الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية المغتربة

اسعد الامارة

2011 / 8 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثير منا يسمع عن هذا المفهوم واستخداماته في حياتنا المعاصرة هذه الايام ،وإذا كانت الكلمة في ذاتها لها تاريخ قديم من الفكر الديني وبخاصة المسيحي والاسلامي والعصور الوسيطة تلك الاخيرة التي تعددت استخدامات الكلمة فيها ما بين قانونية ونفس – اجتماعية . اول من استخدم هذا المفهوم علميا ً ومنهجيا ً هو "هيجل" في كتابه الموسوم فينومينولوجيا الروح الذي صدر في العام 1807.
اصل كلمة الاغتراب لاتيني Alienatio ويستمد هذا الاسم معناه من الفعل Alienaer بمعنى تحويل شيئ ما لملكية شخص آخر وهذا الفعل بدوره من فعل آخر هو Alienus اي ينتمي الى شخص آخر متعلق به ، وهذا الفعل الاخير مستمد بصفة نهائية من لفظ Alius الذي يعني الآخر سواء كأسم او كصفة "كما عرضه ريتشارد شاخت –الاغتراب "
ان الشخصية المغتربة او التي تشعر بالاغتراب تعد مأساة الانسان المعاصر في عالمنا اليوم فهي تعيش صراع بين أكون ولا أكون في سياق هذا الازمة الانسانية المحتدمة في حق الوجود والعيش برضى وهدوء. تقوم جدلية هذا النمط من الشخصية على صراع يتمركز في :
انا افكر .. اذن .. انا موجود
انا أفكر .. إذن .. انا قلق
انا قلق .. اذن ..انا موجود
أفكر حيث لا أوجد ، أو أوجد حيث لا افكر معبرا عن أن الاحساس بالوجود لا يتحقق في الذاتية – انطلاقا من الذات أو التفكير – وانما يحصل الانسان على الاحساس بوجوده من خلال الآخر وفي الآخر وبالآخر كما تقول نيفين زيور .
لا تجد الشخصية المغتربة في الواقع الذي تعيشه نفسها بل تجد نفسها غريبة في مجتمعها، غريبة عن ذاتها ، لم تجد الاخر الذي هو في وجوده انعكاسا انسانيا في علاقته بالآخر فيقول"مصطفى زيور" فوجودي وقد عثرت عليه مشوب بالغيرية أنه وجود واغتراب معا ً من حيث عثور على الوجود داخل الاغتراب في الغريب حقا ً انه ليس اغترابا ً شاملا من حيث إن الآخر إنما هو أنا .
تعاني الشخصية المغتربة بالعزلة عن الاخرين لفقدان لغة التواصل والتفاهم معها ويقول "كيركجارد" قضية علاقة الفرد بالاخرين ضياع الانسان في الحشد ، هذا الحشد من البشر او كما يسميهم بهائم البشرية حينما تندمج هذه الشخصيات في اية قوة بدون العقل ، سواء قوة الحشد او الدين او النظام السياسي .. الخ ، انما تفقد إنسانيتها ويغترب الفرد ويضيع في الحشد وبين الوجود الزائف .
عاش السيد المسيح "ع" مغتربا في مجتمعه الذي طلب اصلاحه لما يعيش فيه من فساد وتحوير لجميع القيم السماوية التي نادت بها الاديان من قبله فأنتزع نفسه من المجتمع او من الاخرين لا نتيجة بالاحساس بالضياع وأنما لكي يعيد مع شلة مؤمنة به صياغة مفاهيم الحياة الصحيحة ولكونه يقود ثورة مسالمة هادئة على القيم السائدة فلم يفض اغترابه الى التمرد وانما يتجاوز باغترابه الحب والارتباط الانساني التلقائي .
اما الامام علي بن ابي طالب "رض" فقد عد من اكثر الشخصيات المغتربة عن/ "في" واقعها لما عاناه من عدم تفهم مجتمعه له ولِما يقول ويُبدي من افكار متقدمة عنه زمانيا ومكانيا فقوله : الفقر في الوطن غربة ، والمال في الغربة وطن .
وهناك العديد من الشخصيات المغتربة في اوطانها أدت بها الحال الى الثورة على الواقع وان دفعت حياتها ثمنا لذلك منها الامام الحسين بن علي بن ابي طالب "ع" في ثورته الازلية ضد نظام الدولة الاموية السياسي بأسم الدين حينما رفض الاغتراب في وطنه بالاعتراض على السلطة الجائرة التي حاولت نزع انسانية الانسان بأسم الدين فرفض ان يضيع في الحشد حتى لايصبح ملكا ً لنفسه فقط وإنما انطلق بثورته التي ظلت باقية عبر القرون ليصبح ملكا ً لغيره ، انه لم يتخذ العزلة كعلاج لحل ازمة الاغتراب في المجتمع الاسلامي ، اغتراب في التعامل اليومي البعيد عن الفكر الديني السائد واغتراب في التطبيقات السياسية - الدينية السائدة آنذاك . ان "الامام الحسين –ع-" في ثورته على اغترابه بمجتمعه الذي استسلم بإسره للسلطة السياسية الزائفة والتدين المحور قادته ثورته الى ان تفنيه وتوجده في الآن نفسه على المستوى الرمزي الذي يجعله خالدا ً من قبيل أن يلاحظ كيف انه مات "استشهد" بما هو فرد وإن ظل خالدا ً بما هو رمز لإمة تحيي ذكرى اغترابه بالعلن بمآتم استشهاده كل عام وعبر اكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان وبمختلف الامكنة والاوقات . انه لم يسعى الى السلطة ولكنه سعى الى التغيير فسعوا الى موته وهو ما تحقق على ارض الواقع فقد قُتل وقُطِعت اوصاله – هذا الحدث بالنسبة له وللمسلمين الحياة ، وليس الفناء ، ففناءه بدنيا ً تتجلى في صورة الجسد الممزق المفتت وقوله ( ان كان اصلاح دين جدي لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني - إقتلوني ) فيصبح الانا مرهونا ً بهذا الخيال والواقع معا ً، اعني الجسد المتناثر الممزق ، معززا ً (أنا ) مثاليا ً يصبو الى تحقيقه في الآخر الكبير(الله) والدفاع عن الدين القويم والصحيح غير المحرف .
الامام الحسين"ع" لم يسعَ الى الموت بل سعى الى الاصلاح جهارا ً ولكن الموت ادى الى إعادة الوعي الجمعي لأمة بأسرها فقدَتْ ميزان قياسها للاسلام الصحيح .
ومن ابرز الشخصيات المغتربة في التاريخ الاسلامي هو (الحسن بن منصور الحلاج) المتصوف المغترب الذي دفع حياته ثمنا لاغترابه رغم شطحاته في الفكر والفلسفة وما يقول ، فهو صادق بقوله رغم مغالاته فأتهم بالكفر والزندقة والجنون وسعى نحو الموت وتحقق له.
يقول علماء النفس ان الشخصية المغتربة تضيع بين جزئيات الحياة اليومية حتى تضيع الاسرة ، و يسرقون منها وجودها الانساني السوي ويسلبون ذاتها وحريتها .
ترى ادبيات علم النفس ان الاغتراب هو قضية الانسان في كل زمان ومكان وليس قضية عصرنا الحالي فقط رغم ان ظاهرة الاغتراب والشخصيات البشرية التي تتسم بسماتها ربما تختلف من عصر الى آخر ومن مجتمع الى مجتمع ولابد ان نقول اننا نشعر بالغربة حينما يكون القهر ويكون مستمرا ويقول"اريك فروم" الاغتراب ليس نعمة او نقمة بل إنه يدخل في النسيج الوجودي للانسان وسيظل الاغتراب طالما يظل الانسان، ويضيف "تيلش" اكثربقوله على الرغم من الأغتراب يحاول الانسان أن يظل إنسانا ً فإننا نقول أن الانسان بغير الاغتراب ليس انسانا ً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل