الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك السوري، والارتكاسات المذهبية المضّادة.؟!

عماد يوسف

2011 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


سادت الفترات التي رافقت الحراك السوري في مراحله التي امتدت أكثر من خمسة أشهر حتى اليوم، الكثير من نزعات القلق والخوف والرُهاب السياسي الذي سيطر على عقول الناس وتفكيرهم وكاد، أو عمل على شلّ أوصالهم خوفاً من تغيير سياسي قادم في البلاد. هذا الخوف هو خوف مشروع في علم النفس وعلم الاجتماع السياسي ، إذ تشعر هذه الشريحة أو تلك من البشر بأن وجودها وكينونتها، وديمومتها، مهددة بخطر ما؟! وأكثر ما تحكم مشاعر الخوف هذه الأقليات التي تعيش في وسط أكثرية. سواء كانت هذه الأقليات طائفية، أو إثنية" قومية"، أو مذهبية. لتشكّل هذه المخاوف انقلاباً جذرياً في آليات وأنماط تفكيرها الحرّ حيث تؤدي بها إلى تشتت في التفكير وضبابية في المواقف تجاه الحدث القادم. ما يعزز هذه المخاوف هو وجود حالات تنافر، أو تضاد اجتماعي ديني، أو طائفي، أو سياسي حتى بين الأكثرية والأقلية، وعندما تحمل هذه التحولات مشاريع مذهبية، كما هو الحال في سوريا، أو تحمل نفوراً وكرهاً تجاه ما يُسمى بالأقليات فإننا نجد أن هذا التمترس يزداد ويتفاقم في نمط التفكير وآلياته، ويصبح الإنكفاء عن المشاركة، أو التفاعل الاجتماعي هو العنوان العريض لحراك هذه الطائفة أو تلك، أو هذا المذهب أو ذاك. وذلك لغاية البحث عن الأمن والأمان في الدائرة الضيقة للإنتماء العائلي والقبلي أوالعشائري أوغيره. يؤكد ذلك ويشد وزره عدم وجود مشروع متكامل ومتجانس شامل للتغيير، وقد ساهم بذلك أيضاً عدم وجود معارضة متجانسة فهي فئات متناقضة في الرؤيا، متصارعة في الايديولوجيا، مشتتة في الحامل الاجتماعي الذي تملكه على الأرض. وكذلك تتمتع بامتياز القصور المعرفي والسياسي، وعماء اجتماعي أثبت أنها بعيدة كل البعد عن الواقع السوري وتلويناته الفسيفسائية المعقدة جداً. زاد من سوء مواقفها هذه عدم اعتمادها على مثقفين كبار في هذا الحراك، ومن اعتمدت عليه كان فهمهم للواقع السوري بمثابة فهم قبائل بني حمير لثقافة قبائل الهكسوس في بريطانيا.
نستطيع أن نتقبل وبتفهم واضح موقف الأقليات السورية تجاه ما حصل من حراك، فالأحداث التي حصلت، والأشكال والأدوات التي استخدمها الحراك السوري هي محددة ببيئة وحيدة لا أحد غيرها يُمارس أو يتعاطى مع هذه الأدوات والوسائل، فالجامع مثلاً، لا يُمثل كل شرائح الشعب السوري. والهتافات التكبيرية والنداءات الدينية، ونزعات التطرف والشعارات الطائفية التي تنادت بها بعض أطياف هذا الحراك، وفلسفة العرعرة التي اتبعها البعض، أو الغالبية منهم، ونزعات العرعرة الانتقامية التكفيرية للآخر، جعلت من هذا الحراك في موقف العداء تجاه الأقليات الأخرى التي يُشكلها المجتمع السوري من الإسلام والمسيحيين وحتى العلمانيين وغيرهم. لقد سادت الصبغة الدينية عليه منذ البدايات، فدعوات الجهاد هي دعوات دينية محضة، ودعوات التكبير والخروج من المساجد بعد صلاة الجمعة التي لها مدلولات كبيرة في الفكر الإسلامي هي تصب جميعها في الإرث الثقافي لتيار ديني بعينه، أو مذهب ديني بحد ذاته، وذلك دوناً عن المذاهب الأخرى الموجودة في سوريا من إسلام.. وكذلك من مسيحيين والكثير من القئات العلمانية.
إلاّ أنَّ ما لايُمكن تقبلّه في هذا الحراك، وخاصة لدى الكثير من منظريه الذين سقطوا ثقافياً وفكرياً في أول اختبار مدني ديمقراطي لهم، إنَّ ما لا يُمكن تقبله هو التمترس والاصطفاف الذي شهدناه لدى طائفة الأكثرية، أي الطائفة السنيّة الكريمة. إذ ليس هناك من مبرر لأن تقوم الطائقة الأكثرية بالاصطفاف والتخندق والتمترس خلف بعضها في مواجهة الآخرين الذين يمثلّون الأقليات، وليس هناك من مبرر لخوفهم الذي تشابه مع خوف الآخرين ورهابهم، أو ضمن مكوّنها الاجتماعي الأول، العائلة، الحي، العشيرة، الجهوية، إلى آخر ما هنالك من تآلفات قبلية وعائلية وماقبل مدنية وما قبل وطنية. لأنها ليست على درجة الخوف التي تعاني منها باقي الشرائح وهي الشريحة الأكبر التي من المفروض أنها تقوم بمشروع التغيير. عدا عن أن التغيير ليس مطلباً جماهيرياً عاماً بل كان ومازال الاصلاح هو المطلب الأساسي بالنسبة للغالبية من الشعب السوري، وذلك لعدة أسباب أهمها يندرج تحت مظلة الخوف من مستقبل يحمل معه تناقضات كثيرة تؤدي إلى صراعات أهلية وحروب تناحر بين أطياف المجتمع السوري، وثانيها بان الغالبية من السوريين لا يعتقدون بأنَّ الوضع في سوريا بهذا السوء وهم يتطلعون إلى مشروع تحوّل سياسي عبر بوابة السلطة التي حافظت على الكثير من الاستقلال الوطني، وعدم التبعية للخارج، وناهضت الشماريع الأمريكية في المنطقة، ووقفت تدعم المقاومة في كل مناسبة، وهذا بحد ذاته هو ما يتلاقى مع تطلّعات الغالبية العظمى من الشعب السوري، إذاًً هو امتياز أفادت منه السلطة في هذا التحّدي الذي واجهها، أمّا الإمتياز الثاني فيتجلى باستجابتها إلى رزمة واسعة من الاصلاحات هي عملياً عند انجازها وتحقيق شروطها على أرض الواقع تكون قد سحبت البساط من تحت مشروعيتها السياسية وأعلنت نهاية حقبة حكمها الطويل.
لقد باتَ مؤكداً بأنّ هناك شريحة، أو قئة من هذا الحراك، مارست أو تُمارس العنف، وهذا العنف ربّما كان رداً على عنف مقابل، أو ربما كان توظيفاً لبعض التيارات السياسية الخارجية التي تمثل دوراً في هذا الحراك ضمن مشروعها الذي تصارع فيه على السلطة. وربّما اجتمع الأمران في أسباب استعمال السلاح ضد المدنيين وضد الجيش وقوى الأمن. ولاشك أن الكثير من الفظائع، أو الجرائم التي ارتُكبت هنا وهناك ( مقتل أو ذبح نضال جنّود في بانياس نموذجاً) جعلت غالبية الشعب السوري ينكفأ عن المشاركة في حراك تاريخي يحصل لأول مرة بهذا الحجم والنوع في تاريخ سوريا المعاصرة ربما، وذلك بعد عقود من سياسات القمع والاستبداد السياسي. ولكن مقتَل هذا الحراك بانه لم يرقَ إلى المستوى الجماهيري الشامل الذي كان يُمكن له أن يضم كاقة شرائح المجتمع السوري بكل مكوناته. فمنذ البداية تعاطت بعض المناطق وبعض فئات هذا الحراك بردات فعل ارتدادية، انفعالية، طائفية ضد مدنيين لا ذنب لهم سوى انتمائهم لطائفة رأس النظام وليس النظام، لأن النظام ليس لطائفة بعينها، بل هو طائفة بذاته. نعم إنه طائفة من المسئولين الذين يسيطرون على القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي في البلاد. وهذه الطائفة تضم الكثيرين من جميع قئات المجتمع السوري. فهل يُمكن مثلاً فصل البوطي عن هذا النظام؟! أو هل يُمكن فصل بعض مسئولي الأمن الكبار والجيش الكبار الذين ينتمون إلى طائفة مغايرة لطائفة الرئيس، ورئاسة الوزراء ومجلس الشعب وغيرهم عن النظام القائم ؟ بالـتأكيد لا يُمكن قصلهم. وهذا يدل على أن هذا النظام ينتمي بجذوره إلى ايديولوجية واحدة متماسكة صلبة هي نتاج عقود من السيطرة على الدولة، وهذا ما يُقسر تماسكه وعدم ملاحظة اي انشقاقات من اي نوع وقوته في مواجهته التحدي الأكبر الذي يواجهه منذ قيامه!!

كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست