الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمير أفضل ....

لهيب خليل

2011 / 8 / 30
الادب والفن


الحمير أفضل ....
قصة
لهيب خليل

وقف امام الجنازة لينتهي الحفارون من حفر القبر كان الجو يميل إلى الحرارة تمنى لو استطاع ان يفك ربطة العنق ويرميها فالتراب الذي يخرج من الحفرة ينتشر غباره عاليا مما جعل التنفس صعب للغاية ولكن ما العمل فكلما اجتمعوا مع رئيسهم أكد عليهم الالتزام بربطة العنق وخصوصا في الأماكن العامة والمناسبات , أجال ببصره حول المقبرة وجد الحماية قد أحاطوا المقبرة من جميع الجهات ورأى ثلاثة من أفراد الحماية قد اعتلوا بعض القبور العالية نظر نحو رئيس جهاز الحماية الذي فهم مغزى تلك النظرات واقترب من إذنه وقال سيدي اعرف من غير اللائق صعود الحماية على القبور ولكن لابد من تأمين المنطقة جيدا تحسبا للطوارئ ,اقترب احد الحضور وقدم تعازيه بأدب جم تبعه ثلاثة آخرون وتقدم رجل دين تبدو على وجهه الصرامة وقدم هو الآخر تعازيه بحرارة وقدم له ورقة التقطها مباشرة رئيس جهاز الحماية ودسها في جيبه ,نظر نحو الجنازة وتسأل في سره ما اغرب حال الدنيا قبل سنتين او أكثر كان في مقبرة دولة أخرى ليدفن ابوه الذي توفي جراء مرض عضال لقد دفن هناك ولم يكن احدا موجودا سوى حفار واحد وأخيه الأصغر الحفار الذي عثروا عليه بشق الأنفس لم يقبل ان يبدأ بالحفر حتى استلم أجرته بالكامل لأنه وحسب كلامه حفر قبرين من الصباح تقربا إلى الله وانه حلف أغلظ الإيمان بأنه لن يرفع بجاروفه حفنة تراب اخرى بدون اجر عندما بكى أخيه الصغير طالبا من الحفار تخفيض الأجرة رفض وهم بالمغادرة حيث كان يقول يااكابر أنا صاحب عائلة تنتظر لقمة خبز. كان الناس يتقدمون نحوه لتقديم التعازي وهو غارق في ذكرى أبيه ،تقدم رئيس جهاز الحماية وقدم له المحمول الأسود الخاص بالمناصب العليا نظر نحو المحمول محاولا معرفة من المتصل ولكن ضوء النهار حال دون ذلك دنى منه رئيس جهاز الحماية وقال انه الكبير . طلب احد افراد الحماية منه ان يجلس لان مراسيم تلقين الميت قد بدات ولا يدري كيف تذكر مرة أخرى هل دفن أبوه من دون تلقين؟ لذلك قرر ان يسأل الشيخ القارئ بعد ان ينفض الحاضرين ما هو حكم المدفون من دون إلقاء خطبة تلقين على رأسه ولكنه عدل عن رأيه لان في ذلك كشف للاسرار لماذا يدفن ميت من دون تلقين هذا اما الميت غريب لا احد له او أن ذووه لا يملكون إمكانية استدعى رجل دين ليقرأ عليه آيات التلقين وليس هذا فحسب فقد ينكشف الماضي وخصوصا ماضي الوالد الذي كان سائقا في إحدى الشركات ولم يكن له أية شهرة سياسية كما ادعى في إحدى الفضائيات احدى المرات ولا هو مناضلا ولا هم يحزنون وشيئا فشيء راح يتذكر كلمات ابوه حيث كلما كان يراه يقول له وبصوت هادىء كل الهدوء وبكل ثقة وكانه يكتب وصية ( الحمير أفضل منك ومن أخاك )وكانت الست الوالدة الممددة الآن في التابوت تؤيد ذلك ايضا بحجة ان الاثنين معا الأخ الأصغر والأكبر لم يستطع احدهما إكمال التعليم الابتدائي بل ان أخيه الأصغر لا يعرف حتى القراءة والكتابة وبقيا يتقافزان من عمل لآخر والعمل الوحيد الذي أتقناه هو لعبة النرد, الحمير أفضل منك ومن اخاك كانت تتردد قوية في إذنه كأنه يقولها الآن وسط المحتشدين الأمر الذي جعله يتفحص الحاضرين ليتأكد ان لا احد فهم ما يدور في رأسه لذلك حاول ان يعصر عيناه عسها تسكب دمعة لتخلصه من هذه الذكريات الحرجة وتعطي انطباعا بالحزن وحاول ان يفكر بأمه ولو من باب اذكروا محاسن موتاكم ثم قال مع نفسه لا تنزعجي فقد كنت ياامي أنت الأخرى ابنة كلب لا تنزعجي لقد عملت لك عزاءا لم يكن أبوك قد حلم به وعظ شفته السفلى وتمنى لو جسد ابوه هو المسجى الآن في التابوت بدل أمه ليسمع الناس الكثيرين المحتشدين على جنازة زوجته لأنه يؤمن بان الميت يسمع ولو قليلا وهو الذي ما سمع منه ولو كلمة إطراء عادية حتى , لقد كانت الشتائم تتطافر من فم أبيه وكأنها سكاكين تنغرز فيه, تقدم رئيس جهاز الحماية مرة اخرى وقدم له المحمول الأحمر ولكنه نظر بغضب نحوه لذلك سحب الرجل الأقرع يده التي كانت تحمل المحمول وللحظة انتبه لرأس رئيس جهاز حمايته هذا الذي راح العرق يتصبب من صلعته وكأن احدهم وقد دلق عليه طاسة ماء ,شعر بألم في بطنه وتذكر انه لم يأكل شيئا منذ البارحة نظر نحو ساعته حيث كانت الساعة تشير نحو الخامسة عصرا لابد ان يأكل شيء لان الم بطنه أصبح لا يطاق لقد نصحه الأطباء مؤخرا ان لا يترك جوفه فارغا ابدا لان في ذلك خطر على كبده وكذلك ليشرب الصودا من بعد الوجبة البسيطة لأنه يشكو تشمعا في الكبد ولكن الأمر ليس بالبساطة هذه فهو وفي وسط هذا الحشد لا يستطيع حتى ان يطلب حتى الماء, فأكثر الناس يبدو الحزن والتجهم عليهم بل شرع بعضهم بالبكاء فمن غير المعقول ان يكون وهو ابن المتوفية ليس بحزين وكأن الامر لا يهمه لذلك راح يستثمر الألم الذي مضى عليه أكثر من ربع ساعة وهو لابد قد بدأ بالظهور على محياه الم بطنه بالطبع ولكن لا احد يعرف ذلك . انتهت مراسيم الدفن وهو الآن يجلس في الخلف والسيارة تسير مخترقة كل الحواجز فسيارات الشرطة والحماية تفتح الطريق أمام سيارته وهو لم ينفك يفكر بأمر أبيه منذ خروجه من المقبرة وحار في تلك الكلمات السخيفة وتسأل لماذا لم يكن أبوه يطلق تلك الجملة عندما كان يطلق عليهم مقولته التاريخية وبكل برود الحمير أفضل منك ومن أخوك لماذا لم يكن يقول مثلا ان الحمير أفضل منكما بصفة التثنية او منكم بصفة الجمع أو حتى بدون المن هذه فقط يقول الحمير أفضل ولكن في هذه الحالة تكون الجملة ناقصة إذ لابد للحمير ان تكون أفضل من احد! انتبه للسائق الذي كان يغمغم بكلمات غير واضحة اثر سيارة اقتربت من خط سيره ثم تذكر واخرج مسبحته ٍ وقال لنفسه الحمد لله لكل واحد ٍ منا في الدنيا اسراره وليكن هذا سري الصغير ورحم الله والداي .

2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن