الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوافع الحقيقية للمنسحبين من المجلس الوطني في اليمن

منذر علي

2011 / 8 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كيف يمكن لنا أن نفهم أو نتفهم الدوافع الحقيقية للمنسحبين من المجلس الوطني؟ هل تقرر انسحابهم المفاجئ وفقاً لاعتبارات وطنية بحته، أم لاعتبارات ديمقراطية أصيلة، أم لاعتبارات سياسية مبررة أم لكل هذه الاعتبارات مجتمعة، أم لاعتبارات أخرى ، جهوية ضيقة، ليس لها صلة بما ذكرنا؟
الوطنية والديمقراطية
نحن ندرك، على الأقل في الظروف الراهنة، إنَّ الوطنية الحقيقية تستدعي حشد كل طاقات الشعب اليمني لإسقاط النظام الفاسد، الآن وليس غداً، وإزالة كل التشوهات التي لحقت بالوطن، بفعل السياسة الحمقاء لحكامه. كما إنَّ الوطنية الحقيقية تقتضي التمسك الصلب بوحدة الوطن باعتبارها أهم هدف من أهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين، والوطنية الحقيقية، تقتضي أيضاً العمل من أجل تحقيق العدالة والحرية وصيانة وحدة الوطن وتقدمه والذود عنه. كما إنَّ الوطنية الحقيقية تعني التمسك بالديمقراطية التي تقتضي أن يكون لكل مواطن صوت واحد ، بصرف النظر عن دينه ، أو جنسه ، أو لونه ، أو مكانته الاجتماعية ، أو موقع إقامته، وسواء أكان يقطن في شمال اليمن أم في جنوبه ، في شرقه أم في غربه.
غير أن المطالبة بأن يعطى للفرد من الجنوب خمسين في المائة، أي ما يساوي حقوق خمسة أفراد من الشمال عند التصويت أو العكس ، من خلال عضوية المجلس الوطني، يفتح المجال واسعاً أمام كل منطقة في اليمن لأن تطالب بخمسين في المائة في كل مؤسسة مدنية أو سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية ، وهذا جنون ، ما بعده جنون ، وهو ليس فقط مخالفاً للدستور ، بل مخالفاً للروح الوطنية الحقيقية، لأنه سيكون تعميقاً واضحاً للجهوية وزرعاً للفتنة ، على طريقة دولة الطوائف في لبنان ، فضلا عن أنه سيكون انتهاكاً صريحاً لكل القيم الديمقراطية ، والدينية ، ونزوعاً عنصرياً مقيتاً ، لا مبرراً له ، و ليس له نظير في التاريخ ، ولا حتى أبان حكم الأقلية العنصرية البيضاء في عهد الرئيس العنصري المقيت بي دبليو بوثا في جنوب أفريقيا.
وفي هذا الإطار فأن انسحابهم من المجلس الوطني وطريقة تعاملهم معه، كان موفقاً سياسياً مربكا ومعادياً لأهداف الثورة اليمنية ومنافياً للمبادئ الديمقراطية، ومحبطاً لثورة التغيير الشعبية الجارية في عموم الوطن وزارعاً للفتنة ومعاضداً وداعماً لاستمرار حكم الطاغية الفاسد.

أسلوب ماكر
من يقرأ بيان المنسحبين والمسحوبين( لقد مُورس ضغطاً قوياً على بعض الأفراد لإجبارهم على الانسحاب من المجلس) بتمعن ، يخرج ، لأول وهلة ، بانطباع مفاده ، بأنهم غير راضيين عن المجلس الوطني ، حسب تعبيرهم ، لأنه " جرى تهميش وعدم الأخذ بعين الاعتبار موقف ووجهة نظر عدد من أقطاب العملية السياسية وأبرزهم الحراك الجنوبي السلمي والثورة الشعبية السلمية والحوثيين وغيرهم من القوى السياسية والاجتماعية التي كانت سباقة في عملية التغيير" ولكن هذه الفقرة تحوي من المكر والتدليس أكثر مما تحوي من الحقائق ، حيث يشير بيان المجلس الوطني ، الصادر يوم 17 أغسطس 2011، إلى إنه " ضم ممثلين عن أحزاب المعارضة السياسية وشباب الثورة والقوى الاجتماعية والحراك الجنوبي والاتحادات القبلية وقوات الجيش المؤيدة للثورة وعلماء الدين. وجاء تشكيل المجلس إثر حوارات استمرت لأشهر بين سائر قوى المجتمع والقوى السياسية وائتلافات الثورة الشبابية." بعبارة أخرى ، ووفقاً لما نشرته جريدة البيان الإماراتية الصادرة اليوم الأحد 21 أغسطس فإن "المعارضة أبلغت القادة الجنوبيين بإدراج أسمائهم في عضوية الجمعية الوطنية ومن ثم في المجلس الوطني واتفقت معهم على الاستمرار في الحوار وإبقاء باب الانضمام إلى عضوية الجمعية الوطنية مفتوحاً." أي أن تنسيقاً شاملا واتصالات كثيرة ، كانت قد سبقت تشكيل المجلس ، جرت مع مختلف المكونات السياسية الوطنية. وإذا استثنيا السيدة هدى العطاس وهي امرأة مستقلة ، كما تزعم ، والأستاذ محسن باصرة ، من حزب الإصلاح ، فلم يعترض أي من الأسماء التي احتوتها قائمة المجلس ، سواء كانوا من الحوثيين ، أم من الناصريين ، من الإصلاحيين ، أم من الحزب الاشتراكي ، من القوى الشبابية، أم من القوى الشعبية القبلية، من حزب الحق ، أم من الرابطة، من المدنيين أم من العسكريين، وسواء كانوا من الشمال أم من الجنوب. وبالتالي فأن الفقرة السابقة التي تحوي الكثير من المداهنة والنفاق والمكر ، ولا تشكل سوى توطئة للمطالبة بالمناصفة والتقاسم ، والفقرة التالية في بيان المنسحبين والمسحوبين ، تفضح سابقتها ، إذ تقول ، وبعبارات زاعقة ، توحي بالحرص الزائف على الثورة الشعبية " إن أي ائتلاف وطني موسع يضطلع بمسئولية قيادة الثورة الشعبية السلمية لإسقاط بقايا النظام ينبغي أن يكون في هذه المرحلة، بالمناصفة بين الجنوب والشمال". واضح أن هذا ابتزاز سياسي رخيص، ومحاولة بائسة لوضع عراقيل كثيرة أمام مسيرة الثورة الشعبية، ومع ذلك فأن المناصفة قد تحققت ، بأن احتوت القائمة على حوالي خمسين في المائة من المحافظات الجنوبية ، والقائمة مازالت مفتوحة، على الرغم من أن ذلك يتنافى مع أبسط المبادئ الديمقراطية. غير أن السيد حيدر العطاس وزمرته لا يريدون فقط مناصفة ، بل يريدون ما هو أكثر من المناصفة ، أو بالأحرى يريدون مناصفة على طريقتهم الخاصة ، أي أن تحتوي نسبة الخمسين في المائة المنشودة ليس على سياسيين يمنيين جنوبيين وطنيين مستنيرين، من طراز رفيع ، أمثال محمد سالم باسندوه وعلي صالح عباد مقبل ود. ياسين سعيد نعمان ود. عيدروس النقيب، وأنصاف مايو ، وحورية مشهور ، ود.عبد الرحمن بافضل ، وعبد الله الناخبي ، وعبد الله علي عليوه ، وعبدالله عوبل ، وعلي حسين عشال ، وإنما على جنوبيين من طراز خاص ، يروقون له ، ذوي ميول انفصالية عميقة بنسبة مائة في المائة، وأستطيع هنا ، دون عناء كبير، وضع قائمة بأولئك الأشخاص الذين يريدهم العطاس وزمرته في القائمة، لكي يحقق ما حققه السيد سلفاكير في جنوب السودان.
لنكن إذن واضحين ، السيد حيدر أبو بكر العطاس لا يسعى، بالطبع ، من جراء مطالبة الملتوية إلى " تعزيز عوامل الثقة المتبادلة وحشد كل الطاقات والإمكانات للتسريع في انتصار الثورة وتحقيق كامل أهدافها، والتأسيس لمرحلة جديدة تمهد الطريق لتسوية وحلول ناجعة لكل القضايا الشائكة والمعقدة التي تواجهها البلاد" كما يزعم زوراً ولكنه يسعى ، بشكل ماكر ، إلى تجير الثورة لأغراضه الخاصة الضيقة ، بالضد من مصالح الشعب اليمني في الوحدة والديمقراطية والعدالة والتقدم.

لم يتعلموا الدرس


إن هذه الرغبة الجارفة في المناصفة والتقاسم ، التي تحكم نهج العطاس وزمرته ، تذكرنا بتلك الأيام السوداء من حكمهم ، قبيل أحداث 13 يناير 1986، ( وليصححني السيد علي ناصر إذا كنتُ مخطئاً !)حينما كانوا يستنفرون القوات المسلحة والقوات والبحرية والطيران لمجرد تعيين موظفاً رفيعاً من ابين في إحدى الدوائر السياسية أو العسكرية أو الدبلوماسية، ويشترطون مقابل ذلك توظيف خمسة مواطنين من الضالع ، أو غيرها من المناطق ، وفقاً للتحالفات القبلية حينئذ، بصرف النظر عن الكفاءة وعن الحاجة إلى أولئك الموظفين ، فاتخموا الجهاز الإداري بالقبائل والجهلة وخربوا الدولة الوطنية الفتية ، تماماً كما يسعون اليوم إلى تخريب الثورة الشعبية الواعدة، فانفجرت الأوضاع ، بشكل مأساوي، في 13 يناير ، فأنسحب إلى شمال الوطن حوالي 15 كادر سياسي وعسكري ودبلوماسي ، وألتحق الجزء الأكبر منهم بمعسكر الطاغية علي عبد الله صالح ، والتهمت الأحداث ، مع الأسف، أشرف الرجال وأنبلهم، فسقط حوالي 12 ألف كادر سياسي وأكاديمي وعسكري ، ودُمر الحزب الاشتراكي المجيد ، وتلاشى الدور الريادي له في المجتمع ، وتهشمت القوات المسلحة والمليشيا الشعبية ، ودمرت المؤسسات الوطنية ، وأصبحت دولتنا الجنوبية الفتية ، جراء تلك الأحداث كسيحة ، متهالكة ، سََهُل ابتلاعها في حرب 1994 من قبل الطاغية المجرم وزمرته الفاجرة. غير أن المؤسف حقاً هو أن تلك القيادة البائسة لم تتعلم من الماضي، وتسعى اليوم إلى تكرار نفس المأساة ولكن على نطاق أوسع هذه المرة. ( وبالمناسبة كان حيدر أبوبكر العطاس أحد أبرز مهندسي الكوارث الوطنية الكبرى لحربي 13 يناير 1986 ، و27 أبريل 1994 ، ألاّ إنه لم يكن حاضراً في أيا منهما ، إذ كان يترك البلد قبل وقوع الأحداث ببضعة أيام فقط، فهل سيكون حاضراً هذه المرة ؟!)

ارحلوا

لا ريب إن الشعب اليمني عانى كثيراً من حكم الطاغية، الأسري العشائري البغيض، علي عبد الله صالح ، ولكنه أيضاً عاني كثيراً من جحيم حكمهم الغبي ، الذي تمسح كثيراً ب "الاشتراكية العلمية" ، لكنه ، في الواقع ، مارس الجهل والتطرف والقبلية والبيروقراطية والحروب ، وأسفر حكمه ، في الأخير ، عن خراب هائل وقتل قطاع كبير من الاشتراكيين أنفسهم ، فضلاً عن سحق الجماهير الكادحة والتطويح بمنجزاتها التقدمية.
واليوم نقول لهم: أنتم والطاغية علي عبد الله صالح، تنتمون إلى عصر مختلف ومتخلف. دعونا وشأننا.
علي عبد الله صالح يريد أن يبقى في الحكم، بأي ثمن على حساب استقرار الوطن وتقدمه، وأنتم تريدون أن تصعدوا إلى الحكم ، بأي ثمن ، على حساب وحدة الوطن وتقدمه. ما أوقحكم !. نحن لا نريد الطاغية ولا نريدكم. ارحلوا ، وسيتطوع الشعب بإعطائكم مزرعة لتربية الدواجن في منطقة نائية، تديرونها بالتناوب، خلال الفترة القصيرة المتبقية من حياتكم ، بشرط أن تكون منزوعة السلاح، لكي لا تلوثونها بصراعاتكم الحمقاء وبالتالي تكثرون من البيض الفاسد!
فكما أنه ليس من حق الطاغية علي عبد الله صالح أن يتحدث نيابة عن الشعب في منطقة سنحان في محافظة صنعاء ، ناهيكم عن الشعب في شمال الوطن ، فأنه لا يحق لكم ، بالمقابل ، الحديث باسم الشعب في مدينة حريضة في محافظة حضرموت ، أو مدينة دثينة في إبين، ناهيكم عن الشعب في جنوب اليمن.

الخروج من المأزق
إنَّ المعضلة القائمة ، التي تعصف باليمن اليوم ، لن يحلها النظام الفاسد، القائم على الظلم والتبعية والجهل والفوضوية والفساد . كما إنَّ الحل لن يتأتى عن طريق استفتاء الناس في هذا الجزء أو ذك من شطري اليمن. فحينما قامت الوحدة السلمية في 22 مايو 1990 ، كان هناك إجماعاً شعبياً جارفاً حولها ، بنسبة 100% على امتداد الوطن ، ولم يكن في مقدور أحد أن يقف أمام تيارها الجارف حينئذ، فإذا وافق اليوم 80% من سكان اليمن على فك الارتباط أو القبول بالفيدرالية ، وهذا غير ممكن ، فستظل هناك مشكلة كبيرة ، مرشحة للانفجار تعكس غياب الوفاق الوطني الشامل، أما إذا وافق على فك الارتباط أو الفيدرالية 20% فقط من سكان اليمن ، فستكون هناك كارثة حقيقية ، لأن شعبنا لن يفرط بأهم مكسب تاريخي حققه في العصر الحديث. وعليه فأن المخرج من المأزق ليس هو فك الارتباط، و ليس الفيدرالية وليس الديكتاتورية القائمة ، وإنما سيكون فقط من خلال التوافق الوطني على أقامة دولة يمنية مدنية حديثة موحدة، في ظل حكم محلي واسع الصلاحيات، تتجسد فيها المواطنة المتساوية لجميع اليمنيين واليمنيات، وتتحقق في ظلها الحرية والعدالة والتقدم.
سيأتي المستحيل
ومن أجل هذا الهدف النبيل ، الذي ضحى من أجله مئات الآلاف من اليمنيين عبر القرون والأحقاب ، فأن على قوى الثورة أن تصمد و تتحدى وتهزم “ المشاريع الصغيرة" ، كشرط جوهري لانتصار الثورة ، وعليها أن تواجه ، بجسارة، القوى المتخلفة التي تسعى لإجهاض الثورة ، كما أن عليها أن تدرك إنّ ما يبدو مستحيلاً سيأتي ،رغم العناء والآلام ، طال الزمن أم قصر، فالشعب اليمني ، في الشمال والجنوب موحداً وسيبقى كذلك ، وسيجد ، من بين بناته وأبنائه الشرفاء ، أفضل الحكام لكي يسوسوه ، بشكل سليم وعقلاني، ويفتحوا له باب الأمل نحو مستقبل أفضل. ما يعنينا فيمن سيحكمنا، هو الجوهر الإنساني الأصيل والمبادئ التي يُحكم بها، واتساق الأفعال مع الأقوال، وليس الاعتبارات الجهوية الغبية. المهم في حاكمنا القادم ، ذكراً كان أم أنثى ، أن يكون يمنياً وطنياً وديمقراطياً ومتعلماً ومستنيراً وعصرياً ، ولدية رؤية تقدمية للنهوض باليمن ، على كل المستويات ، والحفاظ على وحدته وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع اليمنيين واليمنيات ، وصون سيادة اليمن ورفع شأنه عربياً ودوليا إلى مصاف الإنسانية المتحضرة.
لا يهم أن كان ذلك الحاكم من حضرموت أم من صعدة ، من الحديدة أم من المهرة ، من عدن أم تعز ، من الضالع أم من سنحان. إنَّ ما يهم الشعب اليمني هو نوعية الحاكم وليس المنطقة التي ينتمي إليها.

في الأخير أقول للذين يحاولون أن يجهضوا الثورة، أنتم مثقلون بالإرث القديم ، تتنفسونه ، وتتناسخون مخلفاته الهامدة ، أنتم أسرى دائرة جهنمية ، منبثقة عن الماضي الإقطاعي والاستعماري: شمال جنوب ، شرق غرب ، أقلية أكثرية إلى آخره ، أنتم غير مستعدين، وربما غير قادرين، على التحرر من الوعي القديم ، والتأسيس لثقافة جديدة ،قوامها الحرية والعدالة والتطلع إلى المستقبل ، بروح جديدة، تتوافق مع قيم العصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا