الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (21) .. التخطيط للتطهير العرقي

خالد أبو شرخ

2011 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرٌ منا لم يتوقف كثيرا عند بعض المقولات الصهيونية, مثل مقولة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ", كثيرون تصوروا أن الصهيونية إذ تروج لهذه المقولات, إنما تقصد تضليل الرأي العام في العالم الغربي, من خلال الإدعاء أن فلسطين أرضا خالية من السكان, وغير مأهولة, وطالما هي كذلك, واليهود مشتتين في كافة أرجاء العالم, كشعب لا يملك أرض, وفلسطين وطنه في الماضي السحيق, فإن عودة اليهود للمطالبة بها, هي عودة مشروعه, وستعود بالفائدة على الجميع, ولا تلحق ضررا بأحد.
ولكن هل لمثل هذا الإدعاء أن يصمد وبرتقال فلسطين حينذاك يملأ الأسواق الأوروبيه؟ وزيت زيتونها على موائد الطعام فيها؟ وشعيرها يملأ مصانع الجعه هناك؟... وعلاوة على ذلك الحجاج الأوروبيون يلتقون سنويا مع الشعب الفلسطيني في القدس وبيت لحم والناصرة .
إن مقولة أرض بلا شعب لا تستند على إنكار وجود الشعب الفلسطيني, بل كانت من أجل البحث عن مبرر أخلاقي لإغتصاب فلسطين, حيث وضعت الصهيونية مواصفات لمجموعة الناس الذين يستحقون لقب شعب, مواصفات لا يمكلها الشعب الفلسطيني على حسب إدعائها, مثل الإسهام في الحضارة الإنسانية, والإتصاف بدرجة من الرقي والتقدم الثقافي والحضاري والإنساني, وحسب إدعائها فإن الشعب الفلسطيني لا يمتلك مثل هذه المواصفات, ولم يسهم في الحضارة الإنسانية, وانه موجود في صورة أناس غير متحضرين, فهو غير موجود حضاريا, وبالتالي فإن إزاحته والحلول محله لا يمثل تعدٍ إنساني ومبرر أخلاقيا .
وإستندت الصهيونية في مقولتها هذه على أمثلة عدة في العالم الجديد, مثل الأمريكيتين وأستراليا وجزر المحيطات, حيث كان في حينها مبرراً أن تُخلي الشعوب المتوحشه والبربرية حسب التصنيف الغربي المكان للحضارة الغربية.
ومن هنا نلاحظ أن تطهير فلسطين عرقيا, وإزاحة الشعب الفلسطيني عن أرضه, كان من أهداف الحركة الصهيونية منذ نشأتها, ولم يكن نتيجة الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948م, كما تروج الدعاية الصهيونية, بل كان مخططاً ومعداً سلفاً .
وكي لا يقال أننا نطلق الأحكام بلا سند, نتوقف قليلا عند تفسير مقولة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" عند رواد و زعامات الصهيونية .
هرتزل الذي كان شديد الإعجاب بتجربة رودس, وتجارب المستوطنين البيض خاصة في جنوب إفريقيا, كتب في يومياته بتاريخ 12 حزيران عام 1895م :" سنسعى لتهجير السكان الأصليين عبر الحدود, من خلال تدبير وظائف لهم في بلاد الإنتقال, لكننا سنمنعهم من القيام بأي عمل في بلدنا... عمليتا الإستيلاء على الملكية وترحيل الفقراء يجب ان تجريا سوياً وبصورة مكتملة وحذرة ".
وفي كتابه " المسألة اليهودية – القبيلة – الشريعة – المكان " كتب إيلان هاليفي :" لقد تعودنا أن نفكر ونحن خارج فلسطين أن العرب جميعا متوحشون من الصحراء وأنهم شعب يشبه الحمير, فهم لا يفهمون ولا يرون ما يدور حولهم, غير أن هذا خطأ كبير " .
وأكثر زعامات الصهيونية فجاجه في وصف الشعب الفلسطيني, كان الناطق باسم الصهيونية في بريطانيا " يسرائيل زانجويل" فقد كتب عام 1920م :" إذ ليس ثمة شعب عربي يعيش في تلاحم وثيق مع البلد, مستخدما موارده وطابعا ياه بطابعه الخاص, هناك على أحسن تقدير مضارب للبدو العرب ", وعقب إعلان وعد بلفور ازدادت جرأته وجاهر بحملته الداعية إلى الترحيل القسري للعرب ونقل الفلسطينين إلى البلاد المجاورة, وأنكر على الفلسطينيين أن يكون لهم حقوق ديمقراطية, فقد وصفهم في إجتماع عقد في لندن في أيلول 1919م و بإزدراء :" الكثيرون منهم أشباه البدو فهم لم يمنحوا فلسطين شيئا يذكر ولا يحق لهم أن يعاملوا حسب القواعد الديمقراطية".
وإستمرت هذه الرؤية تجاه الفلسطينيين حتى بعد قيام دولة إسرائيل, وعلى لسان الكثير من قادتها, مثل بن غوريون وغولدا مائير التي نفت وجود الشعب الفلسطيني جملة وتفصيلا, ومناحيم بيغن واخيرا وليس آخرا بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل حاليا, والذي إجتهد كثيرا في كتابه " مكان تحت الشمس" في تفسير مقولة "أرض بلا شعب" حيث كتب :" كان هناك عرب عاشوا في أرض إسرائيل, مثلما عاش عرب آخرون في أماكن أخرى, ولكن لم يكن هناك شعب فلسطيني, ذو وعي قومي أو هوية قومية,ولم يكن هناك مصالح قومية مشتركه, مثلما لم تكن هناك دولة فلسطينية, لم يكن هناك شعب فلسطيني وثقافة فلسطينية ", بل يذهب نتنياهو إلى أبعد من ذلك, بإدعائه ان إسم فلسطين ذاته لم يكن موجودا, وان أهلها أنفسهم لم يتعاملوا به, حتى جاء البريطانيين فأحييوه, ومنهم صادره العرب لأنفسهم في القرن الحالي.
في كتابه "طرد الفلسطينيين" يورد "نور الدين مصالحة", أسماء خمسة عشر زعيما صهيونياً من المؤسسين الأوائل, ينتمون إلى القطاع العريض من المدارس والمجموعات الصهيونية, أقروا الرأي على ضرورة تخفيض عدد العرب في فلسطين, إذا كان لدولة يهودية أن تقوم وتنمو, على أساس أغلبية قوية, تنتمي إلى عنصر واحد .

لكن فكرة ومخططات الإقتلاع والتطهير العرقي,كانت تحتاج إلى الإجابة على سؤالين هامين, وهما " إلى أين يتم الترحيل؟" و " كيف يتم الترحيل؟ " .
في الإجابة على السؤال الأول أين يتم الترحيل؟ سارت فكرة توطين المهجرين الفلسطينيين صعودا في الفكر الصهيوني, بدءا من نقلهم إلى شمال سوريا, حول حلب وحمص, كما إقترح آرثر روبين مدير دائرة الإستيطان في الوكالة اليهودية, إلى حد التفكير في شراء أراضٍ في البلدان العربية, وإعطائها للمهجرين الفلسطينين, بدلاً من أراضيهم التي يجب أن تنتقل إلى الملكية اليهودية .
ليون موتسكين أحد مؤسسي المنظمة الصهيونية العالمية, رأى في تموز 1912م أن حل " المشكلة الديموغرافية في فلسطين, يكمن في إطار عربي أوسع, بشرط قبول الفلسطينيين بيع أراضيهم للمستوطنين اليهود, وإعادة توطينهم على أراضٍ يتم شراؤها, في الولايات العربية المجاورة " .
فكرة شراء أراضي للمهجرين الفلسطينيين, تبناها البارون أدموند روتشيلد ممول الإستيطان اليهودي, والذي كان معتدلا في العلن, ومتشددا إلى درجة التطرف في جلساته الخاصة, فقد أبلغ جابوتنسكي عام 1929م, أنه يريد أن تكون فلسطين يهودية مائة في المائة, وانه على إستعداد لبذل المال للعرب من اجل تمكينهم من شراء الأراضي, لكن بشرط مغادرة فلسطين, وانه يؤمن إيمانا راسخا, بأن فلسطين يجب أن تكون يهودية بقدر ما هي فرنسا فرنسية, كما أنه يرفض توطين الفلسطينين في سوريا وشرق الأردن, لأنهما حسب وجهة نظره جزآن من أرض إسرائيل, وإقترح أن يتم توطين المهجرين في بلاد ما بين النهرين.
فكرة توطين الفلسطينيين في العراق لم تقتصر على البارون روتشيلد, بل تبناها أيضا حاييم وايزمان في مؤتمر الصلح المنعقد في باريس عام 1919م, حين طرحها على الوفد الأمريكي هناك.
وكلفت الوكالة اليهودية المليونير الصهيوني الأمريكي إدوارد نورمان, لبحث موضوع الترحيل مع الإدارة الأمريكية, وقد قام بوضع أربع مشاريع أمام الإدارة الأمريكية بين أعوام 1934م و 1943م أكد من خلالها حصوله على موافقة القيادة العراقية, على مشروع توطين الفلسطينيين في العراق, من خلال وزير خارجية العراق حينذاك " توفيق السويدي".
ووصل الأمر أن يقدم بن غوريون عرضا ماليا للعراق, إثناء إنعقاد مؤتمر المائده المستديرة في لندن, عقب قرار التقسيم الأول الصادر عن لجنة بيل, وكانت قيمة المبلغ عشرة ملايين جنيه فلسطيني, وكانت تعادل حينذاك عشرة ملايين جنيه إسترليني .
وعلى الرغم من رفض البارون روتشيلد, توطين الفلسطينيين شرق الأردن, إلا أن الفكرة داعبت القيادة الصهيونية, ففي اللقاءات مع لجنة شو, طرح حاييم وازمان حلاً يقوم على الترحيل الهاديء ل30 الف عائلة (29.5% من سكان فلسطين العرب) إلى شرق الأردن, ورأى وايزمان أن المشكلة تكمن في إقتطاع شرق الأردن, من الوطن القومي الموعود, حسب وعد بلفور ومنحه للفلسطينيين المهجرين, وفي حواره مع وزير المستعمرات البريطاني اللورد باسفيلد, جرت مناقشة إمكانية توطين الفلسطينيين في العراق وشرق الأردن, وعرض ان تقوم الوكالة اليهودية, بشراء مليون دونم في شرق الأردن, ووضعها كإحتياط لتوطين الفلسطينين فيها, وتطور الأمر إلى حد تقديم مشروع متكامل ومفصل للحكومة البريطانية, لدراسته يتعلق بترحيل الفلسطينيين إلى شرق الأردن, إلا أن الحكومة البريطانية استبعدت وعلى لسان وزير مستعمراتها أي ترحيل واسع النطاق للفلسطينيين وإعادة توطينهم في شرق الأردن, ورغم ذلك إستمر وايزمان في جهوده واقترح على الحكومة البريطانية, جمع قرض بكفالة بريطانية, لتغطية كلفة مشروع الترحيل وأعادة التوطين, وعقد مؤتمر طاولة مستديرة مع العرب, ليعالج مشكلة المنطقة المكتظه في غرب الأردن (فلسطين), إلا أن جميع جهود وايزمان باءت بالفشل بسبب الرفض البريطاني.
وفي المذكرة التي رفعتها إلى لجنة بيل عام 1937م, إقترحت القيادة الصهيونية ترحيل الفلسطينيين إلى شرق الأردن, وكثفت من ضغوطاتها على لجنة بيل, لتبني الإقتراح وأيضا كثفت لقاءاتها مع الامير عبدالله بين الحسين, عن طريق بن غوريون وبنحاس روتنبرغ, حيث عرضا عليه تأسيس شركة للترحيل, على غرار شركات الإستعمار البريطانية, وبرأسمال مقداره مليوني جنيه فلسطيني, وعلى الرغم من موافقة الأمير الهاشمي على الإقتراح الصهيوني, إلا أن الإقتراح لم يبصر النور, بسبب تصاعد الثورة الفلسطينية الكبرى ( ثورة 1936-1939) وتخلي إنجلترا عن تقرير لجنة بيل.
وصل الأمر بالوكالة اليهودية, أن شكلت لجنة خاصة عام 1937م أسمتها " لجنة ترحيل السكان ", حيث نفذت هذه اللجنة دراسات متنوعة, عن إحتمالات وإمكانيات ترحيل الفلسطينين, وتوطينهم في شرق الأردن والعراق وسوريا (الجزيرة الفراتية).
ولم تكتف اللجنة بطرح الأفكار, بل قام أعضاؤها بجولات إستكشاف عديدة في البلدان المقترحة للتوطين, ومنهم يوسف فايتس والذي كتب عقب إحدى رحلاته الإستكشافية عام 1942م :"لا ريب أن الجزيرة تتجه بها الأقدار, لتصبح مكانا هائلا لاستيعاب الناس, فثمة الكثير من الأراضي الجيدة, والكثير من المياه التي تنتظر من يستغلها, إن أرادت الحكومات حل المسألة اليهودية فيمكن الوصول إلى حل, من خلال ترحيل جزء من السكان العرب, من أرض إسرائيل, إلى الجزيرة السورية والجزيرة العراقية, ولا ريب أن البحث المستفيض سيكشف أن إسكان الجزيرة في حدودها الطبيعية, بين الفرات ودجلة يمكن أن يستوعب مليون فلاح, وعددا مماثلا من سكان المدن هل من المستحيل إقامة مدينة أخرى مثل دمشق في صحراء الجزيرة ؟ ".
لقاءات إدوارد نورمان وبن غوروين وغيرهما مع الزعامات العربية, وموافقة الزعامات على طروحات القيادة الصهيونية, و رحلات المستكشفين الصهاينة في البلدان المجاورة لفلسطين, تؤكد أن المخططات والبرمجة الصهيونية للعملية, لم تتم في دوائر مغلقة, وإذا إسترجعنا حقيقة وجود علاقات متنوعة بين الوكالة اليهودية والزعامات العربية وخاصة الهاشميين, في العراق وشرق الأردن, فلا بد لنا أن نستنتج أن هذه المشاريع كان يتم تداولها والإتفاق عليها بين الطرفين.

وإلى جانب محاولة القيادة الصهيونية الإجابة على سؤال أين يتم الترحيل كانت أيضا تبحث عن الإجابة على سؤال "كيف يتم الترحيل؟"
الإجابة على هذا السؤال, إحتل جانبا واسعا من وقت وفكر وعمل المؤسسات الصهيونية, وبدأت بأفكار الترحيل الهاديء الطوعي, وإنتهت بأفكار الإقتلاع العنيف والقسري.
أفكار الترحيل الهاديء بدأت بمخططات التضييق, على سبل العيش, الأمر الذي يدفع الفلسطينين, للبحث عن مصدر رزق آخر, و بلد آخر, في ظل وجود إغراءات التوطين خارج فلسطين, وعنوان هذا المخطط كان " العمل العبري ", أي عبرنة الأرض والعمل, ومنع أي شكل من أشكال التعامل الإقتصادي والإجتماعي والعمل النقابي والسياسي مع الفلسطينيين.
وأنتعشت فكرة الترحيل الهاديء, مع صدور تقرير لجنة بيل عام 1937م, والتي أوصت بتقسيم فلسطين, واقترحت وبناءا على ضغوطات القيادة الصهيونية, فكرة التبادل الإلزامي للسكان من منطقة السهل الساحلي وسهول الحولة, والتبادل الطوعي في منطقة الجليل, على الرغم من أن عدد سكان العرب في السهول المخصصة للدولة اليهودية, كان 225ألف عربي, وعدد اليهود في السهول المخصصة للدولة العربية 1250يهودي فقط, أي أن اللجنة إقترحت إستبدال 225 الف عربي بـ 1250 يهودي .
ولكن كما دفنت الثورة الفلسطينية الكبرى, في ذلك الحين, التفاهمات ما بين القيادة الصهيونية والزعامات العربية, دفنت أيضا توصيات لجنة بيل, و أقنع سير الثورة وعنفها وعمقها الشعبي القيادة الصهيونية, بإعادة النظر في مخططاتها, وبعبثية فكرة الترحيل الطوعي, وإقتنعت الحركة الصهيونية, بعمق إنتماء الشعب الفلسطيني لوطنه, وبانعدام أي إحتمال لإقناع الفلسطينيين بالرحيل عنه.
كما أن عنف وحجم القوة, التي إستخدمتها حكومة الإنتداب, في مواجهة الثورة, فتح عيون القيادة الصهيونية, ببديل الترحيل الطوعي إي الترحيل القسري (التطهير العرقي), ومنذ ذلك الحين غدا هذا البديل هو السياسة والآلية والوسيلة المعتمدة لإنجاح مشروع الترحيل.
حرصت القيادة الصهيونية في تصريحاتها العلنية, عدم الدعوة إلى الترحيل القسري, وإنما عبر إشارات تترك للسامع, حق فهمها وتأويلها كما يرى, حيث أكثروا من الإستشهاد بمثال تبادل السكان بين تركيا واليونان, فتركيا أتاتورك إقتلعت ملايين اليونانيين المقمين في تركيا, منذ عهد طروادة, بالقوة وتم ترحيلهم إلى اليونان, ونجحت جهود عصبة الأمم فيما بعد, بنقل الأتراك سلميا من المناطق اليونانية, وليطلق على ذلك إسم عملية تبادل سكان, وكانت هذه التجربة ملهمة للكثيرين من القيادات الصهيونية, حيث أشاروا إلى تبادل سكاني مع البلدان العربية يشمل يهود تلك البلدان مقابل ترحيل الفلسطينيين مكانهم.
أما أكثر القيادات الصهيونية صراحةً ووضوحاً, في طرح فكرة الترحيل القسري, فقد كان بن غوروين, والذي دون في يومياته بتاريخ 12/7/1937م :" إن ترحيل العرب قسرا عن الأودية التابعة للدولة اليهودية المقترحة سيمنحنا شيئا من الجليل الذي لم يكن لنا قط حتى عندما وقفنا على أقدامنا خلال أيام الهيكل الأول والهيكل الثاني ", وفي نفس السياق كتب لأبنه عمواس, في 5/10/1937م, والذي كان يبلغ من العمر 16عاما حينذاك :" علينا أن نطرد العرب ونحتل أماكنهم وإذا إضطررنا إلى إستخدام القوة, لا لإقتلاعهم فقط بل لضمان حقنا في إستيطان هذه الاماكن " .
وفي هذه الرسالة أكد بن غوريون على أهمية تجاور الدولة اليهودية بعد طرد العرب المسلمين من الجليل, دولة مسيحية مارونية في لبنان, وحاجة الدولتين إلى الجوار, وتحدث عن التقسيم و قبوله كإجراء مؤقت, يمهد للإستيلاء على فلسطين بكاملها, إعتمادا على القوة المسلحة الصهيونية, وتنبأ بن غوريون بأن العملية برمتها ستتم من خلال حرب شاملة, لا تقتصر على اليهود والفلسطينيين, بل مع عرب البلدان المجاورة حيث كتب في الرسالة :" من الممكن جدا أن عرب البلاد المجاورة سيأتون لنجدتهم ضدنا, لكن قوتنا ستفوق قوتهم, والسبب ليس فقط لأننا أفضل تنظيما وعتادا, بل لأن من ورائنا تقف أهم قوة, وأعظم نوعا, وهي جيل الشباب اليهودي بأسره في أوروبا وأمريكا".
توضح رسالة بن غوريون لابنه, مخططات الحركة الصهيونية, فمنذ البداية كان التطهير العرقي, و المجابهة العسكرية مع الدول العربية, والموقف من التقسيم, وإقامة كانتون طائفي حليف لإسرائيل في لبنان, كانوا دائما في صلب السياسة الصهيونية, من قبل أن تنشا دولة إسرائيل.
عولت القيادة الصهيونية في البداية على الإنتداب البريطاني, لتنفيذ مهمة الترحيل القسري, ومارست ضغوطا على الحكومة البريطانية لإتمام ذلك, غير ان الأخيرة كانت ترفض هذا الأمر, لما يلحقه من ضررٍ, على المصالح البريطانية في العالمين العربي والإسلامي حينذاك, فلم يبق أمام القيادة الصهيونية, غير تهيئة النفس والوسائل كي يقع تنفيذ المهمة على عاتقها, عبر تطوير القوة العسكرية الصهيونية, لتكون مؤهله للقيام بعبء المهمة.
إجتهدت القيادة الصهيونية خلال سنين الحرب العالمية الثانية, إلى توجيه الهجرة اليهودية فقط باتجاه فلسطين, لزيادة عدد المستوطنين وحل المعضلة الديموغرافية, ورفد عصاباتها العسكرية بالطاقة البشرية المطلوبة.
ففي الوقت الذي كان خطر الإبادة يهدد يهود أوروبا, كانت القيادة الصهيونية مشغولة في البحث وإنشاء الآليات لتنفيذ مخطط إقتلاع أهل فلسطين العرب, عبر تحويل خط الهجرة إلى الأمريكيتين بإتجاه فلسطين, وفي هذا الإطار كتب بن غوريون :" إذا كان على إخوتنا في الولايات المتحدة الإختيار بين الإنقاذ الجسدي ليهود أوروبا وبين الصهيونية, فإنهم سيختارون الإنقاذ الجسدي وهذا سيؤدي إلى نهاية حركتنا", لقد وضع بن غوريون يهود أوروبا أمام خيارين, فإما التصفية الجسدية أو الهجرة لفلسطين, ولا مانع من التصفية الجسدية للبعض, من أجل هجرة البعض الآخر إلى فلسطين, ورأى أن الهجرة اليهودية إلى الأمريكيتين هربا من المحارق النازية, نهاية للحركة الصهيونية, فقد إستبشر بن غوريون, أن تدفق يهود أوروبا إلى فلسطين, سيزوده بالطاقة البشرية اللازمة لتطوير جهازه العسكري, الذي نما إلى حد جعل التفكير في الإعتماد عليه لتنفيذ مخطط الترحيل القسري للفلسطينين.
ومن التحضيرات لعملية التطهير العرقي, قامت لجنة الترحيل, وبموافقة سلطات الإنتداب البريطاني, بعملية مسح لجميع المواد الخاصة بمكاتب تسجيل الأراضي والضرائب والإحصاء, حيث قامت بنسخ 400ألف وثيقة من وثائق ملكية الأراضي في 400 قرية.
وادى تراجع بريطانيا عن مشروع بيل للتقسيم, وعن فكرة ترحيل العرب قسرا, إلى تكثيف لجنة الترحيل عملها, وأفكارها حول كيفية تحقيق خطة الترحيل, وجرى تعديل عضويتها وآليات عملها, لتخرج للوجود لجنة ترحيل ثانية, والتي بدأت عملها بعملية مسح للقرى العربية, يشمل مسح جوي وطوبوغرافي, وطرق الوصول, ونوعية أراضيها, وينابيع المياه, ومصادر الدخل الرئيسية, وتركيبتها الإجتماعية والإقتصادية, والإنتماءات الدينية للسكان, وأسماء المخاتير وأئمة المساجد, والعلاقات مع القرى المجاورة, وأسماء الرجال من سن 16 إلى 50, وعدد السيارات, ومساحة الأرض لكل عائلة, وأصحاب الدكاكين, والعاملين في الورش, والحرفيين ونوع مهاراتهم, والانتماءات السياسية, والفوارق الطبقية, وأسماء الموظفين في إدارة الإنتداب, ووصف المساجد, ومدى المشاركه في ثورة 36-,39 وأسماء الأشخاص الذين شاركوا في الثورة, وأُعطي إهتمام خاص للأشخاص الذين قيل أنهم قتلوا يهودا, حيث قادت هذه المعلومات إلى إعدامات جماعية, وعمليات تعذيب, وأشد المجازر للقرى, التي شملت من قيل أنهم متورطين في قتل يهود أثناء الثورة, وفي العام 1945م كان قد تم مسح أكثر من 600 قرية من أصل 800 قرية (هدف المسح).
وفي العام 1948م, وعندما كان البريطانيون على وشك المغادرة, إقتحمت وحدة الإستخبارات التابعة لعصابات الهاجاناة والمعروفة باسم "شاي", مكتب المساحة الحكومي في تلأبيب, وصورت النسخ الأصلية للخرائط الرسمية جميعها .

السؤال الذي يطرح نفسه, هل القيادة الفلسطينية والعربية عموما, على معرفة بمخططات الترحيل الصهيونية, وبرامج إعداد ملفات القرى؟ فهذه المخططات لم تجرِ في الخفاء, بل كانت تدور في العلن, لكن القيادة الفلسطينية فيما يبدو لم تعر إهتماما مقبولا لمخططات الترحيل, وبقيت قانعة بوهم مبني على عدم قدرة الصهيونية على تنفيذ مخططاتها .. وبالتالي لم تستحق هذه المخططات أن تحظى بعنايتها وإهتمامها.






ملحق
التنظيمات العسكرية الصهيونية قبل عام 1948م
منظمة بارجيورا
منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها في فلسطين عام 1907 كل من: يتسحاق بن تسفي، وإسرائيل شوحط، وغيرهما من المسـتوطنين الصـهاينة الأوائل، وكان شـعارها "بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا"، وقد استلهمت اسمها من اسم شيمون بارجيورا ـ قائد التمرد اليهودي الأول ضد الرومان في فلسطين ما بين عام 66 وعام 70.
تولت المنظمة أعمال حراسة المستوطنات الصهيونية في الجليل، كما عملت على خلق قوة مسلحة يهودية في فلسطين. واستمرت تعمل حتى 1909 حيث أتاح تطورها فرصة تأسيس منظمة أكثر اتساعاً واستقراراً وهي منظمة الحارس.

منظمة الحارس
منظمة عسكرية صهيونية، تُسمَّى بالعبرية "هاشومير"، أسسها عام 1909 في فلسطين يتسحاق تسفي وإسرائيل جلعادي وألكسندر زيد وإسرائيل شوحط الذي كان بمنزلة العقل السياسي المحرك والقيادة الفعلية للمنظمة. أما الأعضاء فجاء معظمهم من صفوف حزب عمال صهيون، ومن بين مهاجري روسيا الأوائل. ورغم ذلك رفضت المنظمة أن تكون تابعة لسلطة الحزب بشكل مباشر. كما رفضت الخضوع لإشراف المكتب الفلسطيني للمنظمة الصهيونية العالمية.
وتُعَدُّ منظمة الحارس استمراراً متطوراً لمنظمة بارجيورا السرية، وهي بذلك من المحاولات الأولى لتأسيس قوة مسلحة يهودية في فلسطين تعمل على فرض الاستيطان الصهيوني وتدعيمه. وقد بدأت الحارس كمنظمة سرية ولم يزد عدد أعضائها عند التأسيس عن ثلاثين عضواً، وتولت حراسة المستوطنات الصهيونية في الجليل نظير مقابل مالي. ثم توسعت فيما بعد لتعمل في مناطق أخرى، رغم اعتراض قيادات اليشوف القديم على هذه الأنشطة لما تثيره من استفزاز للسكان الفلسطينيين. وكان نموذج الحارس هو اليهودي حامل السلاح الذي يجيد اللغة العربية ويرتدي الزي العربي أو الشركسي. وكان العضو ينضم إلى المنظمة بعد المرور بسنة اختبار، وبعد الحصول على موافقة ثلثي الحاضرين في المؤتمر السنوي العام للمنظمة.
ولم يقتصر نشاط المنظمة على الحراسة، بل قامت بدور أساسي في إقامة المستعمرات الصهيونية في فلسطين، حيث أسست أول مستعمرة لها في تل عداشيم (1913) ثم ألحقتها بمستعمرة أخرى في كفر جلعادي (1916) ثم مستعمرة تل هاي (1918). كما كانت المنظمة أحد الأطر الرئيسية لتدريب العناصر العسكرية التي شكلت فيما بعد قوام منظمة الهاجاناه.
وأثناء الحرب العالمية الأولى، والحملة البريطانية على فلسطين، انضم قسم من أعضاء منظمة الحارس إلى الفيلق اليهودي وقاتل في صفوف الجيش البريطاني، بينما انضم قسم آخر إلى جانب الأتراك. وكانت تلك بداية الصراعات الداخلية التي تطورت لتصل إلى ذروتها خلال المؤتمر العام للمنظمة في مايو 1920، حيث تباينت الآراء بين الحفاظ على استقلال المنظمة، وبين تحويلها إلى منظمة موسعة للدفاع تخضع لإشـراف المؤسـسات السـياسية العامة لليشوف الاستيطاني. وقد تقرَّر في النهاية حل المنظمة والانضمام للهاجاناه، إلا أن عدداً محدوداً من الأعضاء ظل متمسكاً بفكرة استمرار المنظمة، وحقها في تولِّي الأعمال العسكرية بلا منافس. وقد احتفظ هؤلاء بمخزن خاص للسلاح، ولم يسلموه إلى الهاجاناه إلا عام 1929 مع اندلاع انتفاضة العرب الفلسطينيين.

منظمة البيتار
"البيتار" اختصار للعبارة العبرية "بريت يوسف ترومبلدور"، أي "عهد ترومبلدور" أو "حلف ترومبلدور". وهو تنظيم شبابي صهيوني تصحيحي أسسه في بولندا عام 1923 يوسف ترومبلدور، وكان هدفه إعداد أعضائه للحياة في فلسطين بتدريبهم على العمل الزراعي وتعليمهم مع التركيز على العبرية بالإضافة إلى التدريب العسكري. وكان أعضاؤها يتلقون أيديولوجيا واضحة التأثر بالأيديولوجيات الفاشية التي سـادت أوربا آنذاك، فكانوا يتعلمون مثلاً أن أمام الإنسـان اختيارين لا ثالث لهما: "الغزو، أو الموت"، وأن كل الدول التي لها رسالة قامت على السيف وعليه وحده. وبشكل عام، يمثل التنظيم أفكار جابوتنسكي زعيم الصهيونية التنقيحية.
ولم يقتصر نشاط بيتار على بولندا بل امتد إلى العديد من الدول، فأسست عام 1934 قاعدة للتدريب البحري في إيطاليا وأخرى للتدريب على الطيران في باريس، كما أسست فروعاً في اللد (1938) وجنوب أفريقيا (1939) ونيويورك (1941). وقد ظلت القاعدة الأساسية للتنظيم وهيئته العليا حتى الحرب العالمية الثانية خارج فلسطين، ثم انتقلت بعد ذلك إليها، حيث كان بعض أتباع بيتار قد أسسوا عدة مستوطنات زراعية.
وقد انشق تنظيم بيتار عن المنظمة الصهيونية إثر النزاعات بين جابوتنسكي وزعمائها، وهي النزاعات التي انتهت بانفصاله، وتشكيل المنظمة الصهيونية الجديدة في 1934 نتيجة معارضة سياسة الهستدروت. وداخل بيتار، تشكلت الكوادر الأساسية لمنظمة الإرجون الإرهابية ولحركة حيروت. وكان مائير كاهانا مؤسس جماعة كاخ عضواً في تنظيم بيتار.

الفيلق اليهودي
"الفيلق اليهودي" هو تشكيلات عسكرية من المتطوعين اليهود الذين حاربوا في صفوف القوات البريطانية والحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى مثل الكتيبة اليهودية رقم 38 التي جُنِّدت في إنجلترا عام 1915 ـ 1917، والكتيبة 39 التي نظمها بن جوريون وبن تسفي في الولايات المتحدة بين عامي 1917 ـ 1918، والكتيبة 40 التي تم تشكيلها في فلسطين، وكذلك كتائب حملة البنادق الملكية وفرقة البغالة الصهيونية التي نظمها جابوتنسكي وترومبلدور في مصر عام 1915. وقد بلغ عدد أفراد كل هذه المنظمات 6400 رجل وكان يُشار إليها جميعاً باسم "الفيلق اليهودي". وترجع فكرة هذه التشكيلات إلى تصوُّر الصهاينة أنه يتعيَّن عليهم مساعدة بريطانيا، القوة الاستعمارية الصاعدة، حتى تساعدهم هي على تأسيس وطن قومي لليهود. وقد واجه الصهاينة صعوبات جمة في بادئ الأمر حيث تجاهلتهم وزارة الدفاع البريطانية وهاجمهم اليهود الاندماجيون، وكذلك اليساريون في أوساط الشباب اليهودي، إلا أن الجو في بريطانيا آنذاك كان ملبداً بمعاداة اليهود "الأجانب" الذين يفدون من روسيا ويستقرون ويكسبون رزقهم في بريطانيا دون أن يتحملوا مشقة الدفــاع عنهـا. ولذلك، سـارعت الحكومـة البريطانية بتجنيــد هــؤلاء "الأجانب" لتهدئة مشاعر الغضب من جراء وضعهم الفريد، وكان هذا الإجراء هو العنصر الرئيسي الذي أدَّى إلى إضعاف المعارضة اليهودية لفكرة الفرقة العسكرية الصهيونية.
وقد أعلنت الحكومة البريطانية في أغسطس 1916 موافقتها على اقتراح جابوتنسكي بتشكيل كتيبة يهودية، وذلك بينما كانت الجهود الرامية لإصدار وعد بلفور تجري على قدم وساق. وكانت النية تتجه إلى جعل الفرقة يهودية خالصة، ولكن الجناح المعادي للصهيونية نجح في منع هذه الخطوة، ولذلك أُطلق على الكتيبة اسم "الكتيبة 38، حملة البنادق الملكية" وتولَّى قيادتها الضابط البريطاني جون باترسون. وقد تلقـت هذه الكتيبة تدريباتها في بريطانيا ومصـر، ثم توجـهت إلى فلسطين. ورغم اشتراك هذه الكتيبة في الهجوم على شرق الأردن واحتلال مدينة السلط في سبتمبر 1918، فإن أداءها لم يكن مرضياً حيث انتشرت الملاريا في صفوف الجنود الأمر الذي أدَّى إلى فرار الكثيرين (ومنهم بن جوريون) وتَشتُّت الكتيبة.
ولدى دخول الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً في الحرب، وافقت الحكومة الأمريكية في يناير 1918 على تشكيل كتيبة أخرى من اليهود الأمريكيين والمتطوعين من كندا والأرجنتين، وأُطلق عليها اسم "الكتيبة 39". وقد نُقل قسم منها إلى مصر وشرق الأردن في منتصف عام 1918، بينما وصل القسم الأعظم إلى فلسطين بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
وفي يونيه 1918، تم تشكيل كتيبة أخرى هي "الكتيبة 40" بناءً على اقتراح قائد الفرقة الأسكتلندية في فلسطين الذي دعا إلى تجنيد اليهود في المناطق التي احتلتها القوات البريطانية. وقد تلقت هذه الكتيبة تدريباتها في التل الكبير ولم تشارك في الهجوم على شمال فلسطين عام 1918، ولكنها نُقلت إلى فلسطين في نهاية ذلك العام.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت تتمركز على أرض فلسطين ثلاث كتائب يهودية تضم حوالي خمسة آلاف فرد يمثلون سدس جيش الانتداب البريطاني، وقد أصبح اسمهم هو «الكتيبة العبرية» وشعارها المينوراه (وهو شعار القبَّالاه ثم الدولة الصهيونية فيما بعد). وبعد أن ترسخت دعائم الاحتلال البريطاني في فلسطين، بدأت الحكومة البريطانية في تسريح تلك الكتائب ولم تعبأ بنداءات المنظمة الصهيونية العالمية من أجل زيادة عدد أفراد الكتائب والإبقاء عليها ضمن القوات البريطانية. وفي عام 1921، تم حل هذه الكتائب نهائياً وانضم كثير من أعضائها إلى الهاجاناه.

فرقة البغالة الصهيونية
وحدة عسكرية صهيونية مساعدة للجيش البريطاني شُكِّلت عام 1915 إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى. وكان جابوتنسكي أول من فكر في تكوين هذه الوحدة لاقتناعه بأهمية التحالف مع بريطانيا للتخلص من الإدارة العثمانية لفلسطين وضرورة القوة المسلحة اليهودية لبناء الدولة الصهيونية. وقد اتصل جابوتنسكي بترومبلدور ليقوما بتجنيد المتطوعين من بين المستوطنين اليهود الذين أبعدتهم السلطات العثمانية عن فلسطين إلى مصر لأنهم لم يكونوا رعايا عثمانيين. وكان الهدف من ذلك وضعهم تحت تصرف القوات البريطانية أثناء غزوها فلسطين. ولكن الجنرال ماكسويل، قائد القوات البريطانية في مصر آنذاك، رفض الفكرة لأنه كان ضد تجنيد الأجانب، واقترح أن يقتصر دور المتطوعين على مساعدة الجيش في حمل المؤن والذخائر للقوات المحاربة في أي مكان غير فلسطين. ورغم اعتراض جابوتنسكي، وافق ترومبلدور وشُكِّلت الفرقة من بعض اليهود المصريين وبعض اليهود الذين رُحِّلوا إلى الإسكندرية. وقد ضمت الفرقة 650 ضابطاً وجندياً و20 حصاناً للضباط والمساعدين و750 بغلاً (ومن هنا جاءت التسمية)، وقد اتخذت الفرقة نجمة داود شعاراً لها وكانت معظم تدريباتها تجري بالعبرية.
وفي أبريل 1915، أبحرت الفرقة إلى جاليبولي بقيادة الضابط البريطاني جون باترسون، وقامت بخدمات حيوية في مجال نقل المؤن، وكانت الفرقة تشارك في القتال أحياناً. وفي نوفمبر 1915، تخلَّى باترسون عن قيادة الفرقة لمرضه وخلفه ترومبلدور الذي اصطدم بمشاكل تنظيمية عديدة لعدم انضباط أفرادها ولوجود صراعات عرْقية بينه (وهو إشكنازي) وبين بعض الأفراد من السفارد. وبعد انسحاب قوات الحلفاء من جاليبولي في نهاية العام، سُرحت الفرقة وأُعيدت إلى مصر بعد أن قُتل ثمانية من أفرادها وجُرح خمسة وخمسون. وقد حاول ترومبلدور والقادة الصهاينة الحيلولة دون حل الفرقة لكي يحارب أفرادها في فلسطين، ولكنها حُلَّت رسمياً عام 1916. وفيما بعد، قُبل 150 متطوعاً من أفرادهـا السـابقين في الجيـش البريطاني وكوَّنوا نواة الفيلق اليهودي. ورغم عمرها القصير، مثلت هذه الفرقة علامة بارزة ورائدة ضمن محاولات الحركة الصهيونية تشكيل قوة عسكرية ووضع مشروعهم في السياق الاستعماري والقيام بدور الأداة لإحدى القوى الاستعمارية.

شرطة النوطريم
"النوطريم" كلمة عبرية تعني "الحرس أو الخفراء"، وهي الشرطة اليهودية الإضافية التي شكلتها سلطات الانتداب البريطاني بالتعاون مع الهاجاناه للمساعدة في قمع الانتفاضات العربية في فلسطين في الفترة 1936 ـ 1939. وتم، في هذا الإطار، تجنيد مئات الخفراء من مختلف المدن والمستوطنات، وأُرسلوا لحماية المستوطنات الواقعة على الحدود وفي غور الأردن. وشملت قوات الخفراء في البداية 750 خفيراً على نفقة سلطات الانتداب و1800 خفير على نفقة قيادة المستوطنين الصهاينة. وفي يونيه 1936، ونظراً لتصاعد المظاهرات العربية، تم تجنيد 1240 خفيراً آخر أُطلق عليهم اسم "خفراء إضافيون".
وفي يوليه 1938 أعادت قيادة المستوطنين تنظيم قوات الخفراء لتصبح وحدة شرطة منظمة، أُطلق عليها اسم "شرطة المستوطنات العبرية"، وتم تقسيمها إلى عشرات الكتائب لتتناسب إلى حدٍّ ما مع توزيع قوات الهاجاناه، وقامت هذه القوات بحماية القطارات والسكك الحديدية والمرافق العامة، كما شاركت في نقل المهاجرين اليهود غير الشرعيين.

منظمة الهاجاناه
"الهاجاناه" كلمة عبرية تعني "الدفاع"، وهي منظمة عسكرية صهيونية استيطانية، أُسِّست في القدس عام 1920 لتحل محل منظمة الحارس. وجاء تشكيلها ثمرة نقاشات طويلة بين قيادة التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، فكان جابوتنسكي صاحب فكرة تأسيس مجموعات عسكرية يهودية علنية تتعاون مع سلطات الانتداب البريطاني، بينما كان قادة اتحاد العمل والماباي يفضلون خلق قوة مسلحة غير رسمية مستقلة تماماً عن السلطات البريطانية وسرية بطبيعة الحال. وقد قُبل في النهاية اقتراح إلياهو جولمب بإنشاء منظمة عسكرية سرية تحت اسم "هاجاناه وعفودا" أي "الدفاع والعمل" ثم حُذفت كلمة العمل فيما بعد. وقد ارتبطت الهاجاناه في البداية باتحاد العمل ثم بحزب الماباي والهستدروت، رغم أن ميثاقها كان يصفها بأنها فوق الحزبية، وأنها عصبة للتجمع الاستيطاني الصهيوني. وعَكَس نشاط الهاجاناه الارتباط الوثيق والعضوي بين المؤسسات الصهيونية الاستيطانية والمؤسسات العسكرية والزراعية التي تهدف إلى اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج، وإن كان اهتمامها الأساسي قد انصب على العمل العسكري. وفي عام 1929، شاركت الهاجاناه في قمع انتفاضة العرب الفلسطينيين، وقامت بالهجوم على المساكن والممتلكات العربية ونظَّمت المسيرات لاستفزاز المواطنين العرب وإرهابهم. كما ساهمت في عمليات الاستيطان، وخصوصاً بابتداع أسلوب "السور والبرج" لبنـاء المســتوطنات الصهيونية في يوم واحد. وبالإضـافة إلى ذلك، قامت الهاجاناه منذ تأسيسها بحماية المستعمرات الصهيونية وحراستها.
وقد تعرَّضت الهاجاناه لعدة انشقاقات كان أبرزها عام 1931 عندما انشق جناح من غير أعضاء الهستدروت بقيادة أبراهام تيهومي وكوَّن تنظيماً مستقلاً سُمِّي "هاجاناه ب"، وهو الذي اندمج مع منظمة بيتار في العام نفسه لتشكيل منظمة إتسل. ولم تتوقف عمليات الصراع والمصالحة بين الهاجاناه والجماعات المنشقة عنها، واستمر الخلاف بشكل مستتر حتى بعد قيام الدولة.
وقد شَهدت سنوات الانتفاضة العربية في فلسطين (1936 ـ 1939) تعاوناً كبيراً بين الهاجاناه وقوات الاحتلال البريطاني، وبرز التعاون بخاصة مع تعيين تشارلز وينجيت ضابطاً للمخابرات البريطانية في فلسطين عام 1936، حيث أشرف على تكوين الفرق الليلية الخاصة والسرايا المتحركة التابعة وتنسيق الأنشطة بين المخابرات البريطانية وقسـم المخابرات بالهاجاناه والمعروف باســم «الشـاي». وفي الوقت نفسه، تعاونت القوات البريطانية والهاجاناه في تشكيل شرطة حراسة المستوطنات اليهودية والنوطريم، وكان معظم أفرادها من أعضاء الهاجاناه. وقد مرت العلاقة بين الطرفين بفترة توتر قصيرة في أعقاب صدور الكتاب الأبيض عام 1939 حيث واجهته الهاجاناه بتشجيع الهجرة غير الشرعية لليهود، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدَّى إلى استعادة علاقات التحالف القديمة، إذ اعتبرها الصهاينة بمنزلة فرصة لاستغلال التناقضات بين الأطراف المتصارعة وتحقيق مشروعهم المتمثل في إقامة الدولة الصهيونية. وهكذا وقفت الهاجاناه إلى جانب بريطانيا والحلفاء وانضم كثير من أعضائها إلى اللواء اليهودي للقتال في صفوف القوات البريطانية، وتصدت بشدة للجماعات الصهيونية الأخرى التي طالبت آنذاك بالانضمام إلى النازي وفي مقدمتها منظمة ليحي، بل أمدت السلطات البريطانية بما تحتاجه من معلومات لتَعقُّب عناصر تلك المنظمة واعتقالها. وفي المقابل، ساعدت بريطانيا في إنشاء وتدريب القوة الضاربة للهاجاناه المسماة "البالماخ"، كما نظمت فرقة مظليين من بين أعضاء الهاجاناه للعمل في المناطق الأوربية التي احتلتها قوات النازي. ومع انتهاء الحرب، تَفجَّر الصراع من جديد فشاركت الهاجاناه مع ليحي وإتسل في عمليات تخريب المنشآت البريطانية ونسف الكباري وخطوط السكك الحديدية وهو ما أُطلق عليه "حركة المقاومة العبرية" كما نشطت من جديد جهود الهاجاناه في مجال الهجرة غير الشرعية.
وقبيل إعلان قيام دولة إسرائيل، كان عدد أعضاء الهاجاناه يبلغ نحو 36.000 بالإضافة إلى 3000 من البالماخ، كما اكتمل بناؤها التنظيمي، الأمر الذي سهَّل عملية تحويلها إلى جيش موحد ومحترف للدولة الصهيونية، حيث أصدر بن جوريون في 31 مايو 1948 قراراً بحل الإطار التنظيمي القـديم للهاجاناه وتحويلها إلى جيـش الدفاع الإسرائيلي. ولا شك في أن حجم الهاجاناه واتساع دورهـا بهـذا الشكـل يبين أهمية المؤسسة العسكرية لا في بناء إسرائيل فحسب بل في اتخاذ القرارات المتعلقة بمختلف المجالات فيها أيضاً.

وحدات البالمـــاخ
"البالماخ" اختصار للعبارة العبرية "بلوجوت ماحاتس"، أي "سرايا الصاعقة"، وهي القوات الضاربة للهاجاناه التي شُكِّلت عام 1941 لتعمل كوحدات متقدمة وقادرة على القيام بالمهام الخاصة أثناء الحرب العالمية الثانية، وذلك بالإضافة إلى إمداد الهاجاناه باحتياطي دائم من المقاتلين المدربين جيداً. ويُعَدُّ يتسحاق ساريه مؤسسها الفعلي وأول من تولى قيادتها.
وقد ارتبطت البالماخ منذ البداية بحركة الكيبوتس وحزب المابام. وقد تميَّز أفراد هذه القوات بدرجة عالية من التثقيف السياسي الذي يركز على مبادئ الصهيونية العمالية. كما تلقوا تدريباً مناسباً في مجالات الطيران والبحرية واستخدام الرادار وأعمال المخابرات. وقد شكَّلت البالماخ عدة وحدات لتقسيم العمل داخلها، ومن أبرز تلك الوحدات: «دائرة الجوالين» التي تولت بالتعاون مع مصلحة المعلومات إعداد ملفات تتضمن معلومات تفصيلية عن القرى الفلسطينية، و«الدائرة العربية» التي شاركت في الحملة البريطانية ضمن قوات حكومة فيشي في سوريا ولبنان، و«الدائرة البلقانية» التي تكونت من بعض اليهود المهاجرين من دول البلقان والدانوب، للقيام بأعمال التجسس داخل هذه البلدان، و«الدائرة الألمانية» التي ضمت عدداً من اليهود الذين تم تدريبهم ليكتسبوا النمط الألماني في السلوك بالإضافة إلى إجادة اللغة الألمانية وذلك للتسـلل إلى معسـكرات الأسـرى الألمان والحصول منهم على معلومات. ومن أهم وحدات البالماخ، «وحدة المستعربين» (بالعبرية: المستعرفيم) التي ضمت عناصر تجيد اللغة العربية ولديها إلمام بالعادات والتقاليد العربية، وذلك للتغلغل في أوساط الفلسطينيين والحصول على معلومات تتصل بأوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقيام بعمليات اغتيال للعرب. وقد عملت البالماخ خلال عامي 1941 و1942 بتنسيق تام مع القوات البريطانية في فلسطين، وتلقى أفرادها تدريباً مكثفاً على أيدي خبراء الجيش البريطاني للقيام بعمليات خلف الخطوط الألمانية في حالة نجاح قوات النازي في احتلال فلسطين.
وعند نهاية الحرب، كانت البالماخ تضم نحو 2000 فرد موزعين على 11 سرية، وكان ثلث القوات تقريباً من الفتيات. ومنذ خريف 1945 وحتى صيف 1946، شاركت البالماخ ـ بالتعاون مع إتسل وليحي ـ في أعمال عسكرية ضد القوات البريطانية في فلسطين شملت نسف خطوط السكك الحديدية والكباري ومحطات الرادار، وإغراق السفن البريطانية وغير ذلك من أعمال التخريب فيما عُرف باسم حركة المقاومة العبرية. ومع تصاعُد الصدام بين الطرفين، واكتشاف القوات البريطانية عدداً من مخازن السلاح الرئيسية للهاجاناه، صدرت الأوامر للبالماخ بتوجيه جهودها نحو تشجيع الهجرة الشرعية إلى فلسطين وتأمينها.
وفي عام 1948، كانت البالماخ القوة الرئيسية التي تصدت للجيوش العربية في الجليل الأعلى والنقب وسيناء والقدس، وخسرت في تلك المعارك أكثر من سدس أفرادها البالغ عددهم آنذاك نحو 5000.
وعقب قيام إسرائيل مباشرةً، وكانعكاس للصراع السياسي بين الماباي والمابام، ظهر إصرار بن جوريون على حل البالماخ التي كانت في نظره تمثل اتجاهاً يسارياً، وذلك من أجل تأسيس الجيش المحترف المستقل عن الأحزاب. وقد أدَّى ذلك إلى خلافات شديدة، إلا أن قيادة البالماخ قَبلت في النهاية، وعلى مضض، مسألة الحل هذه. شكّلت البالماخ القوام الأساسي لقوات الصاعقة في جيش الدفاع الإسرائيلي، ومن بين صفوفها ظهر أبرز قادة إسرائيل العسكريين من أمثال آلون ورابين وبارليف وإليعازر وهور.

منظمة إتسل
"إتسل" اختصار للعبارة العبرية "إرجون تسفاي ليومي بإرتس إسرائيل" أي "المنظمة العسكرية القومية في أرض إسرائيل" وتُعرف أيضاً باسم "الإرجون". وهي منظمة عسكرية صهيونية تأسَّست في فلسطين عام 1931 من اتحاد أعضاء الهاجاناه الذين انشقوا على المنظمة الأم وجماعة مسلحة من بيتار، وكان من أبرز مؤسسيها: روبرت بيتكر ـ الذي كان أول رئيس للمنظمة ـ وأبراهام يتهومي (سيلبر) وموشي روزنبرج ودافيد رازئيل ويعقوب ميردور. وقد بُنيت المنظمة على أفكار فلاديمير جابوتنسكي عن ضرورة القوة اليهودية المسلحة لإقامة الدولة، وعن حق كل يهودي في دخول فلسطين. وكان شعار المنظمة عبارة عن يد تمسك بندقية وقد كُتب تحتها "هكذا فقط".
وفي عام 1973، توصَّل رئيس إتسل آنذاك أبراهام يتهومي إلى اتفاق مع الهاجاناه لتوحيد المنظمتين، وأدَّى ذلك إلى انشقاق في إتسل حيث لم يوافق على اقتراح يتهومي سوى أقل من نصف الأعضاء البالغ عددهم 3000، بينما رأت الأغلبية ضرورة الحفاظ على استقلال المنظمة. وفي عام 1940، حدث الانشقاق الثاني بخروج جماعة أبراهام شتيرن التي شكلت فيما بعد منظمة ليحي نظراً لاختلافهم بشأن الموقف الواجب اتخاذه من القوى المتصارعة في الحرب العالمية الثانية، حيث رأى أعضاء شتيرن ضرورة تدعيم ألمانيا النازية لتُلحق الهزيمة ببريطانيا ومن ثم يتم التخلص من الانتداب البريطاني على فلسطين ويصبح بالإمكان تأسيس دولة صهيونية، في حين اتجهت المنظمة الأم إلى التعاون مع القوات البريطانية وبخاصة في مجال المخابرات.
وحتى عام 1939، كانت أنشطة إتسل موجهة بالأساس ضد الفلسطينيين. وبعد صدور الكتاب الأبيض، أصبحت قوات بريطانيا في فلسطين هدفاً لعمليات تخريبية من جانب المنظمة فضلاً عن قيامها بتشجيع الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية توقفت أنشطة إتسل ضد القوات البريطانية، وبدأ التعاون بينهما للتصدي للنازي. إلا أن الصدام سرعان ما تكرر من جديد عقب انتهاء الحرب، حيث تزايد التنسيق بين إتسل وليحي والهاجاناه لضرب المنشآت البريطانية في فلسطين ضمن ما أُطلق عليه «حركة المقاومة العبرية». وخلال تلك الفترة، أخذ دور مناحم بيجين ـ زعيم إتسل الجديد ـ في البروز بشكل واضح.
وكان للعمليات الإرهابية التي قامت بها إتسل ضد المزارعين الفلسطينيين دور كبير في إرغام بعض هؤلاء المزارعين على مغادرة البلاد. كما لجأت المنظمة إلى الهجوم على السيارات العربية المدنية، ونفذت بالتعاون مع ليحي وبمباركة الهاجاناه مذبحة دير ياسين الشهيرة في 9 أبريل 1948.
وبعد قيـام إسرائيل، أُدمـجت المنظمة في جيش الدفاع الإسـرائيلي، بعد مقاومة من جانبها لهذا الدمج، ويُعَد حزب حيروت امتداداً لأيديولوجيا المنظمة الإرهابية. وقد كرَّم الرئيس الإسرائيلي قيادات إتسل في نوفمبر 1968 تقديراً لدورهم القيادي في تأسيس دولة إسرائيل.

منظمة ليحي
"ليحي" اختصار العبارة العبرية "لوحمي حيروت يسرائيل" أي "المحاربون من أجل حرية إسرائيل"، وهي منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها أبراهام شتيرن عام 1940 بعد انشقاقه هو وعدد من أنصاره عن إتسل. وقد أطلق المنشقون على أنفسهم في البداية اسم "إرجون تسفاي ليومي بإسرائيل" أي " المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل"، تمييزاً عن اسم المنظمة الأم، ثم تغيَّر فيما بعد إلى "ليحي". ومنذ عام 1942، أصبحت المنظمة تُعرَف أيضاً باسم مؤسسها شتيرن بعد مقتله على أيدي سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين. وقد تركزت الخلافات التي أدَّت إلى الانشقاق حول الموقف الواجب اتخاذه من القوى المتصارعة في الحرب العالمية الثانية، حيث اتجهت إتسل إلى التعاون مع بريطانيا، بينما طرحت جماعة شتيرن الوقوف إلى جانب ألمانيا النازية للتخلص من الاحتلال البريطاني لفلسطين ومن ثم إقامة الدولة الصهيونية.
ورغم أن ليحي لم تر هتلر إلا بوصفه قاتل اليهود، إلا أنها بررت لنفسها ـ حسب قول شتيرن ـ "الاستعانة بالجزار الذي شاءت الظروف أن يكون عدواً لعدونا"! واعتبرت ليحي أن الانضمام لجيش العدو البريطاني يُعَدُّ جريمة، وسعت في المقابل للاتفاق مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وإن كان سعيها قد باء بالفشل. ونفذت المنظمة بعض العمليات التخريبية ضد المنشآت البريطانية بالإضافة إلى عمليات السلب كما حدث في السـطو على البنك البريطاني الفلسـطيني في سبتمبر 1940. ووصل هذا النشاط إلى ذروته باغتيال اللورد موين ـ المفوض البريطاني بالقاهرة ـ في نوفمبر 1944. وقد أدَّى كل هذا إلى صدامات بين ليحي وإتسل من ناحية، وبينها وبين الهاجاناه من ناحية أخرى، حيث تعاونت الهاجاناه مع السلطات البريطانية في مطاردة أعضاء ليحي واعتقالهم.
ولإبراز أهدافها وترويج مبادئها، أصدرت المنظمة دوريتين هما: "هافريت" أي "الجبهة"، و"هاماس" أي "العقل"، درجت على توزيعهما في أوساط التجمع الاستيطاني الصهيوني وأعضاء إتسل والبالماخ. كما أصدرت مجلة داخلية سُمِّيت "بمحتريت" أي "في العمل السري"، واعتمدت أيضاً على الدعاية الإذاعية، وكانت قد استولت عند انشقاقها على جهاز البث التابع لإتسل. والواقع أن مبادئ ليحي كانت أقرب إلى الشعارات الإنشائية منها إلى البرنامج السياسي، "فشعب إسرائيل" ـ كما تُعرِّفه ـ هو "شعب مختار، خالق دين الوحدانية، ومُشرِّع أخلاقيات الأنبياء، وحامل حضارات العالم، عظيم في التقاليد والبذل، وفي إرادة الحياة"، أما "الوطن" فهو "أرض يسرائيل في حدودها المفصلة في التوراة (من نهر مصر وحتى النهر الكبير ـ نهر الفرات) هي أرض الحياة يسكنها بأمان الشعب العبري كله". وتمثلت أهداف المنظمة في "إنقـاذ البـلاد، وقيـام الملكوت (مملـكة إسرائيل الثالثة)، وبعث الأمة"، وذلك عن طريق جَمْع شتات اليهود بأسرهم وذلك بعد أن يتم حل مشكلة السكان الأجانب (أي العرب) بواسطة تَبادُل السكان.
وقد تعرضت ليحي لعدة صراعات وهزات داخلية بدأت بعد أشهر من تشكيلها بانسحاب اثنين من أبرز المؤسسين هما هانوخ قلعي وبنيامين زرعوني، وقد انضما إلى إتسل ثم انسحبا فيما بعد وسلّما نفسيهما للسلطات البريطانية. وجاءت الأزمة الثانية بعد مقتل شتيرن، إذ ألقت السلطات البريطانية القبض على عشرات من أعضاء المنظمة وحصلت منهم على اعترافات مهمة تتضمن أسماء زملائهم ومخابئ السلاح. وكادت هذه الأزمات أن تؤدي إلى تصفية المنظمة تماماً، إلا أنها استعادت قوتها بانضمام مجموعة من بيتار بزعامة يسرائيل شيف عقب هجرتهم من بولندا إلى فلسطين عام 1942، وكذلك بعد نجاح اثنين من قادتها هما يتسحاق شامير وإلياهو جلعادي في الهرب من السجن عام 1942، ثم نجاح نيثان فرديمان ـ يلين (مور) ومعه 19 من قادة ليحي في الهرب من السجن أيضاً عام 1943. إلا أن صراعاً نشب من جديد بين شامير وجلعادي بسبب اختلاف الآراء حول توجهات المنظمة، وقد حُسم الصراع لصالح شامير إذ تمكَّن من تدبير مؤامرة لاغتيال منافسه في رمال حولون.
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، شاركت ليحي مع كلٍّ من الهاجاناه وإتسل في العمليات المضادة للسلطات البريطانية ضمن ما سُمِّي "حركة المقاومة العبرية". واستمر نشاط ليحي حتى بعد تَوقُّف الحركة عام 1946. كما شاركت في الهجوم على القرى والممتلكات العربية ونفذت مع إتسل ـ وبمباركة الهاجاناه ـ مذبحة دير ياسين الشهيرة في 9 أبريل 1948. وبعد إعلان قيام إسرائيل، حُلَّت ليحي مع غيرها من المنظمات العسكرية وأُدمجت في جيش الدفاع الإسرائيلي. ومع هذا، ثارت شكوك قوية حول مسئوليتها عن اغتيال برنادوت. ومع حل المنظمة، فشلت مساعي تحويلها إلى حزب سياسي. وتقديراً للدور الإرهابي للمنظمة، قررت الحكومة الإسرائيلية احتساب سنوات الخدمة فيها عند تقدير مكافآت الخدمة والمعاشات للموظفين، كما حصلت أرملة شتيرن على وشاح التكريم الذي أهداه رئيس إسرائيل زلمان شازار إلى كل المنظمات والمجموعات التي شاركت في جهود تأسيس الدولة.
ورغم تباين الآراء حول دور ليحي، وما تخلعه بعض الكتابات الصهيونية عليها من أوصاف "الخيانة" نظراً لموقفها من النازي، فإن الوقائع التاريخية تؤكد أن المنظمة لم تَحد عن الطريق الصهيوني المعتاد في القيام بدور الأداة لهذه القوة الإمبريالية أو تلك. ولم يكن الأسلوب الانتهازي في التحالف مع الجزار وقفاً على ليحي وحدها، والحقيقة أن موقفها في ذلك لا يزيد عن تعاون هرتزل مع الوزير القيصري بليفيه (المسئول عن المجازر ضد اليهود في روسيا القيصرية)، أو اتفاق جابوتنسكي مع بتليورا الأوكراني المعروف بعدائه لليهود إبان الثورة البلشفية، أو عرض حاييم وايزمان التعاون مع إيطاليا الفاشية في مجال الصناعات الكيماوية مقابل تسهيل مرور اللاجئين اليهود عبر الموانئ الإيطاليـة، أو اتفاق الهعفـراه بين الوكالة اليهوديـة وألمانيا النازية.

منظمة شتيرن
منظمة عسكرية صهيونية أسسها أبراهام شتيرن، وكانت تُسمَّى «ليحي» ثم سُمِّيت باسم مؤسسها بعد مقتله.

وحدات المستعربون (المستعرفيم)
"المستعرفيم" كلمة عبرية تعني "المستعربون" وهي وحدات عسكرية سرية صهيونية كانت تعمل في فلسطين والبلاد العربية المجاورة منذ عام 1942، وكان هدف هذه الوحدات، التي كانت آنئذ جزءاً من البالماخ، الحصول على معلومات وأخبار، والقيام بعمليات اغتيال للعرب من خلال تَسلُّل أفرادها إلى المدن والقرى العربية متخفين كعرب محليين. وكانت وحدات «المستعرفيم» تجنِّد في المقام الأول، من أجل عملياتها السرية، اليهود الذين كانوا في الأصل من البلاد العربية. واعترف شيمون سوميخ، الذي كان قائداً في المستعرفيم خلال السنوات 1942 ـ 1949، بأن الاغتيال كان جزءاً من عمل الوحدات السرية المبكرة.
وقد تم بعث فرق المستعرفيم عام 1988 لمواجهة الانتفاضة وكانت تنقسم إلى قسمين: "الدُّفْدُفان" (الكراز) وقد أسسها إيهود باراك (رئيس حزب العمل ورئيس الأركان السابق)، والأخرى تعمل في غزة واسمها السري "شمشون". وهدف فرق المستعرفيم هو التسلل إلى الأوساط الفلسطينية النشيطة في الضفة والقطاع، والعمل على إبطال نشاطها أو تصفيتها. وعادةً ما يستقل أعضاء هذه الفرق سيارات غير عسكرية تحمل اللوحات الخاصة بالضفة الغربية أو قطاع غزة ويرتدون ملابس مدنية صنعت محلياً أو ألبسة عربية تقليدية. وقد يرتدي الجنود الشعر الاصطناعي والعكازات المزيفة والثياب الفضفاضة لإخفاء الأسلحة (كانت الأزياء التنكرية في بداية الأمر تشمل التنكر كصحافيين أجـانب إلى أن قدَّمت جمعية الصحافة الأجنبـية احتجاجاً رسمياً). وعــادةً ما يجــيد أحـد أعضاء الوحدة الخاصة اللغة العربية. وتقوم وحدات المستعرفيم بالتنسيق والتخطيط مع وحدات أخرى من الجيش ومع جهاز الشين بيت الذي يوفر المعلومات والخلفيات في شأن الضحية المقصودة. ويتم دعم هذه الوحدة من أعلى درجات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

اللـواء اليهـودي
"اللواء اليهودي" وحدة عسكرية يهودية تُسمَّى بالعبرية "هاهايل". شُكِّلت بقرار من الحكومة البريطانية عام 1944 لتقاتل أثناء الحرب العالمية الثانية في صفوف قوات الحلفاء، إلا أن جذورها تعود إلى عام 1939 حينما رأى قادة التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين أن هناك إمكانية لتحقيق الحلم الصهيوني المتمثل في إقامة الدولة عن طريق مساعدة الحلفاء أثناء الحرب. وقد تطوع في العام نفسه نحو 130.000من المستوطنين اليهود في فلسطين للقتال ضد دول المحور.
وكان لجهود حاييم وايزمان في لندن، وموشى شرتوك (شاريت) في القـدس، دور مهم في إقناع بريطانيا بفكرة تكوين قوة مســلحة يهودية، فسمحت الحكومة البريطانية ليهود فلسطين عام 1940 بالانضمام إلى كتيبة كنت الشرقية، ومن ثم ظهرت 15 سرية يهودية خاصة نُظِّمت بين عامي 1942 و1943 في شكل ثلاث كتائب مشاة ليشـكلوا "الوحدة الفلسـطينية" التي تولت أعمال الحراســة في برقة ومصر. وقد استمرت عملية الضغط على الحكومة البريطــانية لتكوين القوة اليهــودية المســلحة. وفي الولايات المتحدة، تبنت المنظمة الحاخامية قرارات تدعو الرئيس روزفلت لإقناع بريطانيا بتحقيق هذا المطلب. ورداً على الحجة البريطانية بعدم كفاية الأسلحة، اقترح مجلس الطوارئ الصهيوني الأمريكي تسليح القوة اليهودية بأسلحة أمريكية طبقاً لقواعد الإعارة والتأجير.
وبعد تأسيسه، أمضى اللواء اليهودي فترة تدريب في برج العرب القريبة من الإسكندرية في أكتوبر 1944، ثم انضم بعدها إلى الجيش الثامن البريطاني في إيطاليا حيث قاتل ضد قوات المحور. وقد أسهم اللواء اليهودي في تنظيم هجرة يهود أوربا إلى فلسطين. ومع انتهاء الحرب وتصاعُد الصدام بين بريطانيا من ناحية والمنظمات العسكرية الصهيونية من ناحية أخرى، وتشكيل هذه المنظمات لما عُرف باسم "حركة المقاومة العبرية"، بدأ اللواء اليهودي في إصدار نشرة نصف أسبوعية ثم أصدر نشرة أخرى يومية. وقد انتقدت هذه النشرات سياسة الانتداب البريطاني في فلسطين، وهو ما حدا ببريطانيا إلى اتخاذ قرار بحل اللواء اليهودي في صيف عام 1946 وإعادة رجاله إلى فلسطين حيث انضموا إلى التنظيمات العسكرية الصهيونية القائمة آنذاك. وقد ظهر من بين صفوف اللواء اليهودي عدد من القادة العسكريين في إسرائيل مثل مردخاي ماكليف وحاييم لاسكوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل