الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (23).. التطهير العرقي في فلسطين أعوام (47-48-49)19 (ج1)

خالد أبو شرخ

2011 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


(( ملاحظة أولية : حتى لا نُتَهم بالإبتعاد عن الموضوعية والإنحياز والترويج للروايات العربية فقط, إعتمدنا في مبحثنا هذا على الكتابات الإسرائيلية, مثل مذكرات "بن غوريون", وكتاب " التطهير العرقي في فلسطين " للمؤرخ الإسرائيلي "إيلان بابه", وكتاب " طرد الفلسطينين" للمؤرخ الإسرائيلي "بني موريس", وكتاب " ميلاد إسرائيل " للمؤرخ الإسرائيلي "....", وكتابات جنود وضباط إسرائيليين شاركوا في حرب عام 1948م . ))

التطهير العرقي في فلسطين أعوام (47-48-49)19م (ج1) .

شكل إمتلاك الأراضي والإستيطان عليها, الهدف الأول للحركة الصهيونية, فإمتلاك الأراضي العنصر الحاسم لإقامة الدولة اليهودية, فبدون الأرض, لا وطن قومي يهودي, ولا دولة يهودية.
منذ بداية نشوئها لجأت الحركة الصهيونية, لشتى الأساليب والوسائل لشراء الأرض, والإستيلاء عليها, ولكن بعد نصف قرن, أقرت بعجز تلك الوسائل, وفشلت في تملك مساحة من الأراضي, يمكن إقامة دولة عليها, وقد عبر أكثر من مسؤول في الحركة الصهيونية عن هذا الفشل, فـ " بن تسيفي " ثاني رئيس لدولة إسرائيل قال متسائلا :" إذا كان اليشوف (يهود فلسطين) وبعد خمسين سنه من الإستيطان لم يشتر سوى 5% من الأرض فكم من الوقت يلزم للحصول على 80% ... أوافق على الأساس هو التهجير من الأرض لخلق مكان للإستيطان " .
أما رئيس دائرة الأراضي في الصندوق القومي اليهودي " يوسف فايتس ", فكتب في مذكراته :" من دون إتخاذ خطوات لترحيل السكان العرب فلن يكون بإمكاننا أن نحل قضيتنا عبر شراء الأراضي".
إذن إقتلاع أهالي البلاد, كان الخيار الذي لجأت له الحركة الصهيونية, من أجل تملك الأراضي في فلسطين, وتراوحت أفكار الإقتلاع, بين الترحيل الطوعي, الذي يمزج بين الإغراءات والمضايقات ( الإقتصادية والمعيشية ووجود فرص أفضل في بلدان أخرى), وبين الترحيل القسري إستنادا إلى القوة البريطانية, وأخيرا الترحيل القسري بإستخدام القوة العسكرية اليهودية.

في أيار من عام 1946م وضعت القيادة الصهيونية, خطة عُرفت بإسم "خطة أيار", تقضي بإخلاء القرى العربية من سكانها ومسحها عن وجه الأرض, وطُبقت هذه الخطة أول مرة, في 11/1/1947م ( أي قبل قرار التقسيم وإندلاع الحرب العربية الإسرائيلية) على قرية "عرب سكرير" العربية, ومسحت القرية عن الوجود, وجرى الحديث عن يومها عن إزالة قرية أخرى بعد إقتلاع أهلها, هي قرية "أبو كبير" بالقرب من مدينة يافا, حسب ما ذكر المؤرخ الإسرائيلي " بني موريس" في كتابه " طرد الفلسطينين".

بنت الحركة الصهيونية قوة عسكرية, قادرة على إنجاز هدف الإستيلاء على الأرض, وإقتلاع سكانها منها, ولكن المتغيرات الدولية والإقليمية المحيطة, فرضت عليها إيجاد مبررا لإستخدام أداتها العسكرية لتحقيق أهدافها.
مشروع التقسيم, ومشروع برنادوت, وإمكانية إقامة سلام مع الدول العربية, كانت جميعها تضع حدا لطموحات الحركة الصهيونية, بالإستيلاء على 80% من أراضي فلسطين, خالية من السكان العرب.
فعلى الرغم من الموقف المعلن, بالموافقة على قرار التقسيم, كان ذلك يعني التخلي عن الجليل الغربي.
قبول مشروع برنادوت, يعني التنازل عن النقب, وقبول عودة اللاجئين .
إقامة سلام مع العرب, يعني تقديم إسرائيل ثمنا كبيرا, حتى لو قبلت الأمم المتحدة, تعديل حدود قرار التقسيم, على أساس مكتسبات الحرب .
فلم يكن أمام الأطماع الصهيونية سوى خيار الحرب, والتمسك بما يتم إنجازه على الأرض, فهما الأكثر وعدا بالنسبة لها.
وحسب المؤرخ الإسرائيلي " إيلان بابه " :" القوة العسكرية التي بنتها الصهيونية كانت ملائمه وكافية لتنفيذ هدفين , الأول: الإستيلاء على كل فلسطين, وإقتلاع الفلسطينين منها, والثاني: صد جميع المحاولات التي قد تقوم بها أي قوات عربية لغزو الدولة اليهودية بما فيها الأراضي المخصصة للدولة العربية).
على الرغم من معرفة القيادة الصهيونية, وبن غوريون تحديدا أن التهديدات العربية ومواقفها المعلنة, لا تعدو كونها صخبا إعلاميا, هدفه تملق الشارع العربي, بينما المواقف الحقيقية والغير معلنه كانت على العكس من ذلك تماما, والتطمينات العربية كانت تصل تباعا للقيادة الصهيونية, بالتزام العرب بقرار التقسيم, بل وتجاوزت قرار التقسيم, بالموافقة الهاشمية على منع قيام دولة فلسطينية, حيث كان الملك عبدالله بن الحسين يأمل, بضم أراضي الدولة العربية لمملكته, من أجل إقامة الأردن الكبير, ومنه ينطلق لإعادة توحيد سوريا الكبرى (حلم الهاشميين), بدعم من الدولة اليهودية الموعودة.
إلا أن بن غوريون والحركة الصهيونية, رأت أن التهديدات العربية الكلامية المعلنة, والرفض العربي المعلن لقرار التقسيم, الفرصة الملائمه للوصول إلى تحقيق هدف الحرب.

إستغلت الدعاية الصهيونية التهديدات العربية الكلامية, لإقناع أوروبا والأمريكتين, بأن خطر نازية جديدة, يهدد "اليشوف" (يهود فلسطين ), وإنها بحاجة إلى مساندة عالمية لصد هذا الخطر, وتمثلت المساندة في تزويد اليشوف, بصفقات سلاح وبالمتطوعين من مختلف الكفاءات العسكرية, إضافة إلى المال والضغط السياسي والمساندة المعنوية والأدبية والإعلامية ....الخ .
روجت الدعاية الصهيونية, أن الموقف الشعبي الفلسطيني يتساوق مع الموقف الرسمي, غير حقائق الأمور, تفند الدعاية الصهيونية, وهذا ما يكشفه المؤرخ " إيلان بابه ", من إنزعاج القيادة الصهيونية, من ردة الفعل الشعبية الفلسطينية اللامبالية, حيث بدا الفلسطينين أثناء إضراب الثلاثة أيام, والذي دعت إليه الهيئة العربية العليا, إحتجاجا على قرار التقسيم, تواقين للعودة للحياة الطبيعية, وعادوا إليها بعد إنتهاء الإضراب مباشرة, وأبدوا رغبة في عدم التورط في حرب مع العصابات الصهيونية, فقد كان قرار التقسيم, وإقامة دولة يهودية في فلسطين, بالنسبة للفلسطينيين تماما مثل الإنتداب البريطاني, والحكم العثماني, أي أنتقال من حالة إلى حالة, أو من إستعمار إلى إستعمار آخر, وانتظروا ليروا ما سيعني لهم أن يكونوا جزءا من دولة يهودية, بل أن بعض الأسر إنتقلت للعيش في مدن وقرى تقع في الأراضي المخصصة للدولة العربية.
وبدا واضحا لامبالاة الفلسطينيين بموقف الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني, بالفتور الذي قابل به الشباب الفلسطيني, دعوة المفتي للإنخراط في جيش الجهاد المقدس, حيث لم ينخرط به سوى أربعة آلاف مقاتل من أصل مليون ومائتي ألف فلسطيني, هم تعداد الشعب الفلسطيني حينذاك.
أما على صعيد موقف الأحزاب السياسية الفلسطينية, فقد روجت الصهيونية, والكتابات العربية المنافقة للانظمة الرجعية, أن الشيوعيين هم وحدهم فقط من قبل بقرار التقسيم, وفي حقيقة الأمر, أن الاحزاب السياسية الفلسطينية الرئيسية حينذاك ( " الإستقلال " و " الدفاع " و " الإصلاح " و " عصبة التحرر الوطني (تنظيم الشيوعين)") قد قبلت بقرار التقسيم, وبدأت تستعد للتعايش معه, ولكن لم يجاهر بالموافقة العلنية, سوى " عصبة التحرر الوطني", بينما تحفظت الأحزاب الأخرى, عن المجاهرة بموقفها بسبب عنف الهيئة العربية العليا, ورغم ذلك كانت تستعد على قدم وساق, للتعايش مع قرار التقسيم, لتكون جزءا من أحزاب الدولة العربية الموعودة.

كانت العودة السريعة إلى الحياة الطبيعية, ورغبة الفلسطينيين في عدم التورط في حرب مع العصابات الصهيونية, أربكتا القيادة الصهيونية, والتي كانت بحاجة إلى ذريعة للبدء بحملة التطهير العرقي, وكانت طاقة الفرج إعتداء قامت به عصابة عربية تسمى " عصابة أبو كشك " بدوافع إجرامية عشائرية, على حافلة ركاب يهودية, وهو الحادث الذي أجمعت كتب التاريخ اليهودي على أنه شكل بداية الحرب .

روجت الدعاية الصهيونية أن الحرب كانت دفاعية من جانبها, وأنها السبب الرئيسي والمباشر لقضية اللاجئين الفلسطينين, غير أن كتابات المؤرخون الإسرائيليون الجدد تنفي الرواية الصهيونية من أساسها.
يُقَسِم المؤرخون الإسرائيليون الجدد الحرب إلى مرحلتين, المرحلة الأولى وتسمى الحرب "الفلسطينية – اليهودية", وبعض المؤرخين يسمونها "الحرب الأهلية", وهي بدأت مع صدور قرار التقسيم من 29/11/1948م وحتى 15/5/1948م, والمرحلة الثانية مع بدء دخول الجيوش العربية يوم 15/5/1948م, وتسمى الحرب "العربية- الإسرائيلية" .
من قراءة المؤرخون الإسرائيليون الجدد لوقائع الحرب, ومواقف القيادة الصهيونية نلاحظ أن :
• كانت القيادة الصهيونية وعلى مدى سنين طويلة, قد أعدت جيشا قادرا, على القيام بمهامه الهجومية, وعبأت المجتمع اليهودي والبنية التحتية للمستوطنات اليهودية لحالة الحرب, وأعلنت التعبئة العامة والخدمة الإلزامية, وأعدت ميزانية حرب, وعلاقات محلية ودولية ملازمة لحالة الحرب .
• كانت القوات اليهودية وحسب المؤرخ " إيلان بابه " نحو 50 ألف جندي, منهم 30 ألف مقاتل, والباقون إحتياطي يعيشون في المستوطنات, بالمقابل كان هناك قوة فلسطينية شبه عسكرية, لا يتجاوز تعدادها 7 آلاف مقاتل, يفتقدون للهيكيلية أو الهرمية القيادية, مجهزون تجهيزا رديئا قياسا بالقوات اليهودية, ويضيف " إيلان بابه ": " أن القوة العسكرية اليهودية الرئيسية تشكلت أساسا من الأرغون وشتيرن .
• إستندت إستراتيجية القوات اليهودية على الهجوم, مقابل إستراتيجية الدفاع التي إتبعتها القوات العربية, وفي إحد إجتماعات الهيئة الإستشارية للقيادة الصهيونية علق " إلياهو ساسون " :" إن عدد المتطوعين العرب الذين دخلوا اليلاد لم يتجاوز حتى اللحظة الثلاثة آلاف وتلقوا تدريبا سيئا ... إذا لم نستفزهم فلن يقوموا بأي نشاط, وستكف الدول العربية عن إرسال المزيد منهم" , وعلق " يغال آلون " بضرورة القيام بعمليات تطهير واسعة النطاق بناءا على المعطيات التي قدمها " إلياهو ساسون " .
• إلتزم كلا من جيشي الجهاد المقدس والإنقاذ (المتطوعين العرب بقيادة فوزي القاوقجي) إستراتيجية الدفاع, ولم تدخل قواتهما المناطق المخصصة للأراضي اليهودية, فقد كانت التعليمات واضحة لفوزي القاوقجي قائد جيش الإنقاذ من قبل الزعامات العربية بعدم دخول أراضي الدولة اليهودية رغم التصريحات النارية التي كانوا يطلقونها للأستهلاك المحلي في بلدانهم.
• في إطار إستراتيجية الدفاع التي إتبعها كلا من جيشي الإنقاذ والجهاد المقدس, قام القاوقجي بتجزئة قواته إلى وحدات صغيرة, وإرسالها إلى أكثر ما يمكن من المدن والبلدات والقرى التي تتعرض لهجمات القوات اليهودية, وبأسلوب أقرب إلى أسلوب "الفزعة" أي النجدة الطارئة, وعندما أدرك القاوقجي عدم قدرته على حماية القرى والمدن العربية, وتنفيذ المهمة المرسل من أجلها من قبل الجامعة العربية, ألا وهي الحفاظ على الأراضي المخصصة للدولة العربية, حاول التفاوض مع الهيئة الإستشارية للقيادة الصهيونية من أجل الوصول إلى هدنه, إلا ان الهيئة الإسشارية الصهيونية رفضت ذلك
• في مارس عام 1948م ( بعد صدور قرار التقسيم وقبل دخول الجيوش العربية), أجرت القيادة الصهيونية تطوير وتحديث لخطة أيار, عرفت هذه التطوير بإسم " خطة دالت " أو " د " بالعربية, تضمنت إشارة مباشرة إلى مساحة الدولة اليهودية المرغوبة, (80% من أرض فلسطين كما يشتهيها بن غوريون), وإشارات إلى مصير مليون فلسطيني قاطنين داخل هذه المساحة, حيث ورد في الخطة :" العمليات يمكن تنفيذها على النحو التالي : إما بتدمير القرى عن طريق إحراقها ونسفها وزرع الألغام بين الأنقاض وخصوصاً المراكز السكانية التي يصعب السيطرة عليها بثورة دائمة, وإما بالقيام بعمليات تمشيط وسيطرة وفقا للتوجهات التالية: في حالة حدوث مقاومة يجب إبادة القوات المسلحة وطرد السكان إلى خارج حدود الدولة " .
وعن تطبيق خطتي ( أيار ودالت ) كتب المؤرخ الإسرائيلي "إيلان بابه" في كتابه :" قبل صدور الأوامر بتنفيذ خطة دالت كانت ثلاثون قرية فلسطينية قد إختفت عن الوجود, وما بين 30/3/1948م و 5/5/1948م ( أي قبل دخول الجيوش العربية) تم إحتلال وتدمير وطرد سكان 200 قرية فلسطينية".
• في إطار إستراتيجية الهجوم التي إتبعتها القوات اليهودية, عمدت إلى قذف القرى الفلسطينية, بقنابل المدفعية بعيدة المدى, وبالطائرات ومدافع الدبابات والهاون, في الوقت الذي كانت القرى شبه خالية من السلاح وخالية من قوات " الجهاد المقدس" أو جيش الإنقاذ " .
• من أجل إخلاء القرى من سكانها العرب, إتبعت القوات اليهودية إستراتيجية الهجوم على القرى من ثلاث جهات, وترك الجهة الرابعة لخروج المواطنين وإخلاء القرية .
• الكثير من القرى التي هوجمت, كانت قد عمدت إلى عقد معاهدات سلام, مع المستوطنات اليهودية المجاورة, ولكن هذا لم يحمها ولم يرحمها من بطش القوات الصهيونية, ومنها قرية " دير ياسين " صاحبة المجزرة الشهيرة, والتي كانت قد وقعت معاهدة عدم إعتداء مع جيرانها اليهود عام 1942م, أي قبل المذبحة بستة أعوام, ولكن موقعها الجغرافي ضمن المناطق التي عينتها خطة "دالت" لأهدافها جعلها تلقى مصير شقيقاتها, من القرى العربية على يدي عصابات الأرغون وليحي , ونفس المصير كان من نصيب جميع القرى الفلسطينية, التي وقعت معاهدات عدم إعتداء مع المستوطنات اليهودية, وكانت ضمن المناطق التي تضمنتها خطة " دالت " مثل قرية " بلد الشيخ " قرب حيفا, وقرى مدينة يافا, وقرية " الدوايمة " في قضاء الخليل, والتي أكتشفت مجزرتها عام 1984م أي بعد 36 عاما, وعلى يد الصحفي الإسرائيلي " يوئيل هارشيفي ", حيث أن الجيش الأردني عمد إلى إخفاء هذه المجزرة تجنبا للإحراج, لأنها جرت تحت سمعه وبصره في 28/10/1948م .
• إستراتيجية الهجوم الإسرائيلية لم تقتصر على حشد القوات العسكرية بأسلحتها المتفوقه, بل لجأت إلى إستراتيجية الحرب الإعلامية والنفسية, ففي أحيان كثيرة لجأت القيادة الصهيونية على نشر أخبار المجازر التي تقع في القرى والمدن, وما حدث بها من قتل وتشريد وإغتصاب وهتك أعراض ونسف بيوت وتدمير البنية التحتية, لإشاعة الرعب بين صفوف المواطنين الفلسطينيين لحثهم على الهرب والخروج من قراهم .
• في عملية إفراغ المدن من سكانها, لجأت القيادة الصهيونية, إلى إستراتيجية الحرب الإقتصادية, حيث عمدت إلى عزل وتجويع المدن العربية, تمهيدا لإحتلالها وإفراغها من سكانها, وإعتمدن هذه الإستراتيجية إلى تدمير قواعد المدنية الفلسطينية, من خلال إحتلال وتفريغ القرى المحيطة بها, مما يؤدي إلى قطع الإمدادت الغذائية لها,ومنع وصول المواد الخام من خلال تدمير وسائل النقل, وحصار المدينة برا وبحرا, وفي هذا السياق كتب "بن غوريون" إلى "شرتوك" ( "شاريت" فيما بعد ):" حيفا ويافا تحت رحمتنا... نستطيع تجويعهم ... نقلهم أصبح ممكنا... العوامل الهامة في حياتهم تحت رحمتنا ", وكتب في مذكراته يصف نجاح هذه الخطة في تفكيك المناطق المدنية:" الهدف الإستراتيجي الذي جرى تحديده لجيش الدفاع تمثل في تدمير المجتمعات المدنية التي كانت أكثر تنظيما والأعمق وعيا سياسيا بين قطاعات السكان الفلسطينيين, لم يتحقق هذا الهدف بالقتال من بيت لبيت داخل البلدات والمدن, هذه التقنية قادت إلى إنهيار وأستسلام حيفا, يافا, طبريا, عكا, بيسان, صفد, اللد, الرملة, مجدل عسقلان, بئر السبع, ... الحرمان من وسائل النقل والطعام والمواد الخام أوصل المجتمعات المدنية إلى التحلل والفوضى والجوع الذي دفعهم إلى الإستسلام والرحيل".
عن سقوط مدينة يافا, كتب المؤرخ " بني موريس " :" سبب آخر وراء هجرة أهالي يافا, هو توقف الخدمات البلدية, الفوضى العارمة, السلب, النهب, الإغتصاب, القتل دون تمييز, ظل الوضع في المدينة يزداد سوءا حتى وصل إلى درجة اليأس, في الخامس من أيار عام 1948م, وفي 12 أيار إنتهى الإنتداب ولم يبق في يافا, سوى خمسة آلاف مواطن, وقعت عنهم لجنة الطواريء صك الإستسلام ", أي أن يافا قد تم تهجير اهلها قبل إنتهاء الإنتداب البريطاني ودخول الجيوش العربية, وبدون أن تهاجم أي مستوطنة يهودية .
• مع نهاية المرحلة الأولى للحرب أي الحرب الفلسطينية_ اليهودية, فقط إثنتا عشر مستوطنة يهودية تعرضت لهجوم جيشي الإنقاذ والجهاد المقدس, بينما تلقى عدد كبير من بين ال300 مستوطنة إشعارات صداقة وحسن جوار من جيرانها العرب على حد تعبير المؤرخ الإسرائيلي " سمحا فلابان " في كتابه " ميلاد إسرائيل " .
• بإنتهاء الحرب الفلسطينية_ اليهودية, كانت القوات اليهودية قد فرضت سيطرتها على جميع الأراضي المخصصة للدولة اليهودية بإستثناء النقب, وأحتلت أجراء واسعة من الأراضي المخصصة للدولة العربية, ودمرت ما يقارب من ثلاثمائة قرية ومدينة وأخلتها من مواطنيها الفلسطينيين وطردتهم خارج الحدود, أي أن قرار التقسيم قد أصبح حقيقة واقعة, مع تعديلات ديموغرافية فرضتها القوات اليهودية بالقوة بطرد الفلسطينيين .
• كما إلتزم كلا من جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس, بإستراتيجية الدفاع وعدم دخول الأراضي المخصصة للدولة اليهودية, إلتزمت الجيوش العربية الخمسة التي دخلت فلسطين في أيار من العام 1948م نفس الإستراتيجية, وإلتزمت بالدفاع عن ما تبقى من الأراضي المخصصة للدولة العربية .
• زعامات عربية منها الملك "عبدالله بن الحسين", وقيادات مصرية قدمت تعهدات للقيادة الصهيونية بعدم تجاوز قواتها لخطوط التقسيم, وعدم مبادرتها لشن هجمات ضد القوات الصهيونية, وإلتزمت القوات العربية بالأوامر البريطانية وإعلان بريطانيا وفرنسا وقف إمدادات السلاح لأتباعها, والقيود على إستخدامه ضد القوات اليهودية, مما جعل من إستراتيجية الدفاع العربية غير فعالة.
• منعت القوات العربية وخاصة الأردنية, الفلسطينيين من حمل السلاح, ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل قام الجيش الأردني, وبأوامر من قائده البريطاني "غلوب باشا" بجمع الأسلحة من المناطق, التي تواجد بها الجيش الأردني,
• في الجولة الأولى من الحرب العربية_ الإسرائيلية, ما بين 15/5/1948م وحتى 11/6/1948م, وسعت إسرائيل رقعة دولتها مرة أخرى, على حساب أراضي الدولة العربية ودمرت حوالي مئة قرية وبلدة إضافية, وحسب المؤرخ " فلابلان" وبناءا على معطيات من أرشيف المخابرات الإسرائيلية وجيش الدفاع الإسرائيلي, تقول :" حتى حزيران 1948م غادر البلاد أكثر من 390 الف عربي من كلا جانبي مناطق التقسيم, المخصصة لليهود وللعرب, والتي إحتلها اليهود", ويجب أن نلاحظ هنا أن هذا الرقم يعكس ما نسبته 50% من مجموع اللاجئين, حيث رحل رقم مماثل من البلاد بعد ستة أشهر من هذا التاريخ .
• نتائج الحرب بمرحلتيها وحسب المؤرخ " بني موريس " : تدمير وإفراغ 370 قرية فلسطينية, وترك الفلاحين الفلسطينيين خلفهم نحو ثلاثة ملايين دونم, من الأراضي الزراعية, وإتساع رقعة الدولة اليهودية من 56% من مجموع أراضي فلسطين الإنتدابية إلى 78% منها, ورغم ذلك رفضت القيادة الصهيونية تحديد حدود لدولة إسرائيل, فمن الواضح أنهم لم يكتفوا بـ 78% من مساحة فلسطين, وفي هذا الصدد كتب بن غوريون :" أمامكم الإعلان الأمريكي للإستقلال ليس به أي ذكر للحدود, ولسنا ملزمين بتعيين حدود الدولة ... ليست المسألة مسألة إحتفاظ بالوضع الراهن فعلينا أن نقيم دولة غير متجمده, دولة ديناميكية تتجه نحو التوسع " .
• لم تتوقف عمليات الطرد وإفراغ المدن والقرى من سكانها العرب بإنتهاء الحرب العربية_ الإسرائيلية, بل إستمرت بعدها بسنوات, حيث إتبعت القيادة الصهيونية سياسة "الترانسفير الهادئ", والتي إعتمدت على عدة مرتكزات منها :
1. قانون الأحكام العرفية, وإخضاع الفسطينين الذين بقوا في ديارهم للأحكام العسكرية, وما ينتج عنه من تضييق عليهم في الحركة والعمل وسبل العيش, وإعتقالهم لمجرد الشبه.
2. تشريع قانون أملاك الغائبين, ثم قانون أملاك الحاضر الغائب, بهدف التحايل في المصادرة والإستيلاء على الأراضي والبيوت وإستملاكها وإستثمارها بطرق توصف بالقانونية .
نجحت هذه الإجراءات في دفع كثيرين لطلب الهجرة, وبلغ هذا النجاح ذروته, في تهجير أهالي مدن ( مجدل عسقلان, والفالوجة, وعراق المنشية ) .

روجت إسرائيل و الحركة الصهيونية أسطورة, أن الفلسطينيين تركوا قراهم وأملاكهم وبيوتهم للفرار بأنفسهم, أو إستجابة لنداءات الزعماء العرب, ولإفساح المجال أمام حركة الجيوش العربية, وإدعت أجهزة الدعاية الصهيونية أن فرار الفلسطينيين, مرده إنعدام وجود ورابط لهم بأرض فلسطين, ولا جذور ضاربة لهم في هذه الأرض .
المؤرخ الإسرائيلي " سمحا فلان " فند الأسطورة الصهيونية :" هناك مئات الآلاف جرى تخويفهم وإرعابهم, هربوا في حالة ذعر فيما طرد غيرهم بأيدي الجيش اليهودي, والذي كان تحت قيادة بن غوريون, الذي خطط ونفذ عمليات الطرد أثر قرار التقسيم " .

ترك الفلسطينيون خلفهم أملاكهم وبيوتهم ومتاجرهم ومزارعهم ومدخراتهم البنكية ...الخ, وكانت ذلك بمثل الغنيمة الدسمة للدولة اليهودية الناشئة, ولكنها كانت بحاجة لإعطاء الرأي العام العالمي مبررات تسهل عليها إلتهام هذه القيمة الكبرى, في زمن يرفض قانونية وأخلاقية غنيمة الحرب هذه, وعن رفض إسرائيل رفض عودة اللاجئين والإستيلاء على أملاكهم موضوع الجزء الثاني من مبحثنا .

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الاحبة
خالد أبو شرخ ( 2011 / 9 / 17 - 12:41 )
بعد التحية
حدث خطا مطبعي في السطر الرابع من الملاحظة الأولية وذلك في عدم كتابة أسم مؤلف كتاب - ميلاد إسرائيل - وهو المؤرخ الإسرائيلي - سمحا فلابان- فأقتضى التنوية
ولكم تحياتي


2 - قدر الشعب الفلسطيني
كنعان الكنعاني ( 2011 / 9 / 18 - 12:39 )
تحياتي للسيد الكاتب
ورد في المقال
-وبدا واضحا لامبالاة الفلسطينيين بموقف الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني, بالفتور الذي قابل به الشباب الفلسطيني, دعوة المفتي للإنخراط في جيش الجهاد المقدس, حيث لم ينخرط به سوى أربعة آلاف مقاتل من أصل مليون ومائتي ألف فلسطيني, هم تعداد الشعب الفلسطيني حينذاك-
عبر تاريخ الصراع الطويل قدم الشعب الفلسطيني كما هائلا من التضحيات قياسا بعدده. ولكن ما يؤلم حقيقة هو أنه وبعد مرور ستين عاما لا زلنا نفتقد للعقليه الجمعيه والرؤيه الوحدويه في أبسط مقوماتها في ما يخص لب القضيه. قدر الشعب الفلسطيني أن يكون ضحية الجغرافيا ولكن كذلك ضحية إرث تاريخي طويل من تلقائية ردة الفعل وتفرد من يصل إلى الدوائر المتنفذه بالشأن العام. دمت بخير


3 - الى السيد كنعان الكنعاني
خالد أبو شرخ ( 2011 / 9 / 18 - 15:23 )
بعد التحية
في تناولنا في قضية عدم انخراط الشباب الفلسطيني في جيش الجهاد المقدس لا نقصد النيل من الشعب الفلسطيني ولامبالاته بقضيته, بل رفضه لقيادة الحاج أمين الحسيني الذي كان يعيش عزلة عربية ودولية وفلسطينية حينذاك بسبب تورطه بعلاقة مع النازية, من ناحية وعدم رغبة الفلسطينين في التورط في حرب مع العصابات الصهيونية من ناحية أخرى, فلم يكن احدا يتوقع او يعرف حجم المخطط التي خططت له الصهيونية باقتلاعه من ارضه.
كما ان حتى لو قدرلجيش الجهاد المقدس ان يضم عشرات الالاف من الشباب ما كان له ان يحقق انتصارا فقد افتقد هذا الجيش للعده وللتدريب واكن يجمع على اسا من هو قادر على حمل السلاح فقط, في الوقت التي كانت القوات اليهودية مجهزة باحدث الاسلحة ولا هرمية قيادية ومستعدة لخوض الحرب
لا احد ينكر حجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني ولكن ارتجالية القيادة الفلسطينية حينذاك اضاعت الكثير من الفرص تجاه شعبنا ولنا في هذا مباحث اخرى


4 - القران
دعوة للحب والسلام ( 2011 / 9 / 21 - 15:16 )
لا ادري ما المانع من عيش اليهود والفلسطنيين في سلام وهدوء

فنحن المفروض في زمن اختلف عن الماضي المشحون بالكراهية والبغض

لا ادري ما هي المشكلة من ان تكون دولة يعيش فيها البشر بسلام تحت اي مسميات

انظروا مثلا في التوراة والقران بيعترفوا ان تلك الاراض ربنا امر اليهود ان يسكنوا فيها
ويعيشوا فيها

واي انسان يخالف القران هو مخالف لاوامر الله

القران نفسه اخبر نا ان الله امر اليهود ان تدخل تلك القرية


اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم