود هى :
ـ تأكيد القيم الدينية لجميع طوائف المصريين وتقويتها واحترامها . وتحرير المؤسسات الدينية من سيطرة الدولة . ونعنى هنا تحديدا الأزهر الشريف ، الذى يمثل وضعة المتهافت حاليا ، تهديدا للأمن القومى ، فتح المجال للتطرف ، وقد ينسف الوحدة الوطنية مستدعيا النفوذ الأجنبى بشتى أنواعة الأمريكية والإسرائيلية والسعودية .
ـ تحديد نظرية أمن قومى يضعها مجلس خبراء وطنيون متخصصون ، تحصل على إجماع وطنى يكون ملزما للجميع .

وبناء على نظرية الأمن القومى نأخذ خطوات فى المجالات التالية :

1ـ تطهير كامل التراب المصرى من أى تواجد إستخبارى أو عسكرى خارجى ، خاصة التواجد الأمريكى والإسرائيلى .
مع إلغاء كافة الإتفاقات الدولية والإقليمية التى تتعارض مع أمن مصر القومى أو مصالحها الإقتصادية أو تتنافى مع سيطرتها التامة على كامل ثرواتها وكامل مجالاتها الطبيعية : برا وبحرا وجوا .

2ـ بناء إقتصاد وطنى قوى يكون ركيزة لقوة الوطن ورفاهية المواطن .
ـ مع تأكيد دور الدولة المحورى فى الإقتصاد ، خاصة مجالاته الإستراتيجية المتعلقة بالأمن القومى ، مثل التصنيع العسكرى والصناعات الثقيلة والمتطورة ، ومثل مؤسسات البحث العلمى ، ومثل مشاريع الزراعة والرى الكبرى ، ومشاريع النهوض بحياة المزارعين .
ـ إتاحة الفرص الفعالة للقطاع الخاص ورأس المال الوطنى الذى ينبغى حصر مهمته الوطنية فى العمل الإقتصادى فقط لا غير ، ومنعه من تمويل العمل السياسى أو الإعلامى أو حتى الدينى
ـ حظر أى تمويل خارجى لأى نشاط مدنى وتجريم ذلك .
ـ تقييد حرية الحكومة فى الإقتراض إلا تحت إشراف ومتابعة البرلمان حيث أن الإقتراض يمس مستقبل الأجيال وإستقلالية الوطن . أما الإقتراض بشروط سياسية أو تمس الكرامة الوطنية والأمن القومى فينبغى تجريمه واعتباره من أعمال الخيانة العظمى .
ـ حظر وتجريم تلقى أى مؤسسة سيادية للعون المالى الخارجى ، ووضع كل الإتفاقات الحكومية مع الخارج تحت إشراف البرلمان والرقابة الشعبية المباشرة عبر إعلام شعبى حر .
ـ وقف عمل البنوك الأجنبية فى مصر . وتطوير عمل البنوك الوطنية بمنظور إقتصادى جديد يتلائم من متطلبات مصر فى مرحلتها الجديدة .

3ـ إعادة بناء أجهزة الدولة جميعها ، طبقا لنظرية الأمن القومى الجديدة ، على الأخص جهاز الدفاع الخارجى ( الجيش ) وجهاز الدفاع الداخلى ( الشرطة ) وأجهزة (المخابرات) الداخلى منها والخارجى . وإخضاعها جميعا لنوع من الرقابة والمتابعة الشعبية مع ( لجنة خاصة للأمن والدفاع فى مجلس الشعب ) وتولية قيادة تلك الأجهزة لوزراء مدنيين ، تابعين لحكومات منتخبة أو رئيس منتخب ، ويشترط أن يوافق على تعيينهم مجلس الشعب .
ـ جعل أجهزة الحكم المحلى خاضعة للإنتخاب المباشر، وكذلك المحافظين ومديرى الأمن فى المحافظات . وتكوين جهاز الشرطة من أبناء نفس المحافظة ويمول من ميزانيتها ، ويخضع لمراقبة مجالسها الشعبية المنتخبة التى يمكنها عزل المنحرفين ومعاقبتهم طبقا للقوانين .

ـ تحرير الإعلام ، وجعل الإعلام الحكومى محدودا وخاضعا لرقابة مجلس الشعب . وإطلاق العنان للإعلام الشعبى وبتمويل شعبى كامل وحظر تدخل رأس المال المحلى أو الخارجى فى ملكية أو إدارة وسائل الإعلام ، مع إلزام الإعلاميين بميثاق شرف وطنى ومحاسبة برلمانية.

ـ النظر فى تأسيس الأحزاب تحت ميثاق وطنى يضمن أداء رسالتها وفقا لنظرية الأمن القومى وبعيدا عن تمويل رأس المال المحلى أو الخارجى . وجعل ميزانية الأحزاب منشورة بشكل دائم على الأنترنت وخاضعة للتدقيق من لجنة الأحزاب فى مجلس الشعب .

ـ تحديد الأساليب التى تضمن للمواطن الإختيار الحر والحقيقى لمن يمثله فى المؤسسات التشريعية المحلية والوطنية ، ومنع التمويل الخاص للحملات الإنتخابية جميعا ، خاصة الرئاسية و البرلمانية. وإيجاد السبل اللآزمة لتوفير التمويل لتلك الحملات بما يضمن تكافؤ الفرص وإبعاد التأثير المالى على نتائج الإنتخابات ، حتى يصبح البقاء للأصلح سياسيا وأخلاقيا وليس للأغنى ماليا .
ـ إحداث ثورة شاملة وجذرية فى التعليم . ومنع التعليم الأجنبى فى مصر.

4ـ تحرير القضاء بشكل كامل وإبعاده تماما عن يد السلطة التنفيذية .

5 ـ تحرير الأزهر بشكل كامل من قبضة السلطة السياسية وأجهزة الأمن ، وإعادة جميع الأوقاف الإسلامية فى مصر تحت إدارة الأزهر . وتعود إليه أيضا رعاية جميع المساجد فى الجمهورية .

6 ـ تحويل مصر إلى وطن قومى للعرب ، والسماح لكل عربى بدخول مصر بالهوية الشخصية وبدون تأشيرة ، ومنحه حق الإقامة والعمل والتملك ، ومنح حق التجنس وحقوق مواطنة كاملة لكل عربى أقام فى مصر لمدة ثلاثة أشهر بدون إنقطاع ، مع السماح له بالحفاظ على جنسيته الأصلية .


برنامج ثورة .. وليس إستعراضات فكرية :
لإخراج البلد من عنق الزجاجة لابد من تحقيق إجماع وطنى على نفس النمط الذى أطلق ثورة 25 يناير . هذا وإلا فإن النتيجة ستكون كارثة من النوع الثقيل جدا . فجوهر الصراع هو الحصول على وطن إسمه مصر ، فإما أن يكون ذلك الوطن للمصريين جميعا أو أنه سيكون ملكا لإسرائيل بوصاية أمريكية ، فيعيش المصريون عبيدا فى وطن يمتلكة غيرهم ويجلدهم فرعون مصرى يفرضه عليهم بنو إسرائيل .
النظام المستحكم خدع الثوار وفتت صفوفهم ، وإستمال البعض، وعقد صفقات على إنفراد ، وضرب بعضهم ببعض . وقبل كل ذلك حشرهم فى طريق خاطئ وكاذب لن يفضى إلا لإجهاض الثورة . فقد تخطى النظام مطالب التطهير الحقيقى وقام بتطهير شكلى لا يطال حقيقة النظام وجذورة الفاسدة الضاربة عميقا فى أجهزة الدولة جميعا ، ثم دفع بالثوار إلى إجراءات حددها هو لإعادة البناء ، بينما الفساد مازال فى تمام العافية ، والنتيجة الحتمية هى إعادة إنتاج نسخة منقحة من نفس النظام القديم الجديد .
وبديهى أنه لا بناء قبل التطهير ، ولا بناء قبل الإتفاق على تصور لذلك البناء القادم .
ولكن لا تطهير حدث ولا تصور ثورى طرحة أحد . وبدلا عن ذلك إنهمك الجميع فى العراك حول إجراءات تنفيذية لبناء واقع سياسى مبهم وهلامى . وكل فريق راح يناطح الآخرين بشعارات لامعة ولكن فارغة . والنتيجة هى تفتيت قوى الثورة وبداية إنعزال الشعب عن الثوار لأن النخب بدت عاجزة وتافهة وأنانية ، تبحث عن مصالح حزبية ضيقة ومطامع فى سلطة ساسية ليست فى متناول أحد لأنها مازالت فى يد النظام المستحكم .
ــ النقطة الإيجابية الوحيدة هى أن الشعب إسترد ثقته فى نفسة ومازال قادرا على التحدى وطرح مطالبه بقوة فى الشارع . ولكن هذا الوضع غير أبدى، خاصة إذا فقد الشعب ثقته فيمن يتكلمون بإسم الثورة والذين لطموه بأكثر من خمسين حزبا ينطقون بإسم شعب منهك تنخرة الأمية والفقر ولا يكاد يعرف مجرد أسماء تلك الأحزاب . فشعب أكثر من نصفه يعيش تحت حد الفقر لا يمتلك وقتا ولا صبرا ولا حتى قدرة، كى يقرأ برامج معقدة لتحقيق مطالب واضحة مثل قرص الشمس فى صيف مصر، ولا تحتاج كل تلك التعقيدات وإستعراض العضلات الفكرية والفلسفية .
مطالب الشعب واضحة ولن تحققها إلا ثورة فعلية ، فمن ذا الذى سيقوم بها ؟؟ .
هذا هو السؤال وهذا هو التحدى ، لأن المطلوب الآن هو برنامج لثورة حقيقية وجذرية وليس برنامج حزبى بمسميات غامضة مستوردة من الغرب الذى يحاربنا منذ قرون ، أو مجرد شعارات دينية هلامية ولاهبة للمشاعر ولكنها لا تنير الطريق ، بل تقود إلى مخاطر المجهول . فالمشكلة هى أن جميع التيارات الإسلامية فى مصر كانت تاريخيا محافظة وبعيدة عن منطق الثورة، وفى صف الهدؤ والإستقرار وديمومة النظام القائم مع مواصلة نصحه بالحسنى ومطالبته بما هو أحسن( وذلك شبيه إلى حد ما بنهج الثورة الحالية ، غير أنها من وقت إلى آخر تخرج إلى الشارع من أجل متابعة الصراخ والتلويح بالقبضات فى وجه النظام ) .
ومع ذلك فإن بعض الجماعات الإسلامية قد مارست الخروج المسلح على الحاكم متسلحة بفتاوى مثيرة للجدل ، لدرجة أن من نادوا بها عادوا وتراجعوا عنها ، فقد كانت مجرد شعارات دينية مجردة ، بلا أى بعد "سياسى إجتماعى إقتصادى" يجعلها ترتقى إلى مرتبة ثورة شعبية ذات رؤية إسلامية .

فأين هو البرنامج العملى لثورة حقيقية جامعة وجذرية؟؟ ، ثورة يلتف حولها الشعب بكافة فئاته وطوائفة ودياناته كونها نابعة من عمق معاناته وألامه وآمالة؟؟ . ثورة من أجل إستعادة وطن محتل من الداخل والخارج ، إسمه مصر؟؟.


و أخيرا :

إليكى الآن مقتطفات من قصيدة للشاعر أحمد مطر ، وفيها نتفق على موضوع الحكم ، وأن الأساس وأمل الناس هو إقامة العدل وليس شكل السلطة أو مسميات الحاكم ، حيث يقول :
*
توقن أو لا توقن .. لايعنينى
من يدرينى
أن لسانك يلهج باسم الله
وقلبك يرقص للشيطان !
أوجز لى مضمون العدل
ولا تفلقنى بالعنوان
*
شعرة ظلم تنسف وزنك
لو أن صلاتك أطنان !
الإيمان الظالم كفر
والكفر العادل إيمان !
هذا ما كتب الرحمن
*
كن ما شئت ..
رئيسا ،
ملكا ،
خانا ،
دهقانا ،
كن أيا كان
من جنس الإنس أو الجان .
لا أسأل عن شكل السلطة
أسأل عن عدل السلطان .
هات العدل ..
وكن طرزان !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح